آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-02:20م

ملفات وتحقيقات


تقرير يبحث في واقع ومستقبل اتفاق الرياض بعد التصعيد الأخير بين الانتقالي والشرعية... اتفاق الرياض.. هل يتعثر مجدداً؟

الخميس - 21 يناير 2021 - 02:39 م بتوقيت عدن

تقرير يبحث في واقع ومستقبل اتفاق الرياض بعد التصعيد الأخير بين الانتقالي والشرعية... اتفاق الرياض.. هل يتعثر مجدداً؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

ما الذي سيحدث بعد تنصيب الشخصيات المُعينة مؤخراً؟

كيف يمكن الاعتراض على التعيينات الجديدة؟

ما الذي يدفع الانتقالي إلى عدم التعاطي مع القرارات الرئاسية؟

هل سيُمنع بن دغر والموساي من دخول عدن وهل ستلجأ الشرعية إلى ممارسة مهامها من مناطق أخرى؟

كيف سيمضي الاتفاق مع المشاحنات الأخيرة وهل هي واحدة من مؤشرات فشله؟

 

تبدو الأطراف السياسية الموقعة على اتفاق الرياض مقبلة على حالة جديدة من

الصراع، برزت بوادرها في النزاع القانوني على خلفية استصدار الرئيس

اليمني قرارات رئاسية في مجال القضاء ومجلس الشورى.

 

كانت مرتكزات الرفض لقرارات الرئيس اليمني تؤشر إلى الجوانب المهنية

والدستورية البحتة، في بادئ الأمر، غير أن القضية اتخذت أبعاداً سياسية

أكثر حدة وخطورة، عقب إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي موقفه من هذه

القرارات والتعيينات.

 

موقف الانتقالي استند على اتفاق الرياض، بحسب رؤيته، إذ يصر على أن

القرارات تجاوزت متطلبات التوافق والتشاور على أية قرارات أو تعيينات في

مناصب الدولة العليا.

 

وهذا ما كان سبباً في بواعث الصراع الذي بدأت بوادره بالتصاعد، نتيجة

إصرار الانتقالي على عدم دستورية القرارات والتعيينات، أو الجوانب

الإجرائية المتعلقة بها، لكن مراقبين تحدثوا عن أن الخلاف حول القرارات

قد يكون بسبب الأشخاص المُعيَنين، وليس حول الإجراءات القانونية

للتعيينات أو المناصب.

 

أزمة أشخاص وأسماء

في حقيقة الأمر، فإن المجلس الانتقالي لم يعلن منذ بدأ هذا الخلاف ورفضه

للقرارات عن مشكلة ما مع الشخصيات المُعينة، بقدر حديثه المستمر عن أساس

من أساسيات اتفاق الرياض القائم على التوافق والشراكة، بحسب بيانات

وتصريحات قيادات الانتقالي.

 

حتى أن بعضاً من قيادات الانتقالي وصفوا الأمر بالخطير في بادئ الأمر،

ويشكل "نسفاً" لاتفاق الرياض، وفق اوصاف المتحدث الرسمي ونائب رئيس

المجلس، بعد ساعات من صدور القرارات.

 

لكن في ثنايا ذلك الرفض، يرى محللون أن الانتقالي يحمل الكثير من الرفض

تجاه الشخوص والأسماء المعينة أكثر مما يهمه أمر الإجراءات الدستورية أو

التشاور وفق اتفاق الرياض.

 

وبنظرة سريعة على الأشخاص الرئيسيين المُعينين في المناصب، يتضح حجم

الإشكاليات التي تحكم علاقة الانتقالي مع الأسماء الواردة في القرارات.

 

فشخصية مثل الدكتور أحمد عبيد بن دغر، الذي تم تعيينه رئيساً لمجلس

الشورى- الغرفة البرلمانية الثانية- يمتلك تاريخاً من المواجهة مع المجلس

الانتقالي في عدن، خلال شغله منصب رئيس الوزراء في الحكومة اليمنية

الشرعية.

 

وحينها واجه بن دغر العديد من حوادث الاشتباكات والمواجهات المسلحة بين

قوات الحكومة وقوات المجلس الانتقالي، كان أكثرها دموية، مواجهات يناير

2018، في مدينة عدن، والتي نتج عنها سيطرة قوات الانتقالي على عدد من

مقرات ومؤسسات ومعسكرات الشرعية، وسرعان ما انسحبت منها بعد تدخل

السعوديين.

