آخر تحديث :الثلاثاء-05 نوفمبر 2024-10:42م
ملفات وتحقيقات

تقرير: من يعطل عودة مصافي عدن؟!

السبت - 26 أغسطس 2023 - 06:29 ص بتوقيت عدن
تقرير: من يعطل عودة مصافي عدن؟!
(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول أسباب توقف عمل شركة مصافي عدن واقتصارها على استقبال الشحنات النفطية وتخزينها..

رئيس الوزراء: هناك من يريد أن تتحول المصفاة إلى خزانات فقط وتم تضليل الحكومة حول السعر الحقيقي لقيمة العقد مع الشركة الصينية.

قيادة اللجان النقابية: تشغيل المصفاة من عدمه قرار سياسي وعدم إنجاز محطة كهرباء المصفاة هو السبب الرئيسي لفرض التعطيل.

مذكرة صادرة عن وزير المالية موجهة لوزير النفط توضح تبديد شركة مصافي عدن مبالغ تتجاوز 15 مليون دولار!!

(عدن الغد) - القسم السياسي:

في المساء جلس أمام منزله الواقع في مديرية البريقة بالعاصمة المؤقتة عدن، ينتظر انتهاء الفترة الذي أعلنتها كهرباء عدن، لانقطاع التيار الكهربائي والمقدرة بثماني ساعات في الليل ومثلها بالنهار.

يروي لنا أبو محمد (اسم مستعار) الذي كان لاعبا في نادي الشعلة ويعمل موظفا سابقا في مصافي عدن، أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي يصل لثماني ساعات يوميًا، ما يجعل الحياة في حرارة الصيف هنا لا تحتمل، فكل أجهزة تلطيف الجو في المنزل تتوقف عن العمل تماما.

لجأ أبو محمد مؤخرا إلى تلطيف الجو الحار من خلال متكأ اتخذه أمام منزله، يستمع لمقاطع طويلة لأم كلثوم وأبوبكر سالم، ومصطحبا معه مروحة صغيرة تعمل بالبطاريات أهداها له صديق يعمل في الغربة، بالإضافة إلى اعتماده على تيار من الهواء البارد الذي قد يأتيه من بحر العرب.

وحين بادرته بالسؤال: ما الحل الجذري يا أبو محمد لمشكلة كهرباء عدن؟

أجاب وهو يزيل العرق عن جبينه: الحل الجذري هو بإعادة استئناف العمل بمصافي عدن، من أجل تزويد محطات الكهرباء بالوقود اللازم، دون الانتظار طويلا لمنحة مشتقات نفطية قد تأتي وقد لا تأتي.

> حياة عدن

مصافي عدن واحدة من الركائز الاقتصادية لمدينة عدن وأحد أضلاع المربع الاقتصادي لعدن الذي يتكون من: الميناء، المنطقة الحرة، المصافي، بالإضافة إلى مطار عدن الدولي.

وتعمل المصفاة كرافد اقتصادي مهم لليمن بشكل عام، وعامل استقرار في تموين السوق المحلي بالمشتقات النفطية، وعامل مساعد ينشط ويعزز من موقع ميناء عدن، باعتبارها مسؤولة عن تموين السفن بالوقود.

ووفقا لبيان سابق أوضحت شركة مصافي عدن أنه منذ عام ٢٠١٧م توقف عمل الشركة واقتصر دورها فقط في استقبال الشحنات النفطية وتخزينها، وليس بيعها وتوزيعها للسوق المحلية، حسب أوامر بيع من قبل ملاك الشحنات، وتتم كل عمليات التوزيع عبر شركة النفط فرع عدن، وذلك بعد صدور قرار رئيس الوزراء رقم 30 للعام 2021م الذي حصر شراء وبيع وتسويق المشتقات النفطية عبر شركة النفط الوطنية.

