آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-05:01ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. كيف ستؤثر جهود توحيد بنكي عدن وصنعاء على الحياة المعيشية لليمنيين؟

السبت - 21 نوفمبر 2020 - 09:41 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. كيف ستؤثر جهود توحيد بنكي عدن وصنعاء على الحياة المعيشية لليمنيين؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول الجهود الأممية لتوحيد العمليات المصرفية بين إدارتي البنك
المركزي في صنعاء وعدن.

هل هذا التوافق الاقتصادي يعتبر بداية لتوافق سياسي ينهي الحرب؟

تقرير / بديع سلطان:


ثمة حربٌ اقتصادية تدور في اليمن، لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية التي
تستمر رحاها في البلاد منذ ست سنوات.

ورغم أن هذه الحرب الاقتصادية أقل عمراً من القتال المسلح الجاري منذ
2015، إلا أن انعكاساتها أعمق وأكثر ألماً على حياة المواطنين اليمنيين
المعيشية.

فالانقسامات في أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني بين كل من
صنعاء وعدن، وما نتج عنها من فارق ضخم جداً في التحويلات المالية بين
المحافظات الجنوبية ونظيرتها الشمالية، أثقلت كاهل المواطنين وأتعبتهم
إنسانياً واقتصادياً، كل ذلك كام أشد وطأة على حياة اليمنيين من القتال
الدائر في الجبهات القصية والبعيدة.

كما أن ما يجعل المعاناة كبيرة، التصاق الأوضاع الاقتصادية مباشرةً بحياة
المواطن البسيط، الذي تأذى كثيراً من تشتت البنك المركزي بين صنعاء وعدن،
وما نتج عن ذلك من توقف المرتبات أو على الأقل تأخرها.

وفي ظل هذه المعاناة المباشرة والعميقة، بدأت تلوح في الأفق السياسي
بوادر تحركات لردم فجوة الحرب الاقتصادية، التي وإن بدت أشد أثراً إلا
أنها لا تزيد عن كونها إحدى تداعيات الحرب التي أنتجها السياسيون.

حيث كشفت مصادر مطلعة لـ(عدن الغد) عن تحركات دبلوماسية يجريها المبعوث
الأممي الى اليمن، مارتن غريفيث، للتوصل إلى إنهاء انقسام البنك المركزي
اليمني، بين عدن وصنعاء.

وأفادت المصادر، بأن مارتن غريفيث، بحث في العاصمة العمانية مسقط مع وفد
مليشيا الحوثي الإنقلابية الإعلان المشترك وما يصاحبه من تدابير "إنسانية
واقتصادية".

وقالت المصادر: إن وفد الحوثيين اشترط إلغاء قرار نقل البنك المركزي
وضمان إيداع عوائد النفط في بنك صنعاء مقابل صرفهم مرتبات كافة موظفي
الدولة المتوقفة منذ سنوات، وفقاً لكشوفات عام 2014.

ووفقًا للمصادر فإن غريفيث اقترح توحيد إدارة البنك المركزي من الطرفين
أو تشكيل لجنة مشتركة من بنكي صنعاء وعدن دون إلغاء قرار نقل البنك.

هدف التحركات الاقتصادية

التحركات الاقتصادية الأخيرة التي تقودها الأمم المتحدة هدفها إيقاف
تدهور وسقوط العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، والتي أثقلت كاهل
اليمنيين في كل مكان من البلاد، بحسب مراقبين واقتصاديين.

وكشفت مصادر مالية ومصرفية لـ(عدن الغد) عن أن تلك الترتيبات تسعى إلى
إعادة اتحاد البنكين؛ بهدف وقف انهيار قيمة العملة، كما تهدف إلى وضع
خطةٍ لتوحيد الإجراءات المالية والمصرفية بين البنكين، ووقف انهيار قيمة
العملة الوطنية.

واللافت في الأمر أن الهدف الرئيسي من وراء كل تلك الجهود هو الجانب
الإنساني، حيث يدرك فريق المبعوث الأممي إلى اليمن أن مهمة إيقاف القتال
وإنهاء الأزمة قد تكون صعبة المنال، حالياً على الأقل، غير أن هناك عدد
من الخطوات يمكن تنفيذها والبدء فيها، ويتوافق حولها الطرفان.

