آخر تحديث :الأربعاء-27 نوفمبر 2024-12:48م
دولية وعالمية

وثائقي “ملفات بيبي” يفضح نتنياهو.. يعاني من تنمر سارة، ويتهرب من المحاكمة بافتعال الحروب...

الأربعاء - 27 نوفمبر 2024 - 10:40 ص بتوقيت عدن
وثائقي “ملفات بيبي” يفضح نتنياهو.. يعاني من تنمر سارة، ويتهرب  من المحاكمة بافتعال الحروب...
(عدن الغد)متابعات

رغم الحظر على عرضه، أثار الفيلم الوثائقي "ملفات بيبي" – الذي يكشف تحقيقات شرطة الاحتلال مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأفراد عائلته – ضجةً بين الإسرائيليين، الذين تسابقوا على مشاركة مقاطعَ منه على صفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي.

وتم عرض مقاطع من الفيلم في مهرجان "تورنتو" السينمائي الدولي في 11 سبتمبر/أيلول الماضي، وقبل أيامٍ، تم رفعه على تطبيق "غولت الأمريكي"، ما استدعى آلاف الإسرائيليين إلى استخدام شبكة "VPN" لتجاوز الحظر المفروض عليه لمشاهدته.

وفي إسرائيل، يحظر القانون نشر لقطات تحقيقات الشرطة، وبالتالي يمنع عرض الفيلم داخلها.

وحاول نتنياهو منع عرض الفيلم في مهرجان تورنتو. والسبب، كما جاء في الالتماس العاجل الذي قدمه محاميه في القضية 2000 (المتعلقة بالرشوة التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي لمالك صحيفة يديعوت أحرونوت أرنون موزيس)، هو أن "أحد منتجي الفيلم، وهو الصحفي رافيف دراكر، أعلن نفسه علناً خصماً سياسياً لنتنياهو". لكن قاضي المحكمة رفض الطلب.

واللافت أن عرض الفيلم جاء بالتزامن مع قرار المحكمة العليا بدء الاستماع لشهادة رئيس الوزراء الإسرائيلي في ملفات الفساد المتهم بها في ديسمبر/كانون الأول 2024.


ماذا يعرض فيلم "ملفات بيبي"؟


"ملفات بيبي" هو فيلم وثائقي أمريكي من إخراج ألكسيس بلوم وإنتاج أليكس جيبني. يعرض تسلسل الأحداث منذ فوز نتنياهو الساحق بانتخابات عام 2015، مروراً بتقديم لوائح الاتهام ضده.

وفي سياق فضائح الفساد، تبدو الاتهامات الموجهة إلى نتنياهو وعائلته – مثل تلقي الهدايا الفاخرة من سيجار وشمبانيا إلى المجوهرات – بسيطة مقارنة بجرائم كبرى قامت بها رؤساء في العالم. لكن الفيلم يظهر كيف أن هذه السلوكيات تُعدُّ صادمةً بالنسبة للإسرائيليين الذين يحتفظون بجذور اشتراكية عميقة من تراث الكيبوتس.

ويشير الفيلم الوثائقي إلى أن نتنياهو مرعوب من الإطاحة به وسجنه، إلى الحد الذي يجعله على استعداد لإثارة الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي لتجنب ذلك.

وبحسب موقع "فاريتي" الأمريكي، فإن الفيلم يقدم حجة قوية مفادها أن تحالف نتنياهو مع أقصى اليمين في إسرائيل وإصراره على إطالة الحرب على غزة دون أفق، كان مدفوعاً بالكامل تقريباً بمحاولته التهرب من التهم الموجهة إليه.

ويرتكز فيلم "ملفات بيبي" على لقطاتٍ مسرّبة من التحقيقات مع نتنياهو في قضايا الفساد (1000 و2000 و4000)، إلى جانب مقابلات مع شخصيات إسرائيلية رئيسية، مثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، ورئيس جهاز الشاباك السابق عامي أيالون، والصحفي رفيف دراكر.

