يعمل الحاج (محمد بلحاف)، منذ عقود في صيد الأسماك، ومنها سمك العيدة أو السردين الصغيرة جداً، من أجل توفير كل ما يلزم اسرته من احتياجات الحياة. ومع تطور وسائل صيد الأسماك، قام الحاج محمد بتحويل جملة ما يصيده الى المصانع في المهرة، الى أن صدم بقرار إغلاق المصانع في محافظة المهرة شرقي اليمن.
يقوم الحاج محمد بتجفيف أسماك العيدة التي اصطادها، ويرسلها الى المصانع، ومع صدور قرار إيقاف المصانع الأخير، يعتبر الحاج بأن سبل العيش قد انتهت، ويقول "نحن نعيش على التجفيف والجُرُف، والان الناس محد اشترى العيدة، جت عندهم أمطار، والعيدة حقنا تكودت، بغينا نعشي عيالنا، بغينا للعمال ما عندهم شي"، وبعد أن أكد توقف سبل الرزق للصيادين -وفق حديثه- على توقف المصانع، قال "ولكن لو ما فتحوا المصانع ما بنعيش، ما عيشتي إلا من المصانع، لأن الاستهلاك المحلي ما في، وين أدبر العائد هذا؟ وأين ابيعه؟"
كان حديث الحاج يعرض جزءاً من مشكلة كبيرة، تتمثل بقرار ايقاف مصانع تعليب الأسماك في المهرة، والتي تمس مصلحة فئة واسعة من اليمنيين، تعتمد بشكل كلي على الصيد وبيع الأسماك للمصانع في المهرة، شرقي اليمن.
إذ يعمل ما يصل إلى 500 ألف من السكان المحليين في المناطق الساحلية في اليمن في صيد الأسماك والأعمال المرتبطة بها، ويعيلون 1.7 مليون نسمة تقريباً، والتي تشكل فئة كبيرة من الطبقة العاملة في اليمن، خصوصاً بعد شحة الوظائف في البلد منذ اندلاع الحرب في العام 2015م.
وعلى الرغم من شحة فرص العمل وتوقف التوظيف في الحكومة منذ أكثر من عقد، يتعرض الصيادون في محافظة المهرة، وعلى امتداد ساحل البحر العربي، لخسائر كبيرة، نتيجة عدم القدرة على التسويق، وتكدس الأسماك في السوق المحلية بعد قرار إيقاف تصدير الأسماك إلى الخارج، ومنع المملكة العربية السعودية ودول الجوار دخول منتجات الأسماك إلى أراضيها، مما فاقم معاناة الصيادين وانخفاض أسعارها إلى مستويات تؤدي إلى خسائر كارثية على الصيادين.
وزير الزراعة والثروة السمكية أصدر قراراً بإيقاف مصانع تعليب الأسماك في محافظة المهرة، مما أدى إلى إلحاق أضراراً جديدة بالصيادين خصوصاً، والعاملين في قطاع صيد الأسماك بشكل عام، تمثلت الآثار السلبية لقرارات إيقاف مصانع انتاج مسحوق السمك، والتي كانت تستوعب مخلفات الأسماك، والأسماك الزائدة عن حاجة السوق، أو الأسماك غير المرغوب فيها في الأسواق المحلية والإقليمية، مثل اسماك السردين الصغيرة، والتي ظهرت بكميات ضخمة في سواحل المهرة والبحر العربي مؤخراً.
محمد المهري أحد تجار الأسماك، طالب وزير الزراعة والثروة السمكية، بتعديل قراره، بسبب زيادة أعداد سمك السردين هذا العام، مقارنة بالاستهلاك الخجول في السوق المحلية، ويقول " الان معانا أكثر من عشرة الف كيس، أو عشرة اطنان وزيادة، ما احنا داريين ايش نسوي فيه" ورغم أنه تفاجئ من العدد الكبير الذي حصل عليه هو وعماله البالغ عددهم 120 عاملاً تقريباً من الأسماك هذا العام، مقارنة بالسنوات الثلاثة السابقة -حد تعبيره- إلا أنه بات عبئاً شديداً عليه في ظل تكدس الأسماك، يقول "يطلبون مني كل يوم خميس حسابهم، والآن انا متورط بحقهم".
