آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-02:59ص

ملفات وتحقيقات


تقرير: القيادات التاريخية للجنوب.. مصير يكتنفه الغموض

الأربعاء - 30 سبتمبر 2020 - 09:57 ص بتوقيت عدن

تقرير: القيادات التاريخية للجنوب.. مصير يكتنفه الغموض

(عدن الغد)خاص:

ما هي مآلات قيادات الجنوب التاريخية ومشاريعهم السياسية؟

هل أزاح اللواء الزبيدي قيادات الجنوب التاريخية؟

ما الذي نجح فيه الانتقالي والزبيدي.. وفشلت فيه بقية التيارات والقيادات؟

توقف الدعم الإماراتي.. هل سينهي مشروع الانتقالي؟

تقرير/ بديع سلطان:

مثلت معضلة "القيادة" الحلقة الأكثر تعقيداً في مسيرة الحراك الجنوبي
والمطالبين باستعادة الحقوق السياسية لجنوب اليمن.

حتى أن البعض يؤصل لهذه المشكلة ويُرجعها إلى عهد المشيخات والسلطنات
التي تبعثرت هنا وهناك على أرض الجنوب، ليصل عددها إلى أكثر من عشرين
سلطنة ومشيخة وإمارة.

في إشارةٍ إلى أن الجنوب لم يستطع يوماً أن يجتمع شمله تحت قيادةٍ واحدةٍ
تمثله وتتحدث باسمه بشكل جماعي.

حتى بعد استقلال جنوب اليمن المحتل من بريطانيا، وولادة الدولة الجنوبية،
لم يكن ثمة زعيم أو قائد أوحد، يركن إليه الجميع، فتم اللجوء إلى صيغة
"القيادة الجماعية"، وهي فكرة يسارية تبنتها أغلب الأنظمة الاشتراكية
والشيوعية في العالم.

ويبدو أن هذه المعضلة انعكست اليوم بشكل جلي في مسيرة الحراك الجنوبي
وتياراته وفصائله المتعددة، التي سارت على خطى عهد المشيخات والسلطنات
البائدة.

حتى بات لدى الجنوبيين أكثر من تيار حراكي جنوبي ينادي بالاستقلال وفك
الارتباط، ولكل فصيل من تلك المكونات قائد يختلف ويتعارض بتوجهاته ورؤاه
مع غيره من قادة بقية الفصائل الأخرى.

قد يقول قائل إن هذا التعدد والتنوع يعتبر صحياً ومطلوباً؛ لإحداث
الإثراء السياسي المطلوب، غير أن الحقيقة تكمن في طبيعة المرحلة التي
تحتم على الجميع التوحد تحت مظلة قيادة موحدة؛ تتحقق من خلالها الأهداف
وتنال عبرها الغايات.

والمشاهد لحال الجنوب اليوم، بل ومنذ 2007، حين اندلعت انتفاضة الحراك
الشعبي الجنوبي، يجد نفسه أمام قيادات متعددة ومتباينة، إلى درجة التناقض
أحياناً، سواء كانوا داخل البلاد أم خارجها.

الحراك.. بين البدايات والمآلات

مثل الحراك الجنوبي السلمي بصيص أمل للكثير من الجنوبيين لفك ارتباطهم من
دولة الوحدة اليمنية، التي رأوا أنها تحولت إلى دولة احتلال بعد حرب صيف
1994.

الإرهاصات الأولى للحراك كانت بصبغة حقوقية بامتياز، قادها المسرحون
العسكريون بعد أن ضاقت بهم الحال، وهي ضحية سياسة "خليك في البيت" التي
اتبعها نظام صنعاء المنتصر بعد حرب 1994.

غير أن هذه الإرهاصات سرعان ما اتخذت طابعاً سياسياً، وتحولت مطالبها إلى
مطالب سياسية تركزت حول فك الارتباط بدولة الوحدة، واستعادة دولة الجنوب
المستقلة قبل مايو 1990.

تبنى عددٌ من القادة الجنوبيين والمسئولين السابقين الرؤية السياسية
لمطالب الحراك الحقوقية، وعلى رأسهم القائد حسن باعوم، الذي لم يرض
بالبقاء في المنفى بعد حرب 1994، وعاد سريعاً ليواصل نضالاته ضد دولة
الوحدة منذ العام 1995 في مدينة المكلا، شرق البلاد.

ولم يكن ثمة قائد حينها يجرؤ على تزعم الاحتجاجات، سواء في الداخل أم في
الخارج، سوى باعوم، الذي دفع ثمن جرأته تلك بالاعتقال مراراً في سجون
نظام صنعاء.

