آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-02:36ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. هل تأخير تشكيل الحكومة يعطي مؤشراً على عدم استقرارها مستقبلاً؟

الإثنين - 26 أكتوبر 2020 - 09:56 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. هل تأخير تشكيل الحكومة يعطي مؤشراً على عدم استقرارها مستقبلاً؟

(عدن الغد)خاص:

ما هي أسباب الاختلاف والتأخير في إقرارها؟

هل سيواجه الانتقالي مشكلة مع أنصاره وما موقف الحكومة أمام مؤيديها؟

ما هو مصير البنود الشائكة في اتفاق الرياض؟

ما موقف المواطنين من التفاهمات الجارية وما الذي يهمهم؟

بعد التوافق عليها.. ما مستقبل الحكومة الجديدة؟

تقرير / بديع سلطان:

 

يوشك اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي
الجنوبي، على ولوج عامه الأول دون أن تنفذ أبرز بنوده وأهمها.

فالاتفاق الذي وقعه الطرفان مطلع نوفمبر 2019، ما زال مجرد حبر على ورق،
وما زالت بنوده الشائكة تأبى أن تتحول إلى واقع.

فالحكومة التي نص الاتفاق على تشكيلها ما برحت تواجه عقبات وصعوبات
للخروج إلى بر الأمان، وما فتئ المتصارعون يضعون أمام بعضهم البعض
العثرات تلو العثرات.

بينما يواجه البسطاء في داخل اليمن أوضاعاً وظروفاً مأساوية وكارثية،
يكابدون فيه معيشةً ضنكاً، ويرنون بآمالهم نحو الإسراع في تشكيل الحكومة
المرتقبة؛ حتى تنتشلهم من أوضاعهم وظروفهم المتردية.

وفي ظل هذا الوضع من المخاضات التي تواجه إعلان الحكومة الجديدة،
والخلافات التي تعصف بمصير الحكومة، والمستمرة منذ نحو عام، تبدو مهمة
الخروج إلى بر الأمان صعبة.

مكمن الصعوبة يتمثل في المحاصصة التي فرضها اتفاق الرياض، وتشكيل حكومة
(ائتلافية)، خاصةً وأن الساحة السياسية في اليمن مليئة بتناقضات المكونات
الحزبية وذات المطالب الحقوقية، والتي تتصارع فيما بينها.

آخر مستجدات المشاورات

كل يوم تخرج لنا وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية المتتبعة لمجريات
نتائج المشاورات الحكومية في الرياض، بتطورات جديدة حول ما يدور في
كواليس التفاهمات الجارية بين الفرقاء اليمنيين في العاصمة السعودية.

وآخر المعلومات تفيد بأن ثمة توافق حول توزيع الحقائب الوزارية بين
المكونات والأحزاب اليمنية، بما الحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي
وفصائل الحراك الجنوبي، جنباً إلى جنب مع أحزاب الإصلاح والمؤتمر الشعبي
العام، وأحزاب الاشتراكي والناصري والرشاد السلفي، بالإضافة إلى مؤتمر
حضرموت وممثلي سقطرى والمهرة.

مصادر حكومية كشفت عن توصل كافة تلك الأطراف إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل
الحكومة الائتلافية الجديدة، بما في ذلك عملية توزيع حقائبها على الأحزاب
والكيانات المختلفة وأن إعلان تشكيلها أصبح قاب قوسين ومتوقع صدور قرار
جمهوري بالتشكيلة الحكومية في أي لحظة.

وأوضحت المصادر أن أحزاب المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري والرشاد
والبناء والتنمية بالإضافة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، والمكونات
الحراكية اتفقوا على عملية التوزيع للوزارات الحكومية.

وأن عملية التوزيع المقررة لكل طرف ومكون منهم يتم وفقاً لآلية تسريع
تنفيذ اتفاق الرياض التي أطلقتها السعودية أواخر يوليو الماضي.