يشير الخبير في الأسماك والأحياء البحرية د. مهند باخبيرة، أن سمك العيدة أو السردين الصغيرة جداً، من الأسماك المهاجرة، ولها موسم معين، تظهر فيه بسواحل المهرة، يتم اصطيادها بكميات ضخمة دون أن تؤثر على الشعب المرجانية والبيئة البحرية، قد تواصل هجرتها الى دول أخرى، في حال لم يتم الاستفادة منها، ويقول "أن مصانع انتاج مسحوق الأسماك موجود في كل العالم، وما هو موجود في اليمن جزء صغير جداً، ينتج كميات لا تذكر أمام الانتاج العالمي" وتعتبر المهرة من أهم مراكز التسويق لدى الصيادين في المهرة وساحل البحر العربي، كون الموسم يأتي ويستفيدون من الكميات المهولة عبر بيعها لمصانع انتاج مسحوق الأسماك.
ولكن بعد صدور قرار وزير الزراعة والثروة السمكية بإغلاق مصانع انتاج مسحوق السمك، الذي راعى به القدرة الشرائية للمواطن البسيط لشراء الأسماك، ولم يراعي الكارثة الكبيرة التي ستحل بالصيادين بعد إغلاق هذه المصانع،
يرى باخبيرة، أن السماح بفتح هذه المصانع بضوابط تضمن عدم تأثر البيئة البحرية وتمنع الصيد الجائر، بما يحقق الاستفادة من الكميات المهولة من اسماك السردين، وبيعها لمصانع انتاج مسحوق ومخلفات الأسماك فقط، سيساهم برفع مستوى الربح وتسديد الديون المتراكمة على الصيادين، ويحقق مستوى عائدات اضافي للاقتصاد الوطني.
يعد مجال صيد الأسماك، من المجالات الحيوية، التي تمثل شريحة هامة في المجتمع، وتعتمد على هذه الفئة اكثر من مليون من الأسر اليمنية، إذ تتنوع الأعمال في هذا المجال، كالصيادين والعاملين في التسويق والبيع، وبائعي القوارب والعاملين على صناعتها وصيانتها، وناقلي العمال من والى سواحل الصيد، وعمال مصانع طحن الأسماك وتعليبها، وغيرها من الوظائف المتصلة بهذا المجال اتصالاً وثيقاً.
يعمل سالم زعبنوت، أحد ابناء المهرة، في نقل الصيادين وأدواتهم إلى المدينة، يرتبط مصدر دخل سالم بعمل الصيادين ورحلتهم اليومية من مناطقهم إلى البحر، مما يثير مخاوفه، يقول "نطالب إلغاء هذه القرارات، لأن أصحاب المنطقة تضرروا، والناس كلهم تعبوا هنا، إحنا ننقلهم من ثلاث اسابيع ما يحصلوا حسابهم، ويضطروا يتركوا هذا العمل" ويعود ليؤكد بأن دخل هؤلاء الصيادين من مصدر واحد فقط بقوله "رزقهم من هذه البحار".
الجدير بالذكر، أنه على الرغم من أن اليمن من البلدان التي تمتلك ثروة سمكية وبشرية كبيرتين، وتعد من المواطن الرئيسية التي تمر بها هجرة سمك السردين الصغيرة جداً، وفي حين أنها تمر بأزمة اقتصادية حادة قد يسهم هذا الموسم بالتخفيف منها، إذا ما تم استغلاله بشكل جيد، إلا أنها من البلدان التي لم توثق كمية إنتاجها من مسحوق السمك سنوياً حتى اللحظة، ولم تدخل في السوق العالمية لدقيق السمك وصناعة زيت السمك، والتي قدرت بـ 12.2 مليار دولار أمريكي في عام 2022 ومن المتوقع أن يصل حجمه إلى 19.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032، بل وأوقفت تصدير الأسماك إلى الخارج، ومؤخراً أوقفت مصانع تعليب وطحن الأسماك، دون وضوح لرؤية قيادة هذه البلد التي تعيش كل هذه الأزمات.