ولم يسمع الجنوبيون بدعم أو مساندة قيادات الجنوب في الخارج التي نُفيت
منتصف تسعينيات القرن الماضي، إلا بعد مضي ثلاث سنوات على انطلاق الحراك
السلمي في الساحات والمدن الجنوبية.

تحرك نحو القيادة

عقب تسجيل الحراك الجنوبي السلمي حضوراً لاقتاً على الساحة الدولية،
خاصةً في الأروقة الدبلوماسية، بدأت عددٌ من القيادات التي طانت تتقلد
مناصب سياسية وحزبية في دولة الجنوب قبل الوحدة، تصعد إلى سطح المشهد
العام.

وخلال عامي 2009 - 2010، بدأت أسماء مثل: علي سالم البيض، علي ناصر محمد،
حيدر أبوبكر العطاس، عبدالرحمن الجفري، محمد علي أحمد، وصالح عبيد أحمد،
تحاول مزاحمة حسن باعوم على قيادة الحراك الجنوبي.

ويعتقد مراقبون أن الحضور الذي حققه الحراك السلمي العفوي في الجنوب، هو
ما دفع تلك القيادات للمسارعة إلى تبني مواقفه، والدفاع عنها في الدوائر
الدولية الخارجية.

غير أن تلك الشخصيات كان حضورها متفاوتاً، تماماً كما كان تأثيرها أيضاً.

فشخصية مثل علي سالم البيض، موقع اتفاقية الوحدة، وآخر رئيس للجنوب، لم
يسجل موقفه تجاه الحراك إلا متأخراً، في نهاية 2009، ومثله كان حضور
قيادي بحجم صالح عبيد أحمد، وزير الدفاع الجنوبي الأسبق، الذين ركزوا في
تحركاتهم على دولٍ أوروبية، للترويج لمشروعهم السياسي القادم.

حتى أن صحفيين كثراً انتقدوا في مقالاتٍ معنونةٍ بـ"صمت دهراً..." التدخل
المتأخر لقيادات كهذه في شأن مهم يتعلق بمصير شعب كانوا يحكمونه ذات يوم.

بينما كانت أنشطة قياديين أمثال حيدر أبوبكر العطاس، وعبدالرحمن الجفري
وعلي ناصر محمد، مبكرة، وبدأت حتى قبل الحراك السلمي الجنوبي بما يزيد
على العقد.

وتمثلت تحركات هذا الثلاثي في عقد الندوات واللقاءات الفكرية داخل عواصم
أوروبية وعربية عديدة، تحدثوا فيها عن الوضع في الجنوب واليمن عموماً.

حماس الجنوبيين

كان الجنوبيون في الداخل، والمشاركون في الحراك الجنوبي السلمي يتلقفون
أنباء تفاعل القيادات السياسية في الخارج مع مطالبهم، بشيءٍ من الحماس
والأمل.

غير أن ثمة الكثير من العوامل والأسباب منعت تلك الآمال من أن تتحول إلى
واقع ملموس.

ولعل أبرز تلك العوامل، بحسب آراء المحللين والمراقبين، أن القادة
المتفاعلين، سواء بشكلٍ سريع أو متأخر، لم يحظوا بتزكية أو تأييد
اللاعبين الخارجيين، كما أن حماس الجماهير الجنوبية في الداخل لم يؤثر في
موقف الدبلوماسية العالمية.

حتى ذهب أحد الكتاب السياسيين للقول حينها: "إن الحراك الجنوبي يحتاج إلى
داعمٍ خارجي، وقبول دولي بالمشروع السياسي والحقوقي الذي يحمله، حتى يحقق
أهدافه".

وقد كان هذا التحليل صائباً إلى حدٍ بعيد، بالنظر إلى واقع الحال اليوم،
مع وجود دعم إقليمي وخارجي لأحد المكونات الجنوبية المستحدثة.

ولهذا بقيَ أولئك القادة الذين سبق ذكرهم، تحت مسمى "تاريخيين"، وهي
الصفة التي ظلت لصيقةً بهم إلى اليوم، رغم أنهم استطاعوا تحريك الشارع
الجنوبي، وتقديم بعض العون للحراك الجنوبي في دوائر الدبلوماسية
الخارجية، والترويج لمشروعه دولياً.

إلا أنها بقيت مجرد محاولات، نظر لها الجنوبيون بشيء من التقدير، غير
أنها افتقدت للداعم والسند الخارجي.

لماذا لم تنجح القيادات التاريخية؟

يطرح محللون العديد من الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح القيادات التاريخية
في الجنوب، في تحقيق ما سعت إليه إرادة الحراك الجنوبي.

