آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-06:10ص

ملفات وتحقيقات


نهاية الستينيات وبداية السبعينيات اتسمت بالتطرف والانقسامات والتشرذم على صعيد حركة التحرر الوطني العربية في الوطن العربي كله .. لماذا ؟

الخميس - 24 سبتمبر 2020 - 12:10 م بتوقيت عدن

نهاية الستينيات وبداية السبعينيات اتسمت بالتطرف والانقسامات والتشرذم على صعيد حركة التحرر الوطني العربية في الوطن العربي كله .. لماذا ؟

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

تنفرد (عدن الغد) بصحيفتها الورقية وموقعها الالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات التي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة  ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس  من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته  عن  وقائع وأحداث وتغيرات  المت  بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م )  حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات  نسردها في أثناء السطور  وإليكم  ما جاء فيها ..

 

خلاف الفرقاء 

يعرضنا سيادة الرئيس علي ناصر في هذه الحلقة حول الخلافات بين الفرقاء القيادين  وأجهزة  الجبهة حيث يستدرك بالحديث ويقول :"   فإنّ الخلافات في وجهات النظر بين الأفرقاء القياديين وأجهزة الجبهة بشأن وجهة المستقبل أمر طبيعي، بل دليل صحي على الرغبة في البحث عن أفضل الأشكال الضامنة للتطور. وأكثر من ذلك، فهي خلافات لها مقدماتها في ماضي الكفاح المسلح ومؤتمرات الجبهة الثلاثة وقضية الدمج، والعلاقة بجبهة التحرير والحكم في الشمال، ومصر ــ عبد الناصر... إلخ.

وكانت أول هزّة أصابت الجبهة القومية، وهددت بتمزيقها، قد حدثت في كانون الثاني/ يناير 1968م حين نشر عبد الله الخامري، عضو القيادة العامة في صحيفة "الثوري" الناطقة باسم الجبهة بعددها السادس في 30/1/ 1968م مقالة افتتاحية تناول فيها مشكلة الجهاز الإداري من زاوية التأليب على الحكم، من طريق طرح الأسئلة التأويلية الغامضة والاستفزازية، من قبيل "هل الحكم من الثوار أم من انتهازيين؟"، و"هل هناك إخلاص حقيقي في التغيير؟"، وتضمنت المقالة ما يشبه التحريض على ما سمّاه "الانتهازية" أو"التسلق إلى كراسي الحكم".

لم يكن مقال الخامري قد أجازه فيصل عبد اللطيف وعبد الفتاح إسماعيل، عضوا اللجنة التنفيذية المشرفان على الصحيفة، بقرار من القيادة العامة، وحين أُجري التحقيق بشأنه، أفاد مسؤولو الصحيفة بأنّ الخامري أبلغهم أنّ ثمة اتفاقاً على حق كل من عبد اللطيف وعبد الفتاح أيضاً في أن يكتبا ما يشاءان، ردّاً أو إضافة، وهذه الرغبة "عيّنة" من الأجواء الخلافية وعدم الثقة التي كانت سائدة في الفريق القيادي بسبب ما سُمِّي حينها اليمين واليسار الذي كان ينظر له نايف حواتمة.

ويضيف في حديثه :" وكانت هذه الفترة التي أعقبت نكسة يونيو 1967م، نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، قد اتسمت بالتطرف والانقسامات على صعيد حركة التحرر الوطني العربية في الوطن العربي كله، فأخذت في التشرذم والانقسام. حدث هذا في حركة القوميين العرب، وفي حزب البعث العربي الاشتراكي، وفي الحركة الناصرية، وفي فصائل الثورة الفلسطينية. وشمل الانقسام الأحزاب الشيوعية العربية في ذروة الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين: الشرق والغرب، وكذلك الصراع السوفياتي - الصيني.

عقب الهزيمة سادت مقولات بأنّ البرجوازية العربية أثبتت عجزها عن قيادة الأمة العربية، وأنْ لا بد من قيادة جديدة تقود نضال الجماهير العربية، وأنّ هذه القيادة ينبغي أن تكون من العمال والفلاحين. وفي ظل هذه الحماسة الجارفة، برزت مقولة اليمين واليسار في تجربتنا لتطويق تيار الاعتدال.

