آخر تحديث :الخميس-19 سبتمبر 2024-01:52ص
ملفات وتحقيقات

الرئيس علي ناصر: مشائخ الشمال طمأنوا دولة عربية أن يكونوا حليفاً لها في الصراع مع الجنوب

الأحد - 15 سبتمبر 2024 - 02:33 م بتوقيت عدن

الرئيس علي ناصر: مشائخ الشمال  طمأنوا  دولة عربية   أن يكونوا حليفاً لها في الصراع مع الجنوب

إعداد/ د. الخضر عبدالله:

في اللقاء السابق مع فخامة الرئيس علي ناصر محمد تطرق إلى كشف أسرار معركة الوديعة وكوريا موريا .. وفي هذا اللقاء يتحدث عن العلاقات بين صنعاء والرياض بعد حرب الجمهوريين والملكيين.. واستطرد وقال:"

في 23 يوليو عام 1970 تُوِّجت العلاقات الدبلوماسية بين صنعاء والرياض بعد حروب الملكيين والجمهوريين، وبعدها توالت اعترافات الدول الغربية بالنظام الجمهوري، وفتحت عدة دول غربية سفارات لها في صنعاء. هذه الاعترافات ضخّت في عضلة نظام نوفمبر بعض الثقة، وفي الوقت نفسه صلّبت موقفها من النظام في عدن. وعن تطور عملية المصالحة، يمكن القول بإيجاز إنه بعد الصمود أثناء الحصار وبعد استقلال الجنوب، رأت السعودية أنّ خصومتها لنظامين في اليمن ليس في مصلحتها، هذا مع الأخذ بالاعتبار أنه قد تردد فيما بعد أنّ بعض القوى، ولا سيما المشيخية، قد طمأنت السعودية إلى أن نظام صنعاء الجمهوري لن يخشى منه، وسيكون حليفاً لها في الصراع مع الجنوب، وهذا يعزز ما قاله الشيخ شويط في براغ عام 1985 عن علاقة مبكرة بين الشيخ الأحمر والسعودية، وهو ما سبق ذكره.

مؤتمر التعاون الإسلامي

وواصل الرئيس ناصر حديثه وقال:" في 26 آذار/ مارس من عام 1970 قام الأستاذ محسن العيني، رئيس الوزراء في الجمهورية العربية اليمنية، بزيارة جدّة لحضور مؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، وقد كان ذلك المؤتمر نواة لميلاد منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي اليوم). وكانت السعودية ترمي من إنشاء المنظمة إلى خلق هيكلية سياسية دولية تهيمن عليها وتدير سياستها، وكانت إيران (في زمن الشاه) وتركيا وباكستان من رفاق طريقها، وفي الوقت نفسه لم تكن تريد أن تُنشئها وفي حلقها عظمة يمنية، وفي خاصرتها مشكلة آن آوان حلّها بعد فشلها في حلّها عسكرياً. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يمكن عقلاً إنشاء تنظيم إسلامي دولي، واليمن بدوره الرائد في نشر الإسلام في نجد والحجاز ذاتيهما، وفي الفتوحات الإسلامية لا يقبل أحد أن يبقى خارجها، وكأنّ شعبه لا ينتمي إلى الإسلام. كان الأستاذ العيني قد اشترط لحضوره بصفته ممثلاً للجمورية العربية اليمنية أن يعامل كرئيس وفد دولة ذات سيادة، وأن يُرفَع العلم الجمهوري على السيارات التي ستُقله والوفد، وأن يُعامَل كبقية الوفود المشاركة في المؤتمر. وقد قبلت السعودية الشروط اليمنية قبل وصول العيني إلى جدة، وكان ذلك المفتاح الأول في تذويب الثلج اليمني السعودي الذي استمرّ ثماني سنوات.



