آخر تحديث :الأحد-24 نوفمبر 2024-05:12ص
أخبار وتقارير

تقرير تاريخي يرصد حياة المناضل محمد صالح مطيع يافعي وزير الخارجية في دولة الجنوب 

الثلاثاء - 17 أغسطس 2021 - 05:35 م بتوقيت عدن
تقرير تاريخي يرصد حياة المناضل محمد صالح مطيع يافعي وزير الخارجية في دولة الجنوب 
(عدن الغد) خاص :

مطيع ذئب الجبل الذي غدروا به الرفاق

رصد / محمد حسين الدباء:

كشف رئيس الوزراء السابق حيدر أبو بكر العطاس خفايا خطيرة عن الدولة
القائمة في جنوب اليمن قبل العام 1990.، ففي لقاء مع قناة العربية بث
الجمعة الماضية كشف العطاس خفايا واسرار مرحلة من تاريخ الجنوب، وقدم
مذيع العربية العطاس على انه آخر رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطية
الشعبية قبل العام 1990.

خلال اللقاء استذكر العطاس واقعة اعدام محمد صالح مطيع الذي كان يشغل
منصب وزير الخارجية يومها، وقال العطاس: "إن مطيع كان من أنجح الوزراء
وإن واقعة إعدامه كانت غامضة جدا"، مضيفا أن "مطيع أعدمه المكتب السياسي
ودون أي محاكمة"، مشيرا الى ان ما حدث كان خطأ سياسي فادح، نافيا أن يكون
مطيع ارتكب أي خطأ، مشيرا الى أن السبب الحقيقي هو محاولته الانفتاح على
الدول المحيطة.

وفي هذا التقرير سنتناول قصة محمد صالح مطيع الذي لقب ذئب الجبل الذي
غدروا به رفاقه وسمي أيضا ثعلب الجزيرة والخليج



الميلاد والنشأة

ولد المناضل الثوري محمد صالح مطيع في منطقة القعيطي بيافع العليا في
قرية سرو حمير في 1940، لأسرة قبلية عريقة، فقيرة المال، وثرية الجاه،
وذات مكانة اجتماعية مؤثرة.

وكان شعاره: (الموت من أجل المبادئ، والحياة من أجل الثورة) وكان يردد
دائما: (عوَى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذْ عوَى ** وصوّت إنسانٌ فكدتُ
أطيرُ).

درس في قريته القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وأكمل دراسته الثانوية في
المعهد الفني بالمعلا بعدن، كان مفخرة شبابه، وزينة زمنه،  وكان سابقا
فعلا لزمنه وأقرانه، وكان يأخذ قدوته من أفاضل معلميه وأساتذته.

كان محافظا على دينه وإسلامه، برغم التربية الحزبية للقوميين العرب التي
كانت لا تهتم بالدين والماركسية التي لا تعير اهتماما للمسألة الدينية،
بل وتحاربها، كان يمارس طقوس دينه سرا حتى لا يتهم بالرجعية والتحريفية
أو اليمينية أو الانتهازية اليسارية.

ومن البداية كان الرجل يتلقى مع الماركسيين حول الثورة ويحتفظ لنفسه
بمسافات طويلة من الاعتقاد بقوانين السماء وقيم الأرض، وكان وطنيا معتدلا
في تفكيره، ولم يكن مندفعا باتجاه الحلول الماركسية، برغم التربية
الحزبية القومية ثم الماركسية التي يعتنقها قبائل الماركسية حتى الذين
يجهلون القراءة والكتابة.



نضاله الثوري.. وتطلعه الوطني

كانت أول عملية يقوم بها هي ضرب الإذاعة العربية، التابعة للإدارة
البريطانية في التواهي في مارس 1965، وكانت من أكبر العمليات الفدائية
الناجحة، التي انتشر بعدها أسلوب العمل المسلح ضد الإدارة البريطانية
ومنشئاتها، (وكان مطيع المناضل المقدام، مطلوبا من الادارة البريطانية
حيا أو ميتا).

وعندما تبنت الجمهورية العربية المتحدة حركة النضال المسلح في صيف 1965
حيث فتحت لها مكتبا متخصصا لشؤون الجنوب ودعمه، استطاع مناضلي الجبهة
القومية في هذه الفترة بدعم من المكتب العربي المصري أن يحصلوا على دورات
عسكرية في تعز للتدريب على حرب العصابات.

وكان محمد صالح مطيع من أوائل الملتحقين بهذه الدورات مع رعيل من
المناضلين من جميع جبهات القتال (عدن بفروعها، ردفان، الضالع، حالمين،
الشعيب، ثم المنطقة الوسطى، وتشمل دثينة وبعض مناطق أبين).

تولى محمد صالح مطيع بعد انتهاء الدورة مسئولية العمل الفدائي في عدن
وكان يشكل مع سالم ربيع على وهو زميله في الجبل ايقاع ثنائي متناغم
لتسيير وقيادة العمل المسلح.

وفى 13 يناير عام 1966 حدث الدمج بين الجبهة القومية والفصائل الوطنية
الأخرى وقامت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، فعارضها القوميون العرب
وعناصر الجبهة القومية الملتزمين للحركة ومن بينهم مطيع فعارضوا الدمج
وسياسة الجمهورية العربية المتحدة فحرموا من الدعم المالي والعسكري وجمد
نشاطهم واشتعلت مدينة عدن وضواحيها بحرب العصابات كما اشتعلت جميع مناطق
جبهات القتال الأخرى.