ويولي الفيلم اهتماماً خاصاً بقضية أرنون ميلشان، منتج هوليوود الإسرائيلي، الذي قدم لعائلة نتنياهو هدايا تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الشواقل. حيث يُقدّم الفيلم العلاقة بين ميلشان ونتنياهو باعتبارها حالة اختبار كلاسيكية للعلاقات بين رأس المال والحكومة، عندما أدت الهدايا المزعومة إلى تدخل نتنياهو في شؤون الضرائب والتأشيرات لصالح المنتج.

ورغم أن اللقطات المسرّبة أُجريت منذ أكثر من ثماني سنوات، إلا أنها لم تُعرض في أي مكان، بما في ذلك إسرائيل، بسبب قانون الخصوصية في البلاد.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الفيلم يُقدّم صورة غير إيجابية عن نتنياهو، الذي يتصرف انطلاقاً من مصالح واعتبارات شخصية، ويُظهر مدى تأثير زوجته سارة وابنه يائير عليه.

ويحاول نتنياهو خلال جلسات استجوابه البروز كشخصية ذات نزاهة، إذ تتلخص استراتيجيته بالإنكار، حيث يقول موقع "فاريتي" إن 95% من إجاباته على أسئلة المحققين تمثلت بـ"لا أتذكر".

ولا يقتصر الأمر على الإنكار، إذ حاول نتنياهو التلاعب بمشاعر محققي الشرطة من خلال مهاجمتهم بنبرة عالية. وفي إحدى المقابلات التي تداولها الإسرائيليون على مواقع التواصل الاجتماعي، يصرخ بوجه أحد المحققين: "هذا سخيف، أنت واهم".

ثم يستمع نتنياهو إلى تسجيلاتٍ صوتية لشهودٍ يصفون تجاوزاته وصفقاته غير القانونية التي أبرمها، مثل تسهيله قروضاً مصرفية بقيمة 250 مليون دولار لقطب الهواتف المحمولة الإسرائيلي شاؤول إلوفيتش، مقابل حصوله على السيطرة التحريرية على موقع "وللا". ويصرخ قائلاً: "أكاذيب.. كلها أكاذيب"، في سعيه لاستمالة المحققين لتصديقه.

وفي مقطع فيديو آخر، حاول نتنياهو إظهار "المظلومية" خلال التحقيق معه، حيث قام بضرب الطاولة بيده، متهماً الشهود باختلاق القصص ضده. وعلّق الناقد السينمائي بمجلة "فاريتي"، أوين جليبرمان، قائلاً: "لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي ممثل كبير مثل ترامب، وساحر في وقاحته".

ويكشف "ملفات بيبي" أن محامي نتنياهو نصحه بتقديم استقالته والانسحاب من المشهد السياسي عند تقديمه للمحاكمة لأول مرة عام 2019، لكن رئيس الوزراء رفض ذلك وأصر على تمرده.

ووصف رئيس الوزراء الأسبق أولمرت نتنياهو بأنه شخصية متعالية لا يستطيع أحد التعرض لها، وتتحدى النظام في إسرائيل.

وفضّل نتنياهو الهروب إلى الأمام بعد وقوف أحزاب يسار الوسط في الكنيست ضده، متجهاً نحو أقصى اليمين. حيث تحالف مع شخصياتٍ مؤيدة للإرهاب المناهض للفلسطينيين، مثل بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير الذي احتفل علناً باغتيال إسحاق رابين، ليشكّل رئيس الوزراء الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ السياسة الإسرائيلية.

ويقارن أحد الشخصيات في الفيلم رئاسة نتنياهو للحكومة بمسلسل "بيت من ورق". وتقول المخرجة بلوم: "هذه القصص عن نتنياهو معروفة جيداً في إسرائيل. وقد قال لي العديد من الإسرائيليين إنه يجب نشر المقاطع المسربة للعالم كله".


استغلال الحرب على غزة..


ويعتقد معارضو نتنياهو أنه لا معنى لحديثه بشأن "تدمير حركة حماس"، مشيرين إلى أنه يتذرع بذلك بهدف إطالة أمد الحرب للتهرب من محاكمته.

ويقول الناقد السينمائي جليبرمان إن اتهامات الفساد الموجهة له تفسر جنون نتنياهو بهذه الحرب الانتقامية التي لا نهاية لها.