القلاقل في نظام صنعاء

وكمل الرئيس ناصر حديثه قائلا:" في هذا الصدد، قال اللواء يحيى المتوكل إنه نفّذ مهمات سرية كلّفه إيّاها القاضي عبد الرحمن الإرياني، مهّدت لزيارة العيني بالشروط المذكورة آنفاً التي كانت شروطاً رسمية، ولكن البعض تجاهل دوره التأسيسي للمصالحة، ونسب إلى نفسه كل الإنجاز في كسر الجمود، بل الركود في العلاقات السعودية – اليمنية. أجرى العيني في جدّة لقاءات مع مسؤولين سعوديين، ونجح خلالها في إقناعهم بأنه حان وقف الحرب ووقف المساعدات عن بعض الشخصيات التي شاركت في الحرب ضد الجمهورية، والتي كانت ولا تزال وراء إثارة القلاقل لنظام صنعاء . وكان الاتفاق على استيعاب بعض المشايخ والشخصيات السياسية في أجهزة الدولة، وعلى رأسهم السيد أحمد محمد الشامي. وبالفعل، عُيِّن الشامي، وهو من أحرار حركة 1948، في المجلس الجمهوري، ويحيى المضواحي والصعدي والشيخ صلاح المصري في مجلس الوزراء. أما الشيخ ناجي بن علي الغادر، فقد رفض أن يُعيَّن في المجلس الوطني (البرلمان حينذاك)، إذ ربما كان يرى أنه يستحق موقعاً سياسياً أرفع بالنظر إلى دوره القتالي البارز مع الملكيين، ووضعه المشيخي باعتباره أحد كبار مشايخ قبيلة خولان، وهو الذي التقى في بداية الثورة بالمشير عبد الحكيم عامر نائب الرئيس جمال عبد الناصر في صنعاء من موقعه هذا. وهنا، لا شك في أن حكومة نوفمبر بنت موقفها منه بناءً على حساسية قوى مشيخية حاشدية وبكيلية من الغادر، ولا شك في أنها هنا قد ارتكبت خطأً جسيماً في عدم استيعاب الغادر وترضيته. ولهذه الأسباب، إضافةً إلى اعتزازه بشخصه وبيمنيته، اختلف مع الأمير سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع والطيران وأمير ملف اليمن، واتهم المملكة بخيانته، وقال للأمير: "نحن دافعنا عنكم برجالنا ودمائنا، والمصريون لم يكونوا يستهدفون إلا المملكة"، فغضب الأمير سلطان منه، وطرده من مكتبه، فخرج غاضباً ولم يعد مطلقاً إلى المملكة وانقطع اتصاله بها . سلطان بموقفه هذا عبّر دون أدنى ريب عن أنّ السعودية لا تفضل إلا التعامل مع الضعفاء والمتسولين والأكثر مطواعية. ومن جهة ثانية، لم يبادر سلطان بالاعتذار طواعية، بل بطلب من شيخ يمني آخر. وكان البعض يتوقع أن الغادر سيدخل صنعاء ما دام قد فقد السند المالي السعودي، وسيعلن ولاءه للجمهورية، ولكنه أعلن رفضه لكل شيء. وقد سجّل موقفه هذا في أحد زوامله الأكثر شهرة :

حيْد الطيال أعلن ونـــــــادى كل شامخ في اليمن

ما بانجمهر قــط لو نفني من الدنيا خلاص

لو يرجع أمس اليوم والّا الشمس تشرق من عدن

والأرض تشعل نار وامزان السماء تمطر رصاص

وتابع حديثه وقال:" كان الشيخ الغادر رجل موقف مهما يكن الاختلاف معه، ولم يكن سياسياً ليفهم ما تضمره السعودية من أهداف غير معلنة في حربها ضد الجمهورية، وكان سلوك الأمير سلطان ينمّ عن استعلاء سعودي مبكر في التعامل مع اليمن واليمنيين، وقد حدث قبل الطفرة النفطية التي أسست للحقبة السعودية التي نعيشها اليوم بكل ما لها وما عليها.