ووفقا لإدارة المصفاة، فإن القدرة التكريرية للمصفاة كانت في العام 2014م ما بين 130 ألف و170 ألف برميل يوميًا، وعدد التجار المتعاملين مع المصافي قد انخفض من 12 تاجرا إلى اثنين مع تراكم المديونيات ووصولها إلى 90 مليون دولار قيمة 100 طن من الوقود تم استخدامها لتغذية محطات الكهرباء.

وبحسب إحصاءات سابقة لإدارة المصافي، فإن الشركة كانت تستورد كل ثلاثة أشهر نحو 240 ألف طن بترول، و400 ألف طن من مادة الديزل، بحسب آخر مناقصة تم إجراؤها في الفترة من يناير– مارس 2015.

كما أن الشركة تعد المزود الرئيس لوقود الطائرات في اليمن قبل توقفها، وتعتبر مركز خزن مهم للمشتقات النفطية الموزعة على المحافظات اليمنية، بسبب قدرتها التخزينية الكبيرة سواءً للقطاع العام أو الخاص، وخصوصا مرافق الكهرباء والمياه والمصانع.

ولمن لا يعلم، فإن أنشطة المصفاة لا تقتصر على تكرير النفط، بل يضاف إلى ذلك تخزين النفط الخام والمشتقات النفطية للشركات المحلية والأجنبية، فالشركة تمارس النشاط التجاري في مجال المشتقات النفطية في السوق الدولية بالبيع والشراء، كما تقوم المصافي بإنتاج العديد من المشتقات النفطية، كالبنزين والديزل والمازوت والكيروسين وغاز البترول المسال والإسفلت والغاز الفراغي.

وفي سياق أهمية المصفاة للاقتصاد الوطني قال "المسبحي" أنه بمعادلة بسيطة تبلغ احتياجات المحافظات الجنوبية سنوياً من الديزل حوالي مليون طن متري، بينما البنزين والمازوت 500 ألف طن متري لكل واحد منهم، وما يخص بقية المشتقات النفطية أقل بكثير.

وبين "المسبحي" إلى أن هذه الكميات من المشتقات كفيله بإنتاجها مصافي عدن بكمية نفط خام تبلغ 20 مليون برميل سعره عالميا مليار ونص دولار، بالإضافة إلى 500 مليون دولار نفقات جارية وتشغيلية واستثمارية للمصفاة وضرائب للدولة بإجمالي 2 مليار دولار.

وبمقارنته مع قيمة واردات المشتقات النفطية يعني الفارق مليار دولار سنويا ستوفرها خزينة الدولة، علاوة على تصدير بقية المشتقات النفطية الفائضة عن حاجة السوق المحلي- يقول المسبحي في مقال له لـ(عدن الغد).

> قلب المصفاة النابض.. ماذا جرى؟!

وفقًا لإدارة مصفاة عدن فقد دعت الحاجة لمشروع تأهيل محطة المصفاة بموجب التوصية من قبل الخبراء بضرورة استبدال محطة كهرباء المصافي التي أنشئت في 1982 أكثر من مرة بين عامي 1990 و2000، ولجأت الإدارة للاستبدال الجزئي نتيجة التعثر المالي.

وكانت هناك محاولات تجري من قبل الحكومة الشرعية، لإعادة تشغيل المصفاة بعد عمل اللازم لقلبها النابض (محطة كهرباء المصفاة) قبل نهاية العام 2022م، إلا أن ذلك لم يحدث، مما استدعى اللجنة البرلمانية بتقصي الحقائق مناقشة الأمر مع رئيس الحكومة معين عبدالملك.

