آخر تحديث :السبت-21 سبتمبر 2024-02:09ص
ملفات وتحقيقات

رهان لمياء وندى.. نساء يتفوقن في الكتابة والتصوير والرسم

الأحد - 08 سبتمبر 2024 - 05:43 م بتوقيت عدن

رهان لمياء وندى.. نساء يتفوقن في الكتابة والتصوير والرسم

صنعاء (عدن الغد) أبرار بجاش فهيد – المشاهد:

الفنون بأنواعها نبض المجتمعات لأنها تعكس ثقافتها وتاريخها، وتشكل وسيلة للتعبير عن الهوية الإنسانية بأشكالها المتعددة. من الكتابة والرسم إلى التصوير والنحت أو حتى الغناء، تسهم الفنون في تشكيل الوعي الجمعي وتعزيز قيم الإبداع والجمال.

تؤدي النساء في اليمن دورًا محوريًا في هذا المشهد الفني المتنوع، حيث تبرز نماذج نسائية مبدعة تمكنت من تحويل تجاربهن الشخصية وتحدياتهن إلى أعمال فنية تلهم المجتمع وتؤثر فيه. تفتح هؤلاء النساء نوافذ جديدة للوعي، وتقدم رؤى فريدة تسهم في دفع عجلة التغيير الثقافي والاجتماعي.


إبداع الكلمة ومقاومة القيود

منذ أن خطت رهان عبدالله أولى خطواتها في عالم الكتابة عام 2016، كانت تحمل في داخلها رغبة قوية لخلق مساحة فنية خاصة تعبر فيها عن أفكارها ومشاعرها. تأثرت في بداية مسارها الأدبي بشعراء وكتّاب تركوا بصمة عميقة في روحها، مثل محمود درويش، وأمل دنقل، بالإضافة إلى الأدب المترجم الذي أضاف أبعادًا جديدة لرؤيتها الفنية.

مع مرور الوقت، بدأت رهان تجد في صوتها القوة، حيث أصبحت كتاباتها تعبر بشكل خاص عن المرأة والأم، وتسعى إلى توثيق هذه المرحلة من حياتها بألطف المعاني وأكثرها عمقًا. تشير رهان إلى أن عملها لا يقتصر على الكتابة الأدبية فحسب، بل يمتد إلى الأنشطة المدنية والأدبية، حيث تعمل كصانعة محتوى، ومؤدية صوتية، لتوثيق التراث الأدبي الشفهي في اليمن، والدعوة إلى إشراك النساء في نهضة المجتمع وتعزيز التعايش والسلام.

لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود، إذ واجهت رهان العديد من المعوقات، كان أبرزها العادات والتقاليد التي تحد من حرية المرأة في التعبير عن نفسها. في حديثها لـ “المشاهد”، تقول رهان: “واجهت العديد من المعوقات… من العار على المرأة أن تعبر عن شعورها وأن تكتب وتنشر للعلن.” لكن رهان أصرّت على مواصلة مسيرتها، متجاهلة النظرة المجتمعية التي تقلل من قدرات المرأة في مجاراة الرجال في مجال الأدب.

لم تقتصر إبداعاتها على الكتابة الأدبية فقط، فقد قدمت برامج إذاعية وبودكاست في راديو يمن تايمز بمدينة صنعاء، وتناولت قضايا متعددة، مثل حقوق النساء والمهمشين، وتعزيز التعايش المجتمعي. تقول رهان: “وصلت تلك البرامج للملايين من الأشخاص في اليمن، وساهمت في تثقيفهم وتعزيز وعيهم بتلك القضايا.”

الآن، تقدم رهان برنامجًا أدبيًا إذاعيًا بعنوان “صدى الكلمات“، يهدف إلى إبراز الشعراء والأدباء الشباب من الجنسين، وتقديم محتوى يساعد الكتاب الشباب على اكتساب معارف منهجية في الكتابة الأدبية. وقامت مؤخرًا بدور البطولة في سلسلة بودكاست قصصية هادفة منها بودكاست المهاجل والحكم التراثية وتسعى لتقديم المزيد من البرامج التي تعزز الأدب والثقافة في مجتمعها. تقول رهان: “أتمنى أن أستطيع الكتابة أكثر وبمستوى أدبي شعري حقيقي أرضى عنه ويرقى لاستحقاقية حفظه في كتاب واحد يحمل اسمي.”


ذكريات الطفولة في صورة

لمياء عبده فرحان وجدت في التصوير وسيلة لإدخال البهجة إلى قلوب الأطفال. في عمر 25 سنة، تخصصت لمياء في تصوير الأطفال في مدينة صنعاء حيث بدأت مشروعها في يونيو 2023، و يهدف مشروعها إلى صنع ذكريات إيجابية جميلة لأطفال اليمن الذين عاشوا ذكريات صعبة بسبب الحرب.

في حديثها لـ “المشاهد”، تقول لمياء: “أردت خلق ذاكرة جديدة وجميلة عن طفولتهم، مليئة بالمتعة والشعور بالامتنان لأهلهم الذين تعبوا من أجلهم.”

بدأت فكرة المشروع من حب لمياء للأطفال ورغبتها في إسعادهم. كانت البداية حلمًا بتأسيس مجلة متخصصة بالأطفال، تسرد قصصهم وتعرض صورهم ورسوماتهم، لكن الصعوبات التي واجهتها جعلتها تعيد التفكير وتوجه طاقتها نحو مشروع آخر يسعد أطفال اليمن بطريقة مختلفة. وهكذا ولدت فكرة تصوير الأطفال مع ديكورات جميلة وملابس طفولية تبرز جمالهم.