وفي الوقت الذي تسارعت فيه أخبار استكمال توزيع الحقائب الوزارية، بحسب
تسريبات إعلامية خلال اليومين الماضيين، إلا أن التقارير المتعلقة بوجود
خلافات ما زالت تتوالى أيضاً من الرياض.

وما زالت المعلومات الواردة حول التوزيع الوزاري والتي انتشرت في وسائل
الإعلام مؤخراً تتعرض للتغيير؛ عطفاً على ما يضرب التشكيل التوافقي من
خلافات وعدم اتفاق على شكل التوزيع الذي لم يكتمل بعد.

مصير الحكومة؟

أخبار هذه الخلافات حول التشكيل الوزاري تترافق مع أنباء التوافق، في
تضارب وتناقض واضح حول مصير الحكومة.

حتى أن هذا الوضع الذي تعيشه الحكومة وما يتعلق بتشكيلها من تأكيدات أو
نفي، يجعل مصيرها محفوفاً بالمخاطر والصعاب.

حيث يعتقد محللون أن الاختلافات التي تسببت بتأخير الانتهاء والإعلان عن
تشكيل الحكومة، يمكن أن تنسحب على واقع عمل ومهام الحكومة، حتى بعد أن
يتم الإعلان عن قوامها ومباشرة واجباتها تجاه المواطنين.

فالتنوع الذي يمكن أن تتسم به الحكومة المقبلة، والذي وإن بدا وكأنه تنوع
وتعدد صحي، إلا أنه ينطلي على قدر كبير من التناقض والخلافات التي يمكن
أن تستمر بعد الانتهاء من تشكيلها.

وهو ما يتخوف منه الكثير من المراقبون، من إمكانية أن تنعكس هذه
الاختلافات التي تعيشها الحكومة الجديدة في مراحل ولادتها الأولى على
أداءها المستقبلي، وبالتالي تتأثر آمال وتطلعات المواطنين المعلقة على
هذه الحكومة.

فهناك العديد من المحاذير التي نشأت نتيجة المشاورات الماراثونية التي
جرت في الرياض، والتي عكست طبيعة علاقة كل طرف ومكون مع الطرف الآخر، وهو
ما يخشاه كثيرون من أن تؤثر هذه العلاقة غير المستقرة على بقاء الحكومة
واستمراريتها.

فليس المهم هو الإعلان عن تشكيل الحكومة أو التوافق المبدئي على حصصها
وحقائبها الوزارية، ولكن الأهم من كل ذلك هو أن يستمر هذا التوافق وتكامل
العمل بين مختلف المكونات، مهما بلغت درجة خصوماتها وتناقضاتها.

حيث أن خدمة الجماهير، وتوفير متطلبات واحتياجات المواطنين، وانتشال
الأوضاع المعيشية والاقتصادية من ترديها المتواصل، والنجاح في ذلك هو
المحك الحقيقي.

وأكثر من يتحمل هذه المسئوليات الخدمية هما مكونا حكومة الشرعية اليمنية
والمجلس الانتقالي الجنوبي، اللذان يقفان في موقف المحاسبة أمام أنصارهما
ومؤيديهما.

ما الذي ينتظر الانتقالي؟

يرى كثير من المراقبين أن المجلس الانتقالي أكبر المستفيدين من هذه
الحكومة المرتقبة، كونه استطاع انتزاع اعتراف حكومي وإقليمي ودولي
باعتباره مكونا وفصيلا سياسيا يتم التعامل معه بكل رسمية وقانونية.

بينما يعتقد آخرون أن المجلس الانتقالي لم يحقق شيئا سوى أنه سيكون جزءاً
من الحكومة الشرعية، وسيتعامل بحسب المراسيم التي تسيّر عمل الحكومة
اليمنية، ويجب عندها ألا يخرج عن إطارها أو مواقفها الرسمية.

وفي ظل هذا الاختلاف يبقى المجلس الانتقالي مرهونا بحكم أنصاره ومؤيديه
على أعماله وأدائه، وما يمكن أن يحققه في هذه الحكومة المرتقبة، خاصةً
وأن الانتقالي سيكون حينها جنباً إلى جنب مع مكونات عديدة يختصم معها ولا
تمر علاقته بها بأحسن الأحوال.