وكان عدد من القيادات عندنا قد تأثر بهذه الأفكار، وأخذ يستميت في تسويقها دون تبصّر في واقع اليمن الجنوبي الذي لم يكن يتحملها.

 

الانفلات التنظيمي و"قذيفة" الخامري!

وحول الانفلات لدى القيادة العامة يسترسل ويقول :" القيادة العامة، بدلاً من تحديد المسؤولين عن هذه الأزمة التنظيمية، تركت شأن ذلك إلى المؤتمر المقبل لبحثها وبتّها، وهذا ما ساعد على ترسيخ الانفلات التنظيمي والخروقات، وعاد الحديث إلى تحديد المسؤوليات وتسمية الخروقات، خاصة أنّ كثيراً منها مسجَّل باسم قياديين بارزين، ولا يصحّ تركها أو التغافل عنها، أو التقليل من شأنها، كما هو الحال بالنسبة إلى الأعضاء العاديين الذين يجري نقدهم وإعادة توجيههم منعاً للوقوع في الأخطاء مرة ثانية. وعلى هذا الأساس عادت القيادة العامة إلى تدارس الملف التنظيمي، وتوقفت لساعات طويلة عند تجربة التنظيم والإجراءات السابقة ومسيرة الأخطاء التي خلقت "أزمة ثقة" وعدم انسجام في أوصال الجبهة وهيئاتها، وتوصلت في نهاية البحث إلى تحميل سلطان أحمد عمر" فارس"، عضو اللجنة التنفيذية، مسؤولية الوضع التنظيمي المتوتر في عدن (المحافظة الأولى)، بوصفه مسؤولها التنظيمي الذي أشرف على المناقشات غير المسموح بها، واتخذ تدابير لم تكن القيادة العامة على علم بها، مثل تشكيل "المجالس الشعبية والمحاكم الشعبية". وكان سلطان أحمد عمر قد وصل إلى عدن نهاية 1967، ولم يكن له أي علاقة بالعمل التنظيمي في عدن آنذاك سوى أنه كان محسوباً على حركة القوميين العرب في تعز، وانضمّ إلى اللجنة التنفيذية بحكم علاقته بالحركة. وألقت القيادة باللوم على كل من عبد الله الخامري وعلي صالح عباد (مقبل)، بصفتهما مطِّلعين على ما طُرح للقواعد في الاجتماعات الموسَّعة التي عُقدت في عدن، ولم يحيطا القيادة علماً بالوقائع، ولم يناقشاها في الأمر.

وشُكِّل في هذا الاجتماع عدد من اللجان: إحداها كُلِّفَت إعداد قانون للإصلاح الزراعي، وأخرى لتنقية الجهاز الإداري، وثالثة كانت عبارة عن لجنة تحضيرية للمؤتمر الرابع. وطلبت القيادة من كل من سلطان أحمد عمر وعبد الله الخامري وعلي صالح عباد مقبل تقديم تقرير عن مسؤوليتهم في الأزمة التنظيمية، ومحاولتهم "تجهيل" القيادة العامة وإخفاء المعلومات عنها، على أن يناقَش التقرير في اجتماع لاحق. وكلفت كلاً من فيصل عبد اللطيف وعلي سالم البيض وسلطان أحمد عمر تنظيم اجتماع موسَّع لأُطر التنظيم في عدن، لاحتواء الآثار الناجمة عن الأزمة وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة وإعادة لحمة التنظيم. غير أنّ اتفاقاً جانبياً جرى بين سلطان وعبد اللطيف، يقضي بتأجيل الاجتماع المقرَّر إلى موعد آخر، ليتسنى لهما حضور اجتماعات القيادة العامة. ولكن وفيما حضر الجميع اجتماعات القيادة، تخلّف سلطان عنها ليحضر الاجتماع الموسَّع لمحافظة عدن، مبشّراً بآرائه، وخالقاً من جديد جواً من التوتر التنظيمي. وحين سُئل عن معطيات هذا الاجتماع الموسَّع، أجاب - خلافاً للحقيقة - أنه قد خُصِّص لانتخاب "الشُّعَب" والروابط، تمهيداً لانتخاب المندوبين للمؤتمر العام الرابع. وبعد أيام كُشف النقاب عن قرارات وتدابير اتخذها الاجتماع الموسَّع، كانت في طريقها إلى التنفيذ عبر القيادة العامة خلافاً للأصول المرعيّة التي تفترض أن تكون تلك القرارات بمثابة توصيات مشروطة بموافقة القيادة العامة. وهكذا، لم يكن بد من اتخاذ إجراءات محددة ضد هذه الخروقات. على هامش الضجة والتوتر اللذين نجما عن "قذيفة" الخامري الاستفزازية، كما كان يُطلق عليها، عقدت القيادة العامة سلسلة من الاجتماعات ناقشت فيها سبل احتواء الموقف وتحديد المسؤوليات ومضامين الأفكار الواردة في المقالة. وعقدت أيضاً اجتماعات موسَّعة في محافظة عدن لأعضاء التنظيم، ناقشت قضايا ذات طبيعة حساسة تهمّ الأطر القيادية، ولا يصحّ عرضها دون أخذ رأي تلك الأطر أو استشارتها، ما أدى إلى احتقان الجو السياسي وتوتر المشاعر. وكاد الأمر ينتهي إلى انشقاق واصطدام، غير أنه في اليوم الثاني عُقد اجتماع موسَّع حضره عدد من أعضاء القيادة العامة، ولم يتمخض عن نتائج إيجابية، لغياب مبادئ إدارة الصراع الفكري، وغياب ضوابط النقاش. وقد أشرف الوضع السياسي كله على كارثة، حين انبرى كثيرون لتقديم استقالاتهم من الجبهة، في محاولة لتأزيم الموقف، واتّسع الشَّرخ عندما تقدّم عدد من أعضاء القيادة العامة باستقالات مماثلة، بمن فيهم الرئيس قحطان الشعبي، وقد رفضت القيادة العامة استقالته، في لحظات محرجة أنقذت فيها ما يمكن إنقاذه.

