ألقت الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015 بآثارها السلبية على جميع جوانب الحياة في هذا البلد الذي يعاني إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم. ولم يكن قطاع التعليم الجامعي استثناء، إذ تعرض لانتكاسة كبيرة تمثلت في العزوف عن الالتحاق بالتعليم في الجامعات اليمنية.
جامعة تعز، وهي واحدة من كبريات الجامعات في اليمن، تشهد عزوف الطلاب عن الالتحاق بكلياتها وأقسامها، ما تسبب بإغلاق عدد من الأقسام، علماً أن أقساماً أخرى مهددة بالإغلاق بعدما بات عدد الطلاب الملتحقين بها لا يتجاوز عدد أصابع اليد، ما يعطي مؤشراً بشأن وضع التعليم الجامعي الذي يواجه تحديات وصعوبات تهدد بانهياره.
خالد العماري، وهو طالب جامعي، يقول لـ"العربي الجديد": "قدمت ملفي للتسجيل في كلية الطب - قسم الصيدلة في جامعة تعز، لكنني لم أتوفق في امتحان القبول، ورفضت الالتحاق بأي كلية أخرى بسبب عدم وجود فرص عمل، واضطررت للتسجيل في قسم الصيدلية في جامعة خاصة على الرغم من ارتفاع الرسوم الدراسية".
يضيف: "الطالب الجامعي اليوم يفكر في سوق العمل قبل اختيار تخصصه الجامعي، بسبب قلة فرص العمل في كثير من المجالات، وانعدامها في مجالات أخرى. لذلك، تعد أقسام الصيدلة والمحاسبة مقبولة تقريباً، بينما لا يفكر الطلاب في الالتحاق بكلية التربية أو الآداب مثلا، وصار هناك عزوف كبير عن الالتحاق بأقسام العلوم الاجتماعية بشكل عام".
وأخيراً، بات إقبال الطلاب على جامعة تعز محصوراً بالالتحاق بثلاث كليات فقط، هي كلية الطب والعلوم الصحية، وكلية الهندسة، وكلية العلوم الإدارية، فيما تدنى الإقبال بشكل كبير جداً على كلية الآداب، وكلية العلوم التطبيقية، وكلية التربية، ما تسبب بإغلاق عدد من الأقسام في هذه الكليات، فيما تبدو أقسام أخرى على وشك الإغلاق.
وخلال الأعوام الجامعية السابقة، كان عدد الملتحقين بكلية التربية بأقسامها المختلفة يصل إلى 3 آلاف طالب وطالبة، لكن عدد الملتحقين بالكلية هذا العام بلغ 196 طالباً وطالبة فقط، ما يعكس حالة العزوف عن الالتحاق بأقسام هذه الكلية.
في هذا السياق، يقول الدكتور محمد سعيد الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن هناك أقساما أغلقت في الكلية لعدم إقبال الطلاب عليها، وهي أقسام الفيزياء والرياضيات والأحياء والكيمياء، وهناك أقسام مهددة بالإغلاق وهي علم النفس التي تشمل قسم رياض الأطفال، وقسم الإرشاد النفسي، وقسم التربية الخاصة، بسبب قلة أعداد الطلبة الذين التحقوا بها، ولا يتجاوز عددهم خمسة إلى ثمانية فقط".
ويتحدث عن أسباب العزوف عن الالتحاق بأقسام كلية التربية، منها عدم توظيف الحكومة الخريجين من كلية التربية منذ أكثر من 15 عاماً، وعدم إحالة المتقاعدين من المدرسين إلى التقاعد، وانقطاع الرواتب عن المعلمين، وانهيار العملة الوطنية، الأمر الذي جعل راتب المدرس لا يكفيه للعيش أكثر من أسبوع بسبب ارتفاع أسعار السلع الضرورية". يضيف أن من أسباب العزوف عن الالتحاق بأقسام الكلية أيضاً، عدم فتح تخصصات جديدة تتناسب مع متطلبات سوق العمل، وعدم قدرة الكلية على دفع حوافز مالية لتشجيع الطلاب على الالتحاق بأقسام الكلية بسبب توقف الدعم الحكومي المالي للجامعة".