فهو الآن يعتبر جزءاً من حكومة طالما اتهمها بالفساد، ومكونات وأحزاب
طالما نسب إليها تهم الإرهاب والتطرف مثل حزبي الإصلاح والرشاد، بالإضافة
إلى خصومات الانتقالي مع حزب النظام السابق الممثل في المؤتمر الشعبي
العام.

ومن المؤكد أن هذه المعضلات ستشكل مشكلة بين المجلس الانتقالي وأنصاره
ومواليه، بالإضافة إلى أنها من الممكن أن تمثل معضلة في تحقيق المجلس
لأهدافه وغاياته ووعوده لمؤيديه.

موقف الحكومة

في المقابل، لا يبدو موقف الحكومة اليمنية الشرعية بأحسن حال من موقف
الانتقالي تجاه مؤيديها وأنصارها، فالحكومة تتهم أيضاً بأنها قدمت
تنازلات عديدة من خلال استيعاب مكون يطالب بالانفصال عنها، ويناهضها في
مناطق سيطرتها ونفوذها.

بل إن أنصار الحكومة لا يجدون مبرراً لها من تقريب أحد الفصائل التي
قاومتها وطردتها من مدينة عدن، عاصمة الحكومة المؤقتة، ولهذا تتعرض
الشرعية للانتقاد من قبل مناصريها هي الأخرى.

وهذا ما يجعل أبرز المكونات الرئيسية التي ستتشكل منها الحكومة الجديدة،
ونقصد هنا (الشرعية والانتقالي) في مأزق حقيقي تجاه الاستحقاقات القادمة
المرتبطة بواجبات وأعمال ومهام الحكومة.

كما أن هذه المآزق قد ينتج عنها حالة من عدم الثقة بين الجانبين، يخشى
كثيرون من انعكاساتها على مستقبل هذه الحكومة التي ستتأثر مكوناتها- لا
محالة- بضغوط أنصارهم ومطالبهم التي قد لا تنتهي أبداً.

أزمة ثقة

وبناءً على كل ما مضى، تبدو القوى السياسية متحفظةً على إعلان التشكيل
الوزاري، بالنظر إلى الواقع الميداني الذي لا يوفر أرضية مناسبة لنجاح
بنود الاتفاق بشكل سلس، إضافة إلى تخوف بعض القوى من العمل مع شركاء جدد،
لم يكونوا ضمن قوام أي حكومة من قبل، ويقصد بهم الانتقالي والمكونات
الجنوبية والحراكية الأخرى.

ولهذا تم تسريب معلومات التوصل لاتفاق تشكيل الحكومة، حتى وإن لم يتم
الانتهاء منه بشكل كامل وأكيد.

ويعتقد سياسيون أن المعضلة الأساسية التي تعترض مسار تنفيذ اتفاق الرياض
وتشكيل الحكومة الجديدة؛ تكمن أساساً في وجود أزمة ثقة واضحة بين الأطراف
اليمنية.

حيث يطالب كل طرف الطرف المقابل بالبدء في تنفيذ الالتزامات الخاصة به،
كما تتباين في الوقت ذاته التفسيرات المتعلقة بالاتفاق، وهو ما يفسر
إصرار كافة الأطراف الموقعة على اتفاق الرياض في بياناتها السياسية على
أنها نفذت الجزء المتعلق بها من الاتفاق وأن الطرف الآخر هو من يعمل على
عرقلته.

وهو ما يتوقع أن يتكرر خلال عمل الحكومة الجديدة، وبالتالي التوقع بعرقلة
وتعثر أداءها الخدمة والتنموي الميداني، وهو ما يعني دق آخر مسمار في نعش
التوافق وحتى اتفاق الرياض نفسه، والانفتاح على كل السيناريوهات الخطيرة
الممكنة.

