آخر تحديث :الإثنين-07 أكتوبر 2024-03:33م
أخبار وتقارير

الرئيس علي ناصر محمد يكشف سر تأجير مسؤول يمني قاعدة عدن للبريطانيين

الإثنين - 07 أكتوبر 2024 - 01:10 م بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر محمد يكشف سر تأجير مسؤول يمني قاعدة عدن للبريطانيين
إعداد/ د. الخضر عبدالله:

استقلال الجنوب وموقف الشمال

يواصل الرئيس علي ناصر محمد حديثه عن الوحدة اليمنية ضمن سلسلة من حلقات تفردت بها صحيفة (عدن الغد ) حيث قال مسترسلا في حديثه:" كنا نظن، بل نؤمن بأنّ فرحة النظام في الشمال باستقلال الجنوب لن تقلّ عن فرحة صانعيه ومناضليه، ولكن خاب أملنا، لأنّه كان هناك من اعترض، وكان هناك من هادن مؤقتاً، وكان هناك من قبِل بالأمر الواقع على مضض، وجميعهم أبدوا تجاهلاً فجّاً لإرادة شعب الجنوب، وكأنهم صانعو نصره واستقلاله، والباذلون لدمائهم لتحريره من الاحتلال البريطاني. أمام الأمر الواقع، وبعد تلكؤ، أرسل القاضي عبد الرحمن الإرياني، رئيس المجلس الجمهوري، برقية تهنئة بقيام دولة الاستقلال إلى القيادة في الجنوب بعد خسمة أيام من إعلان الاستقلال، مع أنّ النظام في صنعاء كان يفترض أن يكون أول دولة تعترف باستقلال الجنوب، ومع ذلك فقد حققت تلك البرقية مكسباً للقيادة الجنوبية، وضمنت لها أهمّ اعتراف بمشروعيتها الوطنية والدولية.

وأذكر أنه في النصف الثاني من عام 1967م جرى لقاء بين فيصل عبد اللطيف الشعبي ومحمد البيشي وأنا وبين القاضي عبد الرحمن الإرياني قبل أن يصبح رئيساً في منزله بالجيزة – القاهرة، ودار حديثنا حول الثورة في الجنوب، وكان النصر حينها على الأبواب، وانسحاب بريطانيا يقترب مع اكتمال استيلاء الجبهة القومية على مجمل المحميات والسلطنات والمشيخات. وقد سأل فيصل القاضي الإرياني: ماذا بعد الانتصار وإنهاء الاحتلال بشأن الوحدة اليمنية؟ وكان ردّ القاضي بعدم الاستعجال، وأنّ الوحدة يجب أن تمرّ بمراحل كالفيدرالية. لقد كان ردّه هذا مؤشراً على عدم الحماسة لقيام وحدة فورية بعد استقلال الجنوب، وموافقة صريحة على قيام دولة فيه، لأن الكيان الفيدرالي لا ينشأ إلّا بين دولتين مستقلتين. وقد بعث وهو رئيس في 4 كانون الأول/ ديسمبر، وبعد تخلصه مؤقتاً من الضغوط، وتحت ضغط حصار صنعاء أيضاً بوفد للتهنئة بالاستقلال برئاسة د. حسن مكي ومحمد عبده نعمان وعبده عثمان، نقل تهنئته بصفته رئيساً للمجلس الجمهوري إلى الرئيس قحطان الشعبي الذي بدوره ردّ ببرقية شكر على التهنئة في اليوم التالي. وأخيراً انتصر الرأي الذي يؤيد الاستقلال. ومن المهم أن نلاحظ أنّ تشكيلة الوفد خلت من أيّ عنصر مشيخي، ما يعني أنّ قوى اجتماعية نافذة كانت ضد الاستقلال ومع الضم، وليس حتى الوحدة بالتفاوض. وأستعيد هنا من الذاكرة زيارة الوفد الذي رأسه حسن مكي لمشاركة أبناء الجنوب فرحتهم الكبيرة بالنصر، ووقتها لم تُطرَح "الوحدة اليمنية" على بساط البحث، لا من جانبنا ولا من جانب الوفد.