وطبقا للمعلومات التي كشف عنها موقع "النداء" فيما يخص محضر اجتماع اللجنة البرلمانية المكلفة بتقصي الحقائق حول ما أثير من مخالفات في قطاعات النفط، الاتصالات، الكهرباء، والقضايا المالية، ولقاءاتها مع رئيس الحكومة معين عبدالملك في قصر المعاشيق من 13 و15 مايو الماضي، أكد "عبدالملك" أنه تم تضليل الحكومة حول السعر الحقيقي لقيمة العقد مع الشركة الصينية، حيث إن السعر في عام 2021 كان مبلغ 80 مليون دولار، وأنه وافق رغم قناعته بالمبالغة في ذلك، ثم ارتفع بعد ذلك إلى 100 مليون دولار، فيما زاد لاحقا إلى 140 مليون دولار، وأن الحكومة قد دفعت مبلغ 115 مليون دولار حتى اليوم ودون أن يتم تشغيلها، وأنه تفاجأ مؤخرا بوجود عقد ملحق قيمته مبلغ 49 مليون دولار، كما أنه اكتشف مؤخرا أن هناك 47 عقدا ملحقا، في حين كانوا يقولون له إن العقود 20 فقط.

وأشار "عبدالملك" إلى أن هناك من يريد المصفاة فقط كخزانات، وبالرغم من كل ذلك أبدينا استعدادنا بتحمل الحكومة للدفع لكن بشرط ضمان استكمال التجهيزات والتشغيل، مؤكداً في هذا السياق تغاضيه عن رفع سعر تخزين الطن في المصفاة من 2 دولار إلى 15 دولارا لتسهيل أعمال المصفاة ودفع التزاماتها، وأنه رغم ذلك يطالبونه برواتب العاملين فيها.

وكشف "عبدالملك " إلى أن هناك فكرة لأن تكون المصافي منطقة حرة للتخزين وبأنه سيتم عمل الدراسة والتقييم لهذا الموضوع.

من جهة أخرى أشار عضو اللجنة البرلمانية عبد الله المقطري، إلى أن موضوع عدم استكمال تنفيذ محطة الكهرباء في المصافي، كان نتيجة لجوانب أمنية وتركت الشركة الصينية العمل في المصافي نتيجة لذلك، إضافة إلى عدم الوفاء بالالتزامات المترتبة للشركة الصينية.

وأوضح "المقطري" أنه ومن خلال ما طرح للجنة من الشركة، تبين أن المصافي قادرة في حال تشغيلها على سداد مبلغ 70 مليون دولار المستحق لاستكمال مشاريع تشغيلها، إذا تم استكمال مشروع بناء محطة الكهرباء فيها ولكن للأسف فإن الإشكالية ما زالت قائمة، حد وصفه.

وكان بيان سابق صدر عن وقفة احتجاجية نظمها مجلس اللجان النقابية للشركة قد طالب النائب العام، بفتح ملفات الفساد السابقة والحالية والتحقيق بأسباب توقف مصفاة عدن عن العمل بتقطيع محطة الطاقة، لأن عدم المحاسبة ينذر باستمرار الوضع على ما هو عليه، بل إلى أسوأ من ذلك، علمًا أنه لا توجد شركة صينية حقيقية، وأن المبالغ المدفوعة باسم محطة الطاقة فقط تعدت المائة مليون دولار أمريكي مقابل 15 ميجا، ومازال المشروع قيد الإنشاء في البنية التحتية.

وفي هذا الصدد تعتقد قيادة اللجان النقابية أن تشغيل المصفاة من عدمه قرار سياسي، وترى أن عدم إنجاز محطة كهرباء المصفاة رغم قدرتها المطلوبة 15 إلى 17 ميجاوات السبب الرئيسي لفرض التعطيل، مشيرة إلى أن محطة بترو مسيلة مثلًا أنجزت بقدرة 260 ميجاوات، رغم أن الدولة أقرت مشروع محطة المصفاة قبل إقرار محطة بتر ومسيلة.

