آخر تحديث :الخميس-03 أكتوبر 2024-01:33ص
أخبار عدن

مـصـفاة عـدن .. مـاضي مضيء وحـاضر مـظـلم

الأربعاء - 03 يوليه 2024 - 09:17 ص بتوقيت عدن

مـصـفاة عـدن .. مـاضي مضيء  وحـاضر مـظـلم

((عدن الغد))خاص.

كتب/ عــلـوي شـمـلان
قــبل منتـصـف مايو المـاضي 2024 م قام رئيس الوزراء احمد عـوض بن مبارك بزيارة لـشركة مـصافي عـدن .. بن مبارك ــ حسب موقع وكالة الانباء اليمنية ــ عـقد اجتماع مع المسؤولين في شـركة المصافي ، وطـلب إيضاحات حول أسباب تعـثر انجاز محطة كهرباء مصفاة عدن، وطالب بوضع خطة زمنية عاجلة لاستكمالها للمساهمة في تعزيز وتيرة العمل ونشاط المصفاة بشكل عام .. كــلام كثير مكـرر قـاله بن مبارك عـن أهمية المـصفاة ودورهـا في الاقتصاد الوطني وووو.
زيارة بن مبارك ووعـوده وتصريحاته ليست الأولى لمسؤول في اعـلى الـسلطة .. هـناك زيارات واحاديث ووعــود خطابية استهلاكية كثيرة لمسؤولين سـابقين ... لكنني قـبل التطرق الى بعض التصريحات الخطابية الهلامية ، والواقـع المظلم للمصفاة وجـدت مـن المفـيـد وضـع القارئ الكريم امام لمحـة مـن ماضي مـشرق مضيء لـهـذه الـقلعة الاقتصادية التاريخية الكبيرة.

عـــدن كـخيار امبراطـوري
عــلى اثـر تـداعـيات قـرار تأمـيم قطاع النفط في ايران مطلع سنـة1951 م وتحـركات (محمد مصدق) في البرلمان الإيراني ، قـررت بريطانيا العظمى او الإمبراطورية التي لا تغيب عليها الشمس يومها ممثلة في شركة الزيت البريطانية المحدودة (BP) ، انشـاء مصفاة لتكرير النفط الخـام في مـدينة عـدن سنة 1952م ...
وقــع الاختيار على مديـنة عـدن لموقعها الاسـتراتيجي واللوجستي الهام لخـدمة الملاحة العالمية ،وكمسـتعـمرة وقـاعـدة بريطانية عـلى درجـة عالية مـن الأهمية للنفـوذ والمصالح البريطانية شـرق الـسويس.
في يـوليو 1954م بـدأ التـشغـيل والإنتاج الفعلي للمصـفاة بطاقة تكـريرية وصلت إلى 150 ألف برميل في اليوم، وقد صُممت المصفـاة لـتكرير النـفط الثـقـيل كنفط الكويت ونفط شـمال الخليج الـفارسي ،لتـنـتج منتجات مُتعـددة.
وقود السفن ـــ مازوت خـفيف ــ ديزل ثـقـيل ـــ بنزين ــ كيروسين ــ سولارـــ وقود لاستعمال المصفاة ـــ وقود المحركات النفاثة ـــ وقود آلات ثـقـيلة.
احـدثت المصفـاة نقلة نوعية كبيرة في الحياة في عـدن، ليس في الجانب الاقتصادي والمعيـشي فقط، وانما أيضا في ناحية تعميق الحياة الثـقافـية والمدنية ، حيث ظـهرت الى الوجـود منابر ثـقافية وفنية ونـقابية في المصفـاة بحـكم الكثافة الـعـمالية في المصفاة والمرافق التابعة لها ، والتي تجـاوزت ال3000 موظـف وعـامل من كـل المستويات المهنية والدراسية.
مـالك جـديد ودور مضيء متواصـل
في الـعـام مايو 1977م آلت ملكية المصفاة بجميع منافعها وملحقاتها إلى حكـومة (جمهـورية اليمن الديمقـلراطية الشعبية) من مالكها الأول شركة الزيت البريطانية المحدودة (BP)، فـتأسست شركة مصافي عدن بموجب القانون رقم (15) لعام 1977م لتكون المسؤولة والمشغلة لمصفاة عدن ومنافعها وملحقاتها الواقعة في عدن الصغرى البريقة ، وكذلك لإدارة عـدن لتموين البواخر بالوقود الواقعة في التواهي ، بـكادرتـشغيـل اداري وفني محلي 100%.
اكتسبت شـركة مصافي عـدن سمعة إقليمية وعـالمية ممتازة أدت مهـام اقتصادية كبيرة للبـلاد ، وانـيـطت بـهـا أدوار ومهام أبرزهـا:ـ