وتجلت ازمة الثقة تلك بين المكونات السياسية في عملية توزيع بقية الحقائب
الوزارية الخدمية، وللتي بقيت معلقة وتتهرب منها جميع المكونات، حيث ظلت
محل خلاف شديد، وهي وزارة الكهرباء، الاتصالات، والخدمة المدينة
والتأمينات.

وجميعها وزارات من الحجم الثقيل، المثقلة بالأعباء والمعوقات وتمس حياة
اليمنيين بشكل مباشر والتي تهربت العديد من الأحزاب والمكونات قبول أن
تكون إحدى هذه الوزارات من حصتها.

كما أن هناك العديد من الأحزاب والمكونات المقربة من الحكومة الشرعية
تطالبها بضرورة عودتها إلى الداخل اليمني لممارسة عملها من هناك بعيداً
عن سيطرة الأطراف الإقليمية على القرار الحكومي.

مصير البنود الشائكة

تبدو مهمة تشكيل الحكومة الجديدة أقل شأناً وصعوبةً من بنود أخرى، تمثل
"تفاصيل شيطانية" تضمنها اتفاق الرياض، تظهر أمامها عملية تشكيل الحكومة
أمراً هامشياً.

حيث يحذر مراقبون من أن الانتهاء من عملية تشكيل الحكومة لن يكون آخر
العراقيل أمام تطبيع الأوضاع في الجنوب، أو حتى التفرغ لمواجهة المليشيات
الحوثية في الشمال، فثمة أمور وقضايا أكثر سخونةً وتهديداً.

وهو ما يؤكده غير واحد من السياسيين في أن المشكلة الكبيرة التي ما زالت
عالقة ليس إعلان التشكيل الحكومي، وإنما عدم قبول الانتقالي الجنوبي
إخراج قواته المسلحة من محافظة عدن.

وفي ظل عودة الحكومة المتفق عليها إلى عدن، بعد الانتهاء من مشاورات
تشكيلها، لن تنتهي الصعوبات والمشكلات، وإنما سيبقي الوضع العسكري
والأمني الراهن على ما هو عليه حتى بعد التشكيل الحكومي، وفق ما يتوقعه
مراقبون.

حيث تسيطر قوات الانتقالي الجنوبي عسكرياً على عدن وما جاورها من
محافظات، منذ أغسطس 2019، وتمارس سلطة أمر واقع في تلك المناطق ولا تسمح
للأجهزة والمؤسسات الحكومية بممارسة سلطاتها المحلية والمركزية.

وهو ما يشكل تحدياً أمام الحكومة الجديدة، بل وأكبر التحديات، التي كانت
وراء عرقلة تنفيذ اتفاق الرياض منذ التوقيع عليه بداية نوفمبر من العام
الماضي، والذي كان قد تعثر تنفيذه على أرض الواقع إثر رفض المجلس
الانتقالي الجنوبي تنفيذ البنود المتعلقة بالجانب العسكري والأمني.

فقوة المجلس الانتقالي تكمن في امتلاكه السيطرة العسكرية الميدانية على
عدن، ولا يتوقع أن يتخلى الانتقالي عنها، حتى وإن أصبح شريكاً في الحكومة
الجديدة، بحسب رؤية مراقبين.

فالتوقعات تشير إلى أنه حتى في حال نجاح إعلان التشكيل الحكومي الجديد
فإن نجاح مهمته ستظل مرهونةً بمدى خروج قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من
محافظة عدن، والذي لا يوجد حتى الآن أية مؤشرات أو بوادر ملموسة لقبول
الانتقالي بذلك.

وبالتالي إمكانية انعكاس ذلك سلباً على مستقبل الحكومة الائتلافية،
وسيكون مصيرها مثل مصير الحكومة المنتهية صلاحياتها التي وصلت إلى طريق
مسدود مع المجلس الانتقالي قبل سيطرته على محافظة عدن، ناهيكم بعد سيطرته
الكاملة عليها وأصبحت تحت نفوذه الأمني والعسكري بدون منازع.