تماماً كما حدث في ملف الأسرى، باعتباره ملفا إنسانيا، لا يختلف عنه
الملف الاقتصادي الذي يمتلك أبعادا إنسانية عميقة.

جانب الحوثيين غير المؤتمن

غير أن هذه الأهداف الإنسانية التي تبدو "نبيلة" قد تصطدم بتعنت ورفض
المليشيات الحوثية، وفقاً لمخاوف كثير من المراقبين، فبحسب سياسيين فإن
الحوثيين درجوا واعتادوا على إبرام الاتفاقيات، إلا أنها ما تلبث أن
تتمنع عن تنفيذها.

ويبدو أن رفض غريفيث لطلب المليشيات التي اشترطت إلغاء قرار نقل البنك
المركزي إلى عدن، وضمان إيداع عوائد النفط في بنك صنعاء مقابل صرفهم
مرتبات كافة موظفي الدولة المتوقفة منذ سنوات، وفقاً لكشوفات عام 2014،
يؤكد أن المبعوث الأممي لا يأمن جانب الحوثيين.

يأتي ذلك عطفاً على خبرة هذا الأخير في تعامله مع المليشيات الحوثية خلال
اتفاق ستوكهولم الخاص بقضية الحديدة، فحينها طلب الحوثيون إنشاء حساب
مستقل في البنك المركزي اليمني فرع الحديدة لصرف مرتبات المدنيين، غير
أنهم نهبوا ذلك الحساب وصادروه ومنعوا موظفي الأمم المتحدة من رقابته
ومتابعة الحساب.

ووفقًا للمصادر فإن غريفيث اقترح بدلاً عن اشتراطات الحوثيين توحيد إدارة
البنك المركزي من الطرفين أو تشكيل لجنة مشتركة من بنكي صنعاء وعدن دون
إلغاء قرار نقل البنك.

بدايات الأزمة الاقتصادية

تعود بداية الأزمة إلى العام 2016، عندما أقرت الحكومة اليمنية المعترف
بها دولياً نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن.

وفي المقابل رفضت السلطات التابعة للحوثيين، والتي تسيطر على العاصمة،
الاعتراف بالقرار، مما أدى إلى انقسام البلاد بين مصرفين يعتبر كل منهما
الآخر فرعاً، الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد،
إذ توقفت منذ ذلك الحين عملية دفع مرتبات مئات الآلاف من الموظفين
الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين.

ودخلت الأزمة طوراً جديداً، أواخر العام الماضي مع اتخاذ سلطات الحوثيين
موجة إجراءات تمنع تداول الطبعات الجديدة من العملة والمطبوعة في عدن في
مناطق سيطرتهم.

وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية، وذلك في
أعقاب فشل سلسلة من الاجتماعات رعاها مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن
مارتن غريفيث، في العاصمة الأردنية عمّان، خلال العام المنصرم، سعت إلى
الوصول لاتفاق في الجانب الاقتصادي، وانتهت دون تقدم، لتبدأ مرحلة غير
مسبوقة من الأزمة.

ملامح المعاناة الإنسانية

من أبرز انعكاسات الانقسام المصرفي في اليمن منذ شهور، قيام شركات
الصرافة والتحويلات بفرض رسوم كبيرة على الحوالات المرسلة بالعملة
المحلية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية.

حيث شكل تفاوت سعر صرف العملة المحلية مزيد من المعاناة الإنسانية، ففي
مناطق سيطرة الحوثيين يعتمدون طبعات قديمة من العملة بعضها مهترئة، في
وقتٍ تثير فيه هذه الرسوم سخطاً متزايداً، نظراً لكون الأسر اليمنية التي
تعيش بعضها في أوضاع تشبه المجاعة تدفع الفارق.

حتى أن ثمة معضلة أخرى تتمثل في الجوانب القانونية، مثل تلك الشبهات
المتصلة بقانونية ومبررات شركات الصرافة لأخذ فوارق العمولات الضخمة.

