مطيع ذئب الجبل الذي غدروا به الرفاقرصد / محمد حسين الدباء:كشف رئيس الوزراء السابق حيدر أبو بكر العطاس خفايا خطيرة عن الدولةالقائمة في جنوب اليمن قبل العام 1990.، ففي لقاء مع قناة العربية بثالجمعة الماضية كشف العطاس خفايا واسرار مرحلة من تاريخ الجنوب، وقدممذيع العربية العطاس على انه آخر رئيس لجمهورية اليمن الديمقراطيةالشعبية قبل العام 1990.خلال اللقاء استذكر العطاس واقعة اعدام محمد صالح مطيع الذي كان يشغلمنصب وزير الخارجية يومها، وقال العطاس: "إن مطيع كان من أنجح الوزراءوإن واقعة إعدامه كانت غامضة جدا"، مضيفا أن "مطيع أعدمه المكتب السياسيودون أي محاكمة"، مشيرا الى ان ما حدث كان خطأ سياسي فادح، نافيا أن يكونمطيع ارتكب أي خطأ، مشيرا الى أن السبب الحقيقي هو محاولته الانفتاح علىالدول المحيطة.وفي هذا التقرير سنتناول قصة محمد صالح مطيع الذي لقب ذئب الجبل الذيغدروا به رفاقه وسمي أيضا ثعلب الجزيرة والخليجالميلاد والنشأةولد المناضل الثوري محمد صالح مطيع في منطقة القعيطي بيافع العليا فيقرية سرو حمير في 1940، لأسرة قبلية عريقة، فقيرة المال، وثرية الجاه،وذات مكانة اجتماعية مؤثرة.وكان شعاره: (الموت من أجل المبادئ، والحياة من أجل الثورة) وكان يردددائما: (عوَى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذْ عوَى ** وصوّت إنسانٌ فكدتُأطيرُ).درس في قريته القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وأكمل دراسته الثانوية فيالمعهد الفني بالمعلا بعدن، كان مفخرة شبابه، وزينة زمنه، وكان سابقافعلا لزمنه وأقرانه، وكان يأخذ قدوته من أفاضل معلميه وأساتذته.كان محافظا على دينه وإسلامه، برغم التربية الحزبية للقوميين العرب التيكانت لا تهتم بالدين والماركسية التي لا تعير اهتماما للمسألة الدينية،بل وتحاربها، كان يمارس طقوس دينه سرا حتى لا يتهم بالرجعية والتحريفيةأو اليمينية أو الانتهازية اليسارية.ومن البداية كان الرجل يتلقى مع الماركسيين حول الثورة ويحتفظ لنفسهبمسافات طويلة من الاعتقاد بقوانين السماء وقيم الأرض، وكان وطنيا معتدلافي تفكيره، ولم يكن مندفعا باتجاه الحلول الماركسية، برغم التربيةالحزبية القومية ثم الماركسية التي يعتنقها قبائل الماركسية حتى الذينيجهلون القراءة والكتابة.نضاله الثوري.. وتطلعه الوطنيكانت أول عملية يقوم بها هي ضرب الإذاعة العربية، التابعة للإدارةالبريطانية في التواهي في مارس 1965، وكانت من أكبر العمليات الفدائيةالناجحة، التي انتشر بعدها أسلوب العمل المسلح ضد الإدارة البريطانيةومنشئاتها، (وكان مطيع المناضل المقدام، مطلوبا من الادارة البريطانيةحيا أو ميتا).وعندما تبنت الجمهورية العربية المتحدة حركة النضال المسلح في صيف 1965حيث فتحت لها مكتبا متخصصا لشؤون الجنوب ودعمه، استطاع مناضلي الجبهةالقومية في هذه الفترة بدعم من المكتب العربي المصري أن يحصلوا على دوراتعسكرية في تعز للتدريب على حرب العصابات.وكان محمد صالح مطيع من أوائل الملتحقين بهذه الدورات مع رعيل منالمناضلين من جميع جبهات القتال (عدن بفروعها، ردفان، الضالع، حالمين،الشعيب، ثم المنطقة الوسطى، وتشمل دثينة وبعض مناطق أبين).تولى محمد صالح مطيع بعد انتهاء الدورة مسئولية العمل الفدائي في عدنوكان يشكل مع سالم ربيع على وهو زميله في الجبل ايقاع ثنائي متناغملتسيير وقيادة العمل المسلح.وفى 13 يناير عام 1966 حدث الدمج بين الجبهة القومية والفصائل الوطنيةالأخرى وقامت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، فعارضها القوميون العربوعناصر الجبهة القومية الملتزمين للحركة ومن بينهم مطيع فعارضوا الدمجوسياسة الجمهورية العربية المتحدة فحرموا من الدعم المالي والعسكري وجمدنشاطهم واشتعلت مدينة عدن وضواحيها بحرب العصابات كما اشتعلت جميع مناطقجبهات القتال الأخرى.