السبت - 31 أكتوبر 2020 - 08:44 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد)خاص:
ما هي التضحيات التي قدمها المؤتمر في سبيل وحدة اليمن وسيادته؟ما مصير الحكومة الشرعية ومن يتربص بها.. وما مخاوف بن دغر؟هل نحن بالفعل أمام المحاولة الأخيرة لإنقاذ الشرعية؟ما هي استراتيجية النصر على الحوثيين والمشروع الإيراني؟قراءة / بديع سلطان:ما فتئ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي،والمشاورات الجارية في العاصمة السعودية لتشكيل الحكومة الجديدة، تثيرحفيظة الكثير من السياسيين والمراقبين اليمنيين.فالتعتيم الإعلامي حول نتائج المشاورات، ووصف ما خرج منها مؤخرًا إلىوسائل الإعلام المحلية فيما يخص الحكومة المرتقبة بأنه مجرد "تسريبات"،يوحي بأن ما يدور في كواليس مشاورات تشكيل الحكومة يمكن أن يرتقي إلىمستوى "الحرب السياسية" بين المكونات والأحزاب اليمنية المشاركة.وباستثناء موقفي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، لم تعلن بقيةالمكونات، سواء الحزبية منها أو الحراكية، مواقفها من التسريبات وتوزيعحقائب الحكومة القادمة، غير أن المؤكد أن تثير هذه المحاصصة المسربةحفيظة الكثير من الكيانات السياسية، إلا أنها لم تبح بذلك علانيةً.ويبدو أن السياسي اليمني، ومستشار رئيس الجمهورية الدكتور أحمد عبيد بندغر، والذي نُشر مؤخرًا، هو الوحيد الذي وجد في نفسه جرأةً للحديث عنتعرض حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يشغل بن دغر منصب نائب رئيس الحزبفيه، للهضم في عملية توزيع الحقائب الوزارية.ولإبداء وجهة نظره، ومن المؤكد وجهة نظر حوب المؤتمر الشعبي تجاه تلكالمعضلة، نشر الرجل مقالاً حمل الكثير مما يوحي بذلك الاستياء تجاهالمحاصصة السياسية لحقائب الحكومة الجديدة، من قبل العديد من المكونات،وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام.غير أن مقال بن دغر لم يقتصر على استعراض وجهة نظر المؤتمر الشعبي إزاءالمحاصصة، بل حمل الكثير من الإشارات والدلالات حول رؤيته- كسياسي يمني-لواقع اتفاق الرياض ومشاورات تشكيل الحكومة، بل وحتى مصير حكومة الشرعيةاليمنية، وهذا ما أهّل مقال الرجل وجعله تحت طائلة التحليل والقراءةالمعمقة لكل ما جاء فيه.تحفظ المؤتمربالنسبة لعملية توزيع الحقائب الوزارية خلال مشاورات الرياض، كشف بن دغرفي مقاله سعي- المؤتمر الشعبي العام- إلى ضمان الوصول لآلية توزيع أكثر"عدلاً"، بحسب وصفه، حيث قال: "لقد بذلنا جهدنا لتكون آلية توزيع الحقائبالوزارية أكثر عدلاً".لكن يبدو أن المؤتمر الشعبي العام قَبِل بمقترح المحاصصة، مع إعلانه عنتحفظه لدى جميع المكونات، وأبلغ المؤتمر هذا التحفظ لرئيس الجمهوريةورئيس الوزراء المكلف، ووفق ما جاء في مقال بن دغر، غير أنه ألمح ضمنياًعن استيائه من تسريب المقترح إلى وسائل الإعلام.