آخر تحديث :الخميس-18 أبريل 2024-06:18ص

ملفات وتحقيقات


في ذكرى الاستقلال الوطني: الثائرة الردفانية (دُعرة) في قصيدة فخر للشاعر بن لزنم

الجمعة - 27 نوفمبر 2020 - 08:28 م بتوقيت عدن

في ذكرى الاستقلال الوطني:  الثائرة الردفانية (دُعرة) في قصيدة فخر للشاعر بن لزنم

عدن ((عدن الغد)) خاص:

في ذكرى الاستقلال الوطني الثائرة الردفانية (دُعرة) في قصيدة فخر للشاعر بن لزنم

كتب /علي صالح الخلاقي

من منا لم يسمع باسم الثائرة الردفانية "دُعْرَة"، أو المناضلة "نعمة بنت ثابت صالح بن جرادي". و"دُعرة" هو الاسم الحركي والنضالي التي عُرفت واشتهرت به المناضلة "مريم بنت سعيد ثابت لعضب القطيبي"، المولودة عام 1928م بمنطقة شعب الديوان في ردفان، وتوفيت  في 15 أغسطس عام 2002م إثر مرض عضال في منزلها بمدينة الشعب في عدن، ودفنت في مقبرة الحمراء بالجدعاء بردفان..

 إنها أشهر ثائرة جنوبية مقاتلة ضد الاحتلال البريطاني ومن الرعيل الأول من مناضلي ثورة 14 أكتوبر الأبطال. عُرف عنها منذ صغرها بالغيرة على تربة وطنها، خاصة بعد أن أخبرها والدها أن هناك جنود جاءوا ليحتلوا بلادنا، فتاقت نفسها لحمل سلاح أبيها منذ سن مبكرة ، وعلمها والدها الرماية ، لأنها أكبر أولاده، وقد أجادت استخدامه بمهارة واتقنت التسديد إلى الهدف.

تخلت عن ملابس النساء وزينتهن وقصت شعرها ولبست ملابس الرجال، وكانت امرأة بألف رجل ، كما يقال، فقد فضلت خشونة الحياة وتمنطقت ببندقيتها لقتال المستعمر الأجنبي جنباً إلى جنب مع ثوار ردفان الأبطال، منذ اللحظات الأولى لانطلاقة  ثورة 14 أكتوبر وكان دورها متميزًا منذ تلك المعركة الأولى التي استشهد فيها المناضل راجح بن غالب لبوزة، وخاضت غمار المعارك في أكثر من موقع في وادي بنا وحردبة والربوة والحبيلين والملاح وبله، ورغم تعرضها لإصابة موجعة في معركة بله، إلّا أن ذلك لم يفل في عزيمتها لمواصلة القتال ضد الجنود الإنجليز.

ويكفيها فخراً أنها أسقطت ببندقيتها الشخصية طائرة هيلوكبتر وتفنت في زراعة القنابل والألغام وفي التسلل إلى ثكنات وتجمعات جنود القوات البريطانية في ردفان، حتى أقضَّت مضاجع المستعمر وقواته المرابطة في ردفان، فاعتبرها السلطات البريطانية "إرهابية" ورصد جائزة ثمينة لمن يدل على مكانها، وظلت مطلوبة لدى القوات البريطانية ضمن مجموعة من القيادات الثائرة من ردفان.

وهكذا سطع نجمها وتردد اسمها في الصحافة العربية والعالمية، ولُقبت بالمرأة الفولاذية وبالمقاتلة العنيدة وتسابقت الصحافة العربية في تناول بطولات هذه الفدائية (الأسطوة). وقالت عنها إحدى الصحف المصرية في ستينيات القرن الماضي في التعريف بدورها النضالي المتميز:[ضربت بتقاليد بلدها عرض الحائط تخلصت من الحجاب الذي كان يخفي وجهها.. حلقت شعرها «زيرو» وارتدت ملابس الرجال ووضعت في وسطها الخنجر وعلقت على كتفها البندقية وقبل أن تخرج من باب بيتها في ردفان سألتها أمها إلى أين؟.. فأجابت وهي تصوب طلقة في الفضاء:"سأنضم إلى الثوار.. سأحارب الانجليز].