ويشرح الرئيس علي ناصر حديثه قال :" ماذا لو لم ترسل تلك البرقية، أو أنها أرسلت تهنّئ بالاستقلال وحسب، وتمسكت صنعاء بخيار الوحدة الفورية، هل كان ذلك يغيّر مجرى الأمور ويدفع صانعي قرار قيام الدولة في الجنوب إلى التراجع، أم كان ذلك إيذاناً ببداية توتر في علاقات النظامين وإحداث تأثير في قرارات دول أخرى بالاعتراف بنظام الجبهة القومية؟ ألم تسهّل تلك البرقية مهمات قيام الدولة في الجنوب والمضي فيها بسلام؟ لم تصل من صنعاء أية إشارات تفيد بأنّ الحكومة في الشمال تستعجل الوحدة الفورية. وفي اتجاه آخر، وصل إلى عدن أشخاص حسني النيّات ومعروفين بوطنيتهم، سمَّوا أنفسهم وفدَ "القوى الشعبية" لمقابلة قيادة الثورة للتهنئة بالنصر والاستقلال، وقد حملوا معهم مقترحاً بإعلان الوحدة الفورية بين صنعاء وعدن، لكنهم فوجئوا ببرقية رئيس المجلس الجمهوري تسبقهم، وعادوا بانطباع مفاده أنّ الدولة في الجنوب صارت أمراً حتمياً، وأنّ كلتا القيادتين في الشمال والجنوب لم تكن لديها الاستعداد اللائق لتحقيق وحدة فورية في ذلك الحين. ومن المهم ملاحظة أنّ حركة القوميين العرب (فرع الشمال) لم تكن ضمن هذا الوفد أو على رأسه، نظراً لثقلها السياسي والتنظيمي، وعلاقتها العضوية بالجبهة القومية، وقد غاب عن الوفد حزب البعث أيضاً.


السر الخطير


وواصل الرئيس ناصر في حديثه وقال :" إن القاضي الإرياني أجّر القاعدة البريطانية في عدن دون علم القيادات السياسية في الجنوب.

وقال ناصر :" لم أصدق وأنا أقرأ مذكرات القاضي عبد الرحمن الإرياني التي كشفت عن سرٍّ خطير يمكن توصيفه باللامعقول. التقى القاضي في القاهرة في كانون الثاني/ يناير 1964 بعضو برلماني بريطاني بغرض تأجير قاعدة عدن للبريطانيين مقابل صفقة على حساب الثورة والسيادة الوطنية اليمنية ككل، ودون علم الجبهة القومية التي كانت تناضل من أجل تحرير الجنوب من أكبر قاعدة بريطانية في الشرق الأوسط وبدعم من مصر، وفقاً للأسس الآتية:

1. اعتراف بريطانيا بالجمهورية العربية اليمنية وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها.

2. توقيف الحملات الإذاعية ضد بريطانيا، والحملات البريطانية ضد الجمهورية، وإلغاء السلطات في عدن جميع التدابير التي اتُّخذت ضد الأحرار، وكذلك القيود التي وُضعت بالنسبة إلى العمل والعمال اليمنيين، وانتقالهم وغير ذلك.

3. تحديد موعد للبدء بمفاوضات لوضع أسس بعيدة الهدف للعلاقة بين البلدين، مبنية على حق الجمهورية العربية اليمنية في المنطقة المحتلة بتحقيق وحدتها مع اليمن واتخاذ خطوات عملية في سبيل ذلك.

4. اعتبار نجاح المفاوضات على الأساس المبين في الفقرة 3 سبباً لقبول الجمهورية مبدأ تأجير قاعدة لمدة معينة دون أن يخلّ ذلك بالسيادة والوحدة.

5. تحويل العلاقات في المنطقة من السيطرة العلنية أو المستترة مع العداء السافر أو الخفي إلى علاقات ودّ وتعاون واقعي يساعد على الاستقرار، ويضمن لبريطانيا بشكل محدود ولمدة معلومة واقعها الاستراتيجي.

وافق الرئيس السلال على ذلك، ولكنه طلب بعض الوقت حتى يستشير المسؤولين المصريين الذين عارضوا الفكرة بشدة، انطلاقاً من مبادئهم في محاربة القواعد العسكرية وتصفية الاستعمار، ودعمهم الثوار في الجنوب سياسياً وعسكرياً حتى نيل الاستقلال.


