آخر تحديث :الثلاثاء-24 سبتمبر 2024-11:21م
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر يخرج عن الصمت ويكشف عن مجموعات المرتزقة الأجانب ودخولهم اليمن للقتال إلى جانب الملكيين

الثلاثاء - 24 سبتمبر 2024 - 09:02 م بتوقيت عدن

الرئيس  علي ناصر  يخرج عن الصمت ويكشف عن مجموعات المرتزقة الأجانب ودخولهم اليمن للقتال إلى جانب الملكيين

إعداد/ د. الخضر عبدالله


يحدثنا الرئيس علي ناصر محمد هذه المرة ضمن سلسلة الحديث معه عن (عدن والوحدة اليمنية ) حول ثورة 26 سبتمبر 1962م .. والمواقف العربية والدولية منها ..حيث مسترسلا:" عندما قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، كانت هي الثورة الوحيدة من بين كل الثورات العربية التي واجهت رفضاً وعواصف ومقاومة من محيطها ومن خارجه، ما اضطرّها دفاعاً عن النفس إلى أن تطلب النجدة من الجمهورية العربية المتحدة (مصر). لبّت مصر النداء، وأرسلت قوات نوعية محدودة العدد سرعان ما تضاعفت، وكانت الدولة الأولى التي تعترف بالجمهورية العربية اليمنية، وكان الاتحاد السوفياتي الدولة الثانية التي تعترف بها. ووظفت مصر دبلوماسيتها وإعلامها لحشد تأييد دول عدم الانحياز للاعتراف بالجمهورية ودعمها في المحافل الدولية. وفي 23 كانون الأول/ ديسمبر 1962 أعلن جمال عبد الناصر من مدينة بورسعيد أنّ "كفاح اليمنيين هو كفاحنا، وثورتهم هي ثورتنا" (من كتاب عيسى بلومي "تدمير اليمن Destroying Yemen" الصادر عام 2018، صفحة 113)، وتلك كانت نظرة عبد الناصر لثورة اليمن.

أولاً: إنّ أمن الحركة الوطنية العربية ومستقبلها معلَّقان في الميزان.

ثانياً: إنّ الوقت لا يحتمل التردد، وإلا ضاعت هذه الثورة الوليدة، وفي هذا الوقت بالذات.

ثالثاً: إنّ تدخل بعض عناصر الصاعقة والطيران كافٍ.

وقد اتُّخذ هذا القرار من منطلق مسؤولية مصر ودورها القومي، وهو قرار نابع من منطلق مبدئي التزمته ثورة 23 يوليو 1952م نحو الأمة العربية كلها (ثورة الجزائر مثال أول) . واستند الرئيس عبد الناصر في قراره إلى معلومات كانت ترده من المعارضة اليمنية ومن الأجهزة المصرية، وإلى تقييماتها لما بعد سقوط نظام الإمامة وردود الفعل العربية والدولية.



القيادة المصرية ووضع اليمن



وأضاف الرئيس ناصر في حديثه :"أرسلت القيادة المصرية بعثة استطلاعية لمتابعة الوضع في اليمن، ضمّت عبد الرحمن البيضاني والضابط محمد عبد السلام المحجوب وعاملاً لاسلكياً، تحركت بطائرة عسكرية من القاهرة إلى الحديدة، مروراً بأسوان، ومن الحديدة اتصلت البعثة بالقيادة في صنعاء، وأبلغتها بقرار مصر دعم النظام الجمهوري سياسياً وعسكرياً (كما روى لي ذلك الدكتور عبد الرحمن البيضاني، في أحد اللقاءات معه في منزله بالمعادي في القاهرة)، وكان ردّ صنعاء أنّ الأمور مستقرة، وأنّ الوضع مستتبّ لمصلحة النظام الجمهوري. وأمام سياسات عربية وإقليمية ودولية كرّست موارد هائلة للقضاء على الجمهورية، وفي ضوء التدخل السعودي في شأن داخلي يمني، لم يكن أمام مصر من خيار، برغم تواضع قدراتها العسكرية والمالية اليمنية، سوى إرسال تعزيزات عسكرية للدفاع عن استقلال اليمن ولحماية النظام الجمهوري وخوض حرب دفاعية لا مفرّ منها أمام تحديات غير متوقعة الحجم، استهدفت اقتلاع الجمهورية اليمنية اقتلاعاً كاملاً، وإعادة النظام الملكي. واندلعت المعارك التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات، وأكلت الأخضر واليابس، وتحولت حرب اليمن إلى حرب عربية وإقليمية ودولية. لقد ضحّت مصر في موقف منقطع النظير بآلاف الشهداء والمصابين، وتحمّلت خسائر مادية كبيرة من أجل انتصار الجمهورية، وترجمت بذلك أنّ سياستها العربية القومية فعل وحقيقة، ولم تكن مجرد شعارات.





