آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:59ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. كيف يمكن للحكومة الجديدة أن تكون بداية لإنهاء الصراعات؟

السبت - 28 نوفمبر 2020 - 09:52 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. كيف يمكن للحكومة الجديدة أن تكون بداية لإنهاء الصراعات؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في مستقبل العلاقة بين الشرعية والانتقالي بعد تنفيذ اتفاق الرياض..

ما هي الحروب التي يجب أن توحد الشرعية والانتقالي جهودهما لخوضها؟

لماذا يتحتم على الشرعية والانتقالي تأجيل صراعاتهما؟

هل مازلنا بحاجة لإحياء دعوات التصالح والتسامح؟

الشرعية والانتقالي..

تقرير / بديع سلطان:

لم تكن علاقة الشرعية اليمنية مع الجنوبيين على ما يرام، خاصةً عقب حرب
صيف 1994، والتي كرست عداءً مزمناً نلمس آثاره وتداعياته إلى اليوم.

ورغم أن فترة ما قبل تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، لم تخلُ من علاقة
سيئة بين مكونات الحراك الجنوبي والنظام السياسي الرسمي، إلا أنها لم تصل
إلى المستويات التي وصلتها علاقة الانتقالي بالحكومة الشرعية اليمنية
المعترف بها دولياً.

فالحراك الجنوبي مضى في طريق لم يحد عنه، عنوانه النضال السلمي البعيد عن
العنف أو حمل السلاح، أو مواجهة النظام الحاكم، ويبدو أن الخلفيات
الحقوقية التي تأسس وفقها الحراك هي من فرض هذه السياسة في التعامل مع
النظام السياسي حينها.

وبالنظر لواقع اليوم، فليس ثمة اختلاف على أن العلاقة بين الشرعية
اليمنية والانتقالي اتخذت أبعاداً متطرفة وعنيفة للغاية، وصلت حد
الاقتتال الدموي والمواجهات المسلحة، ولم تجنح هذه العلاقة للسلم حتى في
ظل توقيع الجانبين اتفاقاً للشراكة بينهما.

حيث أن واقع العلاقة بين الطرفين قبل توقيع اتفاق الرياض وبعده لم تتغير،
وبقيت على حالها من الصدام والصراع المسلح، والذي عبرت عنه أحداث يناير
2018، ومواجهات أغسطس 2019 الدموية، قبل توقيع الاتفاق، كما عبرت عنه
مواجهات جبهات أبين المستمرة بعد التوقيع على الاتفاق والشروع في مشاورات
تشكيل الحكومة الجديدة.

ويتهم مراقبون الصراع بين الشرعية والانتقالي بأنه هو من قوّض استقرار
الحياة العامة في المناطق التي يطلق عليها أنها "محررة"، كما أنه يحول
دون تنفيذ اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة الجديدة.

لهذا يتخيل المراقبون الكيفية التي ستكون عليها المناطق المحررة من
البلاد، في حالة تحقيق مصالحة بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي،
سواء على المستوى الخدمي والتنموي، أو حتى على المستوى السياسي أو
العسكري.

اتفاق الرياض.. هل سيكون البداية؟

تفاءل الكثيرون بتوقيع الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق
الرياض مطلع نوفمبر 2019، بعد شهور من الصراعات السياسية التي سبقت
المواجهات العسكرية الدامية.

كانت دواعي التفاؤل تتحدث حول إمكانية أن يضع الاتفاق حداً للصراعات التي
عصفت بالاستقرار ليست في مدينة عدن فقط، بل وفي بقية محافظات ومدن الجنوب
والمناطق المحررة، وأن تضع المواجهات المسلحة أوزارها بين الجانبين،
والتي يذهب ضحيتها شباب الجنوب وأبناؤه.

غير أن التشاؤم عاد من جديد، والصدمة كانت موجعة بالنسبة للمواطنين
التواقين لإنهاء هذا الفصل الدموي من الصراع، فالمواجهات عادت في أبين،
وزاد الاحتقان الإعلامي والسياسي، بالتزامن مع المواجهات العسكرية التي
لم تتوقف، رغم استمرار المشاورات في العاصمة السعودية.

