آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:58ص

أدب وثقافة


كاريكاتير .. قصة قصيرة

الأربعاء - 23 يونيو 2021 - 05:18 م بتوقيت عدن

كاريكاتير .. قصة قصيرة

(عدن الغد)خاص:

بقلم / شوقي دوشن.

وقف المعلم متأملاً وجوه طلابه  الآتين من مختلف البلاد الأجنبية، ثم قال:
-أنتم يا أعزائي ،كما هو معلوم ،قد جئتم من أماكن بعيدة ومن بلدان مختلفة ومشارب وثقافات متعددة، وبالتأكيد لديكم ما تودون  أن تخبرونا عنه..
صمت الأستاذ لبرهة وقد أخذ يتمشى بين صفوف طلابه القاعدين على كراسي الدراسة  وأردف قائلاً:
- سأختصر الكلام وسأطلب من كل منكم أن  يرسم إسكتشاً كاريكاتورياً يعبر عن معاناة ما تحدث في بلد كل منكم،وياحبذا لو اخترتم موضوعاً  يتحدث عن معاناة كبار السن في مجتمعاتكم، مارأيكم في هذه الفكرة ؟
هز الطلاب رؤوسهم معبرين عن موافقتهم.أمهل الأستاذ طلابه بعض الوقت لكي يتموا رسوماتهم ،قام بعدها من على الكرسي وسار بين صفوف الطلاب مجدداً ليرى كيف يبلون،حينها استوقفه لهنيهة الرسم الكريكاتوري لأحد طلابه ثم عاد وواصل تفحصه لرسومات الباقين.

إنقضى الوقت المحدد وطلب منهم إحضار إسكتشاتهم إليه ثم أخذ يستعرضها الواحدة تلو الأخرى معلقاً عليها..
إستدعى في البداية طالباً من اليابان;
- أحسنت يابني،لكن لما كل هذا الحزن الذي يلف وجه هذا الرجل العجوز؟
فرد الطالب الياباني:
- يا سيدي،في بلادي أمرت الحكومة كبار السن بممارسة الرياضة حفاظاً على صحتهم، وكما ترى فإن هذا الشيخ الكبير يشكو  عدم وجود نادٍ رياضي في قريته مما اظطره لقطع مسافة طويلة لكي يصل الى القرية المجاورة  ليمارس رياضته على أحدث الوسائل المتوفرة هناك.
إبتسم الأستاذ وأبدى إعجابه  وهنأ الطالب على جمال رسوماته  وما عبرت عنه:
- جميل جداً،رائع، أحسنت.

ظل الأستاذ  يستعرض بقي الرسومات ويعلق عليها ،أغلب تلك الرسومات أطهرت كبار السن والشيوخ يبدون بحالة جيدة ولابد وأنهم - بحسب ما بدى له - يتمتعون برعاية جيدة على الرغم من المعاناة المختلفة التي جسدها طلابه كاريكاتورياً ،أخيراً خلص الأستاذ إلى الطالب الذي استرعى رسمه الكاريكاتوري إنتباهه:
- حسناً، ماهذا؟؟!!
رد الطالب بثقة: 
- كما ترى يا أستاذي،هذا ما يحصل عندنا !
فعلق الأستاذ: 
- طيب، كما أرى فهذا شخص يبدو مقوس الظهر كأنه يحمل على ظهره شيئاً ضخماً أتعب  كاهله!!
- نعم ،هو كذلك.
- ولكن هلا أخبرتني عن هذا الحمل الثقيل الذي على ظهره وبالذات على كتفيه المُتعَبين ،أنت لم ترسم ما يوضح ذلك بجلاء.
- بل يحمل أشياءً وليس شيئاً واحداً.
- لكنه يبدو صغير السن ،أليس كذلك؟
- في بلادي يشيخ الواحد منا قبل الأوان!!

إلتفت الأستاذ إلى الطلاب وسألهم: 
- ما متوسط الأعمار في بلادكم؟
إنبرى الطلاب  كلٌٌ يدلي بإجابة:
- ثمانون عاماً.
- تسعون.
- مائة عام أو أكثر قليلاً.
شكر الأستاذ طلابه  ثم التفت إلى الطالب الذي وقف إلى جانبه:
- ما متوسط الأمار في بلادكم؟
 أجاب الطالب: أقل من ذلك بكثير!!
هز الأستاذ رأسه متسائلاً:
- أهذا بسبب ما يحمله على ظهره؟؟؟!!!

- نعم ،يا أستاذي، هو كذلك!
أخذ الأستاذ يتأمل الصورة ويقلبها محاولاً فك شفرتها لإ ستيعاب فكرتها:
- تبدو على بطلك علامات الشيخوخة ولكنه ليس بعجوز!!! 
صمت الأستاذ لبرهة وهو لا يزال يُعمل الفكر  في الصورة الكاريكاتورية :
- الفكرة لا تزال مبهمة!
خلع نظارته من على وجهه  وسأل:
- هل أنت من ال… 
فأجاب الطالب بسرعة حتى قبل أن يكمل الأستاذ سؤاله:
- نعم
- آها٠٠ ولكن٠٠٠

- ولكن ماذا ، أستاذي ؟
- حسب علمي  فالثروات تملئ باطن أرضكم و فوق الأرض خصبة تربتكم و٠٠ و٠٠
صمت الطالب لبعض الوقت  ثم بعد ذلك  وضع سبابته تماماً فوق الظهر المرسوم لبطله :
- يا أستاذي، الفقر شبح يلاحقنا ٠٠ تتقلص الخدمات فتقتلنا٠٠الأسعار كالنار في الهشيم تحرقنا..والحرب تطحننا وتهلكنا..والدخل لا يكفي مأكلنا ومشربنا وملبسنا.. وكل شيئِِ يهدد معيشتنا .. فتشيخ في مقتبل العمر أجسادنا ..وقبل الأوان يشيب شعرنا..فكيف بالله يا أستاذي لا ينحني ظهرنا  !!.

عبر الأستاذ عن تفهمه لما كان يرمي إليه طالبه:
- وصلت الفكرة يابني.
ثم تحدث إليه بصوت منخفض:
- هل رأى زملاؤك مارسمت؟
فأجاب:
- أظن لا.
ربت الأستاذ على كتف طالبه وهو يقول له:
طيب ،هذا جيد، هل تفعل ما سأخبرك به؟ 

حسناً يا بني ،إليك هذا، هلا رسمت شجرةً خضراء وارفة الظلال  وزهرة ندية  تقفان كالمنتظرتين أمام بطلك ! 
إستجاب الطالب لطلب أستاذه ورسم شجرة وزهرة.
عاد الأستاذ وطلب أن يرسم الطالب شمساً  فوقهما.
ففعل الطالب ذلك.
عاد الأستاذ وطلب منه أن يكتب ما أثقل كاهل بطله  وأن يحيط ما كتبه  برسم كيس مثقوب ثقباً واسعاً.
ففعل،ثم طلب منه أن برسم طريقاً واسعاً  وقال:
قد بطلك عبر هذا الطريق إلى الشجرة والزهرة.
ففعل الطالب ذلك أيضاً.
إقترب الأستاذ  منه ثم همس في أذنه:
- ذلك أفضل،أليس كذلك؟
( تــمــت)