وفي الوقت الذي تقدر الشركة خسارتها بنحو 240 مليون دولار، فضلا عن مديونية ضخمة عند الدولة تُقدر بـ 125 مليون دولار هذا بخلاف مديونية القطاع الخاص، كشفت وثيقة رسمية في الوقت نفسه عن قيام شركة مصافي عدن، بتبديد أموال طائلة من المال العام وإيداعها في إحدى شركات الصرافة بعدن في مخالفة قانونية جسيمة، وأوضحت المذكرة الصادرة عن وزير المالية سالم بن بريك موجهة لوزير النفط، أن شركة مصافي عدن بددت مبالغ تتجاوز 15 مليون دولار.

> حياة عدن.. متى تعودين؟

يرى مراقبون اقتصاديون أن مصفاة عدن تعد واحدة من أبرز المؤسسات الاقتصادية في البلاد التي نجت من خطر الخصخصة الذي طال مؤسسات إنتاجية كبيرة تم بيعها بأسعار رمزية في وقت وجد عمالها أنفسهم وقد انضموا إلى طابور العاطلين عن العمل.

وأشاروا إلى أن أهمية إعادة تأهيل مصفاة عدن وتشغيلها، تكمن في حلحلة الوضع الاقتصادي والخدمي وتوفير المشتقات النفطية واستقرار سعر صرف العملة المحلية، ودعم خزينة الدولة بالعملة الصعبة لشراء وتوفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين.

كذلك العودة للعمل تعني ضخ الوقود إلى محطات الكهرباء بانتظام، من أجل إنقاذ حياة الناس من شدة الحر وبث الحياة إلى المدينة، بالإضافة إلى إعادة الدور الاقتصادي والتنموي والإنساني والريادي للشركة في دعم الاقتصاد الوطني والمجتمع.

وانطلاقا من هذه الأهمية الاقتصادية، دعت اللجنة التنسيقية لشركة مصافي عدن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وحكومة المناصفة، وباقي الجهات المعنية إلى ضرورة العمل على استئناف العمل بالمصافي، وإعادة الدور الاقتصادي والريادي للشركة في دعم الاقتصاد الوطني.

جاء ذلك في بيان للجنة التنسيقية للشركة صدر الأربعاء الماضي، استنكرت من خلاله تجاهل دعواتها المتكررة للجهات المختصة بشأن تشغيل مصافي عدن وقيامها بدورها الأساس الذي نص عليه القانون في الإسهام في الاقتصاد الوطني المتعثر.

واستنكر البيان دخول المشتقات النفطية إلى العاصمة المؤقتة عدن وضواحيها بعيدا عن القنوات الرسمية ودون إشراف المصفاة، محذرا من عدم مطابقة تلك المشتقات لمعايير الجودة والمواصفات التي ستؤدي إلى الإضرار بالبيئة وصحة المواطن وتدمير المحطات.

وطالب البيان بالوقوف أمام تهريب المشتقات النفطية، وإحالة كل من يقف ورائها للتحقيق، بالإضافة إلى استيراد وتصدير وبيع المشتقات النفطية، وتكرير النفط الخام وتسديد ما على الحكومة من مستحقات للمصفاة وصرف عقود التمليك وتصريح البناء للجمعية السكنية.

وفي الآونة الأخيرة تصدرت أزمة مصافي عدن جل اهتمامات المجتمع المحلي في العاصمة المؤقتة عدن، وسط تبادل اتهامات وتهم بالفساد لإدارة المصفاة من قبل اللجان النقابية لشركة مصافي عدن بتحويلها إلى مجرد خزانات.

هذه الاتهامات تقابلها الإدارة بالرفض وتعتبرها تهمًا جزافية لا تتعاطى مع الواقع وإشكالاته المعقدة، حد وصفها.

أما رئيس الحكومة "عبدالملك " بين في سياق حديثه ـــ كما نشره موقع النداء ــ مع اللجنة البرلمانية أن حكومته حريصة على الشركة ولا تريد التشهير بها بكشف الحقائق، لما سيكون لذلك من تبعات وانعكاسات سلبية على وضعها، و لا يريد رئيس الحكومة "دقدقة" مؤسسات الدولة بمناقشة ذلك من خلال وسائل الإعلام.