آخر تحديث :الأربعاء-06 نوفمبر 2024-12:04ص
ملفات وتحقيقات

دارُ المسنين والعجزة....حسرة العمر ودهشة العناية

الثلاثاء - 05 نوفمبر 2024 - 06:49 م بتوقيت عدن
دارُ المسنين والعجزة....حسرة العمر ودهشة العناية
(عدن الغد)د. علي غالب الصبيحي:

على الرغم من زحمة الحياة وضوضائها وضغوطها، وفي عصر قست فيه القلوب وانتُزعت الرحمة، وتغلب الحس المادي والدنيوي على تفكير كثير من العباد، يشعر المرء أن هناك بصيصاً من النور لازال يزاحم هذه الظلمة، ليفتح نافذةً من الضوء، ومايزال ثمة أمل وإن توسعت مساحة القحط والجدب واليأس، وأن هناك خلف خيوط هذه الظلمة رجال ونساء متمسكين بشيء من قيم الدين والحياة وقابضين عليها كالجمر، ندبوا أنفسهم للخير ومساعدة البائسين والعجزة والغلابى ابتغاء مرضاة الله ونيل ثوابه.

في واخر شهر سبتمبر المنصرم، وبدعوة كريمة من الشيخ ناصر العلواني إمام مسجد الصبر في خور مكسر، ورجل الخير والدعوة والفضيلة الشيخ محمد العزعزي الإعلامي السابق في تلفزيوني عدن وبعض شباب مسجد الصبر كنتُ ضمن فوج متواضع، في زيارة دعوية إلى دار العجزة والمسنين الكائن في الشيخ عثمان في حي عبد القوي، الذي تكرر ذهاب الشيخ ناصر العلواني وشيخنا العزعزي وبقية الشباب إليه منذ مايقارب العام تقريباً، للدعوة ولتفقد هذه الفئة المنسية التي لايشعر بوحدتها وغبنها المجتمع، بل وربما الأبناء والبنات الذين تربوا وترعرعوا في كنفِ ورعاية هؤلاء المسنين.


دار العجزة ..الموقع والنشأة:

******

حسب القائمين على إدارة الدار فقد كان مبنى الدار في مكانٍ آخر مجاور لموقع الدار الحالية الواقعة في مديرية الشيخ عثمان / حي عبد القوي على الخط الرابط بين جولة عبد القوي وخط الممدارة، بالقرب من مؤسسة النقل البري ومسجد الشوكاني، ولانعلم بتاريخ إنشاء الدار السابقة وهي قديمة، أما مقر الدار الحالية فقد تم إنشاؤه في عام 1991م من قبل شركة هائل سعيد أنعم حسب إفادة مدير الدار الشيخ علي عيدروس علي عبدالله.

دخلنا إلى الدار المحاطة بسور، وكان أول المشَاهِد أن وقع نظرنا على حيوانات كثيرة من الماعز والضأن وكثير من العلف والقصب، فظننا أن نازحين قد اضطرتهم ظروف الحرب والتشرد السكن هنا، لكن المفأجأة كانت ن كل هذه الماشية هي ملك للدار وفي خدمة النزلاء للتغذية والعناية بهم، وثمرة من ثمرات التخطيط السليم لإدارة الدار، كما أننا شاهدنا أن كثير من محتاجات النزلاء متوفرة وإن شابها شيئا من النقص والمعاناة نتيجة الغلاء وسقوط العملة، ومحدودية ميزانية الدار التي تدفعها لهم الدولة، ففي الدار صيدلية، ومطبخ متكامل لوجبات النزلاء وقاعة للطعام، ومسجد، وبوفية للوجبات الخفيفة والعصائر المختلفة، لكن البوفية تواجه عجزا وهي عرضة للتوقف نتيجة العجز المادي وعدم قدرة مواكبة البوفية لمتطلبات النزلاء، كما أن الحمامات نظيفة جدا ومزودة بكل المطهرات.


مسابقة في حفظ القرآن للعجزة.

*****

جزى الله الشيخ ناصر العلواني والشيخ محمد العزعزي وبقية الشباب الذين يولون الدار شيئا من دعوتهم واهتمامهم لتذكير هذه الفئة بالصلاة والقرآن.

وضمن برنامج النزول أقام الشيخ ناصر العلواني وفريقه الدعوي مسابقة في حفظ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة وتفسيرها وأهميتها، وكانت فعالية دعوية جميلة بعثت النشاط في أنفس النزلاء، وأقيمت في المسجد الذي يقع على أبواب السكن، وهم محل عناية الإدارة لتذكيرهم بالصلاة وكذلك الشيخ العلواني وفريقه الدعوي الذين يتفقدونهم لتذكيرهم وتفقيههم في الصلاة وضرورة أدائها على الهيئة التي يستطيعها النزيل سواء في المسجد و على السرير، وهذا هو الشيء الجميل في حياة النزلاء في ظل الإدارة الحالية التي يترأسها الشيخ علي عيدروس، على عكس وخلاف حال النزلاء سابقاً، حيث كان الاهتمام والرعاية ملقى على راهبات غير مسلمات، فكن لايهمهم مر الصلاة، بل ربما يصرفون نظر النازل عن الصلاة، ناهيك عن الحث عليها.


