آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-08:22م

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. كيف تحولت واقعة المخدرات المضبوطة بالميناء إلى قضية رأي عام بعدن؟

الأربعاء - 28 أكتوبر 2020 - 03:58 م بتوقيت عدن

(تقرير).. كيف تحولت واقعة المخدرات المضبوطة بالميناء إلى قضية رأي عام بعدن؟

(عدن الغد)خاص:

ما مصير الكميات المصادرة من المخدرات وماذا قالت النيابة الجزائية بعدن

عن الواقعة؟

كيف تعاملت السلطات الأمنية مع الحادثة وكيف كانت ردود فعل النخب العدنية
والناشطين؟

لماذا استاء موظفو ميناء الحاويات من التواجد الأمني؟

هل هي جريمة "منظمة"؟

ميناء عدن.. منفذ حيوي أم بؤرة سموم؟!

القسم السياسي (عدن الغد):

تحولت حادثة ضبط كمياتٍ مهولة من المخدرات في ميناء الحاويات بعدن، ليلة
أمس الأول، إلى قضية رأي عام محلي كبيرة، حيث لاقت أصداء قوية في الشارع
اليمني عموماً، والعدني خصوصاً.

لم يكن خافيًا على الكثيرين تغلغل المخدرات والحبوب بأنواعها في مدينة
عدن، منذ ما قبل حرب 2015، واستهداف مروجيها لشباب المدينة وحتى أطفالها،
غير أن الحادثة الأخيرة كشفت أن العملية تبدو وكأنها "منظمة".

فالكميات المهولة المضبوطة، وحرص الأطراف الأمنية والعسكرية المتواجدة في
عدن على التدخل في القضية، والمعلومات التي تكشفت في الساعات الأخيرة
التي تلت عملية الضبط، كلها تشير إلى أن القصة أكبر من مجرد عملية ضبط.

وإذا علمنا أن المُسَلَّمة البديهية في العلوم الأمنية تقول إن وراء كل
عملية كشف مواد مهربة هناك 90 % من العمليات المماثلة تمر مرور الكرام،
دون كشفٍ أو ضبط، عندها يتضح حجم الكارثة التي تواجهها عدن.

ولعل ما يخفف من سوداوية وكارثية المشهد، أن تكون عدن مجرد ترانزيت
لعمليات التهريب الخاصة بالمخدرات، عطفاً على الحالة المادية لمواطنيها
وعدم قدرتهم على اقتناءها أو تعاطيها، فما تعانيه المدينة يجعلها في غنى
عن مزيد من المعاناة.

وهو ما أوضحته ردود الفعل المختلفة تجاه الحادثة، منذ الساعات الاولى
لوقوعها، والتي شكلت صدمةً كبيرة لمواطني عدن ونخبها عامةً.

تفاصيل الحادثة

وفق مصادر في ميناء عدن للحاويات، فإن السفينة (باولة) كانت محتجزةً
وممنوعةً من الدخول إلى غاطس ميناء الحاويات، منذ أيام؛ بسبب عدم حصولها
على تصريح، وظلت على حالتها تلك حتى يوم الإثنين الماضي.

حينها تم السماح لها بالدخول بهدف تفتيشها، وليس لتفريغ حمولتها، والتي
كانت على أنها شحنة ضخمة من السكر قادمةً من البرازيل، وفق مصادر ملاحية
بميناء الحاويات أفادت بذلك (عدن الغد).

وفور تفتيشها، والذي قالت مصادر أمنية إنه جاء وفق توجيهات من قيادات في
إدارة الأمن لم تفصح عن هويتهم، تم اكتشاف كميات من المخدرات، تضاربت
الأنباء عن طبيعتها ما بين الحشيش والهيروين الأبيض، والكوكايين.

كما تضاربت الأنباء حول الكمية الحقيقة التي تم ضبطها وتحريزها، ففي
بداية المعلومات الواردة كانت الكمية عبارة عن ثلاثة أطنان من المخدرات،
بينما لاحقاً وحين تم مصادرة الكمية قيل إنها لم تتجاوز 250 كيلو جراما!.

خلافات أمنية

وكانت (عدن الغد) قد علمت من مصادرها الخاصة أن خلافاتٍ نشبت مساء
الاثنين بين قوات من التحالف العربي وقوات تابعة لأمن عدن.

وبحسب المصادر فقد نشب الخلاف بين الطرفين مساء الإثنين على خلفية الجهة
المخولة بأحقية تحريز ومصادرة كميات المخدرات المضبوطة، والتي تم
اكتشافها في عدد من الحاويات المحملة بالسكر.

ولاحقاً أكدت مصادر في الميناء أن النيابة العامة تسلمت صباح يوم
الثلاثاء كميات من (الحشيش) تم ضبطها في ميناء عدن على متن سفينة أجنبية،
كانت داخل 15 حاوية محملة بالسكر.

