آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-05:01ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير) من المستفيد من تعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة؟

الإثنين - 02 أغسطس 2021 - 11:18 ص بتوقيت عدن

(تقرير) من المستفيد من تعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة؟

(عدن الغد )خاص:

تقرير يبحث في واقع ومآلات الصراع الجاري بعدن حول مؤسسات الدولة الخدمية والسيادية..
العجز في تشغيل مؤسسات الدولة منذ سبع سنوات.. من يتحمل مسئوليته؟
الصراع بين الشرعية والانتقالي.. كيف ساهم في تدمير وإرباك كبرى المؤسسات بعدن؟
هل يدفع المواطنون ثمن تعطيل مؤسسات الدولة السيادية والخدمية والاقتصادية؟
لماذا لا يقوم الانتقالي بإعادة العمل في مؤسسة كالقضاء مثلا؟
كيف يمكن الوصول إلى حالة من التوافق بين الشرعية والانتقالي لتشغيل هذه المؤسسات؟
حرب المؤسسات
(عدن الغد) القسم السياسي:
حالة اللا دولة، هي المسيطرة حاليا على الوضع الراهن في اليمن عموما، وفي عدن وجنوب اليمن على وجه التحديد.
فإذا سلمنا بأن أحد أهم مؤشرات الدولة وجود مؤسسات فاعلة، تقدم خدماتها للمواطنين، وتباشر مصالحهم.
فإن الناظر لوضع البلاد يلحظ بكل وضوح غياب مؤسسات الدولة، وانعدام وجودها على الأرض بفاعلية، وحتى تلك المتبقية من تلك المؤسسات عبارة عن هيكل هش، لا تقوى على القيام بواجبها.
وبالتالي فإن الدولة غائبة في أبرز ملامحها المتمثلة في المؤسسات المعبرة عن الدولة في مسئولياتها القضائية والقانونية والخدمية.
وضع كهذا متجسد بكل تفاصيله في مدينة عدن، التي أصبحت منذ أكثر من سبع سنوات عاصمة مؤقتة لليمن، لكن هذه العاصمة تفتقر لأبسط مقومات المدينة وليس حتى العاصمة.
بل أن بعض الكتاب السياسيين والمراقبين وصف الوضع في عدن وغياب الخدمات والمؤسسات عن المدينة، بأنه حول هذه المدينة إلى "قرية".
وهذا الحال لا تستحقه مدينة كعدن، بكل تأكيد، غير أن الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة والمواجهات التي غرقت فيها المدينة وجنوب اليمن برمته، جعلت هذه المنطقة تعاني من غياب أبرز ملامح الدولة.
وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول الجهة والطرف الذي يقف خلف تعطيل مؤسسات الدولة، والمستفيد من السيطرة على المرافق العامة دون تقديم شيء يذكر على الواقع، كالخدمات أو القيام بمصالح الناس.
ولا يمكن لأحد أن يخطئ الإجابة على مثل هكذا تساؤلات، فبمجرد النظر إلى ما تكابده عدن وجنوب اليمن من صراعات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي وكل من يقف خلفهما من داعمين إقليميين أو دوليين يدرك فحوى الإجابة.

