محاضير بن محمد، أو كما يُعرف بـ(مهاتير بن محمد) رئيس وزراء ماليزيا (السابع)، كان من أكثر القادة تأثيراً في آسيا، حكم 40 عاماً فحول دولته الزراعية الفقيرة، إلى مصاف الدول المتقدمة، دولة صناعية، ورسم المعنى الحقيقي بأنه ليس هناك مستحيل طالما وُجدت العزيمة والإصرار ومعرفة قيمة المكان الذي يقف فيه.
فعندما توجد الهمة وحُب الإيمان بالمكان الذي تقف فيه، والعمل بالطريقة التي يمليها عليك ضميرك، تكون هناك نتائج ملموسة، لا يستطيع أحد أن ينكرها، مهما خالطها من عراقيل أو أخطاء مخطط لها، فالقائد أو المسئول الذي يحب بلاده ووطنه لا يمكن له أن يسمح بأن يراها مكسورة ومدمرة.
موسم البلدة
موسم البلدة بالعاصمة الحضرمية "المكلا" من المناسبات السنوية التي تلاقي إقبالاً كبيراً عليها، وهي مناسبة فلكية يكون فيها البحر في أشد درجات البرودة، وتقام فيها المهرجانات والرقصات الشعبية والمسابقات الثقافية والرياضية والفنية والأنشطة المختلفة، ابتهاجاً بهذه المناسبة التي تأتي منتصف يوليو من كل عام، وتستمر حتى بداية سبتمبر.
وكما قال المثل الشعبي الحضرمي المتداول "غسلة في البحر في نجم البلدة... تغنيك عن حجامة سنة"، أو المثل الآخر "غسل البلدة ترجع العجوز ولدة"، فبرودة البحر تدفع الناس للخروج للاغتسال في البحر البارد، للانتعاش والمتعة، وللفائدة الصحية، كما أثبتها الأجداد بعلاجها للأمراض الجلدية، وأمراض كثيرة.
الرؤية الاقتصادية
ولأن حضرموت معقل رجال الدولة، استطاعت أن تستغل موسم البلدة، واغتنمته في المجال السياحي والاقتصادي، حيث استطاعت أن تجلب السواح له من خارج المحافظة، ومن خارج الوطن، واحتضنت المغتربين، وبذلك رفدت خزينة المحافظة، وفتحت عجلة التنمية للفنادق والمطاعم والأسواق التي تستقبل كافة الوافدين للمحافظة.
فتح موسم البلدة الباب الاقتصادي على مصراعيه، فهذه المناسبة السنوية وفرت العديد من فرص العمل وحركت النشاط التجاري في المدينة، واستقبلت الوافدين بكرم ورحابة صدر، واستطاعت تشغيل السياحة بالمحافظة، وفتح المجال لأصحاب الحرف اليدوية وغيرهم.
العودة من الظلام
بعد حرب الحوثيين، حاولت التنظيمات الإرهابية السيطرة على العاصمة "المكلا" وإرجاعها ولاية تابعة لهذه التنظيمات، غير أنها عادت خائبة مكسورة ومهزومة، تجر خلفها ذيل الذل والانكسار بعد أن تعرضت لهزيمة نكراء في 24 أبريل 2016م، على يد عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء الركن فرج البحسني (حالياً)، قائد المنطقة العسكرية الثانية (حينها)، وأبناء حضرموت الأبطال.
بعد الانتصار على الإرهاب، استطاع قادة حضرموت إعادة الحياة إلى المحافظة، من خلال إعادة سير عجلة التنمية وتأهيل مؤسسات الدولة، وعودة التعليم والصحة والسياحة والمراكز العسكرية والأمنية لمزاولة عملها، واستطاعت أن ترسم لوحة فنية رائعة عن العزيمة والإصرار التي يحملها القادة لوطنهم، ومسقط رأسهم.. لمَ لا وقد وجد السياح والزوار لموسم البلدة، الأمن والأمان، في هذه المدينة المسالمة، الغنية بتاريخها الممتد لآلاف السنين؟
قادة لا يعرفون المستحيل
أثبت قادة محافظة حضرموت ممثلة بسيادة اللواء الركن فرج البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي، والأخ مبخوت بن ماضي محافظ حضرموت، وجميع المسئولين من مكتب السياحة والثقافة وغيرهم، أن النجاح لا يأتي بالجلوس على الكرسي بالغرف المغلقة، وإنما بالجد والعمل والمثابرة.
