آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. هل كان الانتقالي مجبراً على إخراج القوات الشرعية من عدن؟

الإثنين - 23 نوفمبر 2020 - 09:47 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. هل كان الانتقالي مجبراً على إخراج القوات الشرعية من عدن؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في أسباب تغيّر موازين القوى في مواجهات أبين وربطها بتداعيات
أحداث أغسطس

هل كانت عملية قيصرية لإنقاذ الانتقالي وشعبيته؟

هل رأى الانتقالي أن الشرعية من عدن هي الطريقة الوحيدة للاعتراف به
وإشراكه في السلطة؟

لو لم يلتهم الانتقالي القوات الحكومية.. هل كانت ستلتهمه؟

القسم السياسي (عدن الغد):

مثلت أحداث أغسطس 2019، أحد أهم منعطفات المرحلة السياسية التي يمر بها
الجنوب واليمن عموماً، فهي لا تختلف عن المنعطفات العنيفة التي مرّت بها
البلاد، كاحتجاجات 2011، واندلاع حرب 2015، ووصولاً إلى واقع اليوم.

وعند الحديث عن العوامل والأسباب التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، من
الطبيعي التطرق إلى اتهامات قطاع كبير من الجنوبيين للحكومة الشرعية
بالفساد، خاصةً عقب إقالة محافظ عدن الأسبق عيدروس الزبيدي، والوزير بلا
حقيبة هاني بن بريك أواخر أبريل 2017، وما نتج عن تلك الخطوات من تشكيل
وتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، مطلع مايو من ذات العام.

وجود المجلس الانتقالي بحد ذاته كان منعطفاً لا يقل أهميةً عن المنعطفات
المشار إليها، حيث استطاع أن يحظى بدعم إقليمي، ويجند التشكيلات الأمنية
والعسكرية التي تشكلت عقب 2015 في المحافظات الجنوبية، ويوجهها لخدمة
وجوده.

ونجح الانتقالي في تحريك ما تحت يده من وحدات مسلحة، بفضل الدعم
الإقليمي، لمناوشة الحكومة الشرعية وقواتها المتواجدة في عدن، وحقق نتيجة
لذلك مكاسب عسكرية، خلال أحداث يناير 2018.

ويبدو أن تلك المناوشات لم تكن سوى "جس نبض" -بحسب مراقبين- لمدى حجم
القوات الحكومية المتواجدة في منشآت ومؤسسات الدولة ومعسكراتها، تمهيداً
لما هو قادم من مرحلة، ستكون مختلفة عما قبلها.

حقائق عسكرية

يرى خبراء عسكريون أن الحكومة الشرعية لم تمتلك يوماً جيشاً نظامياً
بعتادٍ وعددٍ ضخم، نتيجة اعتبارات كثيرة، أهمها أن القوات الحكومية حديثة
النشأة، عقب عام 2015، تم توزيعها على جبهات القتال المشتعلة مع الحوثيين
على امتداد البلاد، شمالاً وغرباً.

كما أن هناك اعتبارات أخرى، منها أن الحكومة تركت ملفات المحافظات
المحررة لقوات التحالف العربي، فكانت الإمارات مستأثرة بمدينة عدن وما
جاورها، والقوات السعودية تمركزت في مأرب والجوف.

ولهذه الاعتبارات كانت معسكرات الدولة ومؤسساتها في عدن والمحافظات
الجنوبية، خاوية تقريباً من قوات حكومية يعتد بها، بحسب طرح الخبراء
العسكريين.

ونتيجةً لوضعٍ كهذا لم تكن عملية الاستيلاء على عدن من قبل قوات المجلس
الانتقالي خلال أحداث أغسطس 2019 صعبة، عطفاً على الحقائق العسكرية التي
كشف عنها الخبراء العسكريون، بالإضافة إلى الدعم الذي حظيت به قوات
الانتقالي من قوى إقليمية.

وبناءً على النتائج التي أعقبت تلك الأحداث، تمسك الانتقالي بما تحت يديه
من مكاسب عسكرية حققها على الأرض، وشرع يقايض في مقابلها خصومه السياسيين
للحصول على مكاسب سياسية، وما زال مستمراً في عمله هذا حتى اليوم.

البحث عن موطئ قدم

ما حدث في عدن خلال أغسطس من العام الماضي، اعتبره محللون بأنه عمل مرتب
ومهيئ من قبل داعمي قوات الانتقالي، غير أنه لم يكن محسوب العواقب.

فالانتقالي- بحسب هؤلاء- كان يبحث لنفسه عن مركز قوة، يستطيع من خلاله أن
يجد موطئ قدم ومدخلاً ليصبح مكوناً رئيسياً من المكونات العسكرية
والسياسية في البلاد، حتى يتم إشراكه في كل التفاهمات والتسويات المتعلقة
بالأزمة اليمنية.

وهو ما نجح فيه المجلس الانتقالي وداعموه، وها هو اليوم يحصد نتائج ما
زرعه، ويعمل على التهيئة للمشاركة كأحد مكونات الحكومة اليمنية الجديدة،
بعد نحو ثلاث سنوات فقط على تأسيس المجلس في مايو 2017.

لكن الخطورة لا تكمن في إشراك المجلس الانتقالي في الحكومة القادمة، فهو
لا يعدو عن كونه مكون من ضمن المكونات الأخرى التي تتشكل منها الحكومة،
حتى وإن بدت مكاسبه المحققة أكبر من عمره، إلا أنه يبقى ممثلاً لشريحة لا
يستهان بها من الشعب.

غير أن مكمن ما قام به المجلس الانتقالي خلال أحداث أغسطس لا يقف عند هذا
الحد، فثمة تداعيات أشد وطأة، لم يكن يضع لها اعتباراً في حسابه.

القوات الحكومية ترتب نفسها

تندلع مواجهات، ومنذ أكثر من أسبوعين، على نطاق واسع بين القوات الحكومية
وقوات المجلس الانتقالي على جبهات أبين، وسط تغير في موازين القوى بين
الطرفين.

فبعد أغسطس 2019، هرولت قوات المجلس الانتقالي عقب فرض سيطرتها على عدن،
صوب الشرق، وباتجاه أبين وشبوة، لكنها صدمت بقوات حكومية تختلف تماماً عن
نوعية القوات التي واجهها الانتقالي في عدن، عندها فقط توقفت هرولة قوات
المجلس.

فحتى نهاية يوليو من العام 2019 كانت القوات الحكومية الشرعية تملك وحدات
عسكرية رمزية في محافظات الجنوب تحديداً، ولم تكن بذلك العتاد والعدة
الكبيرة، وفي عدن كانت القوات الحكومية بالفعل عبارة عن قوات هامشية
ورمزية، وعبارة عن عدد من المعسكرات الخالية من أي معدات عسكرية، كما
أسلفنا.

وهو ما سهل انتصار الانتقالي حينها، في هجماته التي شنها في أغسطس من
العام 2019 على القوات الحكومية التي سرعان ما انهارت معسكراتها وخرج ما
تبقى منها إلى محافظات أخرى مجاورة، مثل أبين وشبوة.

ولم تكن عدن هي الوحيدة التي تخلو من قوات حكومية معتبرة، بل حتى محافظة
شبوة، (إلى الشرق من عدن) لم تكن بأحسن حالا، حيث كانت تفتقر لقوات
نظامية كافية، كما كانت تحتضن معسكراً يتيماً موالياً للشرعية اليمنية.

التقاط الأنفاس

عشية أغسطس 2019، كانت قوات المجلس الانتقالي مسيطرة سيطرة تامة على كافة
محافظات الجنوب، دون أن تبذل في سبيل ذلك أي مجهودات قتالية أو تدخل في
مواجهات دامية.

