السبت - 21 نوفمبر 2020 - 09:41 ص بتوقيت عدن
(عدن الغد)خاص:
تقرير يتناول الجهود الأممية لتوحيد العمليات المصرفية بين إدارتي البنكالمركزي في صنعاء وعدن.هل هذا التوافق الاقتصادي يعتبر بداية لتوافق سياسي ينهي الحرب؟تقرير / بديع سلطان:ثمة حربٌ اقتصادية تدور في اليمن، لا تقل ضراوة عن الحرب العسكرية التيتستمر رحاها في البلاد منذ ست سنوات.ورغم أن هذه الحرب الاقتصادية أقل عمراً من القتال المسلح الجاري منذ2015، إلا أن انعكاساتها أعمق وأكثر ألماً على حياة المواطنين اليمنيينالمعيشية.فالانقسامات في أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني بين كل منصنعاء وعدن، وما نتج عنها من فارق ضخم جداً في التحويلات المالية بينالمحافظات الجنوبية ونظيرتها الشمالية، أثقلت كاهل المواطنين وأتعبتهمإنسانياً واقتصادياً، كل ذلك كام أشد وطأة على حياة اليمنيين من القتالالدائر في الجبهات القصية والبعيدة.كما أن ما يجعل المعاناة كبيرة، التصاق الأوضاع الاقتصادية مباشرةً بحياةالمواطن البسيط، الذي تأذى كثيراً من تشتت البنك المركزي بين صنعاء وعدن،وما نتج عن ذلك من توقف المرتبات أو على الأقل تأخرها.وفي ظل هذه المعاناة المباشرة والعميقة، بدأت تلوح في الأفق السياسيبوادر تحركات لردم فجوة الحرب الاقتصادية، التي وإن بدت أشد أثراً إلاأنها لا تزيد عن كونها إحدى تداعيات الحرب التي أنتجها السياسيون.حيث كشفت مصادر مطلعة لـ(عدن الغد) عن تحركات دبلوماسية يجريها المبعوثالأممي الى اليمن، مارتن غريفيث، للتوصل إلى إنهاء انقسام البنك المركزياليمني، بين عدن وصنعاء.وأفادت المصادر، بأن مارتن غريفيث، بحث في العاصمة العمانية مسقط مع وفدمليشيا الحوثي الإنقلابية الإعلان المشترك وما يصاحبه من تدابير "إنسانيةواقتصادية".وقالت المصادر: إن وفد الحوثيين اشترط إلغاء قرار نقل البنك المركزيوضمان إيداع عوائد النفط في بنك صنعاء مقابل صرفهم مرتبات كافة موظفيالدولة المتوقفة منذ سنوات، وفقاً لكشوفات عام 2014.ووفقًا للمصادر فإن غريفيث اقترح توحيد إدارة البنك المركزي من الطرفينأو تشكيل لجنة مشتركة من بنكي صنعاء وعدن دون إلغاء قرار نقل البنك.هدف التحركات الاقتصاديةالتحركات الاقتصادية الأخيرة التي تقودها الأمم المتحدة هدفها إيقافتدهور وسقوط العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، والتي أثقلت كاهلاليمنيين في كل مكان من البلاد، بحسب مراقبين واقتصاديين.وكشفت مصادر مالية ومصرفية لـ(عدن الغد) عن أن تلك الترتيبات تسعى إلىإعادة اتحاد البنكين؛ بهدف وقف انهيار قيمة العملة، كما تهدف إلى وضعخطةٍ لتوحيد الإجراءات المالية والمصرفية بين البنكين، ووقف انهيار قيمةالعملة الوطنية.واللافت في الأمر أن الهدف الرئيسي من وراء كل تلك الجهود هو الجانبالإنساني، حيث يدرك فريق المبعوث الأممي إلى اليمن أن مهمة إيقاف القتالوإنهاء الأزمة قد تكون صعبة المنال، حالياً على الأقل، غير أن هناك عددمن الخطوات يمكن تنفيذها والبدء فيها، ويتوافق حولها الطرفان.تماماً كما حدث في ملف الأسرى، باعتباره ملفا إنسانيا، لا يختلف عنهالملف الاقتصادي الذي يمتلك أبعادا إنسانية عميقة.