أجرى الصحفيان عبدالباسط القطوي وشيماء سهيل حوارًا صحفيًا مطولًا مع مدير المكتب الإقليمي لمركز سوث 24 للاخبار والدراسات في عدن، الأستاذ يعقوب السفياني، إذ سلط الحوار الضوء على دور المركز البارز في اليمن مع استعراض أبرز مهامه وتأثيره على الساحة الإعلامية والبحثية، وكذا مناقشة كيفية تعزيز المركز حرية الصحافة والإعلام في مناطق الصراع، وأهمية التعاون مع الجهات الدولية والإقليمية في تحسين جودة المحتوى، وايضًا الرؤية المستقبلية لوسائل الإعلام في الجنوب، والتغييرات المحتملة في طرق التغطية الصحفية
بداية مرحباً بك أستاذ يعقوب السفياني مدير مكتب مركز "سوث 24" في هذا اللقاء، يمكننا أن نبدأ بالتعرف على أبرز مهام مركز "سوث 24" في اليمن وكيفية تأثيره على الساحة الإعلامية؟
-بدايةً نرحب بكم في المكتب الإقليمي لمركز "سوث 24" للأخبار والدراسات مركز "سوث 24" هو مؤسسة إعلامية وبحثية تأسست في سبتمبر 2019 في سويسرا، وافتتح هذا المكتب في 2 نوفمبر 2022م، وهو أول مركز خارج دولة سويسرا وهو في اليمن ومقره في عدن، المركز يمني يقوده طاقم من الصحفيين والباحثين اليمنيين، وبالتحديد من جنوب اليمن ومنذ خمس سنوات من تأسيس المركز.
-استطاع أن يضع نفسه في طليعة المؤسسات الصحفية والإعلامية على مستوى البلاد، حيث أن لديه جمهور واسع وقاعدة جماهيرية كبيرة، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" واستطاع المركز أن يحدث تغييرات كبيرة على مستوى الساحة الإعلامية والبحثية في اليمن، حيث قدم المئات من الإصدارات باللغتين العربية والإنجليزية، وركزت على القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، بالإضافة إلى قضايا المجتمع والمناخ والمرأة والشباب وغيرها من القضايا ذات الأهمية في بلادنا.
-المركز يركز بشكل كبير على الجمهور الأجنبي أكثر من تركيزه على الجمهور في الداخل، بهدف نقل ما يجري على أرض الواقع، وبالأخص في الجنوب، بطريقة مهنية محايدة ومستقلة، وغير مؤدلجة ولا مرتبطة بالأطراف السياسية أو الأحزاب التي قد تؤثر على العمل الإعلامي والصحفي، كما كان لدى المركز نشاط كبير في بناء القدرات للصحفيين والصحفيات، حيث أقام العديد من الدورات التدريبية التي استهدفت العشرات من الصحفيين من عدن ومن محافظات أخرى في مجالات مثل الصحافة الاستقصائية، والأوراق البحثية، والسلامة المهنية الميدانية، والمهارات الرقمية، والذكاء الاصطناعي وقد نظمنا مؤخراً عددًا من الفعاليات في هذا الاتجاه، مما وضع المركز في طليعة المؤسسات الإعلامية والصحفية والبحثية في بلادنا، ولكن ما زال الطريق طويلًا.
ما الدور الذي يلعبه مركز "سوث 24" في تعزيز حرية الصحافة والإعلام في مناطق الصراع؟
-كما تعلمون، اليمن بلد يشهد حالة من الحرب والصراع المستمر، حيث يستمر هذا الصراع منذ أكثر من تسع سنوات، وخلال أشهر قليلة سنكمل العقد ويُعتبر هذا الصراع من أكثر الصراعات دموية ومأساوية، مما تسبب في أزمات إنسانية تُعتبر من بين الأسوأ حول العالم لذلك، فإن دور الصحافة والإعلام في هذا البلد محفوف بالمخاطر والتحديات، إذ يواجه الصحفيون في بلادنا خطر الموت والقتل والاختطافات والاعتقالات، بالإضافة إلى العديد من التحديات الكبيرة التي قد لا توجد في معظم بلدان العالم، مثل تقييد الحريات ومشاكل تتعلق بالبنية التحتية كخدمات الإنترنت.
