ملخص
تعد "قلعة صيرة" عين عدن في مراقبة حركة السفن القادمة والمغادرة لمينائها وحصناً منيعاً لصد هجمات الأعداء، حيث تقع إلى الشرق من مدينة كريتر في أعلى جبل جزيرة صيرة الصخرية البركانية الواقعة قرب ميناء عدن، وثاني أكبر الجزر المحيطة بشبه جزيرة عدن.
عرفت عدن بأهميتها التجارية والعسكرية والحضارية عبر الزمان لموقعها الاستراتيجي المهم، إذ عدت مدينة وميناء تجارياً وسوق قديمة من أسواق اليمن والعرب، وتكمن أهميتها في نسج العلاقات التجارية لليمن مع العالم الخارجي منذ القدم، كعلاقتها مع موانئ الساحل الشرقي الأفريقي واليونان والرومان ومصر، وكذلك ساحل البحر المتوسط والهند والسند وبلاد فارس، فيما لا يزال ميناء عدن يحتفظ بأهميته التجارية حتى يومنا هذا.
تحصينات عسكرية
لكن المدينة الإستراتيجية الجنوبية اليمنية كانت هدفاً لأطماع استعمارية وتعرضت لحملات عسكرية مختلفة، وكان لحصونها وقلاعها الدفاعية دور مهم في التصدي لهجمات الغزاة الطامعين، فما حكاية قلعة صيرة التاريخية التي مثلت في الماضي، النقطة الدفاعية المتقدمة لعدن وحاميتها البحرية؟
عين المدينة
تعد قلعة صيرة عين عدن في مراقبة حركة السفن القادمة والمغادرة لمينائها، وحصناً منيعاً لصد هجمات الأعداء، حيث تقع إلى الشرق من مدينة كريتر في أعلى جبل جزيرة صيرة الصخرية البركانية الواقعة قرب ميناء عدن، وثاني أكبر الجزر المحيطة بشبه جزيرة عدن بعد جزيرة العمال.
خطر الاندثار
ملخصاً واقع الحال الذي تعيشه القلعة التاريخية راهناً وماضيها المجيد، يقول مدير مركز "تراث عدن" وديع أمان في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "قلعة صيرة وبسبب الجهل بأهميتها التاريخية تعاني الإهمال والتخريب غير المتعمد مما يعرضها إلى خطر الاندثار، بعد أن كانت في الماضي حصن عدن المنيع وخط الدفاع الأول في وجه الغزو القادم من البحر، إذ تصدت لهجمات البرتغاليين وغيرهم، وأفشلت محاولاتهم السيطرة على المدينة".
حراسة غير متخصصة
وانتقد أمان تسليم مهمات حراسة القلعة إلى جهات غير متخصصة في الجانب السياحي، وقال "بحسب قانون السياحة اليمني يفترض أن تتولى شرطة سياحية حراسة الموقع الأثري، لكن من يقوم بحراستها هم جنود معسكرات ليس لديهم خلفية كافية عن المعالم التاريخية والأثرية وقيمتها الرمزية".
تاريخ بناء القلعة
أستاذة الآثار والحضارة الإسلامية رئيسة قسم الآثار والسياحة بكلية الآداب جامعة "عدن" هيفاء مكاوي تقول إنه لا يعرف على وجه التحديد متى بنيت قلعة صيرة ومن الذي قام ببنائها، واستدركت مكاوي أنه من خلال محاولة تقريب بعض الأحداث العسكرية التي شهدتها عدن يمكن القول إن هناك مؤشرين اثنين يمكن البناء عليهما في معرفة ذلك، الأول قدوم ملك جزيرة قيس (كيش) إلى عدن عام 1135 بعدد من السفن وقوة قوامها 700 جندي، وذلك بهدف تحويل طريق التجارة العالمي القادم من الهند عبر الخليج العربي إلى جزيرته، واستيلائه على جزيرة صيرة وبقائه فيها مدة شهرين، فهذا يشير إلى احتمال وجود مبنى قديم قد تكون القوات المهاجمة تحصنت فيه لمراقبة السفن الداخلة والخارجة إلى الميناء، فمن الصعوبة بمكان أن تبقى مكشوفة في العراء.
أضافت أن المؤشر الثاني هو "أنه وبعد طرد ملك جزيرة قيس (كيش) من جزيرة صيرة، من الطبيعي جداً أن يقوم حاكم عدن آنذاك ببناء قلعة دفاعية لحراسة المدينة ومينائها حتى لا يتكرر الهجوم مرة أخرى".
المماليك والشراكسة والعثمانيين والأئمة
وبحسب إفادة مكاوي فإن المماليك والشراكسة حينما وصلوا إلى عدن في أغسطس (آب) عام 1516 حاصروا المدينة براً وبحراً خمسة أشهر، وبسبب الاستحكامات الدفاعية القوية للقلعة أجبروا على التراجع، وفي عام 1538 استولى العثمانيون على عدن بالخديعة، ولم يكن للتحصينات العسكرية أي دور في التصدي لهم، وبعد خروج العثمانيين من اليمن كانت تستخدم للمؤونة، وفي فترة أخرى استخدمها الأئمة لسجن المعارضين السياسيين.
