آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-05:21م

أخبار وتقارير


تقرير في الصحيفة الورقية: حكومتان و3مجالس قضائية.. من يزوّد؟

الأربعاء - 18 أغسطس 2021 - 07:25 ص بتوقيت عدن

تقرير في الصحيفة الورقية: حكومتان و3مجالس قضائية.. من يزوّد؟

القسم السياسي

القسم السياسي لصحيفة عدن الغد 
تقرير يتناول مصير القضاء بعد شهور من التعطيل في ظل توجيهات رئاسية بفتح المحاكم والنيابات..

 

هل نحن على أعتاب سلطتين قضائيتين مختلفتين؟

ما الذي يعنيه وجود جهاز قضائي تابع للشرعية وآخر يتبع الانتقالي؟

هل انتقل الصراع السياسي إلى ساحات القضاء وبات يهدد قضايا الناس؟

كيف ستدار العملية القضائية في مناطق الشرعية ومناطق الانتقالي؟

ما يحدث من انقسام هل يؤكد أن القضاء سيكون مسيسا ويفقد استقلاليته ونزاهته؟

لأي قانون ستخضع المحاكم.. القانون اليمني أم ستجير القوانين لصالح كيانات سياسية؟

 

السلطة القضائية.. انقسام وتسييس!

 

(عدن الغد) القسم السياسي:

الاستقلال طبيعة حتمية وأساسية لمؤسسة القضاء في أي دولة من العالم، وعلى مر العصور أيضا، ومتى ما تداخل القضاء مع غيره من السلطات فإنه يفقد هذه الميزة.

حينها يصبح القضاء مجرد أداة بيد السياسيين والكيانات السياسية، يوجهها أنى شاء، ولا يقع ضحية هذا التسييس سوى المواطن البسيط الذي يتوه في أروقة المحاكم والنيابات باحثا عن حقوقه.

ويبدو أن القضاء في اليمن بدا يخطو خطواته الأولى نحو فقد أهم ما يملكه أي قضاء في الكون، وهي الاستقلالية التي تلطخت بشوائب السياسة.

فمنذ يناير/كانون الأول من العام الجاري، سيطرت على المؤسسة القضائية اليمنية الكثير من التجاذبات التي حركتها رغبات سياسية واضحة.

كانت بداية الشرارة، تعيين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي نائبا عاما للجمهورية، بداية العام 2021، قابله رفض كبير وحاد من نادي القضاة الجنوبي، الذي رأى أن النائب العام الجديد غير منتم للسلطة القضائية.

النادي الجنوبي للقضاة والذي كان على وفاق سابق مع مجلس القضاء الأعلى اليمني، كفر بهذا الأخير، وحمل مجلس القضاء مسئولية الكثير من التجاوزات القانونية التي حدثت حتى قبل قرار تعيين النائب العام الجديد.

وتحول العداء ظاهرا بين النادي الجنوبي ومجلس القضاء الأعلى، لكن لم يخرج من صفته القانونية، التي تعتبر "أمرا صحيا"، حيث أعلن الأول إضرابا شاملا عن العمل في المحاكم والنيابات.

لكن هذا الاضراب لم يكن ناعما، ومضى بقوة السلاح بعد استغلال النادي للقوات الأمنية والعسكرية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي في إغلاق المحاكم، ومنع القضاة الرافضين للإضراب من العمل.

حينها فقط، تجسدت المماحكات السياسية، وتحول الصراع من صفته القضائية إلى الصفة السياسية غير الصحية.

حيث لم يعد موضوع تعيين نائب عام للجمهورية من خارج السلطة القضائية هو مربط الفرس، بل ظهرت مشكلات قانونية أخرى بين نادي القضاة ومجلس القضاء.

 

شهور من الإضراب

بقوة السلاح، ولإضراب قسري وقهري مفروض على كثير من القضاة، تعطلت مصالح المواطنين وقضايا الناس، الذين دفعوا وحدهم ثمن المماحكات والتجاذبات السياسية، التي طالت حتى القضاء.

واستمرت مصالح الناس معطلة لمدة قاربت سبعة شهور، حيث بدأ نادي القضاة الجنوبي الإضراب في فبراير/شباط الماضي، واستمر حتى اليوم.

وعقب التأثيرات التي طالت الأبرياء، ممن تعرقلت مصالحهم وتأخر البت في قضاياهم كان لا بد من التدخل لعودة سير العمل في المحاكم والنيابات.

وجاء هذا التحرك من الرئيس اليمني الذي وجه، خلال الأيام الماضية، محافظ عدن بفتح المحاكم والبت في قضايا الناس.

لكن توجيهات الرئيس اليمني بدأت بالتنفيذ بطريقة مختلفة تماما، تنذر بحدوث معضلة كبيرة، تؤثر على استقلالية القضاء، وسير العمل في المحاكم.

 

نادي القضاة يرفع الإضراب

طريقة تنفيذ توجيهات الرئيس كانت مفاجئة، بعد أن أعلن نادي القضاة الجنوبي، العودة التدريجية لعمل المحاكم والنيابات وفتح أبوابها في المحافظات الجنوبية؛ لحل القضايا العالقة؛ والتي كان سببها إغلاق المجمع القضائي والنيابات بقوة السلاح منذ أشهر.

وقال النادي في بيان أصدره الاثنين، إنه سيقوم بتسيير وإدارة شئون السلطة القضائية في عدن والمحافظات الجنوبية، بعد رفض سلطات الدولة مطالب النادي.