تفاءل الإمام البدر

ويقول الرئيس ناصر في حديثه:" وفي خضمّ يأس الإمام البدر (19 أيلول/ سبتمبر - 26 أيلول/ سبتمبر 1962) عقد مؤتمره الصحافي الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1962م، الذي عبّر فيه عن غطرسة مثيرة وتفاؤل لم يكن في محله، وأعلن أنه يقود جيشاً كبيراً، فيما يقود عمّه الحسن جيشاً آخر في صعدة، فضلاً عن جيش ثالث في حريب، وأنّ عشرين ألف مقاتل تحت إمرته يسيطرون على نحو نصف مساحة البلاد، وفي طريقهم إلى صنعاء (مثل نهم في عاصفة الحزم التي أعلنت عام 2015م).

المرتزقة الأجانب



ومضى يقول الرئيس ناصر:" في هذه الأثناء شارك عنصر جديد في ميادين الحرب. إذ وصلت، للمرة الأولى، مجموعات من المرتزقة الأجانب موّلتهم العربية السعودية، وسهّلت مع بريطانيا دخولهم إلى اليمن للقتال إلى جانب الملكيين، وكان في مقدمتهم البريطاني ديفيد سمايلي الذي كان في أثناء عمله هذا على صلة بأعلى شخص في القيادة السعودية (كان يلتقي بفيصل شخصياً طبقاً لجوناثان ووكر في كتابه السالف الذكر) ليشرف على العمليات العسكرية ضد النظام الجمهوري وهزيمة القوات المصرية التي تعني وأد الجمهورية. ولسمايلي كتاب عنوانه "مهمة في الجزيرة العربية" مؤلَّف من جزءين: الأول حول دوره في الحرب ضد ثوار الجبل الأخضر في عمان، والثاني عن دوره في حرب اليمن. وكانت ثمة قواعد في الجوار السعودي، وأخرى في الجنوب اليمني المحتل تتولى تنظيم عمليات نقل المرتزقة إلى الداخل. وهذا الفصل في الحرب الأهلية من أخطر الفصول، ومن أبرز الانعطافات التي شهدتها حرب الدفاع عن الجمهورية، التي عبّرت عن طبيعة تحالف دولي كبير تشكَّل ضد الثورة اليمنية وضد مصر، ضمّ السعودية وبريطانيا وإيران وتركيا وباكستان وفرنسا والأردن، والبعض ــ هم من غير العرب ــ ضمّوا إليه إسرائيل. وربما فسّر ــ في رأيي ــ أيضاً، مبادرات بعض الدول العربية التقدمية التي كانت تناصر حركات التحرر العربية والإفريقية، كالجزائر والعراق، والتعبير عن استعدادها لدعم الجمهورية اليمنية.

عيون الذئاب على اليمن



وتابع الرئيس ناصر قائلا:" وفي هذا السياق، أبلغ الرئيس أحمد بن بلّا، القاضي عبد الرحمن الإرياني خلال زيارته للجزائر، استعداد بلاده للوقوف مع الجمهورية العربية اليمنية، إلى حدّ إرسال قوات عسكرية للقتال معها. كذلك أعلن أحمد المروني، بعد عودته من العراق، أنّ الرئيس عبد الكريم قاسم أبلغه استعداده لإرسال عشرة آلاف جندي مجهزين بالذخيرة والسلاح والتموين للقتال إلى جانب الجمهورية. هذه الوعود لم تتحول إلى سياسات وأفعال، ولم تخرج عن الدعم السياسي والمعنوي، وكلاهما كانت الجمهورية بحاجة إليه. لكنّ هذا الدعم، من جهة ثانية، جعل عيون الذئاب مفتوحة أكثر، وأكثر إصراراً على الإجهاز على الجمهورية، بمضاعفة دعمها للملكيين لتحقيق النصر في حرب كانت تراها قوى القضاء على الجمهورية مباراة خاسرة، ولم تكن القوتان الرئيستان في الحرب الباردة وقتها بعيدتين عن الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك. مما سبق، وكما نعلم، فإن مصر تحمّلت وحدها، وإلى حدٍّ ما الاتحاد السوفياتي، أعباء المعركة العسكرية والسياسية والتنموية في اليمن، وقد استمر تحمُّل هذا العبء من تشرين الأول/ أكتوبر 1962 حتى عدوان حزيران/ يونيو 1967م وإخراج مصر لقواتها من اليمن في تشرين الأول/ أكتوبر 1967، وذلك في نتيجة من نتائج العدوان.

(للحديث بقية)