وبدا ذلك من الفقرة التي تضمنها المقال والتي أشارت إلى: "... تحفظنا علىالمقترح الذي يعرفه الجميع، وتم تسريبه لوسائل الاعلام، وأبلغنا موقفناهذا في حينها للأخ رئيس الوزراء والأخ الرئيس".ويقترح مراقبون أن بن دغر كان يشير إلى تحفظ المؤتمر الشعبي على أمرين،الأول التحفظ على "نوعية" الوزارات المخصصة للمؤتمر، باعتبارها وزارات"هامشية"، أما الأمر الآخر فيتعلق بتحفظ المؤتمر على منح المجلسالانتقالي وزارات معينة، رغم تأكيده الترحيب بالتوافق حولها، ملمحاً إلىأن المؤتمر يقدم أي توافق جماعي على أية مصالح حزبية قد يراهاالمؤتمريون.إلا أن بن دغر جدد التأكيد على سعي المؤتمر الشعبي الحصول على توزيع"عادل"، لعملية "التحصيص الوزارية"، من خلال اقتراح آلية محددة.جاء ذلك في قوله: "... مرحبين بما تم التوافق عليه في شأن الوزارات التيأسندت للمجلس الانتقالي، مقترحين آلية عادلة فيما تبقى من الوزارات".بحسب المقال.القبول على مضضيبدو أن المؤتمر الشعبي العام آثر الإبقاء على علاقاته السياسية محلياًوإقليمياً ودولياً بالمكونات اليمنية واللاعبين الدوليين المؤثرين، رغمعدم اقتناعه بعملية المحاصصة والتوزيع الوزاري.كما أن هذا الإيثار السياسي جاء على حساب نصيب المؤتمر في التشكيلالحكومي القادم، رغم رفضه المستمر، لولا تدخلات خارجية وضغوطات دولية علىالفرقاء اليمنيين، ساهمت في تمرير المحاصصة السياسية.يشير بن دغر في مقاله إلى: "كان هناك رفض مستمر، صاحبته تدخلات من بعضالسفراء تم الإيعاز بها، وكان أمامنا خياران، إما القبول بما عرض علينا،أو الرفض وعدم المشاركة في الحكومة، فنبدو متطرفين معرقلين، وفي أحسنالأحوال مغردين خارج السرب أمام حلفائنا في الشرعية وأشقاءنا في التحالفوأصدقائنا في المجتمع الدولي، فالرفض والقطيعة في بعض التفاصيل ليست منالحكمة والكياسة في شيء".ومن الفقرة الماضية التي تضمنها مقال نائب رئيس المؤتمر، يتأكد أن ثمةضغوطات جرى ممارستها على السياسيين اليمنيين من جهات دولية، أشار إليهابن دغر صراحةً ودون مواربة، ونتيجة لذلك فضل المؤتمريون الموافقة علىطريقة المحاصصة للحفاظ على علاقة الحزب بالجميع.مخاوف بن دغرعُرف عن بن دغر انه رجل دولة، وسياسي مخضرم، بغض النظر عن الاختلاف أوالاتفاق معه، إلا أن تاريخه السياسي والحزبي يشفع له.لهذا فإن المقال الأخير للرجل حمل الكثير من التحذيرات المتعلقة بالأحداثالجارية، كما تضمن استشرافاً للمستقبل، في كل ما يتعلق باتفاق الرياضالذي لم ينفذ بعد، بالإضافة إلى مخاوف عديدة على مصير الحكومة الشرعيةالذي يعتبر بن دغر أحد رموزها ورجالاتها.حيث دعا إلى ضرورة تطبيق بنود اتفاق الرياض السياسية والعسكرية بالتزامندون تأخير إحداها عن الآخر، وهنا يبدو حديث بن دغر مليئاً بالتحذيروالتلميحات من إمكانية عدم تطبيق بنود الاتفاق الأمنية والعسكرية.