من تلك الأسباب المحتملة هو إمكانية عدم تقديم رؤية واقعية ممكنة التطبيق
للمعالجات والحلول، أو على الأقل ما هو ممكن ومتاح، ويكون بديلاً لخيار
فك الارتباط العنيف.

بالإضافة إلى إمكانية أن يكون اللاعبون الدوليون متأثرين بانقسام
القيادات على نفسها، وعدم إيمانها بتقديم رؤية موحدة، بعيداً عن تشبث كل
قائد بأنه المنقذ المناسب، ودونه لا يصلحون.

كما أن هناك سببا آخر يكمن في عدم تحمس العالم، وخاصة الدول الفاعلة،
لفكرة انفصال الجنوب، وإمكانية تواجد دولة جديدة في منطقة تثير تقلق
العالم واهتماماته.

وقد يكون هذا العامل الأخير، سبباً في تبرير عدد من المحللين لعدم تحقيق
أهداف وغايات الجنوبيين حالياً في ظل تواجد طيان موحد، يزعم أنه مفوض من
الشعب، ويمتلك قائداً سياسياً يحظى بالإجماع، وبدعم خارجي منقطع النظير،
لم يتحقق لغيره من القادة الجنوبيين.

الانتقالي.. أمل الجنوب

بعد عقدٍ كامل من مسيرة الحراك السلمي (2007 - 2017)، ومروره بتحدي الحرب
في 2015، تأسس كيانٌ سياسي جنوبي جديد، اعتقد الكثيرون أنه بداية الطريق
لتحقيق حلم الدولة الجنوبية.

خاصةً وأن هذا الكيان الوليد، المتمثل في المجلس الانتقالي الجنوبي،
تميّز بالكثير من الامتيازات التي افتقرت إليها الكيانات والتيارات
الجنوبية والحراكية الأخرى.

منها أنه يحظى بدعم إقليمي وخارجي من إحدى أهم دول المنطقة، وأحد أعضاء
التحالف العربي، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تستضيف غالبية
قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي.

بالإضافة إلى امتلاك هذا الفصيل الجنوبي الجديد لقائد اتفق عليه الجميع،
شعبياً ورسمياً، هو اللواء عيدروس الزُبيدي، بحسب آراء مناصري وموالي
المجلس الانتقالي.

ومن تلك الامتيازات ادعاء الانتقاليين أنهم مفوضون من قبل الشعب الجنوبي؛
لتحقيق وانتزاع مطالب الجنوب، في استعادة دولته وكافة حقوقه.

لهذا مثّل المجلس الانتقالي الجنوبي وقائده عيدروس الزُبيدي أملاً لدى
الكثير من الجنوبيين، أو هكذا يزعم الموالون والأنصار.

الزُبيدي.. كيف أزاح الجميع؟

يعتقد محللون أن ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي، وعلى رأسه اللواء عيدروس
الزبيدي سحب البساط من تحت تيارات ومكونات حراكية تاريخية، ودفعها نحو
الظل، بينما برز الانتقالي تحت الشمس.

ويستند هذا التحليل إلى زعم إعلاميي وأنصار الانتقالي بنجاح "المليونيات"
العديدة التي استطاع المجلس الانتقالي تحشيدها، والإعلان من خلالها أنه
مفوض شعبي وجماهيري بتبني المطالب الجنوبية.

وبهذا "التفويض الشعبي"، الذي يراه كثيرون أنه مزعوم، يكون الانتقالي قد
أزاح بقية التيارات الحراكية الجنوبية، المطالبة بانفصال الجنوب وفك
الارتباط عن دولة الوحدة.

كما أن ظهور الزبيدي قائدًا لهذا الكيان "المفوض"، يعني أنه قائد لكل
الجنوبيين، مزيحاً بذلك أيضاً كافة القيادات التاريخية التي تحدثنا عنها
وعن تاريخها في مساندة الحراك الجنوبي.

ولم يبق اليوم في الجنوب- بنظر الانتقاليين- سوى المجلس الانتقالي
الجنوبي، وعيدروس الزبيدي، كممثلين عن الجنوب وتطلعاته بالاستقلال!.

غير أن رأياً كهذا، لا يصمد طويلاً أمام مقارنة محللين لتاريخ الانتقالي
كمكون، وتاريخ بقية المكونات الحراكية والجنوبية الأخرى، كما أن تاريخ
الزبيدي نفسه لا يقارن بتاريخ عتاولة السياسة الجنوبية.

فما الذي يجعل الانتقالي ورئيسه الزبيدي ينال كل هذه الحظوة؟، ولماذا لم
يحقق المجلس ولا رئيسه حلم الجنوبيين في استعادة الدولة؟.

