تحتل المدن التاريخية في بلادنا مكانة بارزة بين المدن التاريخية العربية والإسلامية خاصة وبقية دول العالم عامة، لما تتميز به هذه المدن من طراز معماري فريد والغنية بالتراث الثقافي والموروث الشعبي المتميز والحرف اليدوية والصناعات التقليدية، مما جعل ثلاث مدن منها تصنف ضمن المدن التاريخية العالمية هي صنعاء القديمة وشبام حضرموت و مدينة زبيد، والتي تعمل الهيئة وفقا وقانون المدن التاريخية رقم (16) لسنة 2013م والذي يحدد مهام واختصاصات الهيئة.
موقع "عدن الغد" حاور الأستاذ حسن عيديد طه عيديد
المدير العام للهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية
بحضرموت، وخرج بالحصيلة الآتية:
حاوره / عبدالعزيز بامحسون
ممكن أعطاؤنا فكرة موجزة عن ما تقوم به الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بحضرموت؟
لاشك أن محافظة حضرموت التي تزخر بعدد من المعالم والمدن التاريخية شاهدة على تقدم وتطور نمط العمران وتطور أساليبه وتوارثه من الأجيال سواء في مدن الساحل أو وادي حضرموت بمدنه الشهيرة (شبام وتريم والهجرين ووادي دوعن وغيرها)، وذلك عندما سجلت مدينة شبام على قائمة مدن التراث العالمي التابع لمنظمة اليونسكو سنة 1982م تحت مسمى (الحملة الدولية والوطنية لحماية مدينة شبام وآثار وادي حضرموت)، وهي تنفيذ سياسة الحفظ والصون لمختلف المعالم والقصور والأحياء والمدن والمواقع التاريخية، وتتمثل في تنفيذ مشاريع الترميم والحفاظ عليها والإشراف على مشاريع البنية التحتية في المدن التاريخية المنفذة من قبل الجهات الأخرى، واعداد الدراسات والبحث عن تمويل لمشاريع الترميم والتأهيل ودعم حرف البناء التقليدي، والهيئة هي الطرف الرسمي الذي يمثل الدولة لدى منظمة اليونسكو في رفع تقرير الحفظ والصون السنوي.
تعد مدينة شبام هي واجهة المدن الحضرمية التاريخية والأثرية كيف يمكن الحفاظ على منازلها من التصدعات والانهيارات؟
معروف أن مدينة شبام بنيت من الطين ولكنها ليست كأي مدينة، بنيت بطريقة عجيبة وبنمط لا مثيل له، هذا النمط البرجي الشبيه بمدينة صنعاء، ولكن هندسة وتقنيات البناء وطريقة تلاصق البيوت أعطى لها ميزة وقيمة عالمية استثنائية نالت القبول عند تسجيلها في قائمة التراث العالمي اليونسكو.
لا شك نحن ملتزمون وطنيا وإقليميا ودوليا بتنفيذ سياسة الحفظ والصون لها، وقد تعرضت مدينة شبام لكثير من التصدعات والأضرار في مبانيها وإيجاد الدعم السريع سواء من الحكومة والمنظمات الدولية، وكذلك توعية المواطن والملاك على المحافظة على بيوتهم من أي أضرار ناتجة من الأمطار والسيول.
تعد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) من أبرز الداعمين لكم في تدخلاتها للمحافظة على مدن حضرموت التاريخية والأثرية كيف تصفون هذا الدعم؟
مدينة شبام سجلت على قائمة التراث العالمي باليونسكو وكان في السابق منظمة اليونسكو هي المسؤولة عن تمويل مشاريع الحفاظ ولكن بسبب زيادة المدن والمواقع التي سجلت وتسابق الدول على تسجيل مواقع جديدة كل سنة لم تستطع منظمة اليونسكو من تمويل المشاريع من صندوق الطوارئ باليونسكو ولكن تدعو المنظمات الأخرى التي تعمل في مجال حماية التراث وصونه والحكومات الأوروبية مثل الاتحاد الأوروبي و ((UNDP ومؤسسة (ALIPH) إلى مزيد من الدعم وخاصة في الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة العربية من نزاع وحروب وتغير في المناخ.