وفي كلية الآداب، أغلقت عدة أقسام، أبرزها اللغة الفرنسية، والجغرافيا، والفن التشكيلي بسبب عدم إقبال الطلاب على الالتحاق بها. وبررت الجامعة قرار إغلاق شعبة الفن التشكيلي بقلة الكادر التدريسي، إذ إن معظمهم من المتعاقدين، وانعدام الموارد وزيادة الميزانية التشغيلية، وضعف الإقبال من قبل الطلاب الذين يرون قلة وندرة فرص العمل لخريجي الفن التشكيلي.
ومن بين الأسباب التي فاقمت مشكلة العزوف عن الالتحاق بجامعة تعز، هجرة الكادر الأكاديمي إلى خارج البلاد بسبب الأوضاع الناتجة عن الحرب، ما جعل الجامعة تستعين بمدرسين بنظام التعاقد، في ظل النقص الكبير في الكادر التعليمي. كما أن انتشار الجامعات الخاصة ساهم أيضاً في استقطاب الكادر الأكاديمي لجامعة تعز نتيجة تقديم الجامعات الخاصة أجوراً مالية أعلى.
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع محمود البكاري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "قلة الإقبال على بعض الأقسام النظرية يمكن أن يكون بسبب بحث الطلاب وأولياء الأمور عن فرص تعليمية تواكب متطلبات سوق العمل، ومنها التخصصات الطبية والهندسية، مع أن هذه التخصصات على وشك أن تعاني بسبب تخمة الخريجين، وبالتالي فإننا سنواجه مستقبلاً عزوفاً عن الالتحاق بهذه التخصصات بسبب تشبع السوق وعدم توفر فرص العمل. لذلك، فإن مشكلة التعليم الجامعي سواء الحكومي أو الخاص هي عدم مراعاة خطط التنمية في التخصصات الجامعية". يضيف أن إحدى أهم النتائج السلبية لما هو قائم حالياً، تتمثل بأننا سنعاني في المدى المنظور من غياب الكادر التربوي، وخصوصاً مع تقاعد أعداد من المدرسين سنوياً".
من جهتها، تقول الباحثة التربوية ميادة محمد، لـ"العربي الجديد"، إن سبب العزوف عن الالتحاق ببعض الأقسام في جامعة تعز، وخصوصاً أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية، يعود إلى أن الطالب يرى عدم وجود مستقبل لهذه الأقسام في المستقبل. مثلاً، ما هي الوظيفة التي سيحصل عليها في ظل هذا الواقع حين يتخرج من قسم الفنون الجميلة أو علم النفس أو علم الاجتماع أو كلية التربية؟ كما أن هناك عقدة مجتمعية من وظيفة المدرس نتيجة العمل الشاق والراتب المتدني، بالإضافة إلى توقف التوظيف منذ حوالي 15 سنة".
تضيف أن هناك جهلاً من قبل الدولة والمجتمع بأهمية العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تهتم بدراسة التفكير البشري والمجتمع، وبالتالي فإن إهمال الدولة لمخرجات هذه الأقسام رغم أهميتها، تسبب بعزوف الطلاب عن دراستها. ويجب على الدولة أن تشجع على تدريس هذه العلوم وتوضيح أهميتها للمجتمع، وتوفير كادر مؤهل لتدريس هذه العلوم، وتوفير وظائف للخريجين واستيعابهم، ونشر الوعي بأهمية هذه التخصصات".
وتأسست جامعة تعز في 19 إبريل/ نيسان 1993، وافتتحت في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 1995 في مدينة تعز، وتتكون من ثماني كليّات و17 مركزاً علمياً ودوائر مختلفة. ويزيد عدد طلاب الجامعة عن 30 ألف طالب وطالبة، وتشكل الإناث النسبة الأكبر وتصل إلى 70%.