آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-05:01ص

ملفات وتحقيقات


قدّم عبد الملك إسماعيل مداخلة مهمة نظرة للأوضاع الراهنة .. فماذا جاء فيها ؟

الثلاثاء - 29 سبتمبر 2020 - 12:07 م بتوقيت عدن

قدّم عبد الملك إسماعيل مداخلة مهمة نظرة للأوضاع الراهنة .. فماذا جاء فيها ؟

(عدن الغد)خاص:

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( الرابعة والعشرون )

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيه

 

لو طُبِّقت تلك الديمقراطية!


ويواصل الرئيس ناصر ويقول :" غير أنّ ما يستوقف المرء في الوثيقة، تلك النزعة الديمقراطية العميقة التي لو اعتُمِدَت وطُبِّقَت، لخطت الثورة وتجربة الدولة في الجنوب اليمني خطوات أوسع وأكثر ثباتاً. والديمقراطية المشار إليها ليست شعاراً أو مطلباً، بل هي تنبع من التنظيم، فإشاعة الديمقراطية في التنظيم تكون من طريق ما سمّته الوثيقة "ديمقراطية الأعضاء" وحقهم في اختيار قياداتهم ونيل احترام الشعب عبر "المجالس" المنتخبة في جميع المستويات. ولم يُفسد هذه النظرة للديمقراطية سوى الدعوات إلى "العنف" الطبقي المنفلت من عقاله الذي صاغته الوثيقة بشيء من الانفعال والتشدد، حين لاحظت أنّ هناك قوى مضادة للثورة وقوى أخرى أضيفت إليها، وأنّ المطلوب إزاء ذلك "اتخاذ المواقف والإجراءات دون إعطاء أيّ فسحة للمرونة والعقلانية لعزل القوى الأكثر ارتباطاً بالاستعمار والمتدخلين، واجتذاب القطاعات الأخرى إلى جانب الثورة".
ووقعت الوثيقة في الخلط بين مفهومي "مرحلة الديمقراطية الشعبية" و"مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية"، فافترضت أنّ البلاد تمرّ في "الأولى"، فيما هي تمرّ - حسب المقولات والتحليل العلمي - في "الثانية"، لأنّ مرحلة الديمقراطية الشعبية تعني لدى المفكرين والأدب الكلاسيكي الماركسي الشروع في بناء مقدمات الاشتراكية على صعيد الاقتصاد والسلطة السياسية معاً. ولم يكن جنوب اليمن حينه قد دخل تلك المرحلة على أية حال، أو حتى سعى إليها.

ويضف في حديثه :" وإذ رفضت الوثيقة الجهاز الإداري البيروقراطي المتوارث، وكذلك الجهاز البيروقراطي الذي يجري بناؤه في ظل الثورة، فإن بديلها من ذلك كله بقي "شعارياً" بعيداً عن الوضوح والتحديد، مقتصراً على ما سمّته "سلطة الكادحين" الممثلة بـ"المجالس الشعبية"، وهذه لا يمكن بأية صورة أن تكون بديلة للسلطة التنفيذية، وإذا تحولت إلى سلطة تنفيذية فإنها ستكون جهازاً إدارياً أيضاً، ولا يمنع انتخابها من قبل السكان أن تصبح بيروقراطية في نهاية المطاف، فالانتخاب ليس كافياً، بل مضمونه هو الأهم.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أسهبت الوثيقة في موضوع "سيطرة الجماهير الكادحة على وسائل الإنتاج" دون التحقق من طبيعة الاقتصاد المحلي الموروث وحجم وسائل الإنتاج المتوافرة والنتائج المتوخاة من السيطرة عليها، بل طبيعتها في الواقع. وتدعو الوثيقة إلى تخفيض الأجور وزيادة الإنتاج، رغم أنّ آلية زيادة الإنتاج لا بد أن ترتبط بزيادة الأجور وتحسين المعيشة والحوافز، بما يحقق الوفرة والمعيشة اللائقة للسكان، ويعطي بعداً إنسانياً للنظام الاجتماعي.
وشاء المنطق "الطبقي" القسري في الوثيقة أن يطغى في تحليل جميع الظواهر، بما فيها العلاقة بين مراتب الضباط والجنود، وقيادات الجيش والحرس الشعبي. وكان على الوثيقة أن تعاين الأمر من زوايا أخرى
لتعلّل الصراع بين هذه القطاعات المهمة التي لا تنخرط، في واقع الأمر، مباشرةً بالعملية الإنتاجية. كذلك إنّ هذا المنطق وأساليب التمييز بين هذه المؤسسات، وقرارات التطهير المنفعلة قد عمّقت من الحساسيات داخل هذا الميدان الذي كان ينبغي حمايته من كل شوائب الحساسية ليقوم بواجبه الخطير في الدفاع عن الوطن، ومواجهة أعمال التدخل والعدوان على الثورة.
إنّ ما ينطبق على الجيش، ينطبق على الجهاز الإداري القديم. وهنا تقدّم الوثيقة رأياً سليماً بشأن الموقف المطلوب، فتؤكد أنْ ليس المهم تسريح الجهاز الإداري أو استبداله، "بل القضاء على الامتيازات القديمة وتغيير العلاقات والقوانين… إلخ". لكنّ هذا الرأي السليم سرعان ما يضيع في غمرة الانزلاقات والمقولات الجاهزة ونزعات الانعزال … وإغراءات السلطة.
لعل أضعف حلقة في معالجات الوثيقة جاءت في سياق تناول أخطر القضايا التي تواجهها الثورة، وأعني القضية الاقتصادية. فقد رسمت الوثيقة طريق التطور الاقتصادي وتجاوز التخلف من خلال قنوات ثلاث:
- تقليص نفقات الدولة (تخفيض الأجور)
- مضاعفة الإنتاج
- المساعدات الخارجية
- التركيز على الأرض (تطوير الزراعة)
بالرغم من أهمية بعض هذه الخطوات، إلّا أنّ الوثيقة تجاهلت القضايا البنيوية في الاقتصاد الموروث، والحلقة الرئيسة التي ينبغي الإمساك بها لتوفير النقد والعمل الاجتماعي لمعافاة الاقتصاد ودفعه إلى أوضاع جديدة، فضلاً عن خطأ تخفيض الأجور ومضاعفة الإنتاج في الوقت نفسه. ولعل الافتراض المطلق الذي قدمته الوثيقة بأنّ "البرجوازية لا تمتلك مقومات الإبداع وتطوير الاقتصاد وطنياً"، كان من بين الافتراضات اللفظية البعيدة عن الدقة، فهذه الطبقة هي في طبيعتها ذات قدرة على تطوير الاقتصاد الوطني، ولها مصلحة (لو جرى التعمق في الأمر) في التطوير، برغم أنها تنزع إلى الربح والاستئثار والاستغلال، وهو ما لا يمكن إنكاره ولا يمكن إلّا مجاراته في ظروف الثورة العصيبة تلك.

