آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


تقرير يرصد أملاك المستفيدين من الحرب والمتاجرين بها واستثماراتهم خارج اليمن مقابل أوضاع معيشية بائسة في الداخل

الأربعاء - 23 سبتمبر 2020 - 11:31 ص بتوقيت عدن

تقرير يرصد أملاك المستفيدين من الحرب والمتاجرين بها واستثماراتهم خارج اليمن مقابل أوضاع معيشية بائسة في الداخل

تقرير / بديع سلطان:

كيف يبني مسئولون يمنيون ثروات في الخارج بينما يموت البسطاء في الداخل؟

مسئولون وقادة ينشئون مطاعم وفنادق ومنتجعات سياحية.. ما مصدر تمويلها؟

ما حقيقة تورط قيادات محسوبة على الشرعية والانتقالي في استثمارات خارجية؟

كيف تم تهريب الأموال الحكومية خلال سنوات الحرب؟

 كم يبلغ حجم الاستثمارات اليمنية في اسطنبول والقاهرة ودول الخليج؟

 أثرياء الحرب

 يرزح ملايين اليمنيين تحت رحمة أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم على الإطلاق، بحسب تقارير هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية. فبين الفترة والأخرى تخرج لنا مؤسسات الغذاء والطفولة لتحذر العالم من مجاعاتٍ تفتك باليمنيين، وأوبئة وفقر مدقع يتربص بالأطفال.

كل ذلك بسبب الحرب الدائرة رحاها في البلاد منذ نحو ست سنوات، والتي أتت على الأخضر واليابس، وأكلت خيرات البلد، وجعلته على شفا انهيار اقتصادي
ومعيشي مرعب، ما لم يكن هذا الانهيار قد حدث بالفعل.

الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، يكابدها المواطنون البسطاء في الداخل اليمني، ممن لم لا حول لهم ولا قوة، يكتوون بنيران الحرب في صمت وصبر منقطعي النظير، فلا وطن لهم سوى هذا الذي يواجهون فيه الموت كل يوم ألف مرة.

في المقابل، ثمة فئات تركن إلى الدعة والاستقرار خارج البلاد، تُنظِّر وتهاجم من على منابر مواقع التواصل الاجتماعي، بل وتبني قصوراً من الرفاهية مستندةً إلى استمرار لظى الحرب، وتتمنى أن تستعر أكثر ويستمر اشتعالها، ما داموا في منأى عن تداعياتها وآثارها الإنسانية والمعيشية.

فهم قد غادروا الوطن مبكراً، فلم يطيقوا المكوث وسط هذا الكم الهائل من الدمار، وارتحلوا بحثاً عن أي منغصات قد تُقلق سكينتهم.

فشتان بين الفئة الأولى، ممن تكابد وتواجه ويلات الحرب وآثارها المؤلمة، وبين الفئة الثانية التي آثرت حياة البذخ بعيداً عن رائحة الوطن، وبل وتتاجر بآلام الناس من الحرب.

 أثرياء الحرب خارج البلاد

وفي الوقت الذي ينضم فيه ملايين اليمنيين إلى قائمة الفقراء سنوياً، منذ بداية الحرب، ينضم المئات من القياديين اليمنيين الموالين إلى قائمة
الأثرياء.

فالحرب التي تعدّدت مآسيها بين العوز والجوع والقتل والموت، أو بالأوبئة والأمراض القاتلة، فتحت أبواب الثراء للكثير من القادة العسكريين والسياسيين التابعين لأطراف الصراع.

ومثلما كانت الحرب في اليمن سبباً في مزيد من الفقر والجوع والموت، فهي مثّلت كذلك فرصة العمر بالنسبة إلى العديد من القيادات السياسية والعسكرية التي فرت إلى الخارج.

العشرات من القيادات العسكرية الموالين خلعوا بزّاتهم العسكرية، واتجهوا نحو تأسيس شركات تجارية وصناعية واستثمارية في عدد من الدول العربية والأجنبية، من بينها مصر والأردن والسودان وتركيا وماليزيا وصولاً إلى الصين.

وعلى نفس المنوال، مضت قيادات سياسية وحزبية في استغلال الحرب لرفع أرصدتها في البنوك، وتأمين مستقبلها بعد الحرب، بشراء عقارات ضخمة والاستثمار في عدة دول.

وعلى الرغم من السرية التي حرص عليها تجار الحرب وسماسرتها على مدى ست سنوات، إلا أن تقارير عدد من الدول كشفت العديد من جوانب ما يقومون به.

 استغلال الانقسام بين صنعاء وعدن

تجار الحرب ومستثمروها استغلّوا الانقسام المالي والاقتصادي بين صنعاء وعدن، وتكاثر شركات الصرافة في السوق اليمني وسيطرتها على تريليون ونصف تريليون يمني.

وهي المعضلة التي تشكل العوامل الأساسية والرئيسية للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الريال اليمني والاقتصاد الوطني برمته.

ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن هذا الانقسام شجع الكثير من المستفيدين من الحرب على تمرير عملياتهم في غسل الأموال وتهريب ثرواتهم إلى الخارج بطرق
مختلفة ومبتكرة.

ولهذا قدر أساتذة وخبراء الاقتصاد تكلفة خروج رؤوس الأموال الخاصة، والأموال المغسولة التي حصل عليها تجار حروب بطرق غير مشروعة وجرى
تبييضها وتهريبها عبر وكلاء للصرافين وبعمليات معقدة إلى ثماني دول بحثاً عن فرص استثمارية آمنة ومجزية خلال السنوات الأربع الماضية، بـ30 مليار
دولار.

 تركيا.. الوجهة المفضلة

كانت تركيا من أبرز الوجهات التي فضلها الأثرياء اليمنيون، والساسة والعسكريون، واستقبلت مدن تركية عديدة أولها اسطنبول الكثير من قادة الربيع اليمني، بعد نجاح الثورات المضادