من رواية خريف
للكاتب / جميل السروري
منهك، متهالك ، مرهق ، وجداً متعب ، أحس بالوحشة ، أنام وبجانبي دفاتر وقصاصات من الأوراق مثقلة بحروف وكلمات معقدة الفهم لمن لا يعرف الألم ، لا اصطنع فيها الأحداث لأنني قلب الحدث، مالسبب في وحشتي !
هل يمكن أن تلك الكلمات وتفاصيل الذكريات تبخرت من الصفحات و تمحورت على هيئة أشباح، أم أن صحب الحنين في داخلي قد تحول إلى عالم من الأشباح، أم أنني شبح من الذكرى بحد ذاتي ، أذكر أنني حال إطفاء النور قبل نصف ساعة كنت بغرفتي ، الان لا أدري أين أنا وبأي مكان وعلى أي اتجاه، اتحسس جدران الغرفة كي استدل إلى مفتاح الضوء، لا فائدة ، أحس الحصى تتنعثر بين أصابعي ، أحاول تملك نفسي، لا فائدة أيضاً، وجدت نفسي داخل أنفاق مظلمة لا نهاية لها وبداخلي أنفاق معتمة أشد ظلاماً من خارجي
استنقذ بالصراخ، استنجد ، لا يسمعني أحد ، إلى أين الهروب ، نحو أي اتجاه ، شيء يتداركني، أشياء تلاحقني ، تركض ورائي، تطاردني، تنهشني
أهرب إلى كل مكان جمعني بك لاحتمي به من وطأة العذاب وعبث الحنين ، أفتقدك! أين أجدك! هنا أو هناك لا بأس المهم أن أراك ، لكن كيف لي أن أصل إليك؟ بل كيف اجتمع بك؟ أعبر كل سبيل وكل درب وكل طريق أبحث عنك في كل أرض مرت عليها قدميك ، تحت كل سقف جمعني بك إلى كل مكان رأيتك به أو لمحتك فيه، عساي أن اشتم فيها شيء من رائحتك لاستدل بها إليك ، أخال أنني سوف أراك لكن وبلا فائدة ! الأطلال بنفسها تنعيك، تبكي غيابك ، تترجى عودتك لتعود لها الحياة، أصبحت مثل خرابة ، لا شيء فيها سوى صفير رياح الشقاء وتردد الذكريات.
هل تدرين عما فعله غيابك وعما خلفه رحيلك ، هل تعلمين مالذي تركتيه وراء ضهرك ؛ جثة نازفة يطوقها الماضي من كل اتجاه ، ضريحها يتنقل بين الأمكنة التي جمعتها بك ذات يوم حينما كانت لها روح وحياة ، ياوحشتي والشتات ، ياوجع الفقد والحنين، لماذا رحلتي؟ وما الدافع؟ وكيف ؟ ومتى؟ وإلى أين؟ وعلى أي سبب؟ لقد كنتي الروح التي أحيا بها ، أما وقد رحلتي فلست إلا شبه إنسان! .. جثة لم تُؤدى لأجلها أي شعائر أو طقوس ، لم يصلي عليها أحد ، كل من يراها لا يدري أنها ليست إلا جثة منزوعة الروح عديمة الحياة تعيش برزخية الذكرى .
تبخرت أنفاسي بعد رحيلك ، أكاد اختنق ! لا أستطيع التنفس، انقطع عني أكسجين الحياة، جف الدم في شراييني و أوردتي ، ذبلت كزهرة الخريف .