آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:59ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. لماذا تعثر صرف المرتبات.. ولماذا تعجز الحكومة حتى اليوم عن صرفها؟

السبت - 23 يناير 2021 - 09:25 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. لماذا تعثر صرف المرتبات.. ولماذا تعجز الحكومة حتى اليوم عن صرفها؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في أسباب وعوامل تأخر وعرقلة صرف المرتبات..

هل يتعلق الأمر بالتشكيلات والوحدات العسكرية التابعة لأطراف سياسية؟

ما هي قدرة الحكومة على دفع مرتبات كل هذه التشكيلات والوحدات؟

هل صار هناك جيش يساوي ويناهض كل الجيوش الموجودة في المناطق الأخرى؟

لماذا لا تمتلك الحكومة موارد مالية كافية لتأمين صرف المرتبات؟

هل وضع الحكومة الاقتصادي صعب أم أن الأمر متعلق بحسابات سياسية وعسكرية؟

المرتبات..

(عدن الغد) القسم السياسي:

عمل الاعتصام المفتوح الذي كان قد نفذه العسكريون المتقاعدون والمسرحون
من الخدمة، قبل عدة شهور أمام مقر التحالف العربي غرب عدن؛ على تسليط
الضوء تجاه قضية هامة وذات أولوية.

العسكريون كانوا يطالبون بصرف مرتباتهم التي تأخرت لعدة أشهر، في ظل
تقاضيهم لفتات الأموال بعد أن تم تسريحهم منذ أكثر من ربع قرن، عقب حرب
صيف 1994.

وتزامن ذلك مع توقف مرتبات العديد من الوحدات العسكرية والأمنية
المستحدثة، التي تأسست في أعقاب تحرير عدن من المليشيات الحوثية، أواخر
2015، وهي وحدات جنوبية في الغالب، وقوامها من أبناء الجنوب، الذين
التحقوا بركب هذه التشكيلات بشكل لافت.

وأثارت تلك الاعتصامات والاحتجاجات ضد تأخر عملية صرف المرتبات، سواء
للمتقاعدين أو المستجدين، سخطا واسعا على المستوى الشعبي، ذلك أن نسبة
كبيرة من الأسر والعائلات تعتمد على مرتبات الوحدات العسكرية والأمنية
المستحدثة.

بالإضافة إلى أن العسكريين من المحاربين القدامى تم تسريحهم منذ ربع قرن
من أعمالهم، وهم لا يمتلكون أي مصدر رزق آخر يعولون به عائلاتهم.

لهذا تحولت قضية المرتبات إلى أزمة إنسانية ومعيشية كبيرة، كانت مطروحة
على طاولات النقاشات الأممية والدولية، وليس فقط خلال مفاوضات اتفاق
الرياض، الذي تضمنها في ثنايا بنوده.

أسباب تعثر صرف المرتبات؟

تعود جذور مشكلة توقف صرف المرتبات، أو على الأقل تعثرها وتأخرها، إلى ما
أعقب مواجهات وأحداث أغسطس 2019 الدموية.

ويعتقد مراقبون أن مغادرة الحكومة لمدينة عدن عشية الأحداث، واستمرارها
بعيدة عن المدينة غداة المواجهات؛ أدى إلى توقف أنشطة وعمل مؤسسات
ووزارات الدولة، ومرافقها الإيرادية، وبالتالي من الطبيعي أن تتوقف عملية
صرف المرتبات، وفق رؤية البعض.

فهؤلاء يؤكدون صعوبة استمرار تدفق المرتبات شهرياً بشكل سلس وطبيعي في ظل
تواجد الحكومة بعيدة عن مؤسساتها، وهو ما كان في حقيقة الواقع، حيث توقفت
المرتبات منذ أواخر 2019 وحتى نهاية العام الماضي 2020 تقريباً.

وحتى بعد أن تم التوقيع على اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر 2019، ورغم
تضمينه التأكيد على استئناف صرف المرتبات، وهو بالفعل ما تم عقب تكوين
فريق حكومي مصغر للعودة إلى عدن أواخر نوفمبر 2019؛ بهدف صرف المرتبات،
لكن الأمر لم يستمر طويلاً.

فبحسب اقتصاديين، واجه الفريق الحكومي المصغر مشكلة عدم توريد الإيرادات
إلى البنك المركزي اليمني بعدن؛ ما تسبب بعرقلة استمرار تدفق المرتبات.

