آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. لماذا انحسرت توجهات الانفصال في جنوب اليمن؟

الثلاثاء - 29 سبتمبر 2020 - 10:24 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. لماذا انحسرت توجهات الانفصال في جنوب اليمن؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في أسباب تراجع مشروع الانفصال جنوب اليمن..

هل قضت تجربة السنوات الخمس على مطالب الانفصال.. أم هو توجه عالمي رافض
لهذه المشاريع؟

من الذي أثار مخاوف الجنوبيين من مشروع الانفصال؟

هل حقاً تراجعت نسبة الجنوبيين الداعمين لمطالب الانفصال؟

كيف انقسم الجنوبيون في آرائهم بشأن المجلس الانتقالي؟

في ظل سيطرة المليشيات الحوثية شمالاً.. الوحدة مع من؟!

انفصال بلا مشروع أم وحدة بلا وطن؟!

تقرير / عبدالله جاحب:

تتلاشى مطالب الانفصال، وتتراجع رويداً رويداً، وتشكل لدى الشارع الجنوبي
"السياسي"، حالة من الانخفاض السلبي والنزول العكسي.

لم تعد بورصة مطالب الانفصال في تصاعد مستمر، ولكنها أصبحت في هرولة
ونزول وخمول وضمور يوما بعد يوم في الشطر الجنوبي من اليمن.

تلك المطالب التي كانت تعانق عنان السماء، وذلك المشروع الذي سطع نوره
بقوة، بدأت معالمه بالانخفاض وملامحه بالخمول والتراجع.

شكلت مطالب الانفصال في بداية ظهورها وحضورها في جنوب اليمن تصاعدا
وارتفاعا جنونيا، ولكنها سرعان ما بدأت في التراجع والانخفاض. ويبدو أن
ارتفاع سقف المطالب بدون غطاء سياسي ودبلوماسي يحافظ على تلك المطالب هو
ما أسقطها في مستنقعات الهاوية، وفقدان ثقة الشارع الجنوبي.

إن غياب الرؤية والمنظومة والخطط المدروسة على ما يبدو كانت كفيلة
بانحسار تلك المطالب، وإصابتها بخيبة الأمل، يضاف إليها فقدان التوازن
بين سقف المطالب الداعية للانفصال وبين أرض الواقع التي فرضت معطيات
وأحداثا يجب التعامل معها بعيداً عن سقف تلك المطالب التي تدعو للانفصال
في جنوب اليمن.

وقال تقرير صادر عن معهد كارينجي للسلام في الشرق الأوسط، إن توجهات
الانفصال في جنوب اليمن تراجعت مؤخرا تحت وطأة الاضطرابات التي عصفت
بجنوب البلاد عقب انتهاء الحرب مع الحوثيين.

وأشار المعهد- في دراسة أخيرة نشرها بعنوان (السلام وتفكك الدولة في
اليمن) لـ(ماريكي ترانسفلد) وهي طالبة دكتوراه بالجامعة الحرة في برلين،
وزميلة مشاركة في مركز الأبحاث التطبيقية في إطار شراكة مع The Orient في
بون- إلى أن 46 في المئة من اليمنيين في جنوب البلاد يدعمون مطالبة
الحراك الجنوبي بالانفصال، وهي نسبة متراجعة إذا ما قيست بنسب سابقة
لإحصائيات مشابهة أجريت قبل سنوات.

وأوضح التقرير أن الجنوبيين ينقسمون في آرائهم بشأن المجلس الانتقالي
الجنوبي. وفقاً للدراسة الاستقصائية، اعتبر نحو 37 في المئة من أبناء
الجنوب أنه يجب أن يتمتع المجلس الانتقالي الجنوبي، على الأقل، ببعض
السلطة في الجنوب، فميا أبدى 19 في المئة رفضهم للمجلس.