يقول في مقاله: "... ليس هذا فحسب بل لا زلت ورفاقي في قيادة المؤتمر حتىهذه اللحظة مع تطبيق متزامن للشقين السياسي والعسكري في اتفاق الرياض،قبل الإعلان عن الحكومة، وهذا ليس مطلبنا فحسب بل إنها التزاماتناالمشتركة المنصوص عليها في الاتفاق وآلياته الموقع والمتفق عليها".ويُرجع بعض المحللين مخاوف بن دغر من عدم تنفيذ البنود العسكرية إلىعلاقته غير المستقرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي لم تكن على مايرام حين كان رئيساً للحكومة الشرعية في عدن، بل أن تلك القوات التي يحذرالرجل من عدم انصياعها لاتفاق الرياض سبق وأن حاربت وجوده في عدن خلالمواجهات يناير 2018.إلا أن كثيرين ينفي صفة الشخصنة في نهج بن دغر وسلوكياته، وحتى تلميحاتهفي هذه الفقرة من مقاله، ولكنه يستشهد بالمرجعيات التي يمثلها اتفاقالرياض والتزاماته وآلياته المزمنة لتسريع تنفيذه، والذي لم يتم حتىاليوم.مخاطر على سيادة اليمنلم يقتصر حديث الدكتور بن دغر في مقاله على موضوع المحاصصة، وموقفالمؤتمر الشعبي العام منها، وتحفظه على نقاط عديدة فيما يخصه، بل تعدىليتناول قضية مصير الوحدة اليمنية، وسيادة الدولة اليمنية واستقرارهاوأمنها.وكل ذلك في مقال بن دغر كان مرتبطاً بطريقة تنفيذ اتفاق الرياض، الذي رأىالرجل أن طريقة تنفيذ بنوده يمكن لها أن تؤثر على مصير سيادة الدولةاليمنية، بالإضافة إلى مخاطر التنفيذ الجزئي للاتفاق، والتي من المحتملأن تنعكس تأثيراتها ليس على اليمن فقط، بل وحتى على المنطقة برمتها.يقول بن دغر: "إن عدم الإصرار على تنفيذ الاتفاق كاملا غير مجزأ وغيرمنقوص كما نصت بنوده وكما جاء في الوثائق الأخرى التي تم التوقيع عليها،إن عدم الإصرار بل والتصلب فيه يحمل في طياته مخاطر جمة وحقيقية على وحدةوسيادة وأمن واستقرار اليمن، وعلى المنطقة كلها، وقد أبلغت وزملائيموقفنا هذا للرئيس ولرئيس الوزراء المكلف وللأشقاء ولمن طلبوا رأينا منالمجتمع الدولي".وتبدو رؤية الرجل لمستقبل البلد والمنطقة في حالة التنفيذ المنتقص لاتفاقالرياض، وثيقة العلاقة بالمنطق، بالنظر إلى الانقسام الذي يمكن أن يحدثفي اليمن، نتيجة عدم نزع أسلحة الكيانات المناهضة للحكومة الشرعية،باعتبار أن هذه الأخيرة هي من تمثل الدولة اليمنية، ووحدتها وسيادتها.كما أن أي انتقاص او اجتزاء لاتفاق الرياض الذي ينظر إليه العالموالمجتمع الدولي بأنه بداية للحل الشامل والتسوية النهائية للصراع اليمنيحتى مع الحوثيين، قد يؤدي البلد إلى مزيد من التشظي والانقسام، وبالتاليارتهان قرارها السيادي لسيطرة الخارج، سواء كان هذا الخارج البعيد أم كانالجار القريب.المحاولة الأخيرة لإنقاذ الشرعيةورغم النظرة السوداوية التي حملتها بعض فقرات مقال بن دغر، وتوقعاته "غيرالوردية" لمستقبل اليمن وسيادته، جراء عدم التنفيذ الجيد لاتفاق الرياض،إلا أن المقال حمل في طياته إشارات أمل، حتى ولو كانت ضئيلة وغير كافية.