آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


من مذكرات الرئيس علي ناصر : ما سبب احتلال السعودية وعمان لأراضينا وجزرنا اليمنية وشن الحرب فيها .. ولمن كان الانتصار ؟

الإثنين - 23 نوفمبر 2020 - 03:07 م بتوقيت عدن

من مذكرات الرئيس علي ناصر : ما سبب احتلال السعودية وعمان لأراضينا وجزرنا اليمنية وشن الحرب فيها .. ولمن كان الانتصار ؟

(عدن الغد)خاص:

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( الخامسة و الاربعون ).

متابعة وترتيب / د / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيه ..

 الجبهة القومية وانفرادها بالسلطة


في العدد الماضي تطرق السيد الرئيس علي ناصر بسرد كيف ظهرت المشاكل بعد "شلة العقداء " ولماذا تم الاختلاف حول موقف الجيش ومؤسسات الدولة القديمة ؟ وفي هذا العدد من مذكرات السيد الرئيس ناصر يروي لنا حول تفاصيل عمق الأزمة في الجبهة القومية حيث حسمت الصراع مع القوى المنافسة لها، فإنّ الصراع قد انتقل إليها وانحصر في قلبها، فيما لم تعد هناك منافسة مع حزب أو تنظيم آخر .. ويشير كيف احتلتا السعودية وعمان لارضينا وجزرنا اليمنية .. وبيقة التفاصل في السطور القادمة حيث يقول فيها الرئيس ناصر :" وزاد من عمق الأزمة، أنّ "الجبهة القومية" لم يكن لديها برنامج متكامل ترتكز عليه لبناء الدولة، لا على صعيد حلّ المشاكل الداخلية، ولا على صعيد السياسة الخارجية والعلاقات بدول المنطقة، وامتلاك مثل هذا البرنامج في وقته كان سيشكل حماية للدولة الجديدة من الصراعات والخلافات، وكان سيعطيها دفعاً قوياً، وغياب هذه النقطة الجوهرية جعلها في عملية تراجع مستمرة، وعاجزة عن القدرة على الاستمرار.
على أرض هذا الواقع، كان هناك الغائب الأكبر، وهو الوحدة الوطنية، لأنّ "الجبهة القومية" انفردت وحدها بتسلّم السلطة بعد أن أقصت بقية القوى الوطنية عن المشاركة في الحكم، وخصوصاً "جبهة التحرير" التي أدّت دوراً وطنياً واضحاً في حرب التحرير من أجل الاستقلال.
لم يكتفِ تنظيم الجبهة القومية الحاكم بهذا، بل حظر الأحزاب والتنظيمات السياسية القائمة، ومنع صدور الصحف. لكنّ تجربة الجبهة القومية لم تختلف آنذاك عن تجربة الأحزاب الشمولية، كتجربة جبهة التحرير الجزائرية، والتجربة الناصرية وحزب البعث في سورية والعراق، وتجارب الأحزاب الشيوعية في المعسكر الاشتراكي.
والآن، بعد أن حسمت "الجبهة القومية" الصراع مع القوى المنافسة لها، فإنّ الصراع قد انتقل إليها وانحصر في قلبها، حيث لم تعد هناك منافسة مع حزب أو تنظيم آخر، ما حصر كل الخلافات وصراعات الآراء داخل التنظيم الواحد الذي لم يعد يزعجه وجود أحزاب أو أفكار أخرى منافسة من الخارج، بل إنّ الأفكار والآراء داخله باتت هي المزعجة له، ما أدى إلى صراعات داخلية ارتدت طابع العنف في أغلب الأحيان.

خسارة أبرز قيادات الجبهة القومية

ويستطرد بحديثه :" وكل ذلك هو ما كانت تقتضيه الظروف في ذلك الزمن، ولكنه انعكس على الجبهة القومية ذاتها، وخسرت أبرز قياداتها وكوادرها الوطنية، من أمثال قحطان الشعبي، وفيصل عبد اللطيف، وعلي عبد العليم، ونور الدين قاسم، وسيف الضالعي، وأحمد صالح الشاعر، وآخرين غيرهم ممّن كانت حركة الاستقلال وبناء الدولة تتسع لهم، لو أنّ صدر بعض "الرفاق" المخالفين لهم كان أوسع قليلاً من ذلك، ولو لم يكونوا بتلك الحدة وردّ الفعل الشديد إزاء كل مَن يخالفهم في الرأي أو يجاهر بالخلاف، ما عَرَّضَ الثورة والتجربة في اليمن الجنوبي لتجارب مريرة، ربما كانت خطوة 22 حزيران/ يونيو 1969 أقلّها عنفاً ودموية، أقصد في لحظة قيامها، ولكنها كانت بداية للعديد من الأخطاء التي أضرّت بمسار التجربة، رغم إنجازاتها الكبيرة.
لقد وجدت الثورة نفسها، بحكم الظروف، في مناخ غير ديمقراطي، مع أنّ مضمون الثورة ورؤيتها السياسية يتفقان في إطارها العام مع مختلف قيم الديمقراطية. فليس في قواعد النظام الديمقراطي ما ينافي أهداف الثورة الوطنية ومبادئها، وليست بعيدة عنها ولا غريبة، فكلتاهما ترمي إلى تحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته.
ولهذا، فإنّ كثيراً من الحقائق الموضوعية للأمور تناقض ما قيل أيامها من منطلقات وتفسيرات، "الديمقراطية للشعب، ولا ديمقراطية لأعداء الشعب".
وليس في ما قلته انتقاص من ذلك الحدث، ولا تقليل من الإنجازات التي تحققت على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، لكن الحركة ــ كغيرها ــ وقعت في أخطاء، ويمكن تقييمها والاستفادة من دروس هذه التجربة وعبرها، بما لها وما عليها، وما جرى في تجربة الجبهة القومية مرّت به بعض الأحزاب القومية الحاكمة في سورية والعراق ومصر وليبيا والصومال والسودان، وحتى البلدان الاشتراكية السابقة.