كما علمت صحيفة (عدن الغد) أن قواتٍ من أمن عدن سلمت الشحنة إلى النيابة العامة.

وكان خلاف قد نشب خلال ساعات المساء الأخيرة بين قوات سعودية وقوات تابعة
لأمن عدن حول الجهة التي يمكن لها تحريز هذه الكميات.

حيث أصرت قيادات من التحالف بداية الأمر على تحريز الكمية بمقر التحالف،
إلا أن قوات أمن عدن رفضت ذلك؛ لتنشب مشكلة بين الطرفين، انتهت بالتوافق
على عدم حيازة أي من الطرفين الشحنة المضبوطة، وتسليمها إلى النيابة
الجزائية المتخصصة، وهو ما تم لاحقاً.

وأوصلت قوات أمن عدن الشحنة المضبوطة إلى النيابة العامة، حيث تم تسليمها
هناك، بحسب الاتفاق مع القوات السعودية.

تفتيش الحمولة منذ ثلاثة أيام

وكان مصدر قضائي في النيابة الجزائية المتخصصة بعدن قد أكد أن النيابة
تحركت إثر تلقيها بلاغاً من إدارة مكافحة المخدرات في عدن عن وجود كمية
من المخدرات يجري العمل على إدخالها إلى البلاد في شحنة سكر مكونة من 15
حاوية قادمة إلى مينا عدن من دولة البرازيل، وعبر إحدى موانئ الدول
المجاورة على متن إحدى السفن.

وأضاف المصدر القضائي لـ(عدن الغد) أنه وبناءً على توجيهات النائب العام
انتقل رئيس ووكيل النيابة إلى ميناء عدن، وباشرت النيابة الإشراف على
التفتيش الذي استمر ثلاثة أيام متواصلة لمحتويات الحاويات المبلغ عنها،
بحضور خبراء المخدرات وعدد من الجهات الضبطية ومندوب من التحالف.

وهو ما يشير إلى أن المعلومات عن احتواء الحاويات على المخدرات كان قبل
الكشف إعلامياً عن الحادثة، وبأيام عديدة.

وأكد المصدر بأن عملية التفتيش أسفرت عن وجود 250 كيلوجراما من المواد
المخدرة كانت مخبأة في إحدى الحاويات بين محتوياتها من السكر، والتي تفيد
نتائج الفحص الأولي أنها من مادة (الكوكايين) المخدر.

وأشار المصدر القضائي إلى أن النيابة العامة قررت تحريز هذه الكمية على ذمة القضية.

كما أفاد المصدر بأن النيابة العامة وجهت باستكمال التحقيق مع المتهم
الموقوف على ذمة القضية، وأمرت بعدم مغادرة طاقم السفينة التي ضبطت
المخدرات على متنها، واستدعاء مسؤول شركة الخط الملاحي الناقل، لسماع
أقوالهم.

وسيتم استكمال كافة اجراءات التحقيق والإحالة الى المحكمة المختصة، بحسب النيابة.

وكشف المصدر القضائي عن أدوارٍ لعبها محافظ عدن، وأمن المحافظة وجهاز
مكافحة الإرهاب والمخدرات وهيئة موانئ خليج عدن، والتحالف العربي، على ما
قدموه من تعاونٍ وبذل من جهود أثناء سير الإجراءات الضبطية في الواقعة.

التحقيق في الحادثة

إلى ذلك قال مصدر في مكتب النائب العام: إن السلطات المختصة في النيابة
الجزائية بدأت التحقيق يوم الثلاثاء مع عدد من المتورطين في قضية شحنة
السكر المحملة بالمخدرات.

وقال المصدر في إفادة لصحيفة (عدن الغد): إن النيابة باشرت التحقيق مع
وكيل المكتب الملاحي ومالك الشحنة المستوردة، بالإضافة إلى عدد من
المسئولين عن السفينة التي أقلت الشحنة.

وأكد المصدر أن التحقيقات لا تزال جارية بهذا الخصوص، موضحاً أنه سيصدر
بيان رسمي في هذه القضية للرأي العام.

وجدد المصدر تأكيده أن المواد المضبوطة ما زالت محتجزةً لدى النيابة الجزائية.

الأهداف الخفية

لاقت هذه الحادثة الكثير من الأصداء وردود الفعل الغاضبة، بل أنها هزت
المجتمع العدني، وجعلت أهالي المدينة يضعون أياديهم على قلوبهم، نتيجة
المخاوف من انتشار المخدرات في أوساط أبناء المدينة وشبابها، بهذا الشكل
المخيف.