عقاب حكومي

وإذا كان هناك من يُرجع أسباب تأخر صرف المرتبات أو عرقلتها إلى طرد
الحكومة من عدن، وعدم توريد إيرادات الدولة إلى البنك الحكومي، إلا أن
ثمة من يعارض هذا الطرح، ويتبنى رأياً مغايراً.

فكثيرون يلقون بالمسئولية على كاهل الحكومة اليمنية، التي تعمدت معاقبة
الشعب الجنوبي بعد سيطرة الانتقالي على عدن، وحرمت منتسبي القوات المسلحة
والأمن وحتى الموظفين المدنيين معاشاتهم الشهرية.

وهذا الطرح تردد كثيراً، وكان طرحاً وجيهاً بحسب معتنقيه، الذين رأوا أن
الحكومة اليمنية تحاول الإيحاء بأن غيابها عن عدن هو ما عرقل صرف
المرتبات، كما أن الحكومة سعت إلى تحميل الانتقالي مسئولية تبعات
المواجهات المسلحة بعدن في أغسطس 2019، ومنها توقف المرتبات.

وبغض النظر عن طبيعة المتسبب بإيقاف المرتبات، إلا أن هذه القضية أفضت
إلى معضلة وأزمة إنسانية ومعيشية فاقمت تداعيات الحرب التي مازال
اليمنيون يكتوون بنيرانها منذ ست سنوات.

وعود لم تتحقق

ما أعقب اتفاق الرياض، وعودة فريق حكومي مصغر، والذي لم يستمر طويلاً في
عدن، لم يكن مشجعاً، فسرعان ما غادر هذا الفريق دون أن يضمن استمرار صرف
المرتبات، خاصةً لمنتسبي الأمن والسلك العسكري.

ويبدو أن هذا السبب هو ما دفع العسكريين القدامى إلى الاحتشاد والاعتصام
أمام مقر قيادة التحالف العربي، للضغط على الحكومة لصرف المرتبات
المتوقفة، وهو ما أفضى إلى الكثير من الوعود من قبل الحكومة والتحالف
وحتى محافظ عدن، الذي زار اعتصام متقاعدي الجيش والأمن.

وباستثناء وعود المحافظ الذي استطاع أن يوفر سيولة المرتبات الخاصة
بالمحاربين القدامى المعتصمين، والذين توسعت رقعة اعتصامهم لتشمل المرفق
الخدمية كالموانئ وشركات النفط للضغط لصرف المرتبات، لم تنفذ أية وعود
أخرى، أو على الأقل لم تستمر. خاصةً وأن آخر الوعود كانت قبل نحو شهر، لم
تجد طريقها إلى التنفيذ رغم عودة الحكومة الجديدة إلى عدن منذ ما يقارب
شهر، ووعودها بصرف المرتبات وانتظامها بشكل مستمر، إلا أن شيئاً من ذلك
لم يحدث.

وهو ما اعتبره كثير من المراقبين بأنه عجز وفشل لأداء الحكومة الجديدة
التي تفاءل بها الجميع، وتوقع أن تمارس مهامها بشكل مغاير ومختلف.

ونتج عن ذلك خيبة أمل كبيرة لدى قطاع واسع من العسكريين ومنتسبي الأمن
المستحدثين والمنتمين لوحدات وتشكيلات تأسست قبل نحو خمس سنوات، ما زالت
مرتباتهم مغيبة منذ شهور.

أسباب التأخير

يعتقد محللون أن تأخير صرف المرتبات للقطاعين الأمني والعسكري يعود إلى
الكثير من العوامل، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو عسكري أو مهني.

العوامل السياسية تتعلق بإجراءات وآليات استكمال تنفيذ اتفاق الرياض،
والذي ينص في بنوده على دمج واستيعاب الأجهزة والتشكيلات الأمنية
والعسكرية التي استحدثت عقب 2015، في قوام وزارتي الدفاع والداخلية.

وهي العقدة الرئيسية والإشكالية الأساسية التي يواجهها الاتفاق، غير أنها
خطوة مهمة تمهد لسلاسة صرف المرتبات وانتظامها في قادم الشهور، بحسب
محللين، غير أنها خطوة يعتريها الكثير من التوجس والحساسية المبنية على
حسابات سياسية في غاية التعقيد والسخونة، وهذا ما يتعلق بالعامل المهني
والسياسي الآخر، المرتبط بأسباب تأخير الصرف.

ومن خلال هذه العوامل يمكن أن تكون هناك عملية لتفكيك أسباب التأخير
وتجاوزها بأيدي الأطراف المعنية، التي باتت اليوم تتشارك مؤسسة واحدة
متمثلة بكيان الحكومة الجديدة.