وبينما يتمثل التفسير السائد حول المبلغ المقتطع من الحوالات والذي وصل
إلى 40 % في الأيام الأخيرة، بأنه هو فارق سعر الصرف (الدولار الأمريكي
الواحد سعره 845 ريال في عدن، وفي صنعاء 604 ريال يمني، حسب أحدث الأسعار
مؤخراً)، إلا أنه في المقابل، لا تعتمد شركات الصرافة الفوارق في
الحوالات القادمة من مناطق سيطرة مليشيات الحوثيين إلى بقية محافظات
البلاد، على نحوٍ يثير المزيد من التكهنات والاتهامات الموجهة لشركات
الصرافة بالتلاعب.

مشكلة طباعة العملة

يرى الحوثيون أن المشكلة في وجود سعرين مختلفين للصرف هو نتيجة قيام
الحكومة الشرعية في عدن "بطباعة 1.72 تريليون ريال"، دون اي غطاء نقدي من
العملات الأجنبية، وتصف اللجنة تلك النقود "بالعملة غير القانونية"، وذلك
منذ إقرار نقل البنك المركزي إلى عدن.

واعتبر الحوثيون أن الخطوة أوجدت تضخماً في العملة بما أدى إلى إنهيار
أسعار صرف الريال اليمني، وهو ما دفعهم لاتخاذ قرار منع تداول العملة
الجديدة المطبوعة من قبل البنك في عدن.

وشددت المليشيات على أن الحل للأزمة المصرفية التي تعيشها البلاد يتمثل
في "تحييد الاقتصاد وعدم استخدامه كورقة في الحرب من قبل أي طرف"، وهو ما
يتحقق "بوقف السياسات الاقتصادية المدمرة التي تتخذ بشكل متعمد على رأسها
طباعة العملة".

إجراءات حكومية

وفي ظل اتهامات الحوثيين للحكومة الشرعية، ترى هذه الأخيرة أن المليشيات
الانقلابية تتعمد الإضرار، وأن مسئولية التفاوت في أسعار الصرف تتحمله
القرارات المالية التي اتخذها الحوثيين.

وتؤكد مصادر اقتصادية حكومية أن قدرة الحوثيين على استقرار وانخفاض أسعار
صرف الريال مقابل العملات الأجنبية في مناطق سيطرتهم، مقارنة بأسعار
الصرف في مناطق الحكومة يعود إلى إلى إدارة الحوثيين أموالاً وأسواقاً
نشأت بفعل الحرب، وتدور أعمالها خارج الأطر الرسمية، ولديها دورات مالية
خاصة بها لا تخضع للدورة المالية الرسمية.

ويرى اقتصاديون تابعون للحكومة أن هناك إجراءات حكومية مرتقبة يمكن أن
تشكل تهديداً حقيقياً يواجه الحوثيين، وتنذر بسحب الأفضلية منهم، ومن ذلك
تنفيذ قرار البنك المركزي في عدن الإلزامي بفتح الاعتمادات لاستيراد
البضائع الحيوية مثل الوقود والمواد الاستهلاكية الأساسية من أغذية
وأدوية، في حساباتها لديه، وإلزام البنوك التجارية بتوريد أثمان هذه
البضائع في حساباتها لديه.

وأعلن البنك المركزي في عدن، قبل عامين، عن استئناف تمويل واردات السلع
الأساسية، استناداً إلى وديعة سعودية بملياري دولار، وربط عملية فتح
الاعتمادات بالمصرف المركزي التابع للحكومة، موجهاً الشركات المستوردة
بالتعامل المباشر معه إذا أرادت فتح اعتمادات لاستيراد المواد الأساسية.

إضافة إلى منع دخول السفن التي تحمل سلعاً ومشتقات نفطية، ولا تملك
اعتمادات أو مستندات عبر البنك المركزي اليمني في عدن، الأمر الذي تسبب
في تهديد حقيقي لمصالح كبار التجار ورجال الأعمال الموالين لجماعة
الحوثي.

فشل مؤسسي من الطرفين

يقول رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر: إن استمرار
الانقسام في السياسة النقدية في اليمن يمثل مشكلة كبيرة بين بنكين
مركزيين، بما "ينعكس بشكل مباشر" على حياة المواطنين اليمنيين الذين
يدفعون فارق العملة من مداخيلهم.