تكرير النفط الخام وتموين السوق المحلية بالمشتقات النفطية ـــ خزن النفط الخام والمشتـقات النفطية للغير ـــ تملّك وإدارة وتشغيل ناقـلات النفط وتأجير واستئجار الناقلات عند الطلب والحاجة ــ المتاجرة بالمشتـقات النفطية محلياً وخارجياً بما يؤمّن احتياجات السوق المحلية من هذه المشتـقات توفير المنافع اللازمة لتشغيل المصفاة من كهرباء وبخار وغيرها ــ بيع وقود البواخر مباشرة أو بواسطة الغير.
خلال مشوار طويل لأكثر مـن 60 عـاماً في الأداء والقيام بالمسؤولية ، تمكن الـكادر الاداري والـفني والعمالي للمصفاة وملحقاتها مـن مـواصـلة اعمال التشغيل والانتاج متجـاوزين بالأداء كـل الـظروف والازمـات والحروب التي مـرت بهـا البلاد قـبل 2015 م .. كما جـرت اعمال تخطيط وتـنفيذ صيانة دورية وتحديث وتطوير مستـمر للمصـفاة وملحقاتها، وهـذا مكنها من المنافسة في الأسواق بالمنـتجات التي يدخل النفط في تركيـبها ومتطلباتها .. كـما تواصلت اعـمال التدريب والتطوير لكوادر الإدارة والـفـنيـين والعمال في كــل التخصـصات ، وتشغيل مستشفى المصافي لعلاج العاملـين وأسرهم ، إدارة وتشغيـل الاندية الاجتماعية الخاصة بالعاملين في المصفاة.
بـفـضـل الـوقـفـات الاحتـجاجـية المـتـتالية لما يقـارب ال4000 أربعة الاف عـامل ،هــم قـوام الـقوة البشرية الـعـاملة في المصفاة ، صـمدت مصفاة عـدن امام طـوفان نهب وفـساد في النصف الثاني من الـتسـعـيـنات ، اجتـاح المـؤسـسات الاقتصادية والإنتاجية التابعة للقطاع العام في عـدن والجنوب بكــل مستوياتها باســم الخصخصة والـفـكـفـكة ، والبـيع تحت هــذه العناوين بأسعار رمزية لمتـنـفـذين مقربين مـن مركز السلطة في صنعاء.
نجـت شـركة مصافي عـدن من خـطر الخصصة والفكـفكة ، لكنها دخـلت طـور المـعاناة مـع الـزمـن والشيخوخة حيث ان الدورة التشغيـلية قبل اكثر من نصف قـرن 60 عـاماً ،تأسـست عـلى اسـاس تـقـني (ميكا الي) حينها كانت الميكنة الالية احـدث نظم وتـقـنيات المعدات والاجهـزة الخاصة بعمليات التشغيل والتكرير. ونـظتراً لـتـقادم اسـاس تقنية ومعدات المصفاة ، فـقـد ارتـفـعـت تكاليف الـتـشـغـيل والصيانة ،وانخفضت الربحية.
وعـود عـرقـوبـية
وعـند مطلع الالفية الثالثة بعد عـام 2000م كـانت صـناعـة تكرير النـفط قـد شـهـدت تطورات وتغـيرات في ظل الابتكارات الالكترونية الحديثة ، ورقمنة تـقـنيات التكرير... ولمواجـهـة امـراض الشيخـوخة الـتـقـنية وانعكاساتها الـسـلـبـية عـلى اسـتدامة التـشغـيل، كان لابد مـن الـتفـكير في تحـديث المصفاة لمـواكـبـة المـتـغـيرات.
قــيل الكثير مـن الكـلام ، وسـمعنا الكـثير مـن التصريحات في هــذا الخصوص ، عـلى الاقـل مـن العام 2007م .