التطور اللارأسمالي

ويستدرك بحديثه قائلاً :" إذا كنتُ أحرص على مناقشة هذه الوثيقة التي قُدِّمت إلى المؤتمر العام الرابع للجبهة، فهذا ليس من قبيل المصادفة، أو حباً بالمناقشة، أو من باب الإحاطة بواقع الأفكار المطروحة في أجواء ذلك المؤتمر، بل هو حرصٌ منّي على "متابعة" المراحل اللاحقة من الأحداث، في ضوء أفكار الوثيقة المشار إليها، حيث تبنت الجبهة وقياداتها تلك الأفكار أو أغلبها، وجعلت منها إطاراً و"منطلقاً" للتعامل مع المعطيات الجديدة التي أفرزتها الحياة.
وفي إطار مناقشة وثيقة "نظرة حول أوضاعنا الراهنة"، أو الرد عليها، قدّم عبد الملك إسماعيل مداخلة مهمة بعنوان "وجهة نظر حول القضايا المطروحة في جدول أعمال المؤتمر" توقفت عند خيارات التطور العام المطروحة أمام الجبهة وأمام جنوب اليمن، واستخلصت ضرورة اعتماد نهج التطور اللارأسمالي، باعتبار "أنّ مجتمعنا لا يزال يؤثر فيه الاستعمار والرأسمالية". ولاحظت "أنّ الزخم الجماهيري كان من الأسباب التي أدت إلى المبالغة في الجانب الذاتي أكثر مما ينبغي أن يكون عليه"، و"أنّ الإقطاع قوة فوقية للمجتمع تتداخل مع الناحية القبلية والميل الديني"، وأنّ "من الصعب محوها"، بل إنّ "جوهر هذه العاطفة، كالارتباط بالأرض والشعب، عامل إيجابي"، وإنّ "الطاقة الاقتصادية والمالية ما زالت مرتبطة عضوياً بشكل معقَّد وشديد الحساسية بكتلة رأس المال الأجنبي والمحلي، وهذا الشيء بالرغم من أنه يشكل ردّ فعل ثورياً بالإمكان استنفار الجماهير للتخلص منه، إلّا أنّ فعاليته ورسوخه الحالي من الصعب تجاهلهما".
ويذهب عبد الملك إسماعيل في مداخلته إلى التحذير من التعالي على الجيش، داعياً القيادة إلى "الانسلاخ عن طبقاتنا" وإلى التربية الثورية الفعلية، وإنّ وثيقة "نظرة حول... إلخ، لم تأخذ بالحسبان نظرية "التطور الطبيعي" التي هي حصيلة التراكم الكمّي المؤدي إلى نوعية جديدة". ولهذا "لم تؤخذ المادة كحلقة وسطية للانتقال". وأشار إلى أنها "قفزة نظرية مجردة"، وتساءل: "كيف تقام دولة البروليتاريا في حين لا توجد بروليتاريا بمعناها العلمي الصحيح؟".
عُقد المؤتمر في ظل أجواء من التوتر بمدينة زنجبار في شهر آذار/ مارس 1968- المحافظة الثالثة (أبين)، في إطار صراع داخلي ضمن القيادة، وفي صفوف التنظيم كله، وفي مناخ تشكيك القيادات بعضها ببعض.
كانت الأجواء كلها تشير إلى أنّ البلد مقبل على فتنة كبرى يمكن أن تُشعل نار الحرب الأهلية من جديد. الكل كان في حال استنفار: التنظيم، الشعب، الجيش، الشرطة، الفدائيون وبعض المقاتلين الذين كانوا على جبهات القتال. وكانت الصرخة التي أطلقها البعض استبدال "العيون السود بالعيون الزرق" لا تزال تسمّم الأجواء. وانعكس هذا الجو على وثائق المؤتمر وعلى مندوبيه.
وأخفقت اللجنة التحضيرية في تقديم تصور أو وثيقة موحدة، ما ترك الفرصة لظهور الاجتهادات وعمَّق إمكانيات الانقسام. وانبرت جماعة حضرموت، وكانوا يلبسون ملابس كاكية ويطلقون ذقونهم وأفكارهم التي أرادوا فرضها على المؤتمر برئاسة عبد الله الأشطل القادم من الجامعة الأميركية في بيروت، وصديق نايف حواتمة، بتقديم مشروع انقسامي. ( للحديث بقية )