آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-06:10ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. المسمار الأخير في نعش سواحل عدن .. كارثة بيئية وشيكة

الإثنين - 02 أغسطس 2021 - 04:57 م بتوقيت عدن

(تقرير).. المسمار الأخير في نعش سواحل عدن .. كارثة بيئية وشيكة

عدن(عدن الغد )خاص:

تقرير/ عبد اللطيف سالمين

أثناء ذهابي لسواحل البريقة للسباحة في الأيام الماضية،  لفت انتباهي بروز طبقة سوداء تطفو على امتداد واسع من سطح البحر حتى الساحل استغربت مما يحدث وعدت الدراجي للمنزل للبحث في الأمر، و لدهشتي من كمية التلوث الممنهج لبحار المدينة منذ سنين عدة.

 إهمال واسع ومتعدد 

 ‏ولطالما عرفت سواحل مديرية البريقة بعدن بنقائها وصفائها، هذا النقاء تلوث ببقع زيت غزت السواحل اثر غرق السفينة "ديا بوم" مما تسبب بتسريب أطنان من الزيوت الملوثة للبيئة البحرية.

 إهمال واسع ومتعدد يطال سواحل عدن التي لطالما عرفت

 بالجمال الخلاب الذي جعلها تتربع على عرش جمال لسواحل في في المنطقة العربية ومزارا سياحيا يأتي إليها الناس من كل مكان في اليمن أو الخليج وحتى بقية العالم، قبل أن تتغير ظروف المدينة في العقد الأخير جراء الصراعات السياسية وتفقد سواحل المدينة الاهتمام في الخارج والداخل، وتطفو قضايا التلوث بين فين وأخرى أمام أنظار و صمت وزارة البيئة والتي تكتفي كل مرة بوضع المبررات التي لا يقبلها عقل او منطق كون ما يحدث لا يقتصر على تشويه جمالية السواحل ويهدد الحياة البحرية في سواحل المدينة وقد يصل إلى تهديد حياة سكان المدينة الذين يعتمدون في وجباتهم بصورة كبيرة على ما يستخرجه الصيادين من  بحار المدينة من أصناف المأكولات البحرية وبالأخص الأنواع المختلفة من السمك وحتى الصيادون مهددون هم أيضا بفقدان مصدر دخلهم أن تفاقمت المشكلة بصورة كبيرة في المستقبل القريب ولم يتم وضع حد رادع ومعالجة حقيقية للكوارث البيئية في سواحل المدينة.

- ناقلات السفن تفرغ مخلفاتها ولا حسيب 

امتدادا من مياه باب المندب وخليج في عدن لا تنفك ناقلات النفط عن إفراغ حمولتها من المواد والزيوت المستهلكة، تلك السفن لا يردعها أي رقابة بيئية على المياه الإقليمية أثناء عملية الإرساء في موانئ المدينة.

وتهدد سواحل عدن بصورة مستمرة العشرات من السفن الراسية التي يتسرب منها الزيوت وتضاعف احتمالية غرقها من احتمالية كارثة بيئية على المدينة، وتقف خلف تلك السفن جهات متنفذة لا تكثرت للمذكرات القضائية التي صدرت لإخراج السفن من مياه المدينة وبالنسبة لها كل تلك المذكرات مجرد حبر على الورق لا أكثر وهو ما أكدته الأيام الأخيرة بعد غرق إحدى السفن وصمت كل الجهات المعنية.

-كارثة غرق السفينة ديا 

في السابع من يوليو كانت سواحل المدينة على موعد مع غرف "السفينة ديا" التابعة للشركة اليمنية" عبر البحار" والتي يمتلكها التاجر المعروف احمد العيسي المعين مؤخرا نائبا لإدارة مكتب رئاسة الجمهورية للحكومة الشرعية.

ليست السفينة ديا اول السفن الغارقة التابعة العيسي سفن عدة تتبع شركات العيسي فقد سبق وأن غرقت سفينتين وأفرغت مخلفاتها في سواحل المدينة خلال العقد الأخير و تسببت بتلوث سواحل المدينة وفق ما يوكده الموقع اليمني المعروف بالحلم الأخضر والذي ينشط ويختص في الشأن البيئي وقضاياه.

وتتواجد  بواخر كثيرة متوقفة لها أكثر من 8 سنوات في المخطاف الداخلى لميناء عدن تتبع العيسي وهذه السفن جميعها غير صالحة للاستخدام وخارج الخدمة. 

ويؤكد خبراء دوليين ان التسرب الناتج عن السفينة ديا يعود لما قبل غرق السفينة باسبوع كاملا ولا يقتصر على ما بعد غرق السفينة اي ان الغرق ليس سببه التلوث وحده.

وأكد المرصد البريطاني للبيئة والصراع CEOBS، وصول  التسرب النفطي إلى الشواطئ المجاورة لمحمية الحسوة، المساحة الخضراء الوحيدة في عدن، بالإضافة إلى مناطق المسطحات الملحية  ذات الأهمية الإقليمية للطيور المهاجرة، وهذا ما يشكل خطر كبير على مستقبل المحمية.