"معركة الوديعة" وضياع كوريا موريا

ويستدرك بحديثه فيقول :" في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1969 اتصل بي الرئيس سالم ربيع علي، وأخبرني أنّ وزير الخارجية علي سالم البيض، ومحافظ حضرموت فيصل العطاس، موجودان عنده لمناقشة أمر مهمّ، فطلب حضوري، وطلب حضور قائد الجيش علي عبد الله ميسري. في اللقاء، تحدث البيض والعطاس عن احتلال السعودية للوديعة، بعد أن احتلت الشرورة، وعن تقدُّم المملكة في أكثر من مكان في حضرموت، وأنه يجب التصدي لهذه المؤامرة وللاحتلال السعودي لأراضينا. وناقش معنا أيضاً احتلال عُمان لجزر كوريا موريا شرقيّ المهرة التي تقع على بعد 500 كيلومتر من حدودنا، وأنه لا بد من التحرك لاستعادة الجزر والوديعة من السعوديين والعمانيين. وقال قائد الجيش إنه على استعداد، إذا توافرت الإمكانات، للتحرك إلى كوريا موريا لاستعادتها إلى سيادة الدولة في عدن، وإنه سيلقي القبض على الجنود كالفئران، فابتسمتُ وضحكتُ وقلتُ له إنني كنتُ محافظاً لهذه الجزر التي رفضت بريطانيا تسليمها في مفاوضات جنيف، بحجة أنّ هذه الجزر أهدتها سلطنة عمان إلى الملكة فكتوريا في القرن التاسع عشر، ولا يوجد فيها إلا فئران، يُستفاد من مخلفاتها باستعمالها سماداً، كما أُفدتُ من المعلومات التي جمعتُها بعد تعييني محافظاً. وهذه الجزر ليست آهلة بالسكان، ولا نملك قوات بحرية أو جوية للوصول إليها، وأنصح بألّا نفكر في أن نقود معركة خاسرة في شرق البلاد، لكن يمكن أن يجري حوار حولها لاحقاً. أما الوديعة، فقد دار حديث طويل حولها، وكان القرار باستعادتها، وتمكنت قواتنا المسلحة بإمكاناتها المتواضعة من الاستيلاء على الوديعة وأَسر كل الجنود والضباط الذين كانوا فيها من سلاح الحدود، وكانوا قد دخلوا لاحقاً إلى عدن مع سياراتهم، وأُفرِج عنهم عام 1970، حيث سُلِّموا للصليب الأحمر الدولي. لكنّ ردّ الفعل السعودي كان قوياً، إذ استعان السعوديون بطيارين باكستانيين في هذه الحرب، بينما اليمن الجنوبي لم يكن يملك إلا طيارَين اثنين على الطائرات السوفياتية ميغ 17، أحدهما سوري الأصل ينتمي إلى حركة "القوميين العرب"، واسمه (نوفل الهندي)، وهو شقيق (هاني الهندي) أحد القادة البارزين في الحركة. أما الطيار الآخر، فقد كان يمنياً يدعى (صدقة). وقد أُصيب نوفل بجراح في تلك المعركة. ولم تكن لدى قواتنا المسلحة كلها سوى ست طائرات من طراز جيت بروفست القديم(1)، تركتها بريطانيا عند انسحاب قواتها من عدن والجنوب، ولم نستفد منها، لأنّ علي سالم البيض، وزير الدفاع حينها، كان قد طرد الطيّارين الانكليز عام 1968. وفي تلك المعركة استُشهِد عدد من العسكريين، بينهم الرائد علي عوض (الشلال) رحمه الله الذي سُمِّي أحد الألوية العسكرية باسمه فيما بعد. (للحديث بقية ) ..


------------------------------------
هوامش /

1- طائرة تدريب عسكرية نفاثة قادرة على القتال من إنتاج شركة هانتينج للطائرات البريطانية (شركة باك لاحقاً). دخلت الطائرة الخدمة في سلاح الجو الملكي عام 1955.