جانب الحوثيين غير المؤتمنغير أن هذه الأهداف الإنسانية التي تبدو "نبيلة" قد تصطدم بتعنت ورفضالمليشيات الحوثية، وفقاً لمخاوف كثير من المراقبين، فبحسب سياسيين فإنالحوثيين درجوا واعتادوا على إبرام الاتفاقيات، إلا أنها ما تلبث أنتتمنع عن تنفيذها.ويبدو أن رفض غريفيث لطلب المليشيات التي اشترطت إلغاء قرار نقل البنكالمركزي إلى عدن، وضمان إيداع عوائد النفط في بنك صنعاء مقابل صرفهممرتبات كافة موظفي الدولة المتوقفة منذ سنوات، وفقاً لكشوفات عام 2014،يؤكد أن المبعوث الأممي لا يأمن جانب الحوثيين.يأتي ذلك عطفاً على خبرة هذا الأخير في تعامله مع المليشيات الحوثية خلالاتفاق ستوكهولم الخاص بقضية الحديدة، فحينها طلب الحوثيون إنشاء حسابمستقل في البنك المركزي اليمني فرع الحديدة لصرف مرتبات المدنيين، غيرأنهم نهبوا ذلك الحساب وصادروه ومنعوا موظفي الأمم المتحدة من رقابتهومتابعة الحساب.ووفقًا للمصادر فإن غريفيث اقترح بدلاً عن اشتراطات الحوثيين توحيد إدارةالبنك المركزي من الطرفين أو تشكيل لجنة مشتركة من بنكي صنعاء وعدن دونإلغاء قرار نقل البنك.بدايات الأزمة الاقتصاديةتعود بداية الأزمة إلى العام 2016، عندما أقرت الحكومة اليمنية المعترفبها دولياً نقل مقر البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن.وفي المقابل رفضت السلطات التابعة للحوثيين، والتي تسيطر على العاصمة،الاعتراف بالقرار، مما أدى إلى انقسام البلاد بين مصرفين يعتبر كل منهماالآخر فرعاً، الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد،إذ توقفت منذ ذلك الحين عملية دفع مرتبات مئات الآلاف من الموظفينالحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين.ودخلت الأزمة طوراً جديداً، أواخر العام الماضي مع اتخاذ سلطات الحوثيينموجة إجراءات تمنع تداول الطبعات الجديدة من العملة والمطبوعة في عدن فيمناطق سيطرتهم.وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية، وذلك فيأعقاب فشل سلسلة من الاجتماعات رعاها مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمنمارتن غريفيث، في العاصمة الأردنية عمّان، خلال العام المنصرم، سعت إلىالوصول لاتفاق في الجانب الاقتصادي، وانتهت دون تقدم، لتبدأ مرحلة غيرمسبوقة من الأزمة.ملامح المعاناة الإنسانيةمن أبرز انعكاسات الانقسام المصرفي في اليمن منذ شهور، قيام شركاتالصرافة والتحويلات بفرض رسوم كبيرة على الحوالات المرسلة بالعملةالمحلية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية.حيث شكل تفاوت سعر صرف العملة المحلية مزيد من المعاناة الإنسانية، ففيمناطق سيطرة الحوثيين يعتمدون طبعات قديمة من العملة بعضها مهترئة، فيوقتٍ تثير فيه هذه الرسوم سخطاً متزايداً، نظراً لكون الأسر اليمنية التيتعيش بعضها في أوضاع تشبه المجاعة تدفع الفارق.حتى أن ثمة معضلة أخرى تتمثل في الجوانب القانونية، مثل تلك الشبهاتالمتصلة بقانونية ومبررات شركات الصرافة لأخذ فوارق العمولات الضخمة.