تجريد الواقع
ثمة جلاء في المشكلة القائمة حاليا، لا يغفله أي مراقب للشأن العام في عدن وجنوب اليمن عموما، فالخدمات منعدمة أو يشوبها الكثير من القصور، ومصالح الناس متعثرة، وشئونهم مبعثرة، وحاجاتهم الأساسية غير متوفرة.
وبعيدا عن أية انتماءات سياسية، وانطلاقا من توصيف مجرد وموضوعي للواقع، فإن مؤسسات الدولة اليمنية تكاد تكون غائبة عن الاضطلاع بمسئولياتها منذ ما قبل اندلاع حرب 2015.
إلا أن الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي، ومن يدعمهم حينها، فاقمت الأمر، وأفرغت مؤسسات الدولة في عدن والمحافظات الجنوبية لليمن من هياكلها التي كانت قائمة عليها.
هذه الهياكل المتمثلة في رجالات الدولة الذين لم تستطع حكومة ما بعد حرب 2015 تعويضهم، وسيطر بدلا عنهم شخوص قليلو الخبرة أحيانا، وغير مؤهلين  أحايين أخرى.
الأمر الذي انعكس على مؤسسات الدولة سلبيا، ولم تستطع هذه المؤسسات القيام بمهامها بطريقة مثالية ونموذجية، فاتهم رجالاتها الجدد بالفساد والنهب والسلب، كما اتهمت هذه المؤسسات بالتقصير.
لم يقدر أحد على إنكار وجود فساد كهذا في مؤسسات الدولة، لكن في المقابل، كانت هذه المؤسسات تعمل وفق قدراتها وقدرات من يديرونها، حتى وإن كانت هذه القدرات متواضعة، لكنها لم تكن في نفس الوقت مثالية.
ثم جاء واقع مغاير ومختلف عن الواقع أعلاه، بدأت تفاصيله عقب مواجهات وأحداث أغسطس/آب 2019، في عدن، والتي أسفرت عن مرحلة مختلفة تماما من تعطيل العمل في مؤسسات الدولة.
ومرة أخرى.. بعيدا عن أية انتماءات سياسية، وبلغة مجردة وموضوعية، فإن هذه المرحلة الجديدة كانت أسوأ بكثير من سابقتها، وفق شواهد ودلائل كثيرة.
فالجميع يتفق أن ما تعيشه عدن والمحافظات الجنوبية لليمن اليوم، وما عاشته خلال العامين الماضيين، يتفوق بالسوء على ما عاشته هذه المنطقة منذ تحريرها في خريف 2015 وحتى خريف 2019.
وهذا التوصيف المجرد من أية انتماءات أو ولاءات يقود المتتبع إلى خلاصة أكيدة، وهي أن من يتحمل مسئولية تعطيل مؤسسات الدولة وعدم استعادة نشاطها ومهامها وأعمالها ليس طرفا بعينه، بقدر ما هي مسئولية مشتركة.
قد تتفاوت نسبة هذه المسئولية، ولكنها في النهاية تبقى مسئولية متقاسمة بين الحكومة اليمنية الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، بصفتهما طرفي صراع أودى بحياة الاستقرار التي كان يجب أن تحظى بها مدينة كعدن، يفترض أن تكون عاصمة مؤقتة لليمن.
والمشكلة في هذه القضية هي أن الصراع بين الطرفين نال من مؤسسات الدولة الكبرى، ونهش في قوت المواطن البسيط، وجعل الجميع تحت وطأة معاناة كبيرة من انعدام الخدمات وتوقف مصالح الناس، ومحاربتهم في مقومات حياتهم الأساسية.