فالرجل يرى أن القبول بالتوزيع الحالي للحكومة المرتقبة من قبل قياداتحزب المؤتمر الشعبي العام، يفسح المجال لإمكانية إصلاح الوضع الداخليللبلد، سياسياً وعسكرياً، حتى وإن كان ذلك على حساب حصة المؤتمر ونسبتهمن هذه المحاصصة.وهو بذلك يشير إلى ما يمكننا تسميته ووصفه بـ"تضحية" المؤتمر لصالحالوطن، وفق رؤية بن دغر، الذي برر تلك التضحية بما وصلت إليه البلد منصراعات وأزمات، في ظل عدم وجود أي حلول ممكنة أخرى، وفق إشارته في مقاله.غير أنه يربط هذه التضحية كما يصفها، بسعي المؤتمر الشعبي "لإنقاذ جبهةالشرعية"، لافتاً إلى وجود أطراف- لم يسمها- ترغب في "تغييب" الشرعية عنالمشهد السياسي بشكل كلي، إلا أن المؤتمر حريص على إبقائها، باعتبارهارمز للحفاظ على وحدة اليمن.يقول: "... ليست المشاركة المؤتمرية في الحكومة بهذا التوزيع غير العادلللحقائب الوزارية إلا محاولة أخرى، أخشى أن تكون الأخيرة، لإنقاذ ما يمكنإنقاذه في جبهة الشرعية، التي تعيش مراحل صعبة من وجود يرغب البعض فيغيابه كليَّةً من المشهد السياسي، ونحرص على بقائها حرصًا على وحدةالوطن".هذا الخرص الذي يحرص عليه بن دغر، ويجتهد في الإشارة إليه، يربطه بأهدافوطنية تمليها غايات حزب المؤتمر الشعبي العام، كما في الفقرة التالية،التي تقول: "... لم نقايض مشاركتنا في الحكومة بأي شيئ، ولم نعطي لغيرالاعتبارات الوطنية مكانا في حساباتنا، ولسنا على استعداد للمقايضة،ولكنها (مشاركتنا) في الحكومة مساهمة وطنية مؤتمرية دعماً لمقاتلينا وكلالوطنيين الصامدين على اختلاف مشاربهم في كل الجبهات.استراتيجية النصرلم يكن حديث بن دغر عن مجريات اتفاق الرياض المشاورات المستمرة فيالعاصمة السعودية بمنأى عن الحرب اليمنية مع العدو الحقيقي المتمثل فيالمليشيات الحوثية، بالنسبة لحرب اليمنيين، ومع العدو الإقليمي المتجسدفي إيران بالنسبة للتحالف العربي.لهذا يعتبر مراقبون أن بن دغر وضع في مقاله الأخير أهدافاً حزبية،ووطنية، وأخرى إقليمية وعربية، وربط بينها حتى جعلها وحدةً موضوعيةمترابطة بإحكام، لم يستثني منها دور حزبه في تسهيلها والسعي نحوها، وتجلىذلك عبر رؤيته لكيفية الانتصار على المشروع الحوثي والإيراني على السواء.فهو يعتقد أن النصر على الحوثيين، ومن وراءهم إيران ومشروعها في المنطقةيمكن أن يتحقق من خلال رؤى استراتيجية بعيدة المدى، قد تبدأ بتشكيل حكومةتوافقية تضم الجميع وتوحيد جبهاتهم لمواجهة المشروع الحوثي الإيراني.وكما جاء في المقال، فإن "... مساهمة المؤتمر وقد قلبنا على كل الوجوهمغزاها، في معركة نرى أن النصر فيها على الحوثيين وإيران ممكن، بلوضروري، ضرورة الوجود الكريم ذاته، لكن تحقيق النصر فيها يتطلب خططًاواستراتيجيات مختلفة".ويبدو بن دغر موفقاً إلى حد بعيد وهو يقدم هذا التوصيف ثلاثي الأبعاد،حزبياً ووطنياً وإقليمياً، انطلاقاً من النجاح في تشكيل الحكومة أولاً،والتنفيذ الكامل وغير المجزأ لاتفاق الرياض، تمهيداً لمواجهة العدو الحقيقي.