وزير النفط والمعادن الاسـبق خالد محفوظ بحاح ، زار مـصافي عـدن في فبراير2007م يـومها قال ان هنـاك دراسـة جـدوى اقتصادية لتطوير المصفاة تقوم بها شـركة U . O . P البريطانية وأن الكلفة التـقديرية لمشروع تحديث وتطوير مصافي عدن ستكون بين 500 مليون- مليار دولار...نُــقِـل عـن بحـاح بـعـد الزيارة الكثير مـن الوعـود والكلام الخطابي الاسـتهلاكي ، حـول التوجهات المستـقـبلية المتعلقة بتحديث وتطوير مصافي عدن.
وفي سـردية التطوير والتحديث أيضا وفي الفـتـرة تاك نـفـسها قال مساعـد مدير مصفاة عـدن يوسف قـلـيـقـل : (أن تحديث وتوسعة المصفاة يكـلف خمسمئة مليون دولار في المراحل الأولى التي تبدأ منتصف العام 2008م لترتـفع إلى مليار دولار بانتهاء المشروع عام 2010م .
في اكـتوبر2012م قـال مصدر حكـومي يمني لـقناة الـعربية ونشرته عـلى مـوقعها الرسمي :
(إن نصف مليار دولار من تعهدات المانحين ستخصص لتحديث وتطوير مصافي عـدن التي رفعت الراية البيضاء أخيرا بعدما صمدت في وجه كل الظروف والمتغيرات منذ نحو ستين عاما.).
وفي سـياق الوعـود العرقـوبية نفسها ، المدير الـتـنـفـيذي لشـركة مصافي عـدن وقـتها (نجيب العوج) بَـشَـرو اسـتَبشر بتخصيص نصف مليار دولار من تعهدات المانحين ... وقال العوج : ان التوجهات المستقـبلية المتعـلقة بتحديث مصافي عدن وتطويرها ستعمل على بناء مصفاة حديثة تواكب تطورات السوق الخارجية وتلبي احتياجات السوق المحلية من المشتـقات النفطية وتطوير الخدمات المصاحبة للتحديث، إضافة إلى إنشاء مبنى إداري جديد يستوعب جميع الدوائر والأقسام الفنية والاهتمام بالبيئة البحرية وإنشاء مستشفى حديث يلبي احتياجات العاملين في المصافي من الخدمات الطبية.
اتـهـامات عـززتـهـا حـرائـق
في الاثـناء كـانت هـناك اصـوات ناشـطين في الحـراك الجنـوبي قبل عام 2015 ومنابر اعـلامية مؤيدة للحـراك، تـطلق اصـوات الـتحـذير مـن وجـود نوايا لدى رأس الـسلطة في صـنـعاء لتدمير المصفاة وبـيع مكوناتها كخـردة او سـكراب لنافـذين مـقـربـين من دوائر السلطة والحكم .. هــذه الاتـهامات لاتزال تُـطرح حـتى هــذه اللحـظة مـن قـبل نـشـطاء ومـهتمين اعـلاميين جـنوبـيـين لا ينتمون للمجلس الانتـقـالي الصامتة قيادته عـن أي كــلام يخص المصفاة.
هــذه الاتهامات بالتدمير المـتعـمد للمصفاة تـمـهيـداً لـبـيـعـها ، عـزز تصديقها لدى الكثيرين تـعرضها للحرق أكثر من 4 مرات منذ 2015. وطال الحريق الثاني أحد الأنابيب في يناير/كانون الثاني 2016. ثم تبعه عام 2019 وفي الشهر نفسه حريق ثالث بالمصافي ذاتها. وصباح 13 ديسمبر/كانون الأول 2021 أعلنت مصافي عدن عن حريق جديد طال المبنى الإداري الذي تضم خزائنه عقود الموظفين، وعقود البيع والشراء، ووصل إلى مبنى الحسابات.