فيما تؤكد المخرجة بلوم أن استمرار الحرب دون حل واضح يخدم مصلحة نتنياهو الشخصية، حيث يساعده ذلك على البقاء في السلطة وتجنب الملاحقة القضائية.

وتشير إلى "نظرية المؤامرة" التي ينسجها نتنياهو، محاولاً تصوير نفسه كسياسي قادر على حماية الإسرائيليين، متعمداً بناء مسيرته السياسية على غرس الخوف بأن "الإرهاب يتربص بنا"، و"أنه الوحيد القادر على إنقاذ الإسرائيليين".

أما المنتج جيبني، فقد شبّه نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي شن الحرب على الشيشان من أجل الارتقاء إلى مكانة بارزة في الكرملين. ويزعم فيلم "ملفات بيبي" أن هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول أعطى نتنياهو الذريعة أمام الجمهور الإسرائيلي المصدوم لشن الحرب.

ويرى المنتج الأمريكي أن نتنياهو، مثل بوتين، يعرف كيفية استخدام إخفاقاته لصالحه في قضية المختطفين، قائلاً: "إعادة المختطفين تتطلب استعداداً معيناً للتوصل إلى تسوية سياسية بالإضافة إلى تفكير طويل الأمد يتجاوز بقائه السياسي".

وفي العام 2002، ضحى بوتين بالرهائن الذين قتلوا على يد قوات الأمن التابعة له، ما أسفر عن مقتل 132 رهينة إلى جانب 40 مسلحاً شيشانياً، متذرعاً بأنه يحمي الأمة الروسية.

ويقول جيبني إنه عندما يتعلق الأمر بهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد كان حدثاً صادماً، "ولكن ما يحدث الآن في غزة لا يمكن أن يُسمى حرباً على حماس، فعندما تخرج الطائرات الحربية لقصف غزة بشكل يومي، لا تواجه مقاومة"، في إشارة إلى أنها حرب غير متكافئة.

كما نوّه جيبني إلى أن قائد حركة حماس، يحيى السنوار، بالنسبة لنتنياهو، يشبه أسامة بن لادن بالنسبة لإدارة جورج بوش، التي استغلت هجوم 11 سبتمبر/أيلول لإثارة رد فعل مبالغ فيه بهدف البقاء في السلطة.

فيما أكدت صحيفة "هآرتس" أن "الارتباط بين محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد والحرب على غزة، ربما يكون أعظم إنجازات الفيلم"، مشيرة إلى أن هذا الربط معلوم لدى الإسرائيليين، لكنه ليس واضحاً كثيراً لشعوب العالم، بما في ذلك اليهود.


هيمنة سارة على نتنياهو.. "يخاف منها"...


يتضمن الفيلم مقتطفات من جلسات التحقيق مع سارة، زوجة نتنياهو، التي تظهر في مقاطع الفيديو وهي توبخ المحققين لانشغالهم بـ"التفاهات" المتعلقة بتلقيها الهدايا.

ويكشف الفيلم ولع سارة نتنياهو بالمجوهرات الثمينة، فضلاً عن شغفها بالشمبانيا الفاخرة المقدمة لها.

وتقول هاداس كلاين، مساعدة رجل الأعمال أرنون ميلشان، خلال استجوابها من الشرطة، إن سارة طلبت منها أن تجعل ميلشان يشتري لها سواراً من الألماس بقيمة 42 ألف دولار.

وتعكس إفادات الشخصيات في الفيلم أسلوب الحياة المترفة لعائلة نتنياهو، فضلاً عن علاقاتهم وسيطرة سارة على شؤون زوجها والدولة. ولفت موظف سابق بمنزل نتنياهو إلى أن "كل تعيين في طاقم الوزراء كان يتطلب موافقتها، وإذا ما كان الوزير مخلصاً للعائلة".

وتقول المخرجة بلوم: "لم نتمكن من وضع بعض الأشياء التي قيلت في الفيلم، مثل الطريقة التي يجري بها نتنياهو اتصالاته، ووضع الهاتف بمكبر الصوت حتى تتمكن سارة من الاستماع إلى المحادثة".

وفي الفيلم، تؤكد كلاين أن "نتنياهو يخاف من سارة"، فيما يقول موظف سابق بمنزل نتنياهو: "كانت تتحكم بكل شيء وتعرف عنه كل شيء، وعندما لا تعرف مكانه، تتصل بخمسة أو ستة أشخاص من محيطه لمحاولة معرفة ذلك حتى تصل إليه".