الحملة البريطانية على عدن
وفي الـ 16من يناير (كانون الثاني) عام 1839 وصلت قطع الأسطول البريطاني إلى عدن، وقصفت المدينة بالمدافع المتطورة، وبعد ساعتين من القصف المتواصل تهدم الحصن والأسوار بما فيها حماية قلعة صيرة، ففر المدافعون وخلت المدينة من معظم سكانها، ويعود السبب في ذلك لعدم تكافؤ القوتين، وبهذا تمكن الإنجليز من السيطرة على عدن.
أجزاء القلعة
تتكون القلعة من ثلاثة أجزاء رئيسة بعضها لا يزال قائماً حتى اليوم والآخر اندثر، جزء منها يحوي مبنى في أسفل القلعة توجد فيه مدفعية وكان مخصصاً لحماية الميناء ولم يتبق منه شيء، ويصعد إلى القلعة عبر الدروب التي كانت محمية بجدران ساترة فيها "مزاغل"، أي فتحات صغيرة لخروج السلاح.
أما الجزء الآخر وهو مبنى القلعة الظاهر فيتكون من بابين رئيسين شمالاً وغرباً، وبرجين كبيرين ذا شكل أسطواني بنيا من الحجارة الصلبة، تتخللهما فتحات صغيرة لخروج السهام تسمى "المزاغل".
وفي أسفل مبنى القلعة يوجد كثير من الغرف والممرات التي كانت بمثابة ثكنات عسكرية ومخازن، أما سقف القلعة المبني من الحجارة الصلبة فيحوي فتحات دائرية ينفذ منها الضوء والهواء.
وأشارت مكاوي إلى أن قلعة صيرة كانت تحوي مسجداً، لأن أي قلعة في العالم العربي والإسلامي لا بد لها من أن تحوي مكاناً للعبادة، لافتاً إلى أن ضابط البحرية البريطانية هينس أشار في مذكراته عند قدومه لعدن قبل احتلالها إلى "وجود ثلاثة صهاريج مياه في القلعة، أحدهما شبه منته".
أحداث عسكرية
يقول الأستاذ المساعد في تاريخ اليمن القديم وشمال أفريقيا بجامعة "عدن" عوض الشعبي، إن قلعة صيرة أسهمت في التصدي للحملة البرتغالية على عدن بقيادة الفونسو دي البوكيرك عند وصولها إلى ساحل صيرة في الـ 26 من مارس (آذار) عام 1513، وأجبرتها على المغادرة بعد معارك شرسة سقط فيها كثير من القتلى والجرحى من الطرفين.
يضيف الشعبي أن "البرتغاليين كانوا يحملون فكرة مغلوطة عن أن عدن مدينة ضعيفة التحصين سهلة المنال ومن السهل السيطرة عليها، مستهينين بما تحمله من مكانة في قلوب أبنائها، لكنهم بعد أن وصلوا إلى ساحل صيرة كانت الصدمة الأولى لهم، فالمدينة محاطة بسور عال جداً مما اضطرهم إلى استخدام السلالم الخشبية"، وتابع، "نتيجة اندفاع الجنود المفرط لاقتحام المدينة والتزاحم والسلاح، انكسرت السلالم فتمكن قليلون من الصعود إلى أعلى السور والوصول إلى بعض أطراف المدينة في أقصى الشمال، والتحموا مع سكان عدن".
هجوم فاشل
واستكمل المتخصص في تاريخ اليمن القديم حديثه قائلاً إنه "بعد معارك عسكرية مع القوات اليمنية المدافعة وسقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين، أمر القائد البرتغالي البوكيرك جنوده بالانسحاب والصعود إلى السفن، وعند محاولتهم ذلك أمر القائد العسكري مرجان الظاهري الجنود اليمنيين المتحصنين في قلعة صيرة بإطلاق نيران المدافع على سفن البرتغاليين مما أدى إلى مقتل وجرح عدد منهم".
هزيمة
ويوضح الشعبي "حينها أمر البوكيرك ابن أخته جارسيا بشن هجوم عسكري على قلعة صيرة والاستيلاء عليها، وبعد معركة محتدمة استطاع جارسيا الوصول إلى قاعدة القلعة وقتل كل الجنود اليمنيين المتحصنين فيها، كما قصف المدينة لتغطية عملية صعود الجنود البرتغاليين إلى السفن واستولى على المدافع الصغيرة والكبيرة، وقبل مغادرته أشعل النيران في القلعة، كما سلب كل البضائع والمؤون الموجودة في السفن الراسية في ميناء عدن، وهكذا تمكنت السفن البرتغالية المحملة بالجنود من مغادرة ميناء عدن متجهة صوب البحر الأحمر".