حيث استطاع هؤلاء القادة عرض الجمال الذي عُرفت به محافظة حضرموت أرض السلام والتعايش، أرض النظام والقانون، أرض الحضارة، والمدنية، والتاريخ، فرحابة الصدر، والجنوح للمستقبل، يعطي الحب للناس بزيارة هذه الأرض الطيبة أهلها، العريقة بتاريخها.
عوامل رئيسة لنجاح موسم البلدة
للنجاح عدة صور وطُرق، ولعل أهم العوامل التي قادت إلى إنجاح موسم البلدة بالمكلا، هي الأدوار الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية بالمدينة، لترتيب وتأمين حياة القادمين للمشاركة في هذه المناسبة السنوية الشيقة والمبهرة.
حيث يُمثلُ الأمن والأمان ركيزة أساسية لجلب السياح إلى المدينة، والتي أكدها محمد محفوظ وهو سائق تاكسي يعمل على نقل الذاهبين إلى البحر للاستمتاع ببرودته وفوائده التي تحدث عنها الأجداد.
محفوظ تمتم ببعض ما يقوله الذاهبون لقضاء موسم البلدة، من الفنادق والأسواق، وغيرها من الإمكان، ذهاباً وإياباً، بأن اليقظة الأمنية وتأمين المدينة كانت من أهم عوامل نجاح موسم البلدة واستقطاب السائحين والوافدين لقضاء موسم البلدة.
ومن هذه النجاحات الأمنية أيضاً، الانتشار المكثف لقوات خفر السواحل – حضرموت، وفريقها المتكامل، الذي استطاع أن يؤكد الجاهزية التامة لهذه القوات في أداء الأدوار المناطة بها على أكمل وجه، حيث سطرت قوات خفر السواحل بطولات كبيرة وعظيمة، لعل أبرزها استشهاد أحمد خالد بانافع في 23 يوليو 2023م، عندما قدم نموذجًا فذًا للتضحية والفداء، أثناء تأديته مهامه في فرق البحث والإنقاذ بقوات خفر السواحل بحضرموت.
أرض السلام والتعايش
من يسمع عن حضرموت تأخذه اللهفة لمعايشة أبناء هذه الأرض التي تركت انطباعاً جميلاً ورائعاً عن إنسانية وطيبة أهالي هذه الأرض، فما بالك بمن يزورها ويعاشر أهلها ويرى ما سمعه عنها على أرض الواقع؟!
في حضرموت تجد المدنية، والسلام، والتعايش، والنظام، والقانون، فأناسها مسالمون في السلم، ومغاوير عندما يحاول أحدا المساس بأرضهم أو العبث بها، تحمل ما بين أزقتها وجدرانها أناساً ألين قلوباً وأرق أفئدة، مائدتهم الكرم والشهامة والنخوة والطيبة.
وفي هذه النقطة أعربت كبيرة الاستشاريين في مكتب المبعوث الأممي لدى اليمن الزهراء لنقي عن سعادتها بزيارة حضرموت وتواجدها في موطن أصل العرب الأول.. الزهراء لم تكتفِ بسعادتها، بل إنها أشادت بما شاهدته هي والوفد الأممي المرافق لها، من أمن وسلام في المكلا، وجمال مبانيها القديمة وأسواقها الشعبية وطيبة ووعي أبنائها.. الزهراء أكدت أنهم سيحملون نموذج السلام في حضرموت إلى العالم.