وأكد الموظف السابق أن "مزاج سارة كان يتقلب بسبب الإفراط في تناول الشمبانيا التي قدمها ميلشان"، داحضاً مزاعم نتنياهو عن عدم معرفته بأمر الشمبانيا، قائلاً: "كان يصطحبها أحياناً إلى الطابق العلوي عندما تصرخ كثيراً بعد الشرب".

كما يظهر في المقاطع المسربة يائير، نجل نتنياهو، وهو يهاجم الشرطة الإسرائيلية خلال جلسات التحقيق، متهماً إياها بأنها تتصرف كجهاز الأمن بألمانيا الشرقية الشيوعية، وبمحاولة تنفيذ انقلاب سياسي ضد والده.


ماذا قالوا عن الفيلم؟


يقول المعلق في صحيفة "معاريف"، إيدو لازاري، إن فيلم "ملفات بيبي" نجح في تقديم رواية معقدة تجمع بين الجوانب الشخصية والسياسية. ويظهر كيف أن التحقيقات الجنائية التي يواجهها نتنياهو أصبحت المحرك الوحيد الذي ينسج قراراته السياسية، خاصة اختياره للشركاء الأكثر تطرفاً في التاريخ السياسي الإسرائيلي، مثل بن غفير وسموتريتش.

ويرسم الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في الفيلم صورة سلبية لشخصية جعلت البلاد رهينة لبقائها السياسي، في إشارة إلى نتنياهو، بحسب المعلق بصحيفة "معاريف".

ويوثق الفيلم كيف اختار نتنياهو، بدلاً من الاستقالة كما نصحه محاميه، محاربة النظام القانوني واللجوء إلى العناصر الأكثر تطرفاً، والذين كان يرفض في السابق حتى التقاط الصور معهم.

ورأى المعلق بصحيفة "معاريف" أن أهمية الفيلم تبرز ليس فقط في كشفه وثائق استقصائية، بل في تسليطه الضوء على الفساد الشخصي لنتنياهو، الذي يرافقه تدمير للنسيج الديمقراطي.

وشدد المعلق على أن الفيلم يذكّر بأن الخطر الأكبر على الديمقراطية يأتي من الفساد الحكومي، وأن الثمن لا يُقاس فقط بالخسائر المادية، بل أيضاً بتأثيره على استقرار المجتمع والدولة وحياة الناس.

أما صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فذكرت أن فيلم "ملفات بيبي" كشف لمحة عن سلوك نتنياهو وزوجته سارة وابنه يائير أمام محققي الشرطة، حيث أظهرت تلك المقاطع غطرستهم، وعدم خوفهم، وشعورهم بالتفوق على الآخرين.

ونقلت الصحيفة عن المنتج أليكس جيبني قوله: "يبدو الأمر كما لو أنهم فقط هم المهمون، وكل الآخرين مثل الحشرات"، مشيراً إلى أنهم يهاجمون الشرطة ويعارضون وسائل الإعلام أيضاً.

من جهتها، قالت الصحفية عنات كام في تقرير على صحيفة "هآرتس"، إن فيلم "ملفات بيبي" لا يحتوي على أي معلومات جديدة بالنسبة لأي شخص يتابع الصحيفة في العقد الماضي، ولكنه يظهر للمرة الأولى عمق الجنون الذي يحيط بعائلة نتنياهو.

وأكدت عنات كام أن الحكومة الإسرائيلية يقودها رجل لن يتردد في استخدام أي وسيلة للحفاظ على حكمه، بما في ذلك سفك دماء الإسرائيليين.

أما الناقد فرانك شيك، فوصف الفيلم في مقال على موقع "هوليوود ريبورتر" بأنه "نظرة كاشفة على مكائد السلطة"، قائلاً إنه يرسم صورة دامغة لغطرسة نتنياهو.

فيما اعتبر موقع "فرانس 24" الفيلم بأنه "قصة شكسبيرية تصور فساد رجل واحد، وكيف يمكن أن يكون قد لوّث الطبقة السياسية لأمة في حالة حرب".