المتأمل في مسيرة مطالب انفصال جنوب اليمن سيجد أنها مرت بتحولات كبيرة
كنتيجة طبيعية للسيولة السياسية التي يتسم بها المشهد اليمني، فالحراك
الانفصالي الذي بدأ منذ الربع الأول من العام 2007، كان في بدايته حقوقيا
بحتا، تمثل بالمطالب التي رفعتها جمعيات المتقاعدين و(المقاعدين)
الجنوبيين من عسكريين ومدنيين بسبب حرب صيف 1994، ثم سرعان ما تحول ذلك
الحراك الحقوقي إلى حراك سياسي يطالب بانفصال جنوب اليمن، كرد فعل على
أخطاء نظام علي صالح في التعامل مع الحراك منذ بدايته وعدم تلبية مطالب
جمعيات المتقاعدين، ثم إن التطورات التالية جعلت مطالب الانفصال تتلاشى،
خاصة بعد ظهور فصيل مسلح يسعى لفرض نفسه بالقوة وإقصاء مختلف المكونات
الجنوبية قبل أن ينجح في تحقيق أي خطوات انفصالية عملية.

تجربة خمس سنوات.. هل قصمت ظهر الانفصال؟

كانت تجربة المشروع الجنوبي للانفصال كفيلة بأن تحدث هزة عكسية على تلك المطالب.

فغياب الرؤية والمنظومة والخطط المدروسة على أرض الواقع للمشروع،
واستبدالها بالغوغاء والهوشلية ودولة الثوار والفاتحين الجدد كانت كفيلة
بأن تقصم ظهر مطالب الانفصال في جنوب اليمن.

وبما أن المشهد السياسي اليمني أشبه بالرمال المتحركة، وتتعدد فيه القوى
الفاعلة والتوازنات على الأرض، خاصة بعد الانقلاب والحرب، وتدفق المال
والسلاح إلى داخل البلاد، ولأن من تصدروا مطالب الانفصال ونصبوا أنفسهم
حكاما لدولة الجنوب المأمولة هم فئة معينة خاضت تجربة خلال خمس سنوات،
احدثت نوعا من الخوف والقلق لدى الشارع من مجهول مخيف.

وتسبب أولئك "المتصدرون" بإحياء مخاوف الناس من استمرار هذه المطالب،
وانعكس تطرفهم في التجربة من حيث غياب المشروع والغوغاء والعشوائية
والهوشلية وعدم وضع الأسس الصحيح للدولة ومؤسساتها ومرافقها الحكومية
بشكل سلبي على الشارع، وكانت تجربة خمس سنوات كفيلة بأن تكون القشة الذي
قصمت ظهر مطالب الانفصال في جنوب اليمن.

هل هناك مخطط دولي لـ(فكفكة) المطالب؟

ما يتناوله الكثير من الذين يتصدرون المشهد السياسي في مشروع الانفصال،
أن هناك "مؤامرة " تنسج خيوطها لتفكيك مطالب الانفصال من جهات دولية
وإقليمية، تعمل على تمزيق وتلاشي تلك المطالب في جنوب اليمن سياسيا
وعسكريا ودبلوماسيا.

ويرى السواد الأعظم من مؤيدي مشروع الانفصال أن هناك توجها عالميا رافضا
للمحاولات الانفصالية في أي مكان بالعالم، وعدم الاعتراف بها.

ويستدل الكثير من هؤلاء "الانفصاليون"، بما لوحظ قبل سنوات في الموقف
الدولي الرافض لانفصال إقليم كردستان في العراق وإقليم كتالونيا في
إسبانيا، وكذلك عدم اعتراف المجتمع الدولي بجمهورية الصومال التي أعلنت
انفصالها عن الدولة الأم.

ويرى الأكثرون من داعمي مطلب الانفصال بأن أسباب الرفض تعود للخشية من
انتشار مطالب الانفصال إلى مختلف دول العالم وفقا لأسس طائفية أو عرقية
أو دينية وغيرها.

فهل تكون هناك فعلا مؤامرة ومخطط دولي لفكفكة مطالب الانفصال في جنوب اليمن؟.

الانفصال.. بين مخاوف الماضي والتأثير العابر

إن إحياء ثارات تاريخية، وماض وحقب مرت بها التجارب الجنوبية، كانت كفيلة
بزرع المخاوف من تكرار تجارب الاحتراب السابقة التي رسمت مرحلة مأساوية
في التاريخ الجنوبي.

