موضوع المتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل الحوثيين هو أحد المواضيع المثيرة للجدل، حيث يسعى الحوثيون للاستفادة من القضية الفلسطينية لخدمة مصالحهم السياسية الإقليمية والداخلية. يتناول التقرير التالي كيف يجري استغلال الحوثيين لهذه القضية من عدة زوايا.
الهوية السياسية للحوثيين ومحاولة ربطها بالقضية الفلسطينية.
الحوثيون، وهم حركة زيدية شيعية ظهرت في شمال اليمن، سعوا منذ بداياتهم لتأسيس هوية سياسية ودينية متمايزة. إحدى الأدوات التي استخدموها هي القضية الفلسطينية، حيث حاولوا تصوير أنفسهم على أنهم جزء من محور “المقاومة” الذي يناهض السياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
هذا المحور يضم إيران وحلفائها في المنطقة مثل “حزب الله” في لبنان و”حماس” في فلسطين. الحوثيون قدموا أنفسهم كجزء من هذه الحركة المقاومة للهيمنة الغربية والإسرائيلية، وبالتالي استغلال القضية الفلسطينية لتعزيز شرعيتهم أمام الشعوب العربية والإسلامية.
التضامن الخطابي والرمزي
الحوثيون كثيرًا ما رفعوا شعارات تدعم فلسطين، مثل “الموت لإسرائيل” و”اللعنة على اليهود”، وهي شعارات متأثرة بتوجيهات إيرانية.
كما استخدموا يوم القدس، الذي أعلنه النظام الإيراني كحدث سنوي للتضامن مع القضية الفلسطينية، لتوجيه انتقادات علنية للغرب وإسرائيل والدول العربية المتحالفة معهما، مع السعي لاستقطاب التعاطف الشعبي تحت راية دعم القضية الفلسطينية.
الدعم الإيراني ومحور “المقاومة”
العلاقة الوثيقة بين الحوثيين وإيران أسهمت بشكل كبير في هذا الاستغلال، فإيران هي أحد أبرز الداعمين لحركة الحوثيين في اليمن، سواء ماليًا أو عسكريًا، ومن ضمن استراتيجيات إيران الإقليمية دعم الجماعات المسلحة التي تروج لمناهضة إسرائيل والولايات المتحدة.
لذلك، كان من مصلحة الحوثيين أن يظهروا كجزء من هذا المحور،و استخدام القضية الفلسطينية يعزز التحالف مع إيران ويضمن لهم المزيد من الدعم والتأييد من الدوائر الشيعية والإسلامية التي تنظر إلى فلسطين كقضية مركزية.
مهاجمة التحالف العربي والدول الخليجية
من خلال التركيز على القضية الفلسطينية، استغل الحوثيون هذا الملف لمهاجمة التحالف العربي بقيادة السعودية،فالحوثيون يتهمون دول الخليج بالتقاعس عن دعم القضية الفلسطينية وبالتطبيع مع إسرائيل، متجاهلين حقيقة أن الصراع في اليمن ذو طابع داخلي وإقليمي أكثر من كونه متعلقًا بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. الحوثيون يسعون إلى تصوير السعودية والإمارات كحلفاء غير موثوقين يتعاونون مع الغرب على حساب فلسطين، بهدف كسب المزيد من الدعم الشعبي اليمني والعربي لقضيتهم.
الاستفادة الإعلامية
وسائل الإعلام التابعة للحوثيين، سواء كانت التلفزيونية أو الإلكترونية، تركز بشكل مكثف على القضية الفلسطينية في مناسبات عديدة.
يتم تصوير أنفسهم كحركة مقاومة ضد “الاحتلال” الإسرائيلي، مما يسمح لهم بتعزيز مكانتهم لدى جمهورهم المحلي والإقليمي.
هذه الدعاية الإعلامية تهدف إلى حرف الانتباه عن الصراعات الداخلية في اليمن وإبراز الحوثيين كممثلين عن القضية الفلسطينية ومقاومي الهيمنة الأجنبية.
إضعاف الشرعية اليمنية والدول الخليجية
الحوثيون يستخدمون القضية الفلسطينية كأداة لإضعاف الشرعية اليمنية والتحالف العربي في أعين الجمهور العربي والإسلامي من خلال تقديم أنفسهم كمدافعين عن فلسطين، يحاولون تصوير الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية على أنهم لا يهتمون بالقضية الفلسطينية.
و في الواقع، الهدف من هذه الحملة هو كسب الدعم الشعبي والإقليمي لحركتهم في الداخل اليمني، وخصوصًا بين الطبقات الشعبية التي تعتبر القضية الفلسطينية رمزًا للنضال ضد الاستعمار.
تجارة السلاح والتمويل
يمكن القول إن إحدى الفوائد المباشرة التي حصل عليها الحوثيون من متاجرتهم بالقضية الفلسطينية هو الحصول على دعم مالي وعسكري من جهات مختلفة، فإيران، التي تدعم الحوثيين، تقدم هذا الدعم بناءً على الانتماء إلى محور “المقاومة” الذي يعتبر مناهضة إسرائيل جزءًا أساسيًا من أجندته.
لذلك، يمكن أن يكون استخدام الحوثيين لهذه القضية جزءًا من التبادل السياسي والعسكري مع إيران وحلفائها.
تناقضات الخطاب الحوثي
على الرغم من تبني الحوثيين الخطاب المتعلق بدعم القضية الفلسطينية، إلا أن هناك تناقضات في هذا الموقف.
فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي يدعون فيه الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، يستمرون في تنفيذ أعمال عسكرية تضر بالمدنيين اليمنيين وتعمق من أزمة اليمن الإنسانية.
هذه التناقضات تكشف عن استغلال سياسي للقضية الفلسطينية، حيث يتم استخدامها كأداة للتلاعب بالعواطف الشعبية، دون تقديم أي خطوات فعلية لدعم الفلسطينيين على الأرض.
النتائج السياسية الداخلية
استغلال الحوثيين للقضية الفلسطينية كان له تأثير مباشر على الصعيد الداخلي، فهم استخدموا هذه القضية لتوحيد صفوفهم الداخلية، خاصة في ظل الضغوط العسكرية التي تواجههم من قبل الحكومة اليمنية والتحالف العربي.
خطابهم المتعلق بفلسطين يعزز من دعمهم بين القطاعات الشعبية التي تتعاطف مع فلسطين، ويعيد توجيه الانتباه بعيدًا عن الأزمات الداخلية التي يواجهونها، بما في ذلك الفقر والجوع والدمار الناتج عن الحرب.
التداعيات الإقليمية والدولية
استغلال الحوثيين للقضية الفلسطينية لا يتوقف عند الحدود اليمنية،فهم يسعون لإثارة هذا الموضوع في المحافل الإقليمية والدولية لتحسين صورتهم والتأثير على الرأي العام.
على سبيل المثال، استخدام الحوثيين للقضية الفلسطينية يهدف إلى تقديمهم كقوة مناهضة للهيمنة الغربية، مما يساعد في الحصول على الدعم السياسي والدبلوماسي من دول معينة أو منظمات دولية ترى في القضية الفلسطينية جزءًا من أولوياتها.
في النهاية، يبدو أن الحوثيين يستخدمون القضية الفلسطينية كأداة سياسية تهدف إلى تحقيق أهدافهم الخاصة.
من خلال تبني خطاب المقاومة ومعاداة إسرائيل، يحاول الحوثيون تعزيز شرعيتهم الداخلية والإقليمية، والحصول على الدعم المادي والسياسي من إيران وحلفائها.
هذا الاستغلال، رغم أنه يظهر تضامنًا ظاهريًا مع الشعب الفلسطيني، إلا أنه في الواقع يخدم مصالح سياسية ضيقة ويستخدم كوسيلة لتوجيه الانتباه بعيدًا عن الأزمات الداخلية في اليمن.