لكن المستجدات الأخيرة فيما يتعلق باتفاق الرياض، وما يخص الآلية الجديدة
المتعلقة بتسريع تنفيذه، والتي نتج عنها تعيين محافظ لمحافظة عدن، وتكثيف
مشاورات تشكيل الحكومة حتى كاد أن يعلن عنها مؤخراً، أعادت الأمل من
جديد.

حيث عادت الآمال مجدداً في أن يكون تنفيذ اتفاق الرياض بحذافيره بداية
تحسين العلاقة بين الشرعية والانتقالي، خاصةً وأن هذا الأخير سيكون
شريكاً وأحد مكونات الحكومة الجديدة، وهو ما يحتم أن يكون العمل الخدمي
بين الجانبين متكاملاً حتى تنجح الحكومة في مهامها وإنجاز الملفات
الساخنة التي ستواجهها.

وهو الأمر المنطقي الذي يحتم على الشرعية والانتقالي تقبل بعضهما البعض،
والانسجام معاً لإنجاح عمل الحكومة القادمة، إذا خرجت إلى النور، ولم
تمنعها التفاصيل السياسية والعسكرية من ذلك.

كما أن التواجد في إطار حكومة واحدة، يعني- بحسب مراقبين- ذوبان كامل
للطرفين في بوتقة واحدة وكيان وحيد، هو الحكومة الجديدة، يجعل الصراعات
التي قامت سابقاً جزءاً من الماضي، ويوحد جهودهما على أكثر من جبهة.

فالمهام جسيمة، وما زالت البلاد غارقة في حروب عديدة، وليست حرباً واحدة،
فهناك الحرب الاقتصادية والمعيشية التي طحنت المواطنين وأثرت عليهم،
بالإضافة إلى خرب الخدمات والاحتياجات الأساسية المنعدمة، وقبل كل ذلك
الحرب العسكرية مع المليشيات الحوثية، التي تحتاج إلى توحيد الجهود
لمواجهتها وليس الصراع الداخلية والمواجهات الهاشمية.

وهذه الجزئية الأخيرة، تستوجب الانتهاء سريعاً والاتفاق حول مشكلة
المشاكل، وأزمة الأزمات، و"التفاصيل الشيطانية"، التي ما زالت الحكومة
الجديدة غير معلنة بسببها، وهي الملف العسكري والأمني في الاتفاق.

دمج الوحدات العسكرية.. هل هو مستحيل؟

يعلق كثير من المحللين التأخير في خروج الحكومة الجديدة إلى النور،
والانتهاء من تشكيلها، على شماعة الشق العسكري والأمني في اتفاق الرياض.

بل أن عددا منهم يذهب بعيداً ليشكك في نجاح الطرفين بالتوصل إلى توافق
حول هذا الملف الساخن، ويعتبر ذلك أمراً مستحيلاً، وأن هذا الملف سيبقى
عالقاً وعائقاً أمام تشكيل الحكومة، ليس فقط قبل إعلانها ولكن يمكن أن
يتسبب بالعديد من المشاكل حتى بعد الانتهاء منها.

فرغم أن البعض يتمنى أن تتوحد القوات المسلحة التابعة لكل طرف، سواء
الشرعية والانتقالي، في إطار مؤسسة عسكرية وأمنية واحدة ورسمية، يتم
تسخيرها لأهداف أكبر بكثير من الاقتتال الداخلي.

لهذا ينظر مراقبون إلى مسألة توحيد القوات التابعة للحكومة الشرعية،
وقوات المجلس الانتقالي، بأنها قد تكون "مستحيلة" إلى حد بعيد، عطفاً على
الصراعات العميقة والمتجذرة بين الجانبين، والتي يصفها البعض بأنها
"تاريخية".

وهذه الاستحالة في توقع اندماج قوات الجانبين، يرشحها البعض أنها قد تقود
إلى مزيد من الصراعات، بدلاً من التوقعات بأن تحد منها، فالاندماج
السياسي في الشراكة بين الشرعية والانتقالي في قوام الحكومة الجديدة
المتوقعة، لا يعني بالضرورة الاندماج العسكري والأمني لقوات الطرفين.