 

الدخول على خط الأحداث لتأجيج النار

ويردف في الحديث قائلاً :" وبدلاً من حصر الجدل والمعلومات في داخل الجسم التنظيمي، اندفعت المعلومات والوقائع ومحاضر تلك الاجتماعات من أطرها السرية المفترضة إلى الشارع، وإلى كل بيت، لتضاعف قلق المواطنين وهلعهم، وتشجّع المعارضة على تجميع قواها والدخول على خط الأحداث لتأجيج النار وتصعيد ضراوة الصراع ، الأمر الذي اضطر القيادة العامة إلى عقد سلسلة من الاجتماعات بين 1 و 3 شباط/ فبراير 1968م، اتخذت بموجبها طائفة من القرارات تضمن سلامة التنظيم وتماسكه، وتعد بالعمل على تهيئة مستلزمات عقد المؤتمر الرابع للجبهة. وقد سُجِّلت نقطتان مهمتان بصدد طبيعة الأزمة التنظيمية:

أولاً: إنّ هذه الأزمة إفرازٌ حتميّ لعدم قدرة التنظيم، لظروف عديدة، على أن يبقى بالمستوى الذي تتطلبه الوحدة الفكرية والتنظيمية وتعميمها على أسس متينة بين صفوف التنظيم، حتى يمكن وضع المقاييس الحقيقية للتنظيم الثوري ليسير عليها الجميع.

ثانياً: إنّ القيادة العامة والعناصر القياديين في التنظيم لم يستطيعوا التقاط أنفاسهم في غمرة النضال وأثناء المواجهة اليومية لهجوم الأعداء والخصوم  قبل الاستقلال، لمتابعة العديد من المخالفات التي تعارض أحياناً المبادئ الأولية في "التنظيم الثوري"، وتصحيحها وتوجيهها الوجهة السليمة. فطلبت القيادة العامة في اجتماعها في 2/2/1968م من كل من سلطان أحمد عمر، وعبد الله الخامري، وعلي صالح عباد (مقبل)، نقد أنفسهم ذاتياً، كاعتراف بممارسة تلك الخروقات، فحاولوا معاً إفراغ هذا الطلب من مضمونه والتهرب من معناه وما يترتب عليه، الأمر الذي حمل القيادة العامة، رداً على ذلك، على أن تعلن ما يأتي:

تجميد كل من سلطان أحمد عمر، وعلي صالح عباد، وعبد الله الخامري عن ممارسة أيّ مسؤولية تنظيمية، حتى ينعقد المؤتمر ويُبَتّ الموضوع.