وتسببت التغييرات التي حدثت في المشهد العسكري لاحقاً في عتق، عاصمة
محافظة شبوة، وصولاً إلى عدن، عقب أحداث أغسطس، إلى انقلاب المعادلة
العسكرية بشكل كامل.

حيث باتت القوات الموالية للحكومة الشرعية تسيطر على كامل شبوة، بقوات
وعتاد ضخم، بالإضافة إلى أجزاء واسعة من شرق محافظة أبين، بل وتواجه قوات
الانتقالي المتمركزة غرب المحافظة.

فعلى خلاف القوات السابقة التي كان تقبع في عدن داخل معسكرات خالية
الوفاض من أي معدات أو عتاد، منحت فرصة السيطرة على شبوة وأبين، ومن قبل
حضرموت والمهرة قوات للحكومة الشرعية فرصة التقاط أنفاسها وإعادة ترتيب
وضعه.

ولم تكتفِ القوات الحكومية بهذا الحد، بل أنها ذهبت إلى حد كبير في إعادة
ترتيب وحداتها وكتائبها، وتعزيزها بالآلاف من المجندين الذين تم حشدهم
خلال الأشهر الماضية.

ويبدو أن الحكومة اليمنية استوعبت الدرس جيداً، ولم تعد تكتفي بوحدات
رمزية أو هامشية في حواضرها ومعاقل ومدن الشرعية، بل راحت تعزز من
تواجدها ليس فقط منعاً لتكرار ما حدث في عدن مجدداً، بل أنها تخطط للعودة
إلى المدينة، وفق رؤية خبراء عسكريين أكدوا ذلك لـ(عدن الغد).

انقلاب المعادلة العسكرية

اتكأت الحكومة الشرعية ذات يوم على اطمئنانها بسريان الأمور بأريحية داخل
عدن وما جاورها من محافظات جنوبية، ولم تشغل نفسها بتكثيف تواجدها
العسكري هناك.

لكنها فوجئت بالطرد من قبل قوات الانتقالي وداعميها من عدن خلال أحداث
أغسطس، لهذا نرى اليوم اشتداد المواجهات في أبين والذي يطرح ويثير العديد
من التساؤلات حول مصير معركة عدن في 2019، لو كانت القوات الحكومية تملك
نفس العتاد والقوات التي تملكها اليوم في أبين وشبوة.

عن هذه التساؤلات يجيب الخبراء والمتابعون، بأن الانتقالي لن يكون قادراً
على أن يفكر حتى في مغامراته، وما كان قادراً على التقدم صوب المناطق
الأخرى.

والمشاهد اليوم أن المعادلة قد انقلبت رأساً على عقب، وباتت القوات
الحكومية الشرعية هي من تقود المبادرة، والرغبة في التقدم نحو عدن، وأضحت
في موقف المهاجم، بينما تراجعت قوات الانتقالي إلى موقف الدفاع، بعد أن
كانت خلال فترة أغسطس وسبتمبر من العام 2019 مهرولةً نحو الشرق، ومحاولةً
الوصول إلى حضرموت والمهرة عبر أبين وشبوة.

ويرى مراقبون سياسيون أن الانتقالي لم يكن بحاجة إلى ازاحة معسكرات الجيش
من عدن على هشاشتها، حيث كان الانتقالي والأطراف المتحالفة معه هي
الحاكمة الفعلية لكل المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

ويؤكد هؤلاء المراقبون أن خطأ الانتقالي تمثل في مغامرة إخراج معسكرات
القوات الحكومية من عدن؛ الأمر الذي دفع قوات الشرعية إلى العودة من
جديد، والظهور مجدداً بمظهر مغاير ومختلف عما كانت عليه في عدن خلال
أغسطس 2019.

اضطرار الانتقالي

يعتقد عدد من المحللين أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يكن قد حقق شيئاً
يذكر على الأرض يشفع له تحشيد الجماهير في "مليونياته" الشعبية، كما
يسميها.

