آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:05م

ملفات وتحقيقات


الاتصالات رافد اقتصادي.. فلماذا أصبح عبئاً سياسياً وناهباً لمشتركيه؟!

الأربعاء - 27 يناير 2021 - 09:43 ص بتوقيت عدن

الاتصالات رافد اقتصادي.. فلماذا أصبح عبئاً سياسياً وناهباً لمشتركيه؟!

(عدن الغد)خاص:

(عدن الغد) مركز صنعاء:

يمثّل قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في اليمن مكونًا أساسيًا من
مكونات البنية التحتية الوطنية، فله دور مهمّ في النمو الاقتصادي؛ إذ
يُعدّ القطاع أحد أهم المصادر الإيرادية للدولة بعد قطاع النفط، كما
يُسهم في توفير عددٍ من فرص العمل المهمّة المباشرة وغير المباشرة من
خلال ارتباطه بقطاعات أخرى في الاقتصاد الوطني.

خلال الفترة ما بين ٢٠١٥م و٢٠١٩م تباينَ أداء قطاع الاتصالات وتقنية
المعلومات تبعًا للظروف الاستثنائية التي مرت بها اليمن؛ إذ تشير
التقديرات إلى أن الصراع قد تسبب في خسائر مالية كبيرة لقطاع الاتصالات
بلغت حوالي ٤,١ مليار دولار.

يواجه قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات عددا كبيرا من التحديات أبرزها:
عدم ملاءمة البيئة القانونية والمؤسسية التي تنظم قطاع الاتصالات،
وانقسام مؤسسات القطاع العامة، وتبادل الاتهامات بين طرفي الصراع، وعدم
الفصل بين الأدوار السياسية والتنظيمية والتشغيلية داخل القطاع،
والاعتماد على بنية تحتية ضعيفة وهشّة في تقديم الخدمات، إلى جانب حظر
استيراد التجهيزات، وصعوبة الوصول إلى عدد من المديريات والمحافظات
للقيام بالإصلاحات اللازمة، فضلًا عن تراجع العوائد المالية للشركات،
وزيادة الرسوم الحكومية وتنوعها وازدواجية فرضها بين حكومتي صنعاء وعدن،
والتي صاحبها انتشار الفقر وضعف القوة الشرائية.

البنية التحتية ومستويات الأداء لقطاع الاتصالات

كما أسلف، يتوفر في اليمن نظامان للاتصالات اللاسلكية تستخدمهما الشبكات
المحلية لخدمة الهاتف النقال؛ إذ تقدّم شركة يمن موبايل، وهي شركة مملوكة
في غالبها للدولة، خدماتها وفق نظام سي دي إم إيه (CDMA)، فيما تعمل
الشركات الأخرى بنظام جي إس إم (GSM) والتي انطلقت أول مرة في فبراير
٢٠٠١م. وتغطي خدمات هذه الشركات جميع مناطق الجمهورية، مع اختلاف مستويات
التغطية بين مكان وآخر.

وخلال الفترة ما بين ٢٠١٥م و٢٠١٩م كان لخدمة الهاتف النقال وأعداد
المشتركين في هذه الخدمة أداء متباين، وإن كان الاتجاه العام يشير إلى
تحقيقها لنمو إيجابي؛ إذ تشير البيانات إلى ارتفاع عدد خطوط الهاتف
النقال من ١٥,٧ مليون خط في ٢٠١٤م إلى ١٨,٦ مليون خط نهاية ٢٠١٩م. من
ناحية أخرى، بلغ معدل انتشار الهاتف النقال غير المكرر في اليمن حوالي
أربعين ونيف في المائة نهاية ٢٠١٨م، مقارنة بمتوسط معدلات الانتشار
للهاتف النقال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ ٦٤% وبمتوسط
معدلات الانتشار العالمي البالغ ٦٦%. ويعد هذا المستوى لانتشار الهاتف
النقال في اليمن انخفاضا عما كان عليه نهاية ٢٠١٤م إذ بلغ معدل الانتشار
آنذاك ٤٦%.