وعند زيارتها لمصرعرف الشعب المصري بقدوم هذه المناضلة الثائرة القادمة من جبال ردفان، وحظيت بحفاوة واستقبال كبيرين من قطاعات الشعب المصري، الداعم والمساعد لثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار الإنجليزي، كما حظيت بمقابلة الزعيم العربي الرئيس جمال عبدالناصر، الذي سعد بمقابلتها وكرَّمها ومنحها رتبة ملازم أوّل، ضمن عدد من رفاقها الثوار ممن تلقوا تدريبهم في مصر.

وتظل "دُعرة" أحد أبطال زماننا ويُخلد أسمها في سجل ثورتنا المجيدة وفي سفر نضال شعبنا من أجل حريته واستقلاله. ونتذكرها اليوم بكل فخر واعنزاز ونحن نحتفي بذكرى الاستقلال التي كانت أحد صُنّاعه الأبطال. وقد ألهمت بطولاتها معاصريها من شعراء الجنوب العربي، فها هو الشاعر المخضرم ناصر أحمد لزنم (توفي عام 1975م)، الذي لُقب بـ(شاعر العوالق) العوالق، وكان من أبرز الشعراء الذين برزت مواقفهم الوطنية بوضوح ضد الاستعمار البريطاني منذ وقت مبكر من اربعينيات القرن الماضي، ورحب بانطلاقة ثورة 14 أكتوبر1963م من جبال ردفان، وساند الثوار بالكلمة الشعرية حتى رحيل آخر جندي بريطاني في 30نوفمبر 1967م.. وكان ممن تفاعل مع بطولات الثائرة الردفانية "دُعرة" وتغنى ببطولاتها النادرة. ففي قصيدة بعث بها إلى الشاعر عبدالقادر بن شايع الذي كان يؤدي مهمه كضابط ضمن قوات السطلة الاستعمارية في ردفان، أشاد ببطولات الثوار وعبر عن اعجابه بالمناضلة الشجاعة "دُعرة" التي قاومت الاستعمار جنباً إلى جنب مع رفاقها المناضلين ويصفها بـ(طُهش الطهاش) معبراً عن إعجابه بها، حتى أنه يتمنَّى أن يراها، كما يقول في قصيدته:

قل كيف   حال الشيخ من هدّات رميان الدهاش

نهار في ردفان لاقوكم لكسَّار   المشاش([1])

حنَّوا   كراسيها بدم أحمر مسوِّينه نقاش

حنَّوا كراسيها وهدَّوا بالمدافع   والطماش

نهار   غنَّت واحجرت "دُعره" ودفَّوها بشاش

والله يا "دُعره" فلا   اعجبني في الدنيا كماش

شلّيتي   الجوده وبُندق زين يرمي من رماش

الله يا "دُعره" يطوِّل   لش في الدنيا خُطاش

تبطين في   الدنيا ونا مشتاق لش عيني تراش

باشُوف وش ذه ذي خلق ربِّي كما طهش   الطهاش

قد خير   لِيِّه تطردين الشيخ من يطرد قفاش

يا الشيخ جَنِّد لك وترِّك في   البنادق والنماش([2])

يا ذي   تربين العويله زيِّدي فيهم رباش

ربِّي كما ضوع القطيبي ذي يحبون   العناش

على ذلوق   أحمر محبّر يلعبون إلاَّ قماش

وبنتهم تلعب معاهم يا وليده وين   أبَاش

أبوي   ردفان الجبل واخواني اذياب الخراش

وانْعَم جبل ردفان وأهله وانتي   الله ذي هداش

مَنْتِي   عليش المسك لَصْلِي لاقطع بش من رجاش

يا بير ردفان الطويله ذي سفحتي من   جُبَاش

هوامش:

[1] - كسار المشاش: كسار الرؤوس في الحرب.

[2] - الشيخ: يقصد عبدالقادر بن شايع الذي ينتمي إلى قبيلة آل الشيخ.