ويضيف نصر في تصريحات صحفية: "صحيح أن البنك المركزي في صنعاء غير معترف
به دولياً أمام المؤسسات الدولية المالية وغير قادر على طباعة عملة
وغيرها، ولكن أيضاً بحكم سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة بقوة السلاح"،
فإنهم "قادرون على ممارسة سلطة على أرض الواقع وبالتالي التأثير على هذه
السياسة" بما يلقي بظلاله "بصورة مباشرة على سعر الريال وعلى الوضع
المالي والاقتصادي عموما".

ويرى نصر أن "سبب فارق التحويل هو القرار الذي تم اتخاذه من قبل جماعة
الحوثي بعدم التعامل بالفئات النقدية الجديدة"، ويقول إن "هذا القرار
نتجت عنه فوارق ما بين العملتين وخلف حالة انقسام واضحة بين عملة قديمة
وعملة جديدة بقيمتين مختلفتين وأصبحنا وكأننا أمام عملتين مستقلتين عن
بعضهما وبقيمتين مختلفتين وهنا تكمن الاشكالية الكبيرة".

كما يعتقد مصطفى نصر أن "الحكومة الشرعية ساهمت في هذا التدهور من خلال
طباعة كميات كبيرة، وبالتالي خلقت التضخم في سعر العملة المحلية
والمضاربة فيها".

وحمل رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الطرفين مسؤولية تدهور قيمة
العملة ويقول: "هناك جوانب قصور كبيرة واختلالات في إدارة السياسة
النقدية والمالية، ونشهد حالياً حالة فشل في أداء المؤسسات الرسمية
الحكومية، وهي تتحمل جزء من المسؤولية وأيضاً طرف الحوثي ساهم في تدهور
الريال منذ عام 2015".

بداية توافق شامل

التحركات التي طالت الجانب الاقتصادي، تعطي مؤشرات لدى بعض المراقبين
المتفائلين، الذين يعتقدون أن هذه الخطوات التوافقية التي قد تجمع
الحوثيين بالحكومة يمكن أن تقود إلى مزيد من التوافق حول ملفات أخرى أكثر
تعقيداً.

حيث يعتقد مراقبون أن تجاوز بنود التوافق الاقتصادي في مسودة "الإعلان
المشترك"، والنجاح المتوقع حدوثه في إيقاف تدهور أسعار الصرف، قد يؤدي
إلى توافق سياسي، وربما عسكري؛ لإنهاء الحرب والأزمة اليمنية.

وتبدو فرصة كهذه مواتية للفرقاء اليمنيين، خاصةً وأن الأجواء الدولية
والمتغيرات العالمية الأخيرة، قد تدفع المجتمع الدولي للتعجيل في اقتناص
أية فرصة لإيقاف المأساة الإنسانية في اليمن، جراء استمرار الحرب.

ولعل التوافق في توحيد الجهود المالية والمصرفية، قد يقود إلى توافق
عسكري وسياسي يضع حداً للأزمة اليمنية.

ما ينتظره المواطن

وبعيداً الاتهامات المتبادلة بين الحكومة الشرعية والمليشيات الانقلابية،
ينتظر المواطن ما ستنتج عنه التحركات الأممية لتوحيد البنكين المركزيين
في عدن وصنعاء.

حيث توقع مراقبون أن يكون هناك توجه لضبط سعر الدولار مقابل الريال
اليمني بـ700 ريال، مرجحة تسهيل الحوثيين هذه الترتيبات وإتمامها خلال
الأيام القادمة، مشيرة إلى أن النقاشات ستتم عبر دائرة تلفزيونية.

وهو ما ينتظره المواطن اليمني في كل مكان شمالاً وجنوباً، حتى تستقر
أسعار الصرف، وبالتالي أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت ارتفاعاً
قياسياً.

ووصل سعر الدولار مقابل الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة إلى 870
ريالاً؛ مع تخوفات من تجاوزه حاجز الألف ريال إذا استمر الانهيار بهذه
الطريقة؛ وعدم وجود خطط إنقاذ عاجلة، في حين توقف سعر الدولار مقابل
الريال عند حاجز الـ600 في مناطق سيطرة الحوثيين، خلال الأيام الماضية.

غير أن التحركات الأخيرة يمكن لها توقف هذا التدهور الذي يعاني منه
الريال اليمني، وهو الأمل الذي يتشبث به المواطنون اليمنيون.