حدثنا عن تدخلات المنظمات المحلية والإقليمية والدولية في الحفاظ على المدن التاريخية بالمحافظة؟
نحن نعمل حاليا ونركز أكثر على مدينة شبام كمدينة مسجلة والتزام من قبل الحكومة بموجب اتفاقية الحماية والتسجيل بين الحكومة ومنظمة اليونسكو أن نحافظ على مدينة شبام من أي تشوهات ومخالفات معمارية قد تضر بالمدينة ولاشك أنكم تعلمون بالوضع الراهن للدولة وبسبب الحرب والأزمة الحالية في اليمن لم تستطع الحكومة من تمويل مشاريع الحفاظ على مواقعنا ومعالمنا التاريخية والأثرية، لذلك استطعنا أن نفتح قنوات تواصل مع بعض المنظمات والمؤسسات الدولية، ولاشك أن هناك مشاريع كثيرة تم تنفيذها منذ العام 2000م مع الحكومة الألمانية والصندوق الاجتماعي للتنمية ومكتب الهيئة بشبام مشروع ((GIZ، وبعد الأزمة والحرب استطعنا أن نحصل على عدد من التمويلات الصغيرة من قبل صندوق الأمير كلاوس ((PCF هولندا عن طريق مؤسسة دوعن للعمارة الطينية المكلا وكذلك مشروع من مؤسسة (ALIPH) سويسرا و( (ARC.WH اليونسكو البحرين على تنفيذ مشاريع ترميم مباني شبام.
تزخر محافظة حضرموت بالعديد من القصور والمباني القديمة كيف يمكن للهيئة الحفاظ على جماليتها ورونقها؟
نعم محافظة حضرموت تزخر بالكثير من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية وهناك هيئتين في محافظة حضرموت الساحل والوادي: الهيئة العامة للأثار والمعنية بالمواقع الأثرية القديمة والمتاحف، ونحن في الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية نهتم بالمدن والمعالم والقصور والأحياء القديمة التي تنتمي للفترة الإسلامية.
وكل جهة تحاول أن تقوم بدورها وبموجب قوانينها المنظمة لعملها وهناك أعمال مشتركة في هذا المجال، وموضوع الحفاظ والحماية هذا صعب جدا بأن تقوم به كجهات حكومية بمفردها وخاصة في الظروف الحالية لذلك نحن نؤكد على دور مؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية ودعم تعزيز التوعية المجتمعية كحامل أيضا للمسؤولية ويجب عليه الحفاظ على تراث اجداده الذي ورثه منه لذلك فالمسؤولية مشتركة جميعا.
كيف يمكن للمدن التاريخية في محافظة حضرموت أن تكون متناغمة مع التجديد الحضري؟
نحن نعمل وفق قانون حماية المدن والمواقع وهناك شروط وضوابط ومواصفات للبناء بالقرب من هذه التكوينات ولسنا ضد التطوير والتحديث ولكن في حدود الممكن من التصاميم ومواد البناء لأننا نسعى إلى تقديم مواقع ومدن أخرى تستحق أن تسجل على قائمة منظمة اليونسكو وإذا لم نعمل من الآن على تنفيذ معايير الحفاظ فلن تقبل عند طلب التسجيل، مثال ذلك مدينة المكلا القديمة أو الحي القديم والبوابة والبيوت المجاورة لمقبرة يعقوب وهي من المواقع المهمة والتي يمكن للحكومة أو المحافظة أن تطلب منا تسجيلها أو نحن نرفع بها على قائمة المواقع التمهيدية للتسجيل في منظمة اليونسكو إذا علينا من الآن أن نعمل على تنظيم عناصر التجديد والتحديث الحضري، أو أي موقع آخر في الوادي مثلا تريم الهجرين وغيرها.
أما شبام فهناك ضوابط صارمة متفقين عليها مع مكاتب الأشغال والسجل العقاري والأوقاف في منع أي استحداثات قد تضر بالقيمة العالمية الاستثنائية.
شهدت محافظة حضرموت في السنوات الأخيرة عدة إعصارات ضربت على أثرها بعض القصور والمباني والشواهد والمساجد الأثرية والتاريخية، هل تذكرون لنا أبرز ما خربته تلك الإعصارات وحجم الخسائر المادية؟
العالم يشهد اليوم تغيرات مناخية كبيرة ومنظمة اليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى العاملة في مجال حماية التراث تدرس هذا الموضوع باستفاضة وهناك ورش عمل ولقاءات حول أثر التغيرات المناخية على التراث الثقافي ،ولاشك فقد حصلت أعاصير وأمطار غزيرة وفيضانات خلفت كوارث وخسائر في البنية الثقافية للمحافظة ولازلنا نتذكر كوارث 2008م التي أثرت على كثير من المعالم في تريم وساه وغيرها من المدن وقد تم التدخل في إعادة ترميم بعض القصور في تريم في العام 2010م وكذلك الأعاصير التي حصلت مؤخرا في مناطق الساحل وقد تضررت عدد من المعالم والمواقع التاريخية.