ويستدل المراقبون فيما ذهبوا إليه، بالتعثر الحالي الحاصل في الإعلان عن
تشكيل الحكومة المرتقبة، والتي يعزيها البعض ويرجعونها إلى عدم التوافق
على تنفيذ الشق العسكري والأمني قبل الانتهاء من الحكومة، وهي الاشتراطات
التي يتمسك بها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بحسب تسريبات مشاورات
الرياض.

تلك المشاورات، بحسب مصادر خاصة، رجحت أن الرئيس هادي متمسك بتلك
الجزئيات، الأمر الذي حتم على رعاة الاتفاق بذل مزيد من جهود الدفع نحو
إنجاز الحكومة الجديدة، وفق المستجدات الأخيرة ولقاءات الساسة السعوديين
مؤخراً مع الرئيس اليمني.

مخاوف من صراع جديد

الأمر الطبيعي أن تنجلي الصراعات بمجرد انخراط كل من الحكومة الشرعية
والمجلس الانتقالي الجنوبي في حكومة واحدة، يسعى كل منهما إلى النجاح،
وتأكيد أن هذه الحكومة هي طوق النجاة لما يكابده المواطنون من مشاكل
ومعاناة.

كما أن التكامل في العمل الحكومي بين مختلف المكونات والأحزاب السياسية
في اليمن، أمر بديهي أن يؤدي إلى إنهاء الأزمات والصراعات التي درج
الطرفان، بل وحتى كل الأطراف السياسية، على ممارستها طيلة العقود
الماضية.

لكن محللين أعلنوا عن مخاوفهم من استمرار الصراعات والأزمات، حتى وإن
اندمجت الأطراف السياسية في الحكومة، وحتى وإن اندمجت القوات المسلحة
لكلا الجانبين في مؤسسة واحدة.

ويبرر المحللون مخاوفهم تلك بأحداثٍ سابقة، في مراحل سياسية ماضية من
تاريخ الجنوب. وهو ما يخشاه كثيرون من أن يتكرر في الجنوب مرةً أخرى، حتى
وإن اندمج الطرفان (الشرعية والانتقالي) في قوام حكومةٍ واحدة، فالخوف من
مرحلة جديدة من الصراع محتملة وقائمة، كما أن الأزمات مرشحة للتفاقم.

دعوات التصالح.. كيف يمكن إحياؤها؟

ورغم سوداوية التوقعات والاحتمالات بوقوع صراعات جديدة إذا لم تحل معضلة
الشق الأمني والعسكري، إلا أن ثمة مساحة للتفاؤل والأمل، يمكن أن يتبناها
السياسيون في الانتقالي والشرعية اليمنية.

فبدلاً من استمرار الصراعات والأزمات بين الطرفين، يتوق اليمنيون
والجنوبيون خاصةً إلى أن يتحول اندماج المكونين في حكومة واحدة إلى فرصةٍ
لكليهما، حتى يثبتان أنهما يضعان مصلحة الناس والمواطنين نصب أعينهما،
وليس مصلحتهما السياسية.

لهذا يبدو أن الطرفين يحتاجان إلى إحياء دعوات التسامح والتصالح بين
الأطراف الجنوبية، ونسيان الماضي الأليم الذي يلقي بظلاله على المشهد
الراهن.

كما أنها فرصة لأن يثبت الطرفان، ليس فقط للمجتمع المحلي، وإنما حتى
للمجتمع الدولي، قدرتهما على التصالح والتسامح، والتسامي على جراح الأمس،
وأنهما عند ثقة العالم الذي منحهما كل الدعم ليتجاوزا صراعاتهما ويتفرغا
لاحتياجات المواطنين، التي تم إهمالها كثيراً.

كما أن هناك احتمالات كثيرة للتصالح بين الطرفين، والانصهار في بوتقة
واحدة، فكما أن هناك عوامل للفرقة، هناك قواسم مشتركة كثيرة، أهمها
الاتفاق على مواجهة العدو الأخطر والمحدق بهم، والمتمثل في المليشيات
الحوثية.