وكان نادي القضاة الجنوبي قد أوقف العمل في المحاكم والنيابات منذ فبراير/شباط الماضي، بعد تعيين الرئيس اليمني، في يناير/كانون الثاني نائب عام للجمهورية من خارج السلطة القضائية وينتسب للمؤسسة العسكرية، بحسب النادي.

وفي يونيو/حزيران قدم النادي رؤية خاصة قال إن هدفها إصلاح السلطة القضائية، إلا أن الرئاسة والحكومة اليمنية لم تستجب لها.

وبناءً على ذلك، أشار نادي القضاة، إلى أنه سيلجأ "مضطراً" لإدارة شئون السلطة القضائية بعيداً عن مجلس القضاء الأعلى؛ حرصاً منه للحفاظ على السلطة القضائية من الانهيار الكامل بسبب مجلس القضاء الأعلى المتسبب الرئيسي في كل ذلك، وحتى يبقى للقانون سيادته وقوته ولا تُفقد مكانته في تسيير شئون العامة، بحسب البيان.

كما قرر النادي تشكيل هيئة عليا "مؤقتة" لإدارة شئون السلطة القضائية، تسمى (الهيئة العليا لإدارة شئون السلطة القضائية)، من رؤساء محاكم ونيابات الاستئناف في محافظات جنوب اليمن، وأعضاء التفتيش والمكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي.

وقرر البيان رفع الإضراب عن العمل في عموم المحاكم والنيابات بشكل جزئي، تسهيلاً للمواطنين والتخفيف من معاناتهم، ومباشرة القضاة في المحاكم والنيابات يومي الأحد والاثنين من كل أسبوع، للنظر في القضايا المستعجلة.

كما تضمن القرار عدم التعامل أو القبول بأي قرارات أو توجيهات أو أوامر من قبل رؤساء الهيئات القضائية بمجلس القضاء الأعلى.

وبقاء الوضع كما هو عليه في المجمع القضائي ومكتب النائب العام بعدن، ونقل مقرات شعب محكمة استئناف عدن ومحكمتي الإدارية والمرور الابتدائيتين والنيابات الابتدائية المتواجدة في المجمع القضائي "مؤقتاً" إلى أماكن أخرى يتم ترتيبها بنظر الهيئة العليا.

بالإضافة إلى تكليف رؤساء محاكم ونيابات الاستئناف في المحافظات بالجلوس مع المحافظين ومدراء الأمن بمحافظاتهم لتوفير الحماية الأمنية لمقرات المحاكم والنيابات أثناء عملها.

 

سلطتان قضائيتان

فحوى البيان الصادر عن نادي القضاة الجنوبي يحمل في طياته اهتماما بقضايا الناس المعلقة، وهو اهتمام متأخر استمر شهورا، دفع ثمنه المواطنون.

لكن البيان حمل دلالات خطيرة، تشير إلى أن الاستقلالية القضائية في طريقها إلى التلاشي، بفعل العمل في المحاكم والنيابات داخل عدن، وبعض محافظات الجنوب ستكون بمنأى عن مجلس القضاء الأعلى التابع للشرعية اليمنية.

وكون نادي القضاة الجنوبي أقرب في التبعية للمجلس الانتقالي فإن المشهد القضائي سيكون عبارة عن انقسام جلي وواضح في السلطة القضائية.

وهذا يعني أن أعلى سلطة في أي دولة من دول العالم باتت متشرذمة ومنقسمة في اليمن، مثلها مثل أعلب مؤسسات الدولة، كالجيش والأمن والبنك المركزي.

بيان نادي القضاة أعلاه أكد أنه سيدير المحاكم بعيدا عن سلطة الحكومة الشرعية، وهذا ما دفع عددا من الحقوقيين إلى التحذير من اللجوء لقوانين تكرس وسيتم تجييرها لصالح كيانات سياسية.

كما أن التحذير مرتبط بتوجيه الأحكام لصالح متنفذين ينتمون لهذا الفصيل أو ذاك، على حساب حقوق المواطنين، خاصة وأن هناك توجها بأن قانون السلطة القضائية اليمنية لن يكون حاضرا في المحاكم والنيابات في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي ونادي القضاة.

باعتبار أن المجتمع في المحافظات الجنوبية من اليمن على موعد مع قوانين تطبق في محاكم ونيابات خاضعة للشرعية اليمنية، وقوانين أخرى تنفذها كيانات قضائية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي أو مؤيدة له على الأقل.

 

السياسة تحاصر القضاء

انتقال الصراع السياسي إلى ساحات القضاء يهدد مصالح الناس ويجعل حقوقهم على المحك، تتحكم بها الأهواء السياسية بدلا من النظام والقانون.

فبمجرد أن تدخل السياسة- بصفتها سلطة تنفيذية- عالم القضاء فإن الفساد الموجود في السياسة ينتقل تلقائيا إلى ساحة ينبغي أن تكون نزيهة ومستقلة مثل ساحة القضاء.

غير أن قيم النزاهة والاستقلالية لا تبدو حاضرة في التحول الذي ينتظر المحاكم والنيابات في عدن وما جاورها من محافظات تخضع للانتقالي ومؤسساته القضائية.

ولن يكون هناك خاسر سوى المواطن البسيط، الذي ينتظر البت في قضاياه، وينشد العدل الذي ما زال متفرقا ومشتتا في البلاد، تماما كما هي القوى السياسية مشتتة ومتفرقة.