حروب الوحدة بين صنعاء وعدن


وتابع الرئيس ناصر حديثه قائلا:" يقول مثل صيني: من السهل أن تقود الحصان إلى ضفة النهر، ولكن يستحيل عليك أن تحمله عنوة على الشرب.

ينطبق هذا المثل على بعض الصراعات والمناقشات المتعلقة بالوحدة اليمنية، ولقد أُتيح لي أن أعيش معظم مراحل عمليات "الكرّ والفرّ" في العلاقة بين النظامين والحوارات التي شارك فيها العديد من القوى المحلية والعربية ودول شقيقة وصديقة، وأن أتتبّع كلّ الدروب المفضية إلى ضفة النهر الوحدوي، أو التي خُيِّل إليّ وإلى هذا وذاك من المعنيّين أنها كفيلة بإيصال الفرس إلى حافة النهر، وأنها أكثر من ذلك كفيلة بإغرائه بأن يشرب.

كنتُ في قرارة نفسي أدرك أنّ لدينا فرساناً غير مؤهلين أصلاً، سواء "عندنا" في الجنوب، أو "عندهم" في الشمال، لأن يمتطوا حصاناً واحداً ويتولوا قيادته. وكنت أعرف مسبقاً أيضاً أنّ هذا القائد أو ذاك غير جادّين بإيصال قضية الوحدة إلى الهدف المرتجى، وقد صارحتُ الرئيس علي عبد الله صالح في أول زيارة رسمية قمت بها لصنعاء بصفتي نائباً للرئيس عام 1979م بأنني غير مرتاح لنهج كلّ من القيادتين، وبأنّ الآفاق لا تبدو مشرقة ما دام المسؤولون لم يتجاوبوا مع مطامح شعبهم في قضية الوحدة بالذات، وبأنّ الوقت قد حان لنترجم فيه الأقوال إلى أفعال. وفي زيارة أخرى، وجهتُ إليه سؤالاً صريحاً ومباشراً: هل تريد الوحدة؟ فردّ بصراحة أيضاً بـ"لا".

ما أودّ إيصاله إلى أبنائي وإخواني في الوطن

العربي، أنّ الوحدة لم تكن فقط شعاراً مقدساً وقضية لها الأولوية في فكر اليمنيين، وفي ضميرهم ووجدانهم، وفي أشعارهم وفنونهم، وفي أفراحهم وأتراحهم، وفي ساعات العمل والحلم وساعات اليقظة، وأنّ التعثر أو الإخفاق أو الانتكاسة في بعض المراحل أثناء النضال في سبيل الوحدة، وتلك التي حدثت واستمرت في الحدوث بعد تحقيقها، إنما هي ناجمة عن رؤى قاصرة ومصالح ضيقة وممارسات غير وطنية وعقليات لم ترقَ إلى مستوى قضية الوحدة النبيلة التي لم يختلف عليها يمنيان، ومن ثمَّ فتلك القوى غير جديرة حتى بالزعم أنها وحدوية النزوع أو قادرة حقاً على خدمة قضايا الشعب وحماية مقدسات البلاد.

ولا أجافي الحقيقة إذا قلت إنه في خضمّ تفجّر الخلافات بين النظامين، أو النزاعات المتفاقمة في الجنوب أو الشمال، كانت الوحدة ــ شئنا أو أبينا ــ ماثلة أمام أعيننا، وتتداخل مع أحاديثنا وسلوكنا اليومي، ولم تكن تفارق خطابينا السياسي والإعلامي، وكانت أيضاً في صلب مناهجنا التعليمية وأنشطتنا التربوية. وأنا هنا أتحدث دون مبالغة عن الجنوب، لأني زاملت كذلك تخبّطاتنا وأخطاءنا وتنصلاتنا مما اتفقنا عليه، والشمال في هذا الإطار لم يكن بريئاً أيضاً. ومن المثير أنّ مسألة التوجّه إلى الوحدة كانت تعود وتطرح بإلحاح وحرارة لا ينتابهما أيّ شك عقب كل صراع بين عدن وصنعاء، مباشر أو بالوكالة، ولم يكن الأمر سوى خدعة للناس الذين كانوا يثقون بقادتهم في كل مرة، لأنهم لم يكونوا يقبلون خيبة الأمل، وليس من قبيل المبالغة بأنّ الوحدة كانت ولا تزال قناعة الجماهير، لكونها هي القادرة على توفير شروط التقدم والازدهار في جوّ من الاستقرار والسلام. فلا عزة ولا قوة لليمن إلا بيمن ديمقراطي فيدرالي كغيرنا من الدول الفيدرالية.

