آخر تحديث :الجمعة-29 نوفمبر 2024-03:46م
اليمن في الصحافة

اليمن ومعركة التّشظّى الكبرى!

الأربعاء - 17 يوليه 2024 - 12:55 م بتوقيت عدن
اليمن ومعركة التّشظّى الكبرى!
(عدن الغد) عزالدين سعيد الأصبحي – النهار العربي:
انتهت فرحة العيد في اليمن بحالة من الترقب والقلق المستمر، فكل مؤشرات التهدئة تصطدم دائماً بواقع صعب من الأزمات المتلاحقة، وخيبات الأمل. وتزيد الأمر قلقاً، حالة الإرباك التي تحيط بميليشيات الحوثي وتجعلها تريد جرّ المنطقة إلى ساحة حرب أوسع من الساحة اليمنية. لكن كما هو واضحٌ فإن التفاهمات الدولية والإقليمية صارت حائط صد حقيقياً أمام أي مغامرات إقليمية لميليشيات الحوثي. وتُركت للحوثي الذي لا يزدهر وضعه إلا في أجواء الحرب، مساحات البحر يسعى بها عن بعد، أو العودة إلى خلق معاركه الداخلية مع المجتمع اليمنى في ساحة مغلقة. وهي ساحة تؤكد معادلة الكل خاسر خاسر، والميليشيا التي صارت ترى نفسها لاعباً إقليمياً مؤثراً، لا تقبل حبسها في جبهة يمنية مغلقة لا تعطيها شرعية دولية، ولا تمكنها من كسب الحرب من دون خسارة مدمرة لها. بل ستكون هي أكبر الخاسرين وإن بدت بحالة من الزهو العسكري الآن. لذلك يعيش اليمن أزمته المنهكة، من دون أن يبالي المجتمع الدولي بفداحة ما يجري. وما يجري معركة كبرى، على صعد سياسية واقتصادية وأمنية عدة، ولكن أسوأها تعزيز حالة التشظي التي يجعلها الحوثي واقعاً يومياً مؤلماً لليمنيين، ولغماً لمستقبل البلد الكبير.

فخطوات تعزيز الانفصال هي منهج حوثي لا يلفت نظر المتابعين من خارج اليمن، لكنه على الصعيد الوطني سيبقى هو أكبر تحديات الشعب اليمني لعقود مقبلة. سوف أقف عند بعض الجوانب المهمة.

في 6 شباط (فبراير) 2015 أُعلن ما سُمي "الإعلان الدستوري"، وهو بيان التمرد الرسمي والانسلاخ عن الدولة، وعندما وجد معارضة مجتمعية صلبة محلياً، وليس فقط دولياً، عمدت الحركة إلى إهماله وعدم التذكير به، بل وقتل رموز من متطرفي الحركة ضمن صراع داخلي (وذاك أمر يحتاج مساحة منفردة للحديث عنه)، ولكن جرت خطوات مدروسة لتعزيز الانفصال وبمنهجية واضحة، منها مثلاً:
- في جانب قطاع التربية ومناهج الدراسة، صار هناك قانون ومنهج وكتب دراسية لمناطق سيطرة الحوثي، مختلفة كلياً عن باقي اليمن، بل وخريطة مدرسية مختلفة وتوقيت دراسة مغاير يعتمد توقيت الشهور الهجرية، لا شهور السنة الميلادية، وبالتالي صار الطالب في مناطق الحوثي يدرس منهجاً مغايراً وبتوقيت زمني مغاير عن بقية اليمن، ونظام اختبارات وتقييم دراسي مغاير.

- في جانب التشريعات والبنية القانونية، جرى تجريف واسع لمنظومة القانون، بما في ذلك المؤسسة الدستورية، واستحداث مجلسي نواب وشورى غير شرعيين.

- في القطاع المصرفي بدأ الأمر باكراً، منذ ما سُمي الهدنة الاقتصادية وجعل كل مدخرات البنك المركزي اليمني في صنعاء تحت سيطرة الحوثي الذي صادر كل الاحتياطي النقدي للجمهورية اليمنية وضاعت مليارات الدولارات منذ 2015، الذي قدر حينها بـ 5.6 مليارات دولار وأكثر من تريليون من العملة المحلية، وفي 21 آذار (مارس)، 2023 أصدرت ميليشيات الحوثي عبر ما تسميه مجلس نواب صنعاء قانون منع التعاملات الربوية للبنوك في مناطق سيطرتها، بحجة إنقاذ الوضع الاقتصادي، واتضح أنها عملية نهب لمدخرات اليمنيين بصنعاء.

وتقدر ودائع المدخرين في المصارف اليمنية بنحو 2.5 تريليون ريال قبل الحرب، فيما تصل القروض المقدمة للمستثمرين إلى أكثر من تريليوني ريال، وفق بيانات صادرة عن البنك المركزي اليمني، نهاية عام 2014. وبالتالي هناك عمليات سطو معلنة وتعزيز انفصال مصرفي مخيف، آخرها رفض العملة الوطنية، ومحاولة وضع عملة نقدية خاصة بالحركة.

- في الجانب الآخر من منهجية الانفصال الحوثية ثباتها هو الدولة اليمنية ونظامها الجمهوري يأتي بمؤسسة القضاء. وشمل التعديل النظام القضائي برمّته، ابتداءً من معهد القضاء الذي تمت مصادرته، إلى تعديلات جوهرية قانونية مختلفة. وحتى بإعادة النظر في الخريطة القضائية للمحاكم والنيابات، ناهيك عن التعيينات التي حُصرت بفئة معينة. وسيجري إنهاء ما تبقى من تطابق في هذا القطاع الحيوي خلال الفترة القصيرة المقبلة. حسب إعلان الحوثي نفسه.

- أما الجانب الأهم الذي أسس لكل حركة الانفصال فهو خطوة إلغاء الأجهزة الأمنية والإجهاز عليها باكراً، عبر إنشاء جهاز بديل هو جهاز المخابرات الذي ألغى أجهزة أمن الجمهورية اليمنية ودمجها بهيكل آخر. وتم الاستيلاء على قاعدة البيانات المدنية كلية والتحكم بها، وإنشاء قاعدة بيانات وتتبع دقيقة.

وإذا كان من تغول واضح لحركة الحوثي وتعزيز سيطرتها على واقع نفوذها فهو في هذا القطاع، حيث نرى تهالك كل قطاعات الدولة، ومقابل ذلك تغول القطاع الأمني للحركة الحوثية، بحيث يمكن لهذا القطاع أن يبتلع جميع جوانبها، بما فيها الرمز الديني نفسه، فهو يغدو المتحكم الكامل والخارج عن أي سيطرة، والبعيد عن المساءلة القانونية. تلك إجراءات تعقد مهمات الدولة الشرعية. وحتى في حالة الانتصار العسكري الحاسم على الحركة المتمردة، سيكون هناك جيل يعاني الشرخ الاجتماعي والعزلة النفسية. تلك هي معركة اليمن ومستقبله التي لا يراها الخارج ولا يبالي بها.