ولا يستبعد مراقبون أن تكون المليشيات الحوثية هي من تقف وراء مثل هذه
الأعمال، بدافع من داعميها الإيرانيين، خاصةً أن محاولاتهم تهدف إلى
تغييب وعي الشباب، ممن قاوموا المشروع الحوثي الإيراني في عدن، وطردوا
مليشياتها في معركة تحرير المدينة.

وما يؤكد هذا الطرح وجود أحد التجار اللبنانيين المنتمين لحزب الله من
ضمن قوام المتهمين المضبوطين العاملين في طاقم السفينة التي تم تحريزها
وعلى متنها كمية المخدرات المصادرة.

وهو ما يشير إلى استمرار أدوات إيران في المنطقة العربية بتنفيذ سياستها
التدميرية والتخريبية في اليمن، بإشراف وتنسيق مع مليشيات الحوثي
الانقلابية.

إلا أن استمرار التحقيقات مع طاقم السفينة والمتورطين في تهريب الشحنة،
سيسهم في الكشف عن العديد من الملابسات، والتي لا يمكن أن نستبقها إلا
عقب الانتهاء من التحقيقات، فلسنا هنا بصدد تقديم أي تحليل، ولكن مجرد
استعراض أحداث ومستجدات الساعات الماضية.

أصداء وردود فعل

علقت المحامية العدنية والناشطة الحقوقية، هدى الصراري، على ضبط الأجهزة
الأمنية يوم الإثنين 3 أطنان حشيش ومخدرات في حاوية سكر بميناء العاصمة
المؤقتة عدن، متسائلةً عمن يقف وراء تهريب هذه المخدرات إلى عدن.

وقالت الصراري في تدوينة لها نشرتها على حائط صفحتها بتويتر، رصدتها (عدن
الغد): السؤال موجه إلى موانئ عدن: من المسؤول عنها؟.

وأضافت: هذه ليست المرة الأولى في محاولة إغراق مدينة عدن بالمخدرات،
"فهناك سوابق".

وأشارت الصراري إلى أن هذا العبث والإجرام يجب أن يٌحال للنيابة الجزائية
والجهات الضبطية المسؤولة لكشف الجناة ومن يقف وراءهم ويدعمهم.

بينما أكد السياسي اليمني عادل دشيلة أن السواحل والموانئ والجزر خرجت عن
السيطرة اليمنية.

وقال دشيلة: إن القوى الإقليمية والدولية هي المسيطرة على السواحل
والموانئ والجزر اليمنية، مبيناً أن اليمن فقدت السيطرة عليها.

وأضاف: "خرجت السواحل والموانئ والجزر عن سيطرة الجمهورية اليمنية،
وأصبحت القوى الإقليمية والدولية هي المسيطرة!".

وبين دشيلة أن ذلك يمثل تهديداً خطيراً لا ينبغي السكوت عنه".

كما قالت الناشطة الحقوقية العدنية عفراء حريري: "إنها تخشى أن تتعرض
الكميات المضبوطة من مادة الكوكايين والحشيش التي تم ضبطها بميناء عدن
للسرقة"، وطالبت "بضرورة إتلافها فوراً".

وأضافت: "الشعب لا يحتاج إلى هذه الكمية من الكوكايين، والقتال من أجلها،
ثم ترحيلها إلى النيابة الجزائية، وبعد ذلك سنسمع بأنها سرقت أو تم
الاستيلاء عليها، وكل جهة أمنية ستتهم الأخرى، وكل مكون سياسي سيتهم
الآخر بإخفائها وبيعها أو تهريبها".

وأكدت الحريري: لم نصح بعد من كثرة الصدمات المتتالية التي حلت بنا
والإرهاصات والاخفاقات والحروب والاشتباكات والصراعات والحوادث والبنى
التحتية المعدومة.

وتابعت: "كل هذه الكمية من الكوكايين داخل حاويات يتم إدخالها إلى
الميناء، هكذا بدون أدنى حياء، وبدون ذرة إنسانية أو أخلاق، أدركت الآن
لماذا أهملت الحكومة الشرعية دخول ميناء عدن إلى طريق الحرير الصيني؟
واستوعبت لماذا يتصارع طرفا اتفاق الرياض على وزارة النقل".

واختتمت المحامية عفراء الحريري حديثها بالقول: "أبلغوهما بأننا ميتون
منذ زمن، والتمثيل بالجثث حرام!".

ميناء عدن.. إلى أين؟

يرى مراقبون أن الحادثة كشفت تفاصيل لم يكن المواطن العدني يعلم عنها
شيئاً، حول سير العمل في ميناء عدن.

فبحسب بيانٍ صادر عن موظفي محطة حاويات ميناء عدن، تلقت (عدن الغد) نسخةً
منه، أدان موظفو الميناء بكل عبارات الإدانة والاستنكار التصرفات
المحسوبة على بعض الجهات الأمنية وبعض الأفراد المنتسبين لهذه الجهات
الأمنية.