لهذا يؤكد محللون أن ملفا كهذا، متعلق بالوحدات والتشكيلات العسكرية
والأمنية غير المنضوية في مؤسستي الدفاع والداخلية، شديد الحساسية،
ويحتاج إلى تعاون وتنسيق بين أطراف ومكونات الحكومة الجديدة، وهنا يبرز
كل من الانتقالي والشرعية.

ويعود ذلك إلى أن الوحدات والتشكيلات الأمنية والعسكرية التي تسببت
بمواجهات أغسطس 2019 وما قبلها، تنتمي لكلا الطرفين، القديمة منها
والمستحدثة.

وهذا يقود إلى معضلة جديدة ستبرز حتماً، بمجرد نجاح عملية الدمج
والاستيعاب في قوام الدفاع والداخلية وأصبحت الوحدات ضمن مؤسسة واحدة،
وهذه المعضلة تتجسد في التشكيك بقدرة الحكومة على توفير وتأمين مرتبات
جميع منتسبي الوحدات والقوات المسلحة والأمن.

قدرة الحكومة مالياً

وهنا يظهر عامل جديد إلى جانب العاملين السياسي والمهني أو العسكري، وهو
العامل الاقتصادي والمالي الذي بات يواجه الحكومة الجديدة بشكل مقلق
ومخيف.

ففي حالة دمج الوحدات والتشكيلات العسكرية المتوقفة رواتبها منذ شهور، من
المتوقع أن يصبح قوام هذه القوات هو الأكبر والأضخم، حتى إذا تم مقارنتها
بتلك القوات المتواجدة في مناطق أخرى مثل تعز، أو مأرب أو شبوة وحضرموت.

وهذا الواقع يقود إلى بروز مشكلة إضافية تتمثل في قدرة الحكومة الجديدة
على تأمين المرتبات لكل هذا الكم الهائل من المنتسبين، خاصةً وأن ما تم
تجييشه من أفراد وجنود في وحدات متعددة ومختلفة يعتبر عدداً ضخماً، قد
يتسبب بعبء إضافي على القدرات المالية للحكومة.

خاصةً وأن الوضع الاقتصادي والمالي للحكومة لا يؤهلها لتوفير مثل هذا
الكم الهائل من المرتبات، التي تعتبر التزاماً أخلاقياً وإنسانياً،
يستوجب تأمينها.

لكن هذه الالتزامات قد تصطدم بقلة الموارد المالية الحكومية، في ظل توقف
عملية التصدير، أو إنتاج النفط والغاز والثروات الطبيعية التي كانت فيما
مضى توفر للدولة احتياطات نقدية أجنبية من العملة الصعبة.

كما أن المخاوف المالية والاقتصادية تتصاعد بشكل أكبر إذا فكرت الدولة
مجدداً بتوفير المرتبات عبر طباعة مزيد من الأوراق المالية دون أي غطاء
نقدي، وهو ما تسبب بتدهور سعر صرف الريال اليمني، وتفاقم التضخم
الاقتصادي في البلاد.

فالأمر لم يعد مناطاً بالحسابات السياسية أو العسكرية التي تحول دون
انتظام صرف المرتبات، ولكن القضية أصبحت ذات ارتباطات اقتصادية ومالية.

تدخل خارجي

من الطبيعي ان يكون السبب في تأخر صرف المرتبات اقتصاديا وماليا، في ظل
عجز الحكومة والدولة اليمنية مالياً، وعجزها الاقتصادي الواضح والجلي.

لهذا يطرح البعض حلولاً ومعالجات، يمكن لها أن تتجاوز العوامل السياسية
والاقتصادية والعسكرية التي تعاني منها قضية صرف المرتبات.

وتكمن هذه المعالجات في تدخل خارجي، من قبل الأشقاء في التحالف العربي،
وخاصة الشقيقة الكبرى، التي يمكن لها أن تعزز من ودائعها المالية لدى
البنك اليمني المركزي بعدن، تخصص لصرف المرتبات.

لكن هذا الحل يرتبط بمدى وجود إصلاحات مالية ونقدية في مؤسسة البنك
المركزي، والتي أكد عليها منذ أسابيع رئيس الوزراء اليمني، مشيراً في
تلميحاته إلى أن مثل هذه الإصلاحات تعتبر مطالب ملحة من الأشقاء
السعوديين، لتوريد ودائع جديدة، تساهم في انتظام صرف المرتبات.