 

كما تم اتهام بن دغر بالفساد من قبل المجلس الانتقالي وقياداته وإعلامييه

وناشطيه، وهو الأمر الذي رضخ له الرئيس اليمني وتسبب بإقالة بن دغر

وإحالته إلى التحقيق، أواخر 2018.

 

ويبدو أن اسم بن دغر ما زال يسبب الكثير من الإشكاليات لدى المجلس

الانتقالي ومناصريه، وهو ما تجلى واضحاً في ردات الفعل الأخيرة تجاه

تعيينه رئيساً لمجلس الشورى.

 

ولم يقف الأمر عند بن دغر، بل أن اشخاصا مثل الدكتور أحمد الموساي،

المعين ضمن قرارات الرئيس اليمني الأخيرة كنائب عام للجمهورية، أثار

جدلاً لدى الانتقالي وأنصاره.

 

مثار الجدل تركز حول انتماءات الموساي وخلفياته السياسية، التي ربطها

بالبعض بالولاء "للإخوان"، بالإضافة إلى كونه غير متخصص في الجانب

القضائي حتى يكون نائباً عاماً، بسبب عدم تخرجه من معهد القضاء الأعلى،

وفق بعض الاتهامات.

 

وهو ما بدا من بعض تصريحات قادة في المجلس الانتقالي التي أشارت إلى أن

القرارات تمت بإيعاز من أجنحة إخوانية داخل جبهة الشرعية، بهدف "أخونة

القضاء"، وفق وصفهم.

 

الانتقالي يعلن عدم التعاطي

عقب أداء الشخصيات المعينة أخيراً اليمين الدستورية أمام الرئيس اليمني

في العاصمة السعودية الرياض، أصبح بن دغر والموساي أمراً واقعاً في قوام

الشرعية، متقلدين مناصب هامة في الدولة.

 

وهذا يعني أن الرئيس هادي لم يتراجع عن قراراته بحسب ما طالب كثير من

قيادات الانتقالي وحتى من قانونيين ومتخصصين في الدستور.

 

لهذا، كان رد المجلس الانتقالي قوياً إزاء مضي الشرعية في تمرير القرارات

والتعيينات التي رفضها المجلس منذ ساعات صدورها الأولى.

 

هذا الرد جاء على لسان المتحدث الرسمي للمجلس الانتقالي، علي الكثيري،

الذي يبدو أنه لم يعلن فقط عن الموقف الرسمي للمجلس، بل حتى عن موقف قوات

الانتقالي وأجهزته الأمنية وقواته المسلحة، وفق تحليلات مراقبين.

 

الكثيري قال: ‏"نكررها.. لن نتعاطى مع أي قرارات أحادية خارج سياق اتفاق

الرياض ونصوصه وعملية التوافق ومبدأ الشراكة".

 

وهو هنا يشير إلى أن الانتقالي لم يكن شريكاً في هذه القرارات، ويرفض

أسلوب استصدار القرارات الأخيرة، التي وصفها بأنها "أحادية"، وتتعارض مع

مبادئ التوافق والشراكة، وفق وصفه.

 

وأضاف: "سنحتفظ بحقنا في اتخاذ ما يلزم من خطوات تحمي أرضنا وشعبنا

وقضيته وتحافظ على منجزاته، مشددين على ان العاصمة عدن والجنوب عموماً لن

يكون مسرحاً لأي إجراءات غير متفق عليها".

 

ووفق قراءة لعدد من المراقبين، فإن الانتقالي بهذا التصريح الصادر عن

متحدثه الرسمي، يلمح إلى أنه "سيمنع الشخصيات المعينة بالقرارات الرئاسية

من التواجد في عدن أو في اية مدينة جنوبية أخرى"، بحسب ما فُهِم من

التصريح.

 

وعطفاً على ذلك، لا يستبعد محللون أن يلجأ المجلس الانتقالي إلى استخدام

القوة لمنع تواجد تلك الشخصيات في الجنوب وفي عدن على وجه الخصوص؛ الأمر

الذي قد يعصف باتفاق الرياض برمته.

 

مستقبل اتفاق الرياض

وبناءً على هذا التصعيد الأخير، يبدو أن اتفاق الرياض يتعرض لأزمة جديدة،

لا تقل خطورة عن الأزمات التي مر بها الاتفاق قبل الإعلان عن تشكيل حكومة

المناصفة.