وقال البيان: إن الجهات الأمنية تتدخل وبشكل سافر في شؤون العمل الملاحي
في محطة حاويات ميناء عدن، وأن هذا التدخل يعيق العمل الملاحي ويكسر كل
الأنظمة والإجراءات واللوائح المنظمة لعمل محطة الحاويات في إطار
القوانين المحلية وقوانين الملاحة الدولية.

وربط البيان العمالي توقف نشاط ميناء الحاويات حالياً في خدمة السفن
الزائرة المتواجدة في الرصيف، باستمرار صراع الجهات الأمنية المرابطة في
ميناء الحاويات فيما بينها حول المخدرات التي تم ضبطها، وتحول ميناء
الحاويات إلى ما يشبه ثكنة عسكرية خلقت الرعب والهلع لعمال الميناء،
وأصبح تواجدهم يشكل خطورة بالغة.

وناشد العمال في بيانهم كل الجهات الأمنية والقيادة السياسية للبلد،
ومحافظ محافظة عدن ضرورة التدخل العاجل وتنظيم الوجود الأمني في ميناء
عدن بما لا يسئ للعمل الملاحي ويسيئ إلى ميناء عدن الذي يُعد البوابة
التي من خلالها نستطيع أن ننهض بالمدينة.

ودعا العمال والموظفون في ميناء عدن إلى الميناء لا ينبغي أن يكون عرضة
للفوضى بذريعة الأمن.

واعتبر الموظفون أن تصرفات وطريقة تدخل الجهات الأمنية عبر بعض منتسبيها
إلى ميناء الحاويات يسيئ لعدن ومينائها العريق، ويبعث رسالة بأن المدينة
وميناءها غير آمنين للنشاط الملاحي والاستثماري.

وأضاف البيان أن هذه التصرفات تناقض المساعي الحميدة لمحافظ محافظة عدن
والتي تعمل على بعث الحياة مجدداً للمدينة، بينما هناك من يعمل على عكس
ذلك، ويسعى نحو إفشال كل أعمال استتاب الوضع الأمني والسياسي واستعادة
النشاط التجاري لعافيته.

وأشار موظفو الميناء في بيانهم إلى جملة من الممارسات التي لم تكن وليدة
حادثة ضبط المخدرات، ولكنها كانت مستمرة منذ فترة، وعرقلت عمل ميناء عدن
خلال السنوات الماضية.

ومن تلك الممارسات أن الجهات الأمنية أصبحت هي من تحدد دخول وإرساء
السفن، بما يتناقض مع إجراءات العمل المعمول بها في الميناء بل والعالم
أجمع.

كما كشفت إلى أن التدخل الأمني أصبح ذريعة لتنفير رأس المال المحلي
والعالمي بحجة الأمن القومي واليقظة الأمنية.

وبات فتح حاويات الخطوط الملاحية عادة من قبل الجهات الأمنية دون أتباع
إجراءات العمل المعمول بها عالمياً، كما أصبحت المظاهر العسكرية سمة في
محطة حاويات ميناء عدن والتي من المفروض أن يحكمها قانون المنطقة الحرة.

واختتم بيان العاملين في ميناء عدن بعدم اختلافه مع متطلبات أخذ الحيطة
والحذر الأمني والتي تتطلبها المرحلة الراهنة، لكن تحت مظلة القانون
والإجراءات الصحيحة التي تتنافي مع الارتجالية والفوضى المتمثلة
بالتصرفات الحالية.

وكان مصدر عمالي في الميناء قد قال إن اللجنة النقابية أصدرت تعميماً
يقضي بعدم حضور العمال إلى الميناء؛ بسبب حالة التوتر بين الطرفين، وفي
صباح اليوم التالي ألغت اللجنة العمالية تحذيرها ودعت العمال والموظفين
للحضور إلى الميناء، على خلفية التوتر الأمني الذي شهده الميناء.

ختاماً

يعتبر ميناء عدن شريان المدينة وقلبها النابض، وأبناء عدن لا يشترطون أن
يعود الميناء إلى سابق عهده قبل نحو ستين عاماً، ولكنهم يتمنون الحد
الأدنى من النشاط التجاري والاقتصادي الذي يوفر للمدينة عيشها الكريم.

أما أن يتحول هذا المنفذ الحيوي إلى بؤرةٍ لولوج السموم والمخدرات
والممنوعات بكافة أشكالها؛ لتدمير حياة أبنائها، فهذا ما يشكل خطراً
محدقاً بالمدينة، ويتوجب على القائمين عليها وضع حدٍ لهذه العمليات
المرعبة.