وعلى صعيد أسعار خدمات الاتصالات، تأتي أسعار هذه الخدمات كأحد المحدّدات
الأساسية لانتشارها من عدمها في المجتمع، مع مراعاة مستوى دخل الفرد
والمستوى التعليمي للفرد في المجتمع. وفي هذا الصدد تشير دراسات حديثة
إلى أن مستوى أسعار خدمة الهاتف النقال في اليمن يُعدّ أقل من متوسط
الأسعار في الدول العربية؛ إذ جاءت اليمن في المرتبة السابعة من بين ٢٢
دولة عربية من جهة مستوى الدول الأقل أسعارًا في ٢٠١٧م مُتقدمة بحوالي
ثلاث نقاط عن مستواها في عامي ٢٠١٥م و٢٠١٦م؛ إذ بلغ سعر الباقة المكونة
من ٣٠٠ مكالمة حوالي ٥٦,٩ دولار (شاملا تعادل القوة الشرائية مع ضريبة
القيمة المضافة) مقارنة بحوالي ٦٩,٤ دولار كمتوسط في العالم العربي.

أما بالنسبة لأسعار خدمة إنترنت الهاتف النقال، فإن اليمن تُعدّ من أغلى
الدول على مستوى العالم، وأغلى دولة عربية وفقًا لموقع (كابل) الذي رصد
فروقات أسعار خدمة الإنترنت بين دول العالم في ٢٠٢٠م، حيث جاءت اليمن في
المركز الأخير بين الدول العربية بحوالي ١٥,٩٨ دولارًا للجيجابايت
الواحد، فيما كانت الصومال هي الأرخص في قائمة الدول العربية بمتوسط نصف
دولار للجيجابايت الواحد.

آثار الصراع

طبقًا لأحد التقديرات الصادرة عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في
صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، بلغ إجمالي كلفة الأضرار والخسائر
المادية التي تكبدها قطاع الاتصالات والبريد خلال فترة الحرب في اليمن
حتى شهر مارس ٢٠٢٠م حوالي ٤,١ مليار دولار تمثلت في تدمير البنى التحتية
للقطاع من منشآت وأبراج ومحطات اتصال وسنترالات الهواتف وحظر استخدام
الموارد مثل كابلات الإنترنت البحرية المملوكة للاتصالات اليمنية كما
أسلف واحتجاز لمحطات اتصال وتجهيزات ومعدات اتصالات وتراسل. من جهة أخرى،
قدّرت بعض المصادر الأخرى في شهر مارس ٢٠١٩م أن نحو ٢٠٠ محطة من إجمالي
عدد محطات إرسال شركة يمن موبايل وحدها البالغة ٨٥٠ محطة قد توقفت عن
العمل بسبب الصراع.

وقد تسبّبت الأعاصير المدارية التي ضربت بعض المحافظات الجنوبية بأضرار
لشركات الاتصالات تمثلت في تدمير أبراج وشبكات الاتصالات في تلك المناطق،
الأمر الذي أسهم في تراجع نسبة التغطية بحوالي ٤٠% بحسب مختصين وذلك
نتيجة خروج عدد كبير من محطات الهاتف السيار عن الخدمة وتأثر خدمات
الاتصالات والإنترنت في كثير من المناطق.

وإضافة إلى ما سبق، عانت الشركات العاملة في قطاع الاتصالات من خسائر
مالية كبيرة من جراء الانقسام المؤسسي وازدواج السياسات والمطالبات
المالية من قبل سلطات صنعاء وعدن، ومصادرة الأصول والابتزاز من قبل بعض
الوحدات الأمنية وبعض المليشيات، ليصل الأمر بإحدى الشركات، وهي شركة
واي، إلى إعلان إفلاسها في مارس ٢٠٢٠م وترك تجهيزاتها ومقراتها في صنعاء
والترتيب لبدء العمل من جديد في عدن باستخدام تقنية الجيل الرابع (4G).