 

فاحتمالات منع تواجد الشخصيات المعينة، وإصرار الانتقالي على عدم تنفيذ

قرارات هادي، أمر وارد، ويستطيع المجلس الانتقالي القيام به، خاصةً وأنه

يسيطر على الأرض، وقواته ما زالت تتحكم بمدينة عدن، وتفرض سطوتها على

مؤسسات الدولة ومرافقها ومعسكراتها.

 

وهذه كله من المؤكد أنه يلقي بظلاله على اتفاق الرياض، وتنفيذ بقية

بنوده، خاصةً الجوانب العسكرية والأمنية منه، والتي التزم الانتقالي

بتنفيذها عقب وصول الحكومة إلى عدن، لكن إلى الآن لم يقترب أحد من ملف

شائك وساخن، ومليء بالمحاذير كهذا الملف.

 

وهو ما يجعل مستقبل اتفاق الرياض غير مضمون، ويمكن أن يتم "نسفه" بالفعل

كما أعلن الانتقالي ذلك على لسان ناطقه الرسمي.

 

وهذا يقود إلى موضوع لا يقل أهمية، يتمثل بمصير بقاء حكومة المناصفة

ووزرائها في مدينة عدن، بحكم ارتباط الأحداث ببعضها البعض، وتأثيراتها

المتصلة.

 

فمتى ما نفذ الانتقالي تهديده بنسف اتفاق الرياض، تحت مبرر تجاوزه وعدم

التوافق معه في اتخاذ القرارات الأخيرة، يمكن أن تكون الحكومة الجديدة

ورئيسها وأعضاءها في موقف لا يحسدون عليه.

 

وفي الوقت الذي يمكن لمجلس الشورى ورئيسه بن دغر ممارسة مهامه بالتواجد

في عتق أو سيئون أو المكلا، وعقد جلسة أو جلستين هناك، وكذلك الحال

بالنسبة للنائب العام الجديد، إلا أن الحكومة الجديدة لن تجد لها مكاناً

سوى المغادرة نهائياً، بحكم احتياجها للبقاء في عدن وأداء مهامها من

الواقع وليس العودة إلى الرياض.

 

عندها فقط يمكن الإعلان رسمياً عن تعثر وفشل اتفاق الرياض بناءً على هذه

المستجدات، فالاتفاق من المؤكد أنه لن يستطيع المضي قدماً إذا شكلت مثل

هذه الخلافات عوائق أمام استمراره.

 

أبعاد ومآلات الوضع الراهن

تبدو مسيرة اتفاق الرياض صعبة جداً، ومرت بالعديد من المنعطفات السياسية

والمواجهات العسكرية التي كادت أن تعصف بالاتفاق، وتعيد الجنوب والبلاد

عموماً إلى نقطة الصفر.

 

ورغم تحقيق بعض الإنجاز في الاتفاق، إلا أن مرور أكثر من عام على توقيعه

والبدء بتنفيذه قبل نحو شهر من اليوم فقط، يؤكد أن التطبيق لم يكن سهلاً،

وأن مسيرة الاتفاق لن تكون ناعمة أو وردية.

 

وما زال الاتفاق يعاني حتى اليوم، وأن العقبات ما زالت تتوالى عليه،

نتيجة الكثير من الأسباب، لعل أبرزها، التأويل والتفسير الأحادي لكل طرف

من الأطراف السياسية لبنود الاتفاق ونصوصه وملفاته الشائكة.

 

ففي الوقت الذي يحمل كثيرون الرئيس هادي مسئولية الأزمة الحالية، نظراً

لانفراده بالتعيينات، وأحقية المجلس الانتقالي بالإعلان عن موقفه الرافض

للقرارات الرئاسية؛ نتيجة عدم استشارته أو التوافق معه، يرى البعض الآخر

أن اتفاق الرياض نصّ على التشاور في بنود السلطات التنفيذية فقط، والتي

تمثلها الحكومة وإجراءات تشكيلها واختيار أعضائها، وليس في جوانب السلطات

القضائية والتشريعية كما هو حال تعيينات النائب العام ومجلس الشورى.

 

وبغض النظر عن صوابية أي طرف من عدمه، إلا أن كل تلك العقبات قد تتسبب

بتعثر وتعطيل اتفاق الرياض، وتزيد من حالة عدم الثقة بين الجانبين، وهو

ما سينعكس على الوضع العام للبلاد، الذي سيتضرر منه المواطن البسيط، ولا

أحد غيره.