ونظراً لأن الاستحقاقات الدولية كانت تقترب من التوصل إلى حلول وتسويات
لإنهاء الأزمة والحرب في اليمن، سارع الانتقالي إلى تغيير المشهد العسكري
في الجنوب، وفرض أمر واقع، يخلط الأوراق، ويجلب الانتقالي كشريك ومكون
مؤثر وفاعل.

وهو ما تحقق بالفعل، فالانتقالي بات اليوم أحد المكونات التي ستتشكل منها
الحكومة الجديدة، المتعثرة مشاوراتها في الرياض، كما أن الرؤية التي
طرحها المحللون لم تقف أبعادها عند هذا الحد.

فهم يرون أن قوات الانتقالي كانت مجبرة على إخراج القوات الحكومية من
عدن، في ظل ضمانات بإشراكه سياسياً، لهذا تحول الانتقالي إلى "التهام"
القوات الرمزية المتواجدة في عدن، ما دامت ضعيفة التجهيزات والعتاد.

وهو اضطرار أُجبر عليه الانتقالي تنفيذاً لسياسات الأطراف المتحالفة معه،
خاصةً وأن أحداث أغسطس 2019 تزامنت مع تغييرات في الجهات المسئولة عن
إدارة وتسيير شئون عدن.

لهذا يطلق بعض المراقبين والسياسيين على أحداث أغسطس 2019، اسم "العملية
القيصرية" التي اضطر الانتقالي إلى تنفيذها، تحسباً لأي تطورات أو تحركٍ
استباقي مضاد من قوات خصومه المتمثلة بالقوات الحكومية.

ويضيف آخرون أن المجلس الانتقالي كاد أن يفقد شعبيته، بعد أن أخفق في
تنفيذ مطالب الجماهير الجنوبية التي خرجت في جميع المظاهرات والتجمعات
التي دعا إليها لتحقيق واستعادة الدولة الجنوبية، فاختار الهروب إلى
الأمام من خلال المغامرة بهذا الفعل.

فاضطر إلى طرد الحكومة وقواتها من عدن، والانفراد بتسيير شئون المدينة،
والتي يبدو أنه قد عجز عن إدارتها بالوجه الأمثل، في ظل انعدام الخدمات
العامة والاحتياجات الأساسية للمواطنين.

خطوة لا بد منها

في المقابل، ثمة رأي مغاير يشير إلى أن الحكومة الشرعية في عدن لم تكن
بذلك المستوى من الإنجاز والتفاني في عملها، حتى يتم منحها مزيداً من
الوقت، ومزيد من المعاناة التي تثقل كاهل المواطنين.

ويشير أصحاب هذا الطرح إلى أن روائح الفساد الحكومي قد بلغت الآفاق،
ونتيجة لذلك كان لزاماً على الانتقالي وقواته اتخاذ هذه الخطوات
والإجراءات الجريئة التي كان لا بد منها، للحفاظ على ما تبقى من أمل
للشعب.

ويرى مؤيدو المجلس الانتقالي أن هذه "العملية القيصرية" التي أقدم عليها
كانت ضرورية وملحة، حتى يتخلص المواطنون من فساد الحكومة الشرعية، بحسب
وصفهم.

كما أن هذه الخطوة ضمنت للانتقالي وللجنوب تمثيلاً حقيقياً في الحكومة المقبلة.

فارق قوات

غير أن الواقع الملموس على جبهة أبين، وعدم تزحزح الجانبين من مواقعهما،
بل وتحقيق القوات الحكومية الشرعية لتقدم، حتى وإن بدا طفيفاً، على حساب
قوات الانتقالي، بالإضافة إلى الخدمات المنعدمة والمتردية في عدن
والجنوب، والعجز عن إدارة ما تحت سيطرة الانتقالي تشير إلى عكس ما قيل،
إن معارك قوات هذا الأخير كان لا بد منها.