وبينما يتمثل التفسير السائد حول المبلغ المقتطع من الحوالات والذي وصلإلى 40 % في الأيام الأخيرة، بأنه هو فارق سعر الصرف (الدولار الأمريكيالواحد سعره 845 ريال في عدن، وفي صنعاء 604 ريال يمني، حسب أحدث الأسعارمؤخراً)، إلا أنه في المقابل، لا تعتمد شركات الصرافة الفوارق فيالحوالات القادمة من مناطق سيطرة مليشيات الحوثيين إلى بقية محافظاتالبلاد، على نحوٍ يثير المزيد من التكهنات والاتهامات الموجهة لشركاتالصرافة بالتلاعب.مشكلة طباعة العملةيرى الحوثيون أن المشكلة في وجود سعرين مختلفين للصرف هو نتيجة قيامالحكومة الشرعية في عدن "بطباعة 1.72 تريليون ريال"، دون اي غطاء نقدي منالعملات الأجنبية، وتصف اللجنة تلك النقود "بالعملة غير القانونية"، وذلكمنذ إقرار نقل البنك المركزي إلى عدن.واعتبر الحوثيون أن الخطوة أوجدت تضخماً في العملة بما أدى إلى إنهيارأسعار صرف الريال اليمني، وهو ما دفعهم لاتخاذ قرار منع تداول العملةالجديدة المطبوعة من قبل البنك في عدن.وشددت المليشيات على أن الحل للأزمة المصرفية التي تعيشها البلاد يتمثلفي "تحييد الاقتصاد وعدم استخدامه كورقة في الحرب من قبل أي طرف"، وهو مايتحقق "بوقف السياسات الاقتصادية المدمرة التي تتخذ بشكل متعمد على رأسهاطباعة العملة".إجراءات حكوميةوفي ظل اتهامات الحوثيين للحكومة الشرعية، ترى هذه الأخيرة أن المليشياتالانقلابية تتعمد الإضرار، وأن مسئولية التفاوت في أسعار الصرف تتحملهالقرارات المالية التي اتخذها الحوثيين.وتؤكد مصادر اقتصادية حكومية أن قدرة الحوثيين على استقرار وانخفاض أسعارصرف الريال مقابل العملات الأجنبية في مناطق سيطرتهم، مقارنة بأسعارالصرف في مناطق الحكومة يعود إلى إلى إدارة الحوثيين أموالاً وأسواقاًنشأت بفعل الحرب، وتدور أعمالها خارج الأطر الرسمية، ولديها دورات ماليةخاصة بها لا تخضع للدورة المالية الرسمية.ويرى اقتصاديون تابعون للحكومة أن هناك إجراءات حكومية مرتقبة يمكن أنتشكل تهديداً حقيقياً يواجه الحوثيين، وتنذر بسحب الأفضلية منهم، ومن ذلكتنفيذ قرار البنك المركزي في عدن الإلزامي بفتح الاعتمادات لاستيرادالبضائع الحيوية مثل الوقود والمواد الاستهلاكية الأساسية من أغذيةوأدوية، في حساباتها لديه، وإلزام البنوك التجارية بتوريد أثمان هذهالبضائع في حساباتها لديه.وأعلن البنك المركزي في عدن، قبل عامين، عن استئناف تمويل واردات السلعالأساسية، استناداً إلى وديعة سعودية بملياري دولار، وربط عملية فتحالاعتمادات بالمصرف المركزي التابع للحكومة، موجهاً الشركات المستوردةبالتعامل المباشر معه إذا أرادت فتح اعتمادات لاستيراد المواد الأساسية.إضافة إلى منع دخول السفن التي تحمل سلعاً ومشتقات نفطية، ولا تملكاعتمادات أو مستندات عبر البنك المركزي اليمني في عدن، الأمر الذي تسببفي تهديد حقيقي لمصالح كبار التجار ورجال الأعمال الموالين لجماعةالحوثي.فشل مؤسسي من الطرفينيقول رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر: إن استمرارالانقسام في السياسة النقدية في اليمن يمثل مشكلة كبيرة بين بنكينمركزيين، بما "ينعكس بشكل مباشر" على حياة المواطنين اليمنيين الذينيدفعون فارق العملة من مداخيلهم.