آخر تحديث :الأحد-17 نوفمبر 2024-04:43م
أدب وثقافة

كراسي متحركة...(أقصوصة)

الأحد - 17 نوفمبر 2024 - 02:28 م بتوقيت عدن
كراسي متحركة...(أقصوصة)
بقلم / عصام مريسي


نهض من فراشه في غرفته المتواضعة بجدرانها المهترئة وبنظرة سريعة غير فاحصة لمح بجانب السرير كرسي متحرك ولأنه كان على عجل لم يوقظ زوجته لأعداد الفطور طبق الفاصولياء وأقراص الخبز الملوح وفنجان شاي الحليب برائحة الهيل والزنجبيل الذي يحب تناوله مع فطوره وفي طريق مغادرة المنزل وبجانب فرش أولاده الستة لمح كراسي متحركة لكنه في عجلة من أمره عليه اللحاق بحافلة الموظفين التي تقلهم إلى مكاتبهم فتح باب المنزل وهو يضع قدم خارج عتبة الباب يصرخ مناديا:

انهضوا .. الوقت متأخر

لم يتلقى إجابة لكنه في عجلة ما زال ينادي:

اغلقوا الباب

ترجل في حيه السكني وهو في طريقه لموقف الحافلة وأمام البيوت ما زال يلمح كراسي متحركة بأعداد مهولة منها اليدوية وأخرى كهربية؛ بدأ يفكر في أمر هذه الأعداد من الكراسي المتحركة وقف برهة يتفحص الموقف عن كتب وضع يده على رأسه يحك فروة شعرة في حالة من الذهول الاستغراب لكنه في عجلة انطلق نحو الشارع العام حيث يقع موقف الحافلة وما أن أطل على الشارع حتى أهاله المشهد ليس في الطريق سيارات وجميع المارة قاعدون على كراسي متحركة بعضها يدوية وأخرى كهربية وعلى عيونهم نظارات سوداء تشع بأضواء ليزرية وعلى أفواههم كمامات اشتد ذهوله وعجبه حتى حبست الأسئلة في حنجرته وكلما حاول الحديث سائلا تحشرجت الكلمات والمقاطع الصوتية في حنجرته يقترب من الموقف الذي كانت تقف عليه الحافلة وزملائه في العمل يقبعون على كراسيهم المتحركة بأفواه مكممة وعيون تحجبها نظارات سوداء لها بريق ليزري وهو يصرخ مناديا لهم:

أين الحافلة .. لقد تأخرنا على الدوام

لم يتلقى إجابه انطلق صوت من جهاز صوتي معلق على لوحة اشارت المرور :

عليك الجلوس فوق المقعد الشاغر ولبس النظارة والكمامة

تراجع قليلا إلى الخلف وهو يحذق النظر في الحالة التي أصبح فيها رفاقه في العمل من الخضوع والاستسلام وعدم استهجان الوضع الغريب الذي طوقهم وهو يناديهم:

لماذا انتم مستسلمون.. كيف أصبحتم دمى يحركها روبوت

في وقت واحد وفي نفس اللحظة اشتغلت محركات الكراسي المتحركة وانطلقت الصفارة وتردد التسجيل الصوتي من لوحات الإشارة:

على الجميع التحرك باتجاه أعمالهم ووظائفهم

ملأ ضجيج محركات الكراسي المتحركة الشارع وانطلقت الكراسي ومن عليها من الدمى البشرية في رتابة نحو الأهداف المعلنة من قبل الروبوت الألي على لوحة الإشارات في صمت تقودهم الروبوتات المخزونة في الكراسي المتحركة وعلى لوحات الإشارة وهو مازال واقفا في حيرة تكاد تقتله عن مجريات الأمور في مدينته الصغيرة وكل ذلك التغيير من المسؤول عنه ومن العقل المدبر لكل تلك الأعمال وسريعا ترتسم المناظر للكراسي المتحركة حول سريره وفرش أولاده وقبل أن يستفيق من ذهوله يتردد الصوت:

عليك الجلوس على كرسيك والتحرك نحو وظيفتك حتى لا تتعرض للمخالفة.

بين عدم القبول وبين مسايرة الواقع والرضوخ له ظل يقدم قدم ويؤخر أخرى وصوت الروبوت تزداد شدة لهجته موجها للاوامر:

عليك امتطأ مركبتك حتى لا تتعرض للعقوبة

استدار نحو طريق العودة إلى بيته لينظر ماذا يفعل في الكراسي المتحركة التي رأها في بيته ولم يبالي بها حينها

شد الخطى نحو بيته وارتفعت همته ومازال الروبوت يصدر التهديدات:

إذا لم تمتثل للأوامر سوف تتعرض للعقوبات القاسية

‌يستمر في المشي ويضاعف من خطواته غير مبالي بتهديدات الروبوت الذي أضاء العلامات الحمراء كناية عن ارتفاع نسبة الغضب من مخالفة أوامره وهو ما زال يواصل السير نحو بيته ليبدأ من هناك تزداد لهجة الروبوت غضبا وحنقا حتى تتقطع أسلاك الروبوت ويرتفع دخان الحريق ويسقط الروبوت أرضا ويفقد قدرته على السيطرة على جموع أهل المدينة فيقفون متعجبين من أحوالهم وهم ينزعون الكمامات من على أفواههم والنظارات من فوق أعينهم

‌وهم يتساءلون:

‌لمن كل هذه الكراسي المتحركة

‌يجيب أخر:

‌ربما غزا مدينتنا متحولون أو مخلوقات فضائية سيطرت على مدينتنا

‌يتكاتف الجميع في رفع مخلفات الفوضى والعبث التي أحدثها الروبوت بالسيطرة على المدينة وتحويل الأدمين إلى دمى يحركها كيف شاء.

‌عصام مريسي