وخلال الفترة ما بين يناير ومارس ٢٠٢٠م عانت اليمن من انقطاع كبير في
خدمة الإنترنت نتيجة لتعرض الكابل البحري الرئيسي لليمن المارّ بقناة
السويس للانقطاع، مما تسبب في إحداث شلل في المعاملات التجارية والحوالات
المالية الداخلية والخارجية والأعمال الحيوية والوظائف الرسمية في جميع
أنحاء اليمن.

من ناحية أخرى، أسهمت ظروف الصراع والحرب في فقدان القطاع لفرص تطوير
وتحديث تقنيات الاتصالات وتبادل المعلومات والانتقال إلى تقنيات الجيل
الرابع؛ إذ شارفت عدد من تراخيص الشركات العاملة في القطاع على الانتهاء
قبيل الحرب في ٢٠١٥م، وبالتالي كانت عملية إعادة التفاوض على منح
الترخيصات للشركات ستعمل على تقديم خدمات الجيل التالي من إنترنت الهاتف
النقال. تجدر الإشارة بأن شركة يمن موبايل المملوكة للدولة هي الشركة
الوحيدة التي حصلت على ترخيص لتقديم خدمة إنترنت الجيل الثالث (3G). أما
بقية الشركات المشغلة للهاتف النقال، فلم تحصل سوى على ترخيص لتقديم
خدمات الجيل الثاني (2G) أو الجيل الثاني المطور (2.5G)، وهي الخدمات
التي لا تتيح سوى قدرة اتصال محدودة عبر الإنترنت. هذه القيود التي تمنع
تلك الشركات من تطوير تقنياتها وخدماتها تؤدّي إلى خسائر غير مباشرة
للشركات ولقطاع الاتصالات وللمستهلكين على حد سواء. فيما كان المصدر
الثاني للخسائر غير المباشرة هو البيئة الاستثمارية الهشة والمعقدة وذات
المخاطر العالية، وهي بيئة أدّت إلى إحجام المستثمرين في قطاع الاتصالات
عن الدخول إلى السوق اليمنية على الرغم من اتساع حجم السوق ووجود خدمات
كثيرة لا تقدّمها الشركات الحالية العاملة في هذا القطاع.

الجدير بالذكر أن استمرار الصراع قد عمق الانقسام المؤسّسي في مختلف
القطاعات الاقتصادية والحيوية، ومنها قطاع الاتصالات؛ إذ عملت الحكومة
المعترف بها دوليا على افتتاح بوابة جديدة لتقديم خدمة الإنترنت (عدن نت)
بوصفها مزودًا حكوميا لخدمة الإنترنت بتقنية الجيل الرابع. مع العلم أن
كلا من شركة سبأ فون وواي لخدمة الهاتف النقال قد بدأت بالتحضير للانتقال
إلى خدمات الجيل الرابع من خلال الربط عبر بوابة عدن نت.

التحديات التنظيمية

عدم ملاءمة البيئة القانونية والمؤسسية الناظمة لقطاع الاتصالات؛ إذ لم
تواكب التطورات السريعة والمتتالية في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات،
ولم تتغير اللوائح والهياكل التنظيمية لقطاع الاتصالات في اليمن منذ
١٩٩٦م، مما أضعف جودة خدماته وأدى إلى محدودية إيراداته.

الانقسام المؤسسي وتسييس قطاع الاتصالات، وزادت هذه التطورات من تعقيد
الوضع ونتج عنها سياسات متضاربة حيّرت مقدمي الخدمات، وأثّرت على جودة
الخدمات المقدمة للمستخدمين، وجعلت شركات الاتصالات تقع بين مطرقة سلطات
أنصار الله وسندان الحكومة المعترف بها دوليا، ويتضح ذلك من خلال الآتي:

أصبح مقدّمو الخدمات مطالبين بتسديد رسوم الترخيصات والضرائب لكلا
الطرفين؛ فالحكومة المعترف بها دوليا ترى أنها هي صاحبة الحق في تحصيل
هذه الأموال كونها المعترف بها دوليًا، في حين ترى مليشيات الحوثي أنها
حكومة الأمر الواقع ويجب على الشركات أن تدفع لهم.