-اسماك بحرية ملوثة 

ومن جهته كشف فريق خاص من الهيئة العامة لحماية البيئة وجود أسماك بحرية ملوثة بالزيت في ساحل بربرية جاء ذلك  بعد تنفيذه نزولا ميدانيا وذلك لأجل مسح مختلف الموائل البيئية بمحافظة عدن وحصر الاضرار التي خلفت نتيجة التسرب النفطي الذي تسببت به السفينة ديا.

وصرح الصيادون عن صيدهم لأسماك ملوثة، وتأثر شباكهم وتلفها بسبب التلوث ، كما رصد الفريق في ساحل الخيسة وجود أطفال يسبحون، وعند خروجهم من الماء كان هناك بعض آثار الزيت على أجسامهم ن هذا واشتكى بعض الصيادين في ساحل الغدير عن وجود آثار للتلوث ، أثرت على عادتهم اليومية في الاصطياد.

- انقذوا البيئة 

ومن جهته أبدى الناشط عيسى حسان استغرابه من رد فعل المجتمع الدولي تجاه ما حدث، رغم استمرار بالتحذير والتخويف لسنوات من كارثة انفجار "قنبلة صافر" في البحر الأحمر وما سيشكله تسرّب النفط من خطر على السكان والبيئة.. إلا أنه الآن قد لجأ لخيار الصمت المدقع، ولم يصرّح بشيء، ولم يكترث ولو بإدلاء تعقيب عابر عما حدث!

ويرى حسان أن الأهم من كل هذا الآن، هو في عدم امتلاك الشعب اليمني لأدنى فكرة عن خطورة ما يحدث، ولا يعي معظمهم أن مثل هذه الكوارث تجعل حياة الملايين على شفا حفرة من الموت المُحدِق، لا يستوعب غالبيتهم أنهم أمام وجه جديد للموت لا يقل فظاعة عن أوجه الموت الأخرى التي تقابلهم بها الحروب والصراعات على مدى سنوات.

واستطرد حسان :كأن الحرب التي دمرت وتدمر كل شيء جميل في هذا البلد لا تكفي.. وكأن تخاذل الحكومة أمام المواطن وتركه يواجهه صعوبات الحياة والموت البطيء من أجل الحصول على لقمة العيش بات هو الرد الرسمي والاعتيادي من قِبلها ومن ثم جاء الدور على البيئة، ها قد تم إعلان الحرب وجنونها على الحيوان والنبات في هذا البلد!

وتابع حسان: ها هم بقية من يشارك اليمنيّ في أرضه وبحره يتعرضون لذات المصير، وها هي البيئة البحرية تحديداً تنال حصة الأسد من حجم الإهلاك والتدمير.

‏وتسائل حسان: يا ترى ما حجم الخسائر التي سيسببها وقوع مثل هذه الطامة؟ وما فداحة المصيبة إن لم  يتم تدارك تبعاتها قبل فوات الأوان؟ في حال تم تجاهل الأمر -كما هو متوقع- ، في حال لم تُهرول الجهات الرسمية وتقوم بشفط الزيت قبل أن ينتشر ويتوسع على سطح البحر.. ستستمر تمدد الرواسب السوداء اللزجة لتقوم بالفتك الوحشي بكل المخلوقات الحية الموجودة في المكان (من أسماك وكائنات دقيقة بالآلاف  وربما بالملايين ، ناهيك الشعب المرجانية وأعشاب البحر...إلخ) حتى تنقرض جميعها.

واضاف : لكُم أن تتخيلوا فقط طوفات الموت المرعب الذي جاء يحاصر كل هذه المخلوقات!حُكم عليها بالموت "اختناقاً"، تم حجب الضوء عن الوصول إليها من خلال تشكيل طبقة الزيت العازلة فوق سطح الماء جراء الحادثة الخبيثة، ليس هذا وحسب، أي ليس سكان أعماق البحر وحدهم المتضرر، أيضاً سكان السطح (طيور البحر) بحكم أن معظم غذائها تقتاته من خيرات البحار، فهي لن تدرك هذه المرة أن هناك موت مُحتم ينتظرها عندما تأتِ بحسب روتينها المعتاد لتبحث عن غذائها، ستحط بسلام فوق السم القاتل، سيتغلل في ريشها ويفكك تركيبة الريشة ذاتها ليحدّ من طبيعتها العازلة مما يجعلها غير قادرة على الطيران مجدداً، وأخيراً تقف عاجزة لتواجه موتها البطيء كبقية إخوتها من أبناء البحر.

واختتم: هذا الكابوس المرعب لن يقف عند هذا الحدّ، لا، بل نراه يتوعدنا بمصير أشد رعباً وسواداً،، هذه الأمراض والأوبئة والآثار الفتاكة لن تمر بسلام، بل قد تمتد لعقود وعقود من الزمن.