ومع التقدير لكل جهد بُذل، فإنني قد لمستُ، عبر مراحل الصراع والحوار والاتفاقات بين النظامين، أنّ قناعات الجماهير اليمنية كانت عنصر الضغط الأساسي على الحكومات المتعاقبة، لإلزامها بالانتقال من لغة التشاحن والصدام المسلح والتخريب "المتبادل" والتهرب من تنفيذ ما يتفق عليه، إلى لغة الحوار والتفاهم والتنفيذ المشترك. أما إلى أيِّ مدى كان الإصغاء إلى صوت هذه الجماهير وشوقها للوحدة، فهذا أمر آخر.

لقد ظهر أول أشكال الاتفاقات الثنائية بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عندما قام وفد برئاسة سيف الضالعي، وزير الخارجية، بزيارة صنعاء في عام 1968، وصدر عن هذه الزيارة البيان الآتي:

انطلاقاً من الوحدة التي تتطلع إليها جماهير الشعب اليمني في الشمال والجنوب، وتمسكاً بالأهداف التي تحدد العمل من أجل الوحدة، زار الجمهورية العربية اليمنية وفد من جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة سيف أحمد الضالعي، وزير الخارجية، وعضوية كل من السيد عبد الله علي عقبة، وزير الثقافة والإرشاد وشؤون الوحدة اليمنية، والدكتور محمد عمر الحبشي، وكيل وزارة الاقتصاد، والسيد محمد أحمد القعطبي، مدير مكتب وزير الخارجية، وذلك ما بين التاسع والعشرين من تموز/ يوليو، والثالث من آب/ أغسطس 1968م، وقد زار الوفد خلال إقامته في تعز رئيس المجلس الجمهوري وأعضاءه، ورئيس الوزراء. وبدأت المباحثات في تعز، متناولةً عدداً من القضايا التي تهمّ شعبنا في الشمال والجنوب، وقد مثّل الجمهورية العربية اليمنية كل من السيد وزير الخارجية الدكتور حسن مكي، والسيد وزير الوحدة محمد عبد الواسع حميد، والسيد أحمد حسين المروني وزير الإعلام، وقد استكملت المباحثات في صنعاء وتركزت على تنسيق الاقتصاد والمواصلات والإعلام والأمن. يتبين مما سبق أن عدن كانت المبادرة والسبّاقة في السعي لتحقيق الوحدة، بينما كان يتوقع من صنعاء أن ترسل وفداً، بل أكثر من وفد، إلى عدن لو كان نظام صنعاء جاداً ومخلصاً في مسألة الوحدة. وما هو أدهى وأمَرّ، أنه في نهاية شهر الزيارة حدثت أحداث أغسطس الدموية في صنعاء ضد القوى الوحدوية، واغتيل وسجن ضباط ومدنيون في صنعاء أبلوا بلاءً حسناً في الدفاع عن الثورة وعن صنعاء أثناء حصار السبعين، من بينهم الشهيد محمد مهيوب الوحش. أليس لذلك دلالة، وألم يكن لاغتيال بطل الدفاع عن صنعاء في حصار السبعين عبد الرقيب عبد الوهاب في 24 كانون الثاني/ يناير 1969 دلالة أخرى على أنْ لا مكان للقوى الوطنية والوحدوية في نظام 5 نوفمبر؟ وألم يكن اضطهاد القوى الوحدوية في الشمال منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 وحتى 1990 (باستثناء فترة الشهيد الحمدي)، وخاصة في عهد علي عبد الله صالح كافياً للاستدلال على ثقافة الضمّ والإلحاق؟

(يتبع)