أصبحت شركات الاتصالات ينظر إليها على أنها متعاونة مع طرف ضد الآخر،
فالحكومة المعترف بها دوليا ترى أن بعض الشركات تمثل سلاحا بيد سلطات
أنصار الله للتجسس عليها ومحاورها القتالية، وسلطات أنصار الله ترى أن
بعض الشركات تخدم الحكومة المعترف بها دوليا على نحو ما.

عدم الفصل الصحيح بين الأدوار السياسية والتنظيمية والتشغيلية داخل
القطاع، خصوصا ما يتعلق بتوفير خدمة الإنترنت، ويتضح ذلك من خلال دخول
المؤسسات الحكومية مزوّدا وحيدا لخدمة الإنترنت، وهو الأمر الذي أوجد
احتكارا مطلقا في سوق الإنترنت، وذلك أدّى إلى تواضع مستوى الخدمات
المقدمة وارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة
وحول العالم.

التحديات التشغيلية

أدى الاعتماد في تقديم خدمة إنترنت الحزمة العريضة (ADSL) على بنية تحتية
ضعيفة وهشة إلى الحد من السعات الدولية والسرعات العالية للخدمة في
اليمن، بما في ذلك تمرير خدمة الحزمة العريضة عبر الأسلاك النحاسية، التي
أنشئت لغرض الاتصالات الهاتفية، بدلًا من الألياف الضوئية التي تفوق
الأسلاك النحاسية في سرعة نقل المعلومات.

قيام قوات التحالف بحظر استيراد التجهيزات والمعدات اللازمة لتعويض ما
دمّرته الحرب والتجهيزات اللازمة للانتقال إلى تقنيات الجيل الرابع.

صعوبة الوصول إلى عدد من المحافظات والمديريات لإصلاح الكابلات الخاصة
بالإنترنت أو أبراج الاتصالات والشبكات نتيجة الاشتباكات المستمرة التي
تشهدها هذه المناطق.

الانقطاعات المتكرّرة في الكهرباء وأزمات المشتقات النفطية أدت إلى
انخفاض عدد محطات الاتصالات العاملة لشركات الهاتف النقال، وهو ما أضعف
التغطية في مناطق وأوقفها بالكامل في مناطق أخرى.

التحديات المالية

على الرغم من النمو المذكور في عدد مستخدمي الهاتف النقال خلال الفترة ما
بين ٢٠١٤م و٢٠١٩م، إلا أن عدد مستخدمي الهاتف النقال قد شهد انخفاضًا
كبيرًا خلال الفترة ما بين ٢٠١٥م و٢٠١٧م، ويرجع ذلك إلى خروج عدد من
محطات التغطية/الاتصالات عن الخدمة في المناطق التي شهدت الصراع المسلح
أو ضربات الطيران أو الكوارث الطبيعية أو توقفها بسبب شح الوقود، الأمر
الذي أجبر المستخدمين على التخلي عن الشرائح المتعددة التي كانت بحوزة كل
شخص، كما هو الحال في كثير من الأحيان مع مشتركي خدمة الهاتف النقال في
اليمن، أو الانتقال من مشغل إلى آخر بغية الحصول على تغطية أفضل في
المناطق المختلفة، ونتيجة لذلك انخفضت عوائد شركات الاتصالات خلال الفترة
ما بين ٢٠١٥م و٢٠١٧م، إلا أن بعض التقارير الأخيرة تفيد بأن شركات
الاتصالات قد استطاعت أن تعوض بعضا من هذه الخسائر.

ارتفاع تكاليف التشغيل نتيجة لزيادة المدفوعات والرسوم وتنوعها وازدواجية
فرضها من قبل حكومتي صنعاء وعدن، وتتضمن تلك الرسوم والمدفوعات رسوم
تجديد الترخيصات والضرائب والزكاة وغيرها من الرسوم. كما تعرّضت بعض
الشركات للابتزاز المالي من قبل بعض المليشيات بحجة حماية أبراج
الاتصالات وغيرها من الحجج، وتشير بعض المصادر إلى قيام سلطات أنصار الله
بمصادرة أموال وأصول شركات الاتصالات الخاصة في اليمن.