ولم يكن زامل الغادر دون صدىً وردّ فعل، إذ ردَّ عليه الشيخ أحمد ناصر الذهب بما يأتي:



حيَّت بكم لندن وفصل والهبيلي والحسن

آما من أصلينا معابر حصتكم خصاص

ياذي زرعــــتوا لليمن هذي الفتن

لا بد من مَحكَم وتاليها القصــــاص

نرى أنّ الشيخ الذهب، بعبقرية الشاعر الشعبي والوطني، جمع عصابة الأربعة - أعداء الثورة اليمنية - في الشطر الأول من البيت الأول، وكان محقاً وصائباً، لكنّ الرياح جرت فيما بعد بما لا تشتهي سفينة الثورة اليمنية. ومما يُروى عن سلطان بعد انبطاح بعض الجمهوريين على الأبواب قوله: "لو كنا نعرف أنّ الجمهورية هكذا لما حاربناها ثماني سنوات".

كانت قصيدة الذهب موقفاً سياسياً، وليست نبوءة بنهاية الغادر بالطريقة التي جرت بها، لأنه قصد أن يقتل الغادر في معركة، لا غدراً. أما الشيخ الأحمر الذي استثمر قتل الغادر وجماعته قبلياً في الشمال، وسياسياً ضد الجنوب، فتعبّر مذكراته عن رضاه عن مصير الغادر. لقد كان الغادر في شعره ومواقفه يمثّل قمة العناد والتحدي للجمهورية وللحل السلمي الذي أنهى حرب التدخل السعودية والوجود المصري في اليمن.



مقتل الغادر

وسترسل الرئيس ناصر بقوله:" بعد أن خسر الغادر وغيره مصدر تمويلهم السعودي، بحثوا عن مصدر بديل، فقرّر مع آخرين إجراء اتصالات مع مسؤولين في المحافظة الرابعة (شبوة) في الجنوب للحصول على مصدر تمويل جديد، مستفيدين من مناخ الخلاف بين صنعاء وعدن. وقد توجه وفد منهم إلى منطقة (البليق)، حيث استقبلهم مسؤولون في المحافظة الرابعة، كانوا على اتصال مع بعض المسؤولين في حكومة صنعاء، فنبّهوهم إلى أنّ هذه الاتصالات تشكل خطراً على النظامين في الشمال والجنوب. وكان الاتفاق بين الرئيسين في صنعاء وعدن على التخلص من أولئك المسؤولين في 21 فبراير 1972م ، وهكذا كان. وبالرغم من موافقة صنعاء المسبقة، ثم تعبير القاضي الإرياني عن غبطته بما حصل قائلاً: "لقد عاش غادراً ومات مغدوراً"، إلا أنّ سلطة صنعاء استخدمت مقتلهم كقميص عثمان لشنّ حرب على الجنوب في أيلول/ سبتمبر عام 1972، وكانت مدينة قعطبة وجوارها مسرح عملياتها، وقد سبقت الحربَ عملياتُ تسلّل وتخريب قام بها عناصر جنوبيون، كانت صنعاء تؤويهم وتموّلهم .

لم يكن القاضي الإرياني مسانداً للحرب ضد الجنوب، التي كانت مصلحة مشيخية وسعودية بحتة. لكن قيام الحرب، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وصانع قرار الحرب والسلام في صنعاء، بيّن ضعفه وضعف القادة العسكريين إزاء سطوة مشايخ القبائل ونفوذهم في الدولة – دولتهم بالأصح – وهو الضعف الذي أودى بسلطة القاضي الإرياني في حزيران/ يونيو عام 1974م، ووضع الشيخ الأحمر بنفسه خاتمة له بعبارة "ماعد لنا حاجة به"، أي لم تعد لنا حاجة تستدعي بقاء القاضي في الحكم. في تلك اللحظة لم يكن الشيخ يتصور أنّ النظام المشيخي في طريقه إلى الزوال، ولكن إلى حين. وقد أوضح العقيد محمد بن عبد الله الإرياني، القائد العام للقوات المسلحة وقتذاك، في مذكراته التي سبقت الإشارة إليها في الرسالة الموجهة إليه وإلى أخوته الضباط هذه الجزئية، ولكن من زاوية أخرى.

(للحديث بقية)