ويضيف نصر في تصريحات صحفية: "صحيح أن البنك المركزي في صنعاء غير معترفبه دولياً أمام المؤسسات الدولية المالية وغير قادر على طباعة عملةوغيرها، ولكن أيضاً بحكم سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة بقوة السلاح"،فإنهم "قادرون على ممارسة سلطة على أرض الواقع وبالتالي التأثير على هذهالسياسة" بما يلقي بظلاله "بصورة مباشرة على سعر الريال وعلى الوضعالمالي والاقتصادي عموما".ويرى نصر أن "سبب فارق التحويل هو القرار الذي تم اتخاذه من قبل جماعةالحوثي بعدم التعامل بالفئات النقدية الجديدة"، ويقول إن "هذا القرارنتجت عنه فوارق ما بين العملتين وخلف حالة انقسام واضحة بين عملة قديمةوعملة جديدة بقيمتين مختلفتين وأصبحنا وكأننا أمام عملتين مستقلتين عنبعضهما وبقيمتين مختلفتين وهنا تكمن الاشكالية الكبيرة".كما يعتقد مصطفى نصر أن "الحكومة الشرعية ساهمت في هذا التدهور من خلالطباعة كميات كبيرة، وبالتالي خلقت التضخم في سعر العملة المحليةوالمضاربة فيها".وحمل رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الطرفين مسؤولية تدهور قيمةالعملة ويقول: "هناك جوانب قصور كبيرة واختلالات في إدارة السياسةالنقدية والمالية، ونشهد حالياً حالة فشل في أداء المؤسسات الرسميةالحكومية، وهي تتحمل جزء من المسؤولية وأيضاً طرف الحوثي ساهم في تدهورالريال منذ عام 2015".بداية توافق شاملالتحركات التي طالت الجانب الاقتصادي، تعطي مؤشرات لدى بعض المراقبينالمتفائلين، الذين يعتقدون أن هذه الخطوات التوافقية التي قد تجمعالحوثيين بالحكومة يمكن أن تقود إلى مزيد من التوافق حول ملفات أخرى أكثرتعقيداً.حيث يعتقد مراقبون أن تجاوز بنود التوافق الاقتصادي في مسودة "الإعلانالمشترك"، والنجاح المتوقع حدوثه في إيقاف تدهور أسعار الصرف، قد يؤديإلى توافق سياسي، وربما عسكري؛ لإنهاء الحرب والأزمة اليمنية.وتبدو فرصة كهذه مواتية للفرقاء اليمنيين، خاصةً وأن الأجواء الدوليةوالمتغيرات العالمية الأخيرة، قد تدفع المجتمع الدولي للتعجيل في اقتناصأية فرصة لإيقاف المأساة الإنسانية في اليمن، جراء استمرار الحرب.ولعل التوافق في توحيد الجهود المالية والمصرفية، قد يقود إلى توافقعسكري وسياسي يضع حداً للأزمة اليمنية.ما ينتظره المواطنوبعيداً الاتهامات المتبادلة بين الحكومة الشرعية والمليشيات الانقلابية،ينتظر المواطن ما ستنتج عنه التحركات الأممية لتوحيد البنكين المركزيينفي عدن وصنعاء.حيث توقع مراقبون أن يكون هناك توجه لضبط سعر الدولار مقابل الريالاليمني بـ700 ريال، مرجحة تسهيل الحوثيين هذه الترتيبات وإتمامها خلالالأيام القادمة، مشيرة إلى أن النقاشات ستتم عبر دائرة تلفزيونية.وهو ما ينتظره المواطن اليمني في كل مكان شمالاً وجنوباً، حتى تستقرأسعار الصرف، وبالتالي أسعار المواد الغذائية التي ارتفعت ارتفاعاًقياسياً.ووصل سعر الدولار مقابل الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة إلى 870ريالاً؛ مع تخوفات من تجاوزه حاجز الألف ريال إذا استمر الانهيار بهذهالطريقة؛ وعدم وجود خطط إنقاذ عاجلة، في حين توقف سعر الدولار مقابلالريال عند حاجز الـ600 في مناطق سيطرة الحوثيين، خلال الأيام الماضية.غير أن التحركات الأخيرة يمكن لها توقف هذا التدهور الذي يعاني منهالريال اليمني، وهو الأمل الذي يتشبث به المواطنون اليمنيون.