الحـقـيقة الـضائعة
بـين سـرديات واحـاديث الوعـود الـوعـود التي لـم تتـحـقـق ، وبيانات الاتهـامات التي لم تـتأكـد ، وبحـثاً عـن الاسـباب الحقـيـقـية والمتـسبـب في توقـف عمـل المـصـفـاة ، تواصـلت بمسؤول كبير سـابق في إدارة شـركة مـصافي عـدن ــ اثـق في حـديثه لي ــ فـقـال لي : ان الدراسة اُنجـزت بالفــعـل لتـطـوير المصفاة ، لكــنها توصـلت الى ان الـتكـاليف المـالية للتطويرالحقيـقي سـتكـون باهظة وعالية تـتجاوز المليار دولار، بحكم تـقادم عمر أجهـزة المصفاة وتـقـنياتها الالية والميكانيكية ، والتطوير الحقيقي يتطلب التحول الى الـتـشغيل الرقمي.
وحــول ما تردد عـن تـفـكيك المصـفاة وبـيـعها قال : الـفكـرة التي طـرحت بالفـعـل هي فـكرة الـشـراكة مـع الـقطاع الخـاص او بـيع حصة من المصفاة للقطاع الخاص بحكم عـجز الدولة عـن توفير مبلغ كبير للتطوير لكن الفكرة تـلاشـت نـظـراً لـعدم جدوى التطوير مقارنة بالتكاليف .. وحـول توقـف المصفاة عـن العـمل اكـد لي انه ترك موقعه في المصفاة في الربـع الثاني مـن عام 2015 والمصفاة لاتزال تـعـمل ، وانه تـم الاتـفاق الاولي مع شـركة صيـنية قـبل الحـرب ، للـتـعـاقـد عـلى تجـديد محطـة توليد الكهرباء الخـاصة بالمصافي بمبلغ وقدره 32 اثنين وثلاثين مليون دولار، لــكـنه حسب قـوله عَـلِم فيما بـعـد انه تم تـوقيع العـقـد بمبلغ تجاوز ال 100 مئة مليون دولار.. لـم يتم الوفاء بالعـقـد تنفيذه الى الان.
مـصدري اكـد لي انه اجـتمع برئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي عـلى انفـراد مرتين خـلال السنوات الثلاث الماضية بطلب مـن الزبيدي نـفسه ، وانـه وضـع الصورة الحقـيـقية لخـارطة المناطق والحقول النفطية امام الزبيدي لكـنه اكتشف اثناء اللـقـاء ان الزبيدي ليست لديه ادنى فـكرة عـن تفـاصيل الخارطة النـفطية في الجـنوب... وقـال انه طرح عـلى الزبيدي بعض الأفكار والمقـترحات لانـقاذ المصفاة واعـادة تـشغيلها وان الزبيدي لحـظتها كان مصغي ومتحمس لبعض الأفكار، لكنه لايعلم الى الان مالذي جـعـل الزبيدي يصرف اهتمامه عـن المصفاة لا يـفـعل أي شيء
تـبقى الاشـارة هـنا الى ان المصفاة بقيت تعمـل من عام 2015 الى منتصف عام 2017 م بشكل متقطع حيث توقـفـت تماماً عــن الـعمل حتى هــذه اللحظة