لمياء تؤمن أن مشروعها ليس مجرد تصوير، بل هو وسيلة لتعزيز الثقافة البصرية لدى الأطفال وأسرهم. تضيف: “مشروعي اعتبره سعادة للأطفال قبل أهاليهم. فرحة الأطفال أثناء التصوير وتجسيدهم لشخصياتهم المفضلة، وضحكاتهم وحركاتهم كلها لحظات تتجسد في ذاكرة الصغار وتصبح جزءًا من ذكرياتهم الجميلة.”

الردود التي تأتي لمياء من الأهالي كانت مشجعة جدًا، حيث تلقت دعمًا معنويًا كبيرًا وشكرًا على الفكرة وتطبيقها بسلاسة. على الرغم من هذا النجاح، لم تتلقَّ لمياء دعمًا أو تشجيعًا من مؤسسات داعمة للفن والثقافة، ما جعلها تواجه التحديات بمفردها.

ولأنها امرأة ومالكة لمشروع في مجتمع محافظ كاليمن، واجهت لمياء العديد من الصعوبات، منها عدم توفر مستلزمات المشروع، واضطرارها لشراء كل شيء من الخارج. إضافة إلى ذلك، كانت الميزانية المطلوبة لتأسيس المشروع تحديًا كبيرًا، بخاصة في ظل قلة الجهات الداعمة. ولكن، بتصميمها وإصرارها، استطاعت لمياء التغلب على هذه الصعوبات.

ترى لمياء أن للمرأة دورًا مميزًا في الفنون البصرية، وتشير إلى أن الحس الفني لدى النساء يمكن أن يكون مصدرًا للإبداع والإسهام في تحسين صورة اليمن لدى العالم. تقدم لمياء نصيحة للنساء الراغبات في إطلاق مشاريع مماثلة، وتقول: “لا تخافوا ولا تفكروا بالصعوبات، كل الصعوبات تتسهل إذا وجدت العزيمة والإصرار على النجاح.”

تؤكد لمياء على أهمية دعم المشاريع النسائية من قبل الجهات الداعمة، وتوفير قروض بلا فوائد لتسهيل افتتاح المشاريع، وهو الأمر الذي تعتبره أكبر صعوبة تواجه النساء عند إطلاق مشاريعهن الخاصة.


ندى: موهبة الرسم منذ الطفولة

تأتي قصة ندى علي العطري لتكمل لوحة القوة والإبداع التي ترسمها النساء اليمنيات بمدينة عدن. استطاعت ندى أن تحول موهبتها في الرسم إلى رحلة فنية غنية ومتنوعة. منذ سن السادسة، اكتشفت ندى حبها للفن بدعم من والدها، الذي ظل يشجعها حتى اليوم، مؤمنًا بقدراتها ومستقبلها كفنانة.

لم تكتفِ ندى بأن تجعل من الرسم مجرد هواية، بل سعت لتطوير موهبتها باستمرار، متجهة نحو استكشاف أنواع فنية مختلفة. وبفضل شغفها وحبها للتعلم، توسعت في مجالات عدة منذ 2015 ، بدءًا من الرسم التقليدي باستخدام الأقلام والألوان، إلى الفن المعاصر مثل الجرافيتي والرسم الرقمي. ومع كل خطوة كانت تخطوها، كانت تحمل في فنها هوية عدن وتراثها. تشير ندى إلى أن الفن بالنسبة لها هو أسلوب حياة يعبر عن قضايا المرأة اليمنية وتراثها الغني.

على الرغم من التحديات التي واجهتها، مثل قلة الفرص، وعدم تقدير المجتمع للفن، لم تتوقف ندى عن السعي لتحقيق أهدافها. تؤكد ندى أن الفنان اليمني قادر على المنافسة عالميًا، وأن هويتها وثقافتها هي مصدر فخرها. ومع ظهور اهتمام أكبر بالفن في الفترة الأخيرة، ترى ندى أن هناك فرصًا أفضل للفنانين اليمنيين في الوقت الراهن.

تعتقد ندى أن للفن دورًا كبيرًا في تعزيز هوية المجتمع، وأن الفنان اليمني، بالرغم من الظروف الصعبة، قادر على تقديم فن معاصر لا يقل إبداعًا عن أي فن عالمي. تطمح ندى إلى إنشاء كيان فني يجمع الفنانين ويساعدهم على تطوير مهاراتهم والمشاركة في الأعمال المجتمعية والخيرية.

وبثقة وإصرار، تواصل ندى رحلتها الفنية، مستعدة للمشاركة في فعاليات ومشاريع جديدة، ومؤمنة بأن المرأة اليمنية قادرة على لعب دور كبير في المجتمع إذا حصلت على الدعم، وتعمل جاهدة لاكتشاف وتنمية المواهب الفنية في اليمن.

تُبرز قصص هؤلاء النساء اليمنيات قوة الإبداع والعزيمة في مواجهة التحديات. من الكتابة والتصوير إلى الفن التشكيلي، يثبتن أن الإبداع يمكن أن يكون قوة محركة للتغيير والتطوير. إن دعم وتمكين المرأة في مختلف المجالات يعزز من قدرة المجتمع على تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا وابتكارًا.