ماهي أبرز مشاركتكم في المؤتمرات والندوات الخارجية؟
نحن على تواصل مع بعض الهيئات والمنظمات والمراكز البحثية التي تعنى بالتراث الثقافي والحمد لله هناك بعض المشاركات التي شاركنا فيها وهي مؤتمرات التراث العمراني هيئة التراث السعودي للعامين 2012ـــ 2014م، وكذلك ندوة تاريخ الجزيرة العربية في القرن التاسع الهجري تنفيذ جامعة الملك سعود بالرياض 2010م، وندوات مركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية 2009م، ودورات وورش عمل خارجية في مجال إدارة التراث الثقافي في ظل الأزمات والحروب وإدارة مخاطر التراث في كل من ايكروم الشارقة الامارات 2016م ومركز اليونسكو بالبحرين 2020-2024م في مجال التخطيط الاستراتيجي لإدارة التراث بناء على خطة التنمية المستدامة 2020-2030م والتغيرات المناخية ولقاء مديرو مواقع التراث العالمي بالرياض 2023م، والمؤتمر السبئي في عمّان الأردن 2023م.
هل هناك دراسات وبحوث قدمت في الجامعات اليمينة أو العربية عن المدن التاريخية في حضرموت .. وماهي أبرزها؟
يفترض أن تقدم الجامعات اليمنية بالخصوص والعربية بالعموم ندوات وأبحاث عن العمارة التقليدية في الوطن العربي لتنوعها وكثرتها، وهناك دراسات قدمت عن مدينة شبام منذ الثمانينات أمثال دراسات الخبيرة العراقية سلمى سمر الدملوجي عن تريم وشبام وكذلك دراسات ليكوك ودراسات جاك فاينر في التسعينات عن وادي حضرموت، أيضا دراسات وأبحاث الدكتور سالم رموضة والدكتور بلعفير وغيرهم، ولاشك هناك دراسات بحثية من جامعة حضرموت وجامعة عدن لمجموعة من طلاب الدراسات العليا في كليات الهندسة وقد قدمنا بمساعدة بعض طلاب الماجستير والدكتوراة في سنوات ماضية ولكن للأسف لم تصلنا نسخ من دراساتهم وأبحاثهم، ولكنها ستكون متوفرة بدون شك.
إلى أين وصلت سياسة الحفاظ على المدن وتأهيلها؟
نحن نسعى إلى تنفيذ سياسة الحفظ والصون لكل مواقعنا التاريخية ونحاول أن ننفذ قوانين الحفاظ ولكن بسبب الحرب وضعف تنفيذ القوانين والتشريعات وغياب التنسيق مع بعض الجهات الحكومية فإننا نعاني من ضعف في تنفيذ سياسة الحفظ والصون وغياب الوعي المجتمعي لذلك نحاول جاهدين أن نحافظ على ما يمكن أن نحافظ عليه وخاصة المواقع التي نستهدفها في خططنا المستقبلية.
ماهي أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجه عملكم؟
الصعوبات كثيرة والتحديات أكثر وفي ظل غياب دور وزارة الثقافة فإننا نعوّل على دعم السلطة المحلية بالمحافظة وخاصة سيادة المحافظ الأستاذ مبخوت بن ماضي ووكيل المحافظة لشؤون الوادي والصحراء الأستاذ عامر العامري على تذليل بعض الصعاب والتحديات وقد لمسنا منهم حسن النية ودعمهم في حل بعض المشكلات سواء على مستوى التوجيه للجهات المخالفة لضوابط البناء أو الدعم المادي لتوجيه بعض التمويلات للحالات الطارئة والأضرار المفاجئة لمباني مدينة شبام خاصة.
ماذا تقولون في ختام هذا الحوار؟
أشكر صحيفة 30 نوفمبر على هذا اللقاء الذي يهدف إلى مشاركتهم وحرصهم في تحمل ولو جزء من همومنا من خلال هذا اللقاء الذي يسلط الضوء على تراثنا ومدننا التي تزخر بها محافظة حضرموت، والتراث مسؤولية الجميع وليس المؤسسات المعنية فقط، والكل مسؤول عنه المؤسسات الاعلامية والتربوية والمجتمعات المحلية وكل فرد عليه مسؤولية الحفاظ على تراث الأجداد.