تواصل أسعار المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية والمشتقات النفطية، تسجيل ارتفاعاً مستمراً في المناطق اليمنية المحررة، جراء فقدان العملة أكثر من 40 بالمئة من قيمتها خلال السنوات الأربع الماضية نتيجة استنفاذ احتياطات النقد الدولي، والانقسام النقدي، وإيقاف صادرات النفط وتغول الفساد في المناطق المحررة.
وفي التداولات المصرفية، بلغت قيمة شراء الدولار الأمريكي والريال السعودي بمدينة عدن وبقية المناطق المحررة 2040 و 534 ريالاً.
ومنذ بداية الحرب التي اندلعت إثر انقلاب مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، فقدت العملة المحلية تسعة أضعاف قيمتها، نتيجة الحرب في البلاد، والفساد والصراع على النفوذ في منظومة الحكومة المعترف بها. ورغم إجراء تغيير عدة حكوما بمزاعم القضاء على الفساد، وإنقاذ الاقتصاد من حالة الإنهيار تحديداً، كان آخرها في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بموجب القرار الجمهوري رقم (7) للعام نفسه.
ومع أنه كان معولا على هذه الحكومة الكثير من الاصلاحات، خصوصا وقرار تعيينها جاء على خلفية تخطي سعر الدولار الأمريكي حاجز 1600 ريال، إلا إنها العملة فقدت من قيمتها خلال الفترة ديسمبر/ كانون الأول 2020 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2024 أكثر من 40 بالمئة مقارنة بالسنوات السابقة. فيما تراوحت الزيادة الحقيقية على أسعار المواد الغذائية خلال الفترة نفسها بين (50 إلى 70) بالمئة
-استنفاذ الاحتياط النقدي
تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) أكد أن الريال اليمني في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دولياً، فقد ربع قيمته خلال الشهر الماضي، ما تسبب بارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود.
وقال التقرير، إن العملة "فقدت قيمتها في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها بشكل كبير مقابل الدولار في أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعد استقرار مؤقت في سبتمبر/أيلول، حيث انخفضت بنسبة 25 بالمئة على أساس سنوي، و 36 بالمئة مقارنة بمتوسط الثلاث سنوات الأخيرة".
وحسب التقرير، يُعزى إلى حد كبير استمرار انخفاض قيمة العملة المحلية إلى احتياطيات النقد الأجنبي المستنفدة، التي تفاقمت بسبب الأزمة المالية المستمرة.
وأوضح التقرير أن أسعار المواد الغذائية شهدت زيادة طفيفة في تلك المناطق في سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث ارتفعت بنسبة (1-2) بالمئة على أساس شهري، لكن "مقارنةً بالشهر نفسه من العام الماضي ومتوسط السنوات الثلاث، فقد شهدت ارتفاعات كبيرة حيث راوحت من 7 إلى (28 و23) بالمئة إلى 54 بالمئة على التوالي، وكانت هذه الزيادات السعرية مدفوعة في المقام الأول بالانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية.
واوضح أن سلة الغذاء القياسية (MFB) ارتفعت في بنسبة 2 بالمئة على أساس شهري، و18 بالمئة على أساس سنوي، و35 بالمئة مقارنة بمتوسط السنوات الثلاث، مشيراً إلى أن أعلى الزيادات السنوية سُجِّلت في محافظات مأرب 27 بالمئة وتعز 27 بالمئة وحضرموت (17-25) بالمئة والمهرة 25 بالمئة وشبوة 24 بالمئة ولحج 17 بالمئة.
في الوقت نفسه، شهدت أسعار وقود الديزل في سبتمبر الماضي ارتفاعاً بنسبة 5 بالمئة مقارنة بالشهر السابق، وبمقارمة الفترة نفسها في عام 2023 ومتوسط السنوات الثلاث السابقة، فقد شهدت زيادات كبيرة بنسبة 13 بالمئة و45 بالمئة على التوالي.
-انكماش الناتج المحلي
إلى ذلك أكد البنك الدولي قبل أيام أن اقتصاد اليمن يواجه تحديات متزايدة مع استمرار الصراع وتصاعد التوترات الإقليمية، متوقعا انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1 بالمئة عام 2024، بعد انخفاضه بنسبة 2 بالمئة العام الماضي، لتصل نسبة الانخفاض إلى 54 بالمئة منذ عام 2015، ما يعني مزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.
وأشار إلى أن الآفاق الاقتصادية لليمن لعام 2025 لا تزال قاتمة بسبب استمرار الصراعين الإقليمي والداخلي، مما يهدد بتفاقم الأزمة في البلاد من الناحيتين الاجتماعية والإنسانية.
وذكر أن العائدات الحكومية تراجعت بنسبة 42 بالمئة في النصف الأول من 2024، إثر استمرار مليشيا الحوثي في فرض الحصار على صادرات النفط منذ أواخر العام 2022، وزيادة اعتماد البلاد على الواردات، والانقسام في العملة، فضلا عن غياب الوعاء الإيرادي الموحد لدى الحكومة المعترف بها.
وأوضح التقرير أن الانقسام الاقتصادي بين مناطق نفوذ الحكومة ومناطق سيطرة مليشيا الحوثي يعزز التضخم ويقوّض استقرار الاقتصاد.
كما أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر شكلت تراجعا للحركة التجارية عبر مضيق باب المندب بنسبة تزيد عن 60 بالمئة، ما أسهم في مضاعفة الحرمان من الغذاء في بعض المحافظات اليمنية.
وفي ظل مواجهة الحكومة المعترف بها هذه التحديات باستسلام غير مبرر، سيما إيقاف صادرات النفط التي مضى عليها نحو عامين، يظل الإقتصاد والعملة المحلية عرضة الانهيار المستمر، ويخيم الفقر على الملايين إلى أجل غير مسمى.