يُقدّر عدد المهمشين في اليمن، بنحو 3.3 مليون، أي 11% من إجمالي عدد السكان، وفقا لإحصائية صادرة عن اتحاد المهمشين اليمنيين. تعيش هذه الشريحة في مدنٍ عشوائية معزولة، ويعمل معظمهم عمّال نظافة، وفي مهن هامشية أخرى، ولايزال المجتمع يرفض اندماجهم فيه.
إقصاء وازدراء
عام 2013، اختير نعمان الحذيفي ممثلاً للمهمشين في مؤتمر الحوار الوطني. وفي النصف الثاني من مؤتمر الحوار قام نعمان بوقفة احتجاجية على استبعاد الأجهزة الأمنية 18 طالباً من المقبولين في الكليات العسكرية "بصورة تمييزية، كونهم من المهمشين". أثناء الوقفة مزق ضابط أمن المؤتمر لافتة كان يحملها نعمان، واعتدى عليه مما دفعه للانسحاب من المؤتمر، قبل أن يتصالحا، ليعود إلى ممارسة دفاعه عن حقوق المهمشين في المؤتمر. يقول نعمان الحذيفي: "المهمشون ينظرون الى مؤتمر الحوار بعيون المنقذ الوحيد لما لحق بهم من ظلم وحرمان وتمييز خلال العقود الماضية، وإذا لم ينصفنا المؤتمر ، سيكون هذا انتحارا جماعيا لنا،

فنحن كمهمشين حرمنا من حق العيش الكريم، في الوقت الذي ينظر فيه المجتمع إلينا كعمال نظافة ومتسولين، مع أن فينا من يحمل شهادات عليا. لابد أن تزول الكراهية والازدراء حتى نعيش كبشر داخل مجتمعنا".
معاناة يومية
"أبدأ عملي يومياً على سماع الكلمة التي تجرح مشاعري: خادم. أسمعها من الناس في الشارع"، هكذا يتحدث عبد العليم (22 عاماً، عامل نظافة)، ويضيف: "المجتمع لا يقدّر ما نقوم به من أعمال تحافظ على البيئة والصحة والنظافة".
إعادة صياغة
القوانين والتشريعات اليمنية، لا تعترف بحقوق خاصة للمهمشين، وفي هذا السياق يقول الخبير القانوني والحقوقي عز الدين الأصبحي، رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان: "المشكلة الأكبر في اليمن ليست في القوانين، ولكنها في البعد الثقافي والاجتماعي تجاه الفئات التي يتم تهميشها بنظرة عنصرية". ويضيف: "اليمن بحاجة إلى تغيير جاد في منظومة القيم الثقافية والاجتماعية التي تتحكم به، ولهذا على اليمنيين أن يعيدوا صياغة عقدٍ اجتماعي جديد ينظم العلاقة في المجتمع ويبني الدولة بروح العصر والانتماء إلى قيم العدالة والمساوة وحقوق الانسان".
تجربة مريرة
في مجتمع محافظ كاليمن، يحرم على المرأة أن تعمل ليلاً؛ إلا أن النساء المهمشات لا يشملهّن هذا التحريم المجتمعي؛ فهنّ يعملن في نظافة الشوارع إلى وقتٍ متأخر من الليل، مما يعرّضهن للعنف والمضايقة بشكلٍ متكرر.
سميرة (19 عاماً، عاملة نظافة) تتحدث عن تجربة مرّت بها: "في إحدى الليالي كنتُ أقوم بعملي في الشارع كعادتي، وكان مظلماً بسبب انطفاء الكهرباء. فجأةً وقفتْ سيارة بجانبي، وسألني صاحبها إن كنت أريدُ شيئاً، شكرته على لطفه وواصلتُ عملي، غادر الشارع، وبعد دقائق عادتْ السيارة من جديد، ووقفتْ بالقرب مني، نزل رجل، يلبس الزي اليمني التقليدي؛ لم ألاحظ وجوده في المرة الأولى؛ وأجبرني على دخول السيارة، وأخذوني إلى منطقة على مشارف صنعاء، قاومتُ رغبتهم، لكنهم شتموني وضربوني، وأخذواْ ما أرادواْ مني، ثم رموني في الشارع بين الحياة والموت".

حب قاتل
ومع أن الحب هو تجسيد لمعنى الحياة، إلاّ أنه قد يعني الموت أحياناً. فمحمد، 26 عاماً، من فئة المهمشين، يروي قصة حبّه لفتاةٍ لا تنتمي إلى فئته الاجتماعية: "أحببتُها بصدق، وأحبتني كذلك. لكن هذا الحب كاد يُنهي حياتي؛ ففي أحد الأيام اتصلتْ بي، وطلبتْ أن أتقدم لخطبتها بشكل رسمي، فوافقتُ على الفور. ذهبتُ في الموعد مصطحباً معي أبي وعمي، دخلنا إلى البيت، وجلسنا في مكانٍ مكتظٍ بالمخزنين (المتناولين للقات)، وبعد وقتٍ قصير سألنا أبو الفتاة عن سبب مجيئنا؛ فأجاب أبي: نرغبُ في خطبة ابنتكم لابني محمد. كل من في المجلس نظر إلينا، وكأننا كفرنا بالله، تمالك أبو البنت أعصابه، وقال: سأسأل البنت عن رأيها وأرد لكم خبر. في المساء سمعتُ صوت بابنا يُطرق، خرجتُ لفتحه فباشرني شخصٌ بطلقات نارية؛ أصابتني إحداها في كتفي؛ بعدها وصلتني رسالة إلى جوالي تقول: هذا جوابنا على طلبكم اليوم".
عوامل مختلفة
يرى الدكتور عادل الشرجبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، أن استبعاد المهمشين وعدم اندماجهم في المجتمع يرجع إلى ثلاثة عوامل رئيسة: "الأول هيمنة الثقافة القبلية القائمة على التراتبية والتمييز على أساس المكانات الاجتماعية الموروثة، والثاني تحيز السياسات العامة لمصالح النخب على حساب مصالح الفئات الاجتماعية الضعيفة والمهمشة، والثالث استسلام المهمشين أنفسهم لأوضاعهم، وعدم السعي لتغييرها".
من: أحمد الشامي