الدار وأقسامها وشروط الإقامة فيها:

*****

توضيحا للناس وبينةً للأمر حرصنا على الحديث مع مدير الدار الشيخ علي عيدروس علي عبدالله حيث أوضح لنا( أنه تم تكليفه من مأمور مديرية الشيخ ومن المقاومة في 20 إبريل 2016م ، وبعدها صدر له أمر تعيين من محافظ عدن حينها عيدروس الزبيدي).

وعن أقسام الدار قال:

( إن سكن النزلاء يتكون من أربعة عنابر، عنبرين للرجال وفيهما 48 نزيلا، وعنبرين معزولين للنساء وفيهما عشرين من النساء) ، وأما عن طاقم العمل فكلهم بالأجر اليومي وعددهم 53 متعاقدا، وهم بأجور تعاقدية من الميزانية التي تدفعها الدولة، إضافة إلى مساعدات وإعانات شهرية من شركة هائل سعيد بواسطة الشيخ رشاد هائل)

وأما عن الحراسة فهي تابعة للشيخ بسام المحضار، وأن ساعات الخدمة 24 ساعة، على خلاف الفترة السابقة حيث كانت الخدمة إلى الساعة الخامسة عصرا)

كذلك تحدث عن عدم القدرة على مواكبة متطلبات النزلاء نتيجة ارتفاع الأسعار وسقوط العملة، حيث أصبحت الميزانية لاتغطي محتاجات النزلاء، وأن الدار متحملة أكثر من 90 مليونا للمستشفيات التي يتعالج فيها النزلاء)

وأما عن شروط الإقامة في الدار فأوضح أنه لاتوجد طاقة استيعابية حاليا لنزلاء جدد، وأن النزيل لابد أن تنطبق عليه شروط عدة منها:

- الايوجد من يعيله أبدا.

- وأن يكون كبيرا في السن، وأن يضع ملفا حتى يتوفر له سكن.

- كما يجب إلا يكون مريضا، و من أصحاب الأمراض المعدية ، كما أشار أن الدار ليس بمقدورها استيعاب العجزة المشردين والمرميين في الشوارع، إذ يشترطون وجود أقارب للنزيل للتواصل عند الضرورة، أما عن المشاكل والصعوبات فقد أشار إلى حدوث بعضها مع بعض الداخلين من أقارب النزلاء أو غيرهم للحصول على التوقيع و البصمة للاستيلاء على الميراث والممتلكات.


ثوار وقادة ودكاترة في دار العجزة:

******

في جولتنا السريعة وسلامنا على النزلاء والدردشة معهم للاستئناس ولتعويضهم ولو قليلا عن جوهم الأسري المفقود تفأجأنا أن من ضمن نزلاء الدار بعض ممن كانوا ضمن الثوار أيام الاستعمار وممن كانوا في صف الثورة والكفاح المسلح، بل منهم من عاش مع قادة مشهورين أمثال قحطان وفيصل عبد اللطيف وقد عاشوا معهم في السجون بعد خروج بريطانيا وأيام الصراع بين القومية والتحرير، ويحملون من الذكريات مايعزز تاريخ هذه الثورة ومالحق ذلك من سلبيات وإيجابيات.

كذلك من نزلاء الدار ممن يحمل مؤهلات عسكرية عالية، بل وفي تخصص الصواريخ، كما ن منهم من حملة شهادة الدكتوراة في الاقتصاد والعلوم البحرية والموانئ.

كذلك كان لنا لقاءً مع بعض ممن كانت لهم بصمات واضحة في وضع اللبنات الأولى لبعض المصانع مثل مصنع تعليب الأسماك في شقرة، وهم من وضعوا الدراسة ورفعوا التصور ووضعوا الخرائط في ذلك.

بعض النزلاء أيضا يذهلك وأنت تناقشه وكوم من الكتب حوله في هذه العزلة التي لا أنيس فيها غير الصلاة والقرآن ثم الكتب.


دعوة للأخصائيين النفسيين وأرباب علم الاجتماع في الجامعة ومراكز البحوث والمنظمات المهتمة لزيارة الدار والجلوس مع بعض الجهابذة الذين رمتهم الظروف في هذه الدار، التي رأينا في إدارتها كل خير في اهتمامها بالنزلاء وهذا خير عزاء ،ودعوة لأصحاب الخير والمال والإحسان لزيارة الدار وتفقد حال النزلاء والموظفين ، وعند الذي لاتضيع عنده الأجور.


د. علي غالب حسن الصبيحي.

أكتوبر/2024م./عدن.