-لكن مركز "سوث 24" حاول أن يعزز الفضاء الإعلامي والصحفي في بلادنا من خلال دورات بناء القدرات للصحفيين والصحفيات، وهذه تعتبر من أهم الأنشطة التي نقوم بها كما حرص المركز على أن يكون حلقة وصل بين العديد من المؤسسات الصحفية والمراكز البحثية، ليشكل مجتمعًا مصغرًا لهذه المؤسسات، مما يدعم عمل الصحافة والإعلام في بلادنا.
بالتأكيد، يتعاون مركز "سوث 24" مع العديد من الجهات الدولية والإقليمية.. كيف يؤثر هذا التعاون على جودة المحتوى الذي يتم تقديمه؟
-كما تعلمون تعاني المؤسسات الصحفية والإعلامية في بلادنا من مشكلة كبيرة جداً وهي مشكلة التمويل وهذه المشكلة ترتبط بمشكلات أخرى تؤثر على استقلالية المؤسسات الإعلامية، مما يدفعها إلى الارتباط بأطراف أو أشخاص أو أجندات قد لا ترغب في ذلك، ولكن الوضع المالي للمؤسسة والحاجة إلى تسهيل الأمور يدفع ملاك المؤسسات ورؤساء التحرير إلى اللجوء إلى جهات معينة في الداخل أو الخارج للحصول على التمويل، مما يؤثر على المحتوى الإعلامي.
-ومع ذلك هناك جهات خارجية أجندتها واضحة ولا تتضمن أجندة سياسية، مثل وكالات الأمم المتحدة والمراكز الصحفية حول العالم نحن في مركز "سوث 24" نعتز ببعض هذه الشراكات، مثل الشراكة مع منظمة "روريبك البريطانية" التي تدعم الصحفيين المستقلين، وأيضًا مع منظمة "فريدريش الألمانية"، وهما من بين المنظمات العالمية الرائدة التي نتعاون معها. هذا التعاون ساعد مركز "سوث 24" في بناء قدرات الصحفيين والصحفيات، وتعزيز جودة المحتوى الإعلامي، كما أن الإنجازات التي حققها المركز جاءت نتيجة حصوله على بعض التمويل المستقل وغير المشروط.
ما هي رؤيتكم المستقبلية لوسائل الإعلام في الجنوب؟ وهل تتوقعون حدوث تغييرات جذرية في طرق التغطية الصحفية خلال السنوات القادمة؟
-بالنسبة لمستقبل وسائل الإعلام والمؤسسات الإعلامية والصحفية، فإن بلدنا جزء من العالم، والعالم يشهد نمواً كبيراً ومطردًا في عمل الإعلام والصحافة وحرية التعبير وحرية الرأي وأعتقد أن مستقبل الإعلام والمجتمع الإعلامي والصحفي في بلادنا مرهون بتحقيق السلام، وإنهاء الحرب، والتنمية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية وهذا سيساعد المؤسسات على الاستقلال المالي عن الأجندات التي قد تكون ضارة في الإعلام، والازدهار في الواقع الإعلامي والصحفي كما أن الأجيال الشابة التي نلاحظ تزايد توجهها نحو قطاع الإعلام ستساهم في خلق واقع أفضل من الواقع الراهن.