في هذا الوقت كان المناضل محمد صالح مطيع أسير أشواقه للثورة، والتزامه
بعدم الخروج على رفاقه، فجاع مع من جاع وتشرد مع من تشرد، ولكنه بقى
صامدا وبدراسة شخصيته الوطنية النقية استطاع الجهاز العربي أن ينتشله
ويبعده عن رفاقه المتعصبين بدورة عسكرية إلى القاهرة , في صيف 1966 .



مهمات ومناصب مطيع

تقلد السيد محمد صالح مطيع بعد الاستقلال وزارة الداخلية، وكانت هذه
الوزارة سيئة السمعة، فنأى الرجل بنفسه عن التورط في أية مهمات تتعلق
بالتنكيل بالناس ومطاردة المناضلين وتلفيق التهم، حتى أنهم استنكروا عليه
ذلك، كان الرجل مرنا وحكيما في تبريره، كان يقول "لا نريد يا رفاق أن
نحمل الثورة أحقادا وضغائن واتهامات للناس بدون وجه حق، إلا حق الثورة
فإننا لا نتهاون فيه".

وظل يخلص الناس بطريقة غير مباشرة عن تهم تلفق لهم فيوجه مساعديه بإطلاق
سراح هؤلاء الأبرياء، وعندما اكتشفوا أن الرجل ليس رجلهم المبتغى عملوا
على إسناد وزارة الخارجية إليه.. لماذا؟!!، لأنه ليس لديهم كادرا أو
كفاءات لشغل منصب وزارة الخارجية فأسندوا إليه المنصب في عهد سالمين، وظل
الرجل محافظا على إيقاعات الوسطية والكياسة في التعامل مع الدول العربية
الشقيقة المتخوفة من نزعات واندفاعات.

الصبية في الجبهة القومية باتجاه الماركسية والشيوعية، فهدأ بطريقته
الخاصة رفاقه من عدم التمادي في إشعال التصريحات النارية في الوقت الذى
كان يجسد أمام دول الخليج بالذات والسعودية مبدأ التعاون والتعامل الأخوي
الصادق، لمصلحة بلاده وبلادهم وترتب على ذلك إقناع المملكة العربية
السعودية والكويت والإمارات بفتح صفحة جديدة مع اليمن الجنوبى.

وعندما رأى الرفاق نجاحه في مهمته واستئثاره بإشادة الأخوة العرب بمرونته
وتفهمه، سلطوا عليه حقدهم وغيرتهم وعدائهم لدرجة التآمر القاتل.



التطبيع الأخوي مع الجوار.. كان التهمة

وذات مرة في عام 1981 زار المملكة العربية السعودية واتفق معهم على تطبيع
العلاقات غير العادية بين بلاده وبلدانهم، ونتيجة لصراع الرفاق على
المناصب العليا من جهة أخرى فقد حصل صراع بين على عنتر وزير الدفاع وبين
محمد صالح مطيع وزير الخارجية على تقلد منصب رئيس الوزراء الذى كان مرشحا
له مطيع بقوة، وهذا الخلاف تحول إلى صراع بين على عنتر الذى كان مع مطيع
صفا واحدا وبين الأخير إلى درجة أن عنتر أصر على التخلص من مطيع، فزج به
إلى المعتقل بناءً على قرار من المكتب السياسي، ولفقت له تهمة التآمر
لصالح دولة عربية، وهى ( المملكة العربية السعودية ) حيث تنصتوا على
مكالمة تليفونية بينه وبين وزير خارجة السعودية، يذكره فيها بالنقاط التي
اتفقوا عليها، فكانت هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير، وكانت هي حجتهم
باتهامه بالتآمر مما أدى إلى اعتقاله لمدة 8 شهور بدون محاكمة.

وتحدث  فضل النقيب في أحد تحليلاته: "جرى تلفيق تهمة الخيانة الوطنية له
من قبل (الرفاق) المنتصرين الذى سيفرغون بعد مقتله للتربص ببعضهم البعض
وصولا إلى مذابح 1986 التي جرت على الهوية، وكأن المواطنون في نظام
(الأبارتيد) العنصري الذى لم يعرف مثل تلك البشاعات"، مضيفا "أما كيف تم
تنفيذ حكم الإعدام فأمر تشمئز منه النفوس والأبدان، فقد قيل لمطيع ما
رأيك في القيام بجولة حول عدن؟ وقد صعد إلى جانب السائق الذى كان مسئولا
أمنيا كبيرا وفى الخلف صعد أحد عتاة القتلة وهو إرهابي دولي معروف.."

وفى الطريق – والكلام لازال للنقيب – "أخرج الإرهابي سلكا من جيبه وخنق
بواسطته المناضل محمد صالح مطيع حتى الموت في طريقة مستفادة من عتاولة
المافيا".

رحم الله مطيع فقد كان مناضلا شريفا ونزيها، ولكن رفاقه غدروا به، لأنهم
كانوا يخشون ذئب الجبل كخشية بعضهم بعضا، لأن التآمر، كان ديدنهم وأسلوب
حياتهم اليومية، من أجل تخلص بعضهم من بعض للوصول إلى السلطة.