آخر تحديث :الخميس-04 يوليه 2024-04:56م

أدب وثقافة


الغرق (قصة) الموجة (٢)

الثلاثاء - 02 يوليه 2024 - 02:16 م بتوقيت عدن

الغرق (قصة)  الموجة (٢)

بقلم / عصام مريسي



هرع من كان في كبائن السفينة إلى سطح السفينة يحاولون السؤال عن الذي يحدث وعن أسباب اضطراب السفينة وهم في حالة من الخوف والهلع:
ماذا حل بالسفينة؟
وأخر يسأل وقد اصفرت وجنتيه وهو جاثيا على ركبتيه بعد أن بلغ به الخوف مبلغ عظيم؟
هل السفينة تغرق؟ سنموت أنا وأطفالي
اجهش بالبكاء وصغاره من حوله يبكون وهم يرددون؟
أبي .. أبي .. لا تبكي .
يقتربون منه أكثر فتضع أصغر أبنائه كفيها الصغيرين على وجنتيه تكفكف دمعه الساقط من عينيه.
وأكبر ابنائه لم يتجاوز الثانية عشر من العمر يقبل رأسه ويقول:
هون عليك أبي لا تفزع حتى لا يصيبك مكروه فنفقدك كما قدنا أمنا بالأمس القريب.
تقترب العجوز الخمسينية منه وهي تطمئنه :
لا تجزع وتفزع الصغار ؛ السفينة بخير
فرغت كبائن السفينة من نزلائها إلا هو لم يغادر ما يجلس القرفصاء في أحد أركان الكبينة التي ينزل فيها وهو بحلم بغرق السفينة ويرى أمه وزوجها الذي لم بعد يدري ترتيبه في عدد زيجاتها المتعددة ويتخيل المشهد وهما يغرقان ويستنجدان به :
ولدي ساعدني .. مد الي بشيء اتمسك به
ينظر اليها بصمت وهي تصرخ مستنجدة والمياه المالحة تلفها من كل مكان وهي تسقط نحو أعماق المحيط فترتفع أصوات من يطلبون النجدة حتى أحس بالراحة لمجرد تخيله هذا المشهد ما زال يحدق بصره نحو ارضية الكبينة التي يقبع بداخلها وخياله شارد بعيد حيث الاعماق وأمه الشبقة المتصابية وزوجها يصرخان يطلبان النجدة:
ساعدنا.. سنموت.. نحن نغرق
فيسمع قرع نعال أمه ومن خلفها زوجها يجرجر قدميه فيسمع صوت المفتاح يقرع قفل باب الكبينة التي تنزل أمها وزوجها بها فينفتح الباب وقهقهة صوت أمه وزوجها يقرع أذنيه ويوقظ مشاعر الأسى والالم في قلبه ويعلم أنه كان في حلم يستفيق من حلمه والالم يعصر به والحسرة تحيط به والندم كون أمه لم تحيط بما يحفظ كرامته وهي تلهث خلف شهوتها المزعومة.
ما زال سطح السفينة يعج بالمسافرين المتأملين جمال المناظر بحر وسماء ونجوم وكواكب تبزغ وأخرى تختفي بين اللمعان والبهوت وربما تراقصت الحيتان معبرة عن نشوتها بالضيوف المارين فوق المحيط وهي لا تعلم من أين أتوا وإلى أين يغادرون ؛ لكنها منتشية تستقبلهم بحفاوة وكرم وتهديهم لحظات جميلة ومشاهد ممتعة لن ينسوها ما حيوا .
تقترب العجوز من الشابة الحسناء التي مازالت لم تغير مكان وقوفها وهي مستغرقة في النظر إلى الافق حيث الزرقة تختلط بالوان قوس قزح تضع كفها على كتفها وهي تقول:
لم تملي الوقوف والتحديق نحو البعيد .. نحن هنا بجانبك شاركينا الحديث .
تستدير نحو العجوز اللبقة والفضولية و هي تعلم عن ماذا؟, تريد أن تسأل فتباشرها الإجابة:
أيها الخالة .. لم أعد انشغل بحكايا المسافرين لأني كثيرة الاسفار فهذه وظيفتي منذ أن فقد أبي تجارته وخسر رأس ماله؛ تقاطع العجوز الشابة؟
وأي تجارة تتجارين ايتها الحسناء
تطأطأ راسها وعيناها تمتلئ دموع تتحجر عند حدقة عينيها فلا تسقط وبصوت متقطع متكسر يختفي شيئا فشيئا كلما أوغلت في سرد حكايتها مع التجارة التي تديرها بعد إفلاس والدها:
أعرض نفسي للزواج على الوثائق الرسمية فقط .. فأنا مازلت عذراء رغم أني تزوجت بعقود زواج أكثر من خمس مرات
تقاطع العجوز الفضولية وهي تستعجل الإجابة ؟
كيف .. أوضحي أيتها الشابة فقد أصبت بالدوار
تستطرد الشابة،:
أنا احمل جنسية الدولة التي أقيم فيها ووالدي .. وهناك من يرغب في الحصول على الجنسية فاعقد صفقة ماهر خيالي هو مقابل أن يحصل على الجنسية فننهي عقد الزواج وابحث عن متعاقد جديد.
تقطع العجوز كعادتها الحديث وهي متاسفة:
لكن عمرك يضيع هدرا
تجيب بنبرة متألمة:
أعلم وهذا ما يؤرقني ويزيد من حزني
تعاود العجوز الحديث وهي تقول:
لكن الشاب الذي أعاد خمارك سيعيد لك بريق الحياة.
تجيب مقاطعة،:
لا يصلح لي فهو أيضا كما يبدو في تجارة بجسده مقابل المال والمغربات المادية
ترتطم السفينة بمطب من الموج فتتمايل يمنة ويسرة ويسود الهلع بين ركاب السفينة وترتفع الاصوات ما بين سائلة وباكية و حائرة.
ربان السفينة يعلن للركاب:
الامور بخير إنه مجرد مطب مائي .. لا تقلقوا
ترتفع الاناث والعويل والأمواج تتلاطم وتقترب من هيكل السفينة تعانقه عن عناق المشتاق بعد غياب

عصام مريسي.
الثانية