في هذا الوقت كان المناضل محمد صالح مطيع أسير أشواقه للثورة، والتزامهبعدم الخروج على رفاقه، فجاع مع من جاع وتشرد مع من تشرد، ولكنه بقىصامدا وبدراسة شخصيته الوطنية النقية استطاع الجهاز العربي أن ينتشلهويبعده عن رفاقه المتعصبين بدورة عسكرية إلى القاهرة , في صيف 1966 .مهمات ومناصب مطيعتقلد السيد محمد صالح مطيع بعد الاستقلال وزارة الداخلية، وكانت هذهالوزارة سيئة السمعة، فنأى الرجل بنفسه عن التورط في أية مهمات تتعلقبالتنكيل بالناس ومطاردة المناضلين وتلفيق التهم، حتى أنهم استنكروا عليهذلك، كان الرجل مرنا وحكيما في تبريره، كان يقول "لا نريد يا رفاق أننحمل الثورة أحقادا وضغائن واتهامات للناس بدون وجه حق، إلا حق الثورةفإننا لا نتهاون فيه".وظل يخلص الناس بطريقة غير مباشرة عن تهم تلفق لهم فيوجه مساعديه بإطلاقسراح هؤلاء الأبرياء، وعندما اكتشفوا أن الرجل ليس رجلهم المبتغى عملواعلى إسناد وزارة الخارجية إليه.. لماذا؟!!، لأنه ليس لديهم كادرا أوكفاءات لشغل منصب وزارة الخارجية فأسندوا إليه المنصب في عهد سالمين، وظلالرجل محافظا على إيقاعات الوسطية والكياسة في التعامل مع الدول العربيةالشقيقة المتخوفة من نزعات واندفاعات.الصبية في الجبهة القومية باتجاه الماركسية والشيوعية، فهدأ بطريقتهالخاصة رفاقه من عدم التمادي في إشعال التصريحات النارية في الوقت الذىكان يجسد أمام دول الخليج بالذات والسعودية مبدأ التعاون والتعامل الأخويالصادق، لمصلحة بلاده وبلادهم وترتب على ذلك إقناع المملكة العربيةالسعودية والكويت والإمارات بفتح صفحة جديدة مع اليمن الجنوبى.وعندما رأى الرفاق نجاحه في مهمته واستئثاره بإشادة الأخوة العرب بمرونتهوتفهمه، سلطوا عليه حقدهم وغيرتهم وعدائهم لدرجة التآمر القاتل.التطبيع الأخوي مع الجوار.. كان التهمةوذات مرة في عام 1981 زار المملكة العربية السعودية واتفق معهم على تطبيعالعلاقات غير العادية بين بلاده وبلدانهم، ونتيجة لصراع الرفاق علىالمناصب العليا من جهة أخرى فقد حصل صراع بين على عنتر وزير الدفاع وبينمحمد صالح مطيع وزير الخارجية على تقلد منصب رئيس الوزراء الذى كان مرشحاله مطيع بقوة، وهذا الخلاف تحول إلى صراع بين على عنتر الذى كان مع مطيعصفا واحدا وبين الأخير إلى درجة أن عنتر أصر على التخلص من مطيع، فزج بهإلى المعتقل بناءً على قرار من المكتب السياسي، ولفقت له تهمة التآمرلصالح دولة عربية، وهى ( المملكة العربية السعودية ) حيث تنصتوا علىمكالمة تليفونية بينه وبين وزير خارجة السعودية، يذكره فيها بالنقاط التياتفقوا عليها، فكانت هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير، وكانت هي حجتهمباتهامه بالتآمر مما أدى إلى اعتقاله لمدة 8 شهور بدون محاكمة.وتحدث فضل النقيب في أحد تحليلاته: "جرى تلفيق تهمة الخيانة الوطنية لهمن قبل (الرفاق) المنتصرين الذى سيفرغون بعد مقتله للتربص ببعضهم البعضوصولا إلى مذابح 1986 التي جرت على الهوية، وكأن المواطنون في نظام(الأبارتيد) العنصري الذى لم يعرف مثل تلك البشاعات"، مضيفا "أما كيف تمتنفيذ حكم الإعدام فأمر تشمئز منه النفوس والأبدان، فقد قيل لمطيع مارأيك في القيام بجولة حول عدن؟ وقد صعد إلى جانب السائق الذى كان مسئولاأمنيا كبيرا وفى الخلف صعد أحد عتاة القتلة وهو إرهابي دولي معروف.."وفى الطريق – والكلام لازال للنقيب – "أخرج الإرهابي سلكا من جيبه وخنقبواسطته المناضل محمد صالح مطيع حتى الموت في طريقة مستفادة من عتاولةالمافيا".رحم الله مطيع فقد كان مناضلا شريفا ونزيها، ولكن رفاقه غدروا به، لأنهمكانوا يخشون ذئب الجبل كخشية بعضهم بعضا، لأن التآمر، كان ديدنهم وأسلوبحياتهم اليومية، من أجل تخلص بعضهم من بعض للوصول إلى السلطة.