حرب المؤسسات!
تدمير مؤسسات الدولة وإرباك عمل هيئات ومصالح ومرافق كبرى مرتبطة بحياة المواطنين، والتعمد في توقفها أشبه بالمعبد الذي ينهار فوق رؤوس مرتاديه.
غير القوى السياسية في الشرعية والانتقالي لا تعي ولا تدرك هذه الحقيقة، فراحوا يعذبون الناس بصراعاتهم الضيقة، ضاربين مصالح المواطنين عرض الحائط، وسخّروا حروبهم الخدمية في تعطيل عمل المؤسسات العامة والاستيلاء عليها، وحتى منع إعادة العمل فيها.
فلا أحد يدفع ثمن تعطيل مؤسسة سيادية بحجم القضاء، وإيقاف عمل المحاكم والنيابات العامة، سوى المواطن المغلوب على أمره.
حيث ان تعليق قضايا الناس، وعرقلة مصالحهم وتضييع الحقوق ومصادرتها من الخطورة بمكان لدرجة تحويل حياة المواطنين إلى غابة، يلتهم فيها القوي حقوق الضعفاء ويعتدي عليهم، ما دام أمِنَ العقاب في ظل غياب القضاء.
ومن المعروف أن السلطة القضائية باتت اليوم في عدن ومحافظات الجنوب ضحية الحسابات السياسية بين قطبي الصراع في هذه المنطقة.
وفي الوقت الذي يحمل كثير من القضاة المجلس الانتقالي مسئولية تعطيل القضاء، بفعل تدخل "نادي القضاء الجنوبي" ورفضه لقرارات الرئيس هادي فيما يخص تعيين نائب عام للجمهورية، إلا أن مراقبين يرون أن الانتقالي يمكن أن يسجل نقطة لصالحه في حالة معاودة عمل القضاء والمحاكم في عدن ومحافظات جنوب اليمن.
غير أن خطوة كهذه تحتاج إلى نسيان الصراعات وتجاوزها بين الشرعية والانتقالي، وهو أمر يحتاج إلى الكثير من التنازلات.
حرب المؤسسات هذه لم تقف عند أعلى سلطة من سلطات الدولة وهي القضاء، بل أنها وصلت إلى مؤسسات خدمية مرتبطة ارتباطا مباشرا بأساسيات الحياة للمواطنين.
فمؤسسات مثل المؤسسة الاقتصادية وشركة النفط اليمنية، مسئولة عن الخدمات والحاجيات الأساسية لعامة الشعب من الجوانب التموينية والوقود، دخلت في غياهب الصراعات والتعيينات التي يصدرها هذا الطرف ويرفضها الطرف الآخر.
هذا الصراع، وإن أوحى بأنه محاولة لفرض سيطرة طرف معين على مؤسسات إيرادية وخدمية كبرى، على حساب طرف آخر، إلا أن خطورته تتمثل في أنه يتذر بتعثر عمليات الاستيراد وتوفير المواد التموينية والغذائية.
أو على الأقل إضعاف مهام ومسئولية المؤسسة الاقتصادية التي ستنشغل بصراعاتها الداخلية عن واجبتها، ومنحها لتجار القطاع الخاص ورجال أعمال بعينهم، لفرض "مشروع الخصخصة" كأمر واقع.
وهذا ما حذر منه مراقبون أيضا فيما يخص شركة النفط اليمنية، التي أسندت مهامها لأحد تجار النفط المنافسين، في ظل نشوء أزمة وقود، أثرت حتى على مؤسسة النقل الجوي الوحيدة التي ما تزال تعمل في اليمن، وهي الخطوط الجوية اليمنية.
مؤسسة الكهرباء هي الأخرى، تكابد لتعمل وفق احتياجات المواطنين، ولعل المشكلة الأخيرة المتمثلة في تأخر مستحقات شركات الطاقة المستأجرة تؤكد ما وصل إليه الوضع الخدمي في عدن وسط صراعات تستخدم المؤسسات العامة وقودا لها.
كل هذه التأثيرات الناتجة عن الصراع بين الاطراف السياسية على مؤسسات الدولة، أو ما تبقى منها يؤكد أن هناك مؤشرات واقعية على الأرض، بدأت بوادرها بأزمات مشاهدة، تؤكد أن الوضع ليس على ما يرام.قد يعتقد كثير من المراقبين أن حل مثل هذه المشكلات واستعادة عمل مؤسسات الدولة يحتاج إلى توافق بين الشرعية والانتقالي.
إلا أن ما بين هذين الطرفين

الكثير من الملفات الساخنة التي قد لا تبرد بينهما بسهولة، بفعل تدخلات إقليمية ودولية.
غير أن الحل العملي الممكن في هذا الأمر هو تحييد الخدمات ومؤسسات الدولة السيادية والخدمية والاقتصادية عن أية صراعات بينهما.