سر الدعم الخارجي

يرى مراقبون أن المجلس الانتقالي ما كان له أن يحقق السيطرة على الأرض

وما وصل إليه من مكاسب سياسية وعسكرية، لولا حصوله على ما لم تحصل عليه
كافة التيارات والمكونات الجنوبية الأخرى.

فالتيارات الحراكية والجنوبية لم تجد داعماً خارجياً يتبنى مطالبها ويحقق
أحلامها، بينما فاز الانتقالي بدعم ووقوف دولة الإمارات العربية المتحدة
إلى جانبه منذ الوهلة الأولى من تأسيسه منتصف عام 2017.

هذا الدعم الإماراتي للانتقالي كان سخياً، ولم يقتصر على الجوانب
السياسية، بل وصل إلى الدعم العسكري والقتالي، وتأسيس مكونات أمنية
وتشكيلات مسلحة موالية للمجلس.

كما أنها دعمت شخصية عيدروس الزبيدي، الذي بات قائداً ورئيساً للانتقالي
ولكل الجنوب، كما يشير أنصار الانتقالي ومؤيدوه.

ويبدو أن هذا الدعم هو سر البروز الظاهر للانتقالي على حساب بقية
المكونات والتيارات الحراكية القديمة، كما أنه سبب إزاحة الزبيدي
للقيادات التاريخية الجنوبية، وطمس أية بصمة لما دونه من الشخصيات
القيادية الأخرى.

لكن في المقابل يتساءل مراقبون: لماذا لم يساند أو يحقق هذا الدعم
الإماراتي الذي حظي به عيدروس ومجلسه، الحلم الرئيسي الذي يسعى إليه
الجنوبيون؟

هل هو مجرد أداة؟

يعتقد كثير من المتابعين أن سنوات الحرب الست، بالإضافة إلى السنوات
الثلاث الأخيرة من تأسيس الانتقالي كانت كفيلة بتحقيق حلم الجنوبيين،
واستعادة دولتهم، كونهم مسيطرين على الأرض، ولم يعد هناك وجود للشماليين،
فلماذا كل هذا التأخير؟.

لهذا يرون أن الإمارات تعمل على استخدام المجلس الانتقالي وقياداته كأداة
سياسية وعسكرية، دون تلبية مطالب الجماهير الجنوبية في تحقيق خلم استعادة
دولتها.

وهو ما جعل البلاد كلها تدخل في أزمات متلاحقة، ومواجهات واقتتال متكرر،
يستنزف جهود كافة الأطراف دون تحقيق أي هدف أو غاية غير البقاء في مربع
اللا دولة، سواء شمالاً أم جنوباً.

كما يشير المتابعون إلى أن هذا الدعم الإماراتي للانتقالي لا يعدو عن
كونه مؤقتاً للحصول على أكبر مكاسب ذاتية للداعمين للخارجيين، في مجال
الموانئ والجزر اليمنية، بينما تبقى آمال الجنوبيين بعيدة المنال.

مصير الانتقالي وقياداته

وفي ظل وضع كهذا، ووفقاً لتوقعات المراقبين، فمن الطبيعي أن ينتهي أي دعم
بانتهاء تحقيق أهدافه، لهذا يتوقع كثيرون بأن يكون رفع الدعم الإماراتي
عن المجلس الانتقالي، في حالة إنهاء الحرب اليمنية، أو التوصل لتسويةٍ
شاملة ذا أبعاد خطيرة على مصير هذا الكيان.

وأبرز تلك الأبعاد والتداعيات هو أن ينتهي المطاف بالمجلس الانتقالي
وقيادته في حالة رفع الدعم الإماراتي عنهم إلى النسيان، شأنه شأن بقية
القيادات التاريخية الأخرى التي لم تحقق شيئاً يذكر من تطلعات الجنوبيين.

وفي كل الحالات، فإن من صالح الجنوبيين أن يدركوا حقيقة قياداتهم ومن
يحكمهم، من أولئك المرتبطين بالمصالح والأجندات الخارجية، أكثر من
ارتباطهم بما يريده الناس والمواطنون.

قيادة موحدة.. بلا ارتهان

شيء بسيط هو ما يحتاجه الجنوبيون لتحقيق أحلامهم، لكنه في غاية الأهمية.

ويتمثل هذا الشيء البسيط بتواجد قيادة موحدة تحمل على عاتقها المشروع
الجنوبي دون ارتهانٍ للخارج.

فالمشروع الوطني الخالص هو من باستطاعته تحقيق الآمال والأحلام
والتطلعات، وما دون ذلك ليس سوى مضيعة للوقت.