هل في موقف صعب واجهته في إدارتك للمركز؟
-بالطبع، كوني على رأس مركز إعلامي وبحثي، فإن التحديات تكون أحياناً أكبر من إدارة مؤسسات إعلامية أخرى مثل الصحافة الورقية وغيرها، لأنك كمركز تتعامل مع القضايا في المجتمع المحلي بطريقة أكاديمية وبحثية عميقة، وهذا الطرح الأكاديمي والبحثي العميق، الذي يستند إلى قواعد وهيكل متعارف عليه حول العالم، دائماً يسبب لك أضراراً مع جهات أو أحزاب معينة، مما يعرضك لمواقف صعبة، على سبيل المثال، تعرض بعض مراسلينا الميدانيين للاعتقال في بعض الحوادث، وبعضهم تعرضوا لسلب الكاميرات أو الهواتف الخاصة بهم كانت هذه المواقف صعبة بالنسبة لي كمدير مسؤول عن سلامتهم الشخصية، ومسؤول أيضاً عن الأدوات الخاصة بالمركز التي نستخدمها في العمل، وبما أننا في المركز لم اننحاز إلى أي حزب أو جهه سياسية وعلاقتنا متزنه مع الاطراف والاحزاب المسيطرة على الواقع كانت هذه العلاقات المتزه المحايدة تساعدني لمعالجة هذه المشكلات.
رسالة أخيرة تود أن توجهها للشباب الذين يسعون لإطلاق مشاريعهم الإعلامية في هذا الوقت؟
-بحسب خبرتي وعملي في هذا المجال خلال خمس سنوات، أن العديد من المشاريع والأفكار والمبادرات المتعلقة بالإعلام تنتهي بالفشل، والأسباب تعود غالبًا إلى عاملين رئيسيين العامل الأول هو الجمود والقصور في الابتكار ويوجد هناك نمو دائماً في وسط الإعلامي والصحافي ونلاحظ أن هناك تظهر عشرات المواقع بشكل مستمر، بينما تختفي عشرات أخرى، تظهر مبادرات إعلامية وتختفي وتختفي مبادرات إعلامية أخرى، لكن المتميز هو الذي يفكر خارج الصندوق ويقدم أشياء مبتكرة وأفكاراً غير موجودة، أو على الأقل، إذا كانت موجودة في الواقع، فإنه يقدمها بنمط خاص وأسلوب فريد وبصمة خاصة به.
-لذا أنصح أي شاب يرغب في فتح مشروع إعلامي، سواء كانت صحيفة أو إذاعة أو أي شكل آخر، أن يحرص على الابتكار في فكرته، وأن تكون هذه الفكرة مبتكرة من البداية إلى النهاية، ويجب أن يكون لديه رؤية واضحة لما ستكون عليه المؤسسة بعد عام أو خمس سنوات أو عشر سنوات، وكيف ستستمر حتى بعد رحيله، مشكلتنا في اليمن، وحتى في الثقافة العربية بشكل عام، أن الأشخاص غالبًا ما يربطون الأفكار بأنفسهم، مما يعني أن المؤسسة قد تتلاشى بعد رحيل الشخص، بالمقابل، إذا نظرنا إلى الغرب وأوروبا، نجد أن مؤسسات قائمة منذ قرون، ومؤسسات صحفية أسسها أشخاص قبل 200 أو 300 عام، لا تزال مستمرة حتى الآن هذا لأنهم وضعوا لها أسسًا تستمر بعد رحيلهم، فالمؤسسات تبقى بينما الأشخاص زائلون لذلك، يجب على الصحفي الشاب والإعلامي الشاب التركيز على الابتكار والاستمرارية.
-أما العامل الثاني الذي أود الإشارة إليه، فهو التوازن الذي يجب أن يخلقه الإعلامي بين الواقع السياسي والمهنة، بمعنى آخر، ألا تسمح لنفسك بالانغماس في أي طرف سياسي معين وان تصبح أداة إعلامية، ينتهي دورك كإعلامي متى ما أراد الممول ذلك لكن يجب أن تسعى لاستقلالية متوازنة، فلا أقول أن تبتعد تمامًا، لأنك إذا ابتعدت ستفشل أيضًا، لأن الأطراف السياسية ستعمل على محاربتك ولن تمنحك أي تمويل، لكن أن تعمل على علاقة متوازنة، حيث تقدم استشارات أو خدمات دعائية وإعلانية، وفي المقابل تحصل على حقك المادي وتحافظ على مساحة من الاستقلالية.