ولعل مخاوف الناس، عجلت وبشكل ملحوظ بتلاشي وتراجع تلك المطالب، والبقاء
على معمعة وشعارات تلك المطالب.

لذلك يرى البعض أن ظهور المطالب الانفصالية ونجاحها سيعيد الجنوب إلى
مربع الاقتتال، وعودة عدوى التمزق والاحتراب الداخلي وإحياء إرث قديم،
وإعادة تصدر فئة معينة للمشهد وتكرار حيثيات وسيناريوهات الأخطاء
الماضية، خاصة في ظل وجود مشروعات متعددة تتزاحم الساحة والمشهد السياسي
في البلاد.

وبينما يذهب البعض الآخر بأن تراجع مطالب الانفصال في جنوب اليمن هي
حتمية صحية وتأثير عابر، نتيجة لمجريات المعطيات والأحداث التي ترمي
بنفسها في خارطة المشهد السياسي.

وما يحدث ويحصل من (تراخي) وخمول وضمور وتراجع هي بادرة صحية سياسية
وسحابة عابرة ستأخذ وقتها وتغادر سماء المشهد السياسي الجنوبي ولن تضر
مطالب الانفصال وستسمر وبقوة.

المناطقية.. هل أضرت بالانفصال؟

كانت من أكثر العوامل التي تعيق مشروع الانفصال، ومن المعوقات التي تقض
مضاجع الانفصال، وتقلق حضوره وتواجده على أرض الواقع.

يرى مراقبون أن حالة الصراعات المناطقية في جنوب اليمن، تضر بمطالب
الانفصال، وتعمل على وضع حاجز فولاذي وسد حصين للوصول إلى الانفصال.

فقد ساعدت وخدمت الصراعات المناطقية المشاريع الأخرى التي تقف في وجه
مشروع الانفصال، وأصبحت تلك الصراعات المناطقية حجر عثرة وصخرة كبيرة
أمام مشروع الانفصال.

وعلى الرغم من تعدد الدعوات التي حاولت العمل على إذابة جليد تلك
الصراعات المناطقية، وإزاحة وجودها من طريق الانفصال إلا أنها لم تكن
بالشكل المطلوب ولم تحقق ما تصبو وتدعو له كثير من الأصوات التي تنادي
بنبذ تلك الصراعات وإزالتها من مشروع الانفصال التي أصبحت تعطل حركة سيره
وتضر به الهادف إلى الوصول إلى انفصال الجنوب عن شماله.

في ظل سيطرة الحوثي.. الوحدة مع من؟!

يفرض مشروع الانفصال نفسه في جنوب اليمن، على الرغم من عدم تحقيقه حتى
اللحظة، ورغم كل التجاذبات والأحداث والمعطيات في ذلك المشروع الجنوبي
إلا أنه المشروع الأبرز الذي أنهى الوحدة في الرقعة الجغرافية الجنوبية،
وأجهز عليها بشكل ملحوظ وبارز.

وفي الضفة الأخرى يقف في شمال اليمن المشروع الانقلابي العنصري الطائفي،
وهو مشروع الحوثي الإمامي الكهنوتي، الذي أجهز أيضاً على الوحدة
والجمهورية بعد مقتل الرئيس صالح.

وبين مشروع الانفصال في جنوب اليمن ومشروع الطائفية والإمامية في شمال
اليمن يقف من تبقى من الوحدويين الذين يبحثون عن الوحدة، أو ما تبقى
منها، وأولئك يعيشون في فلك آخر، تتقاذفهم المشاريع وضياع الوحدة بين
الشمال والجنوب.

ذلك الفصيل يعيش مرحلة وحقبة سياسية صعبة للغاية ولا يعرف لها طريقا، فهم
يرفضون مشروع الانفصال في الجنوب، ويحاربون مشروع الحوثي الإمامي في
الشمال، وفي وسط اليمن الكبير يقبع هؤلاء الوحدويون، الباحثون عن وطن
لوحدتهم.

فبين الشمال والجنوب.. مع من سيتوحد المطالبون بالوحدة في ظل انفصال
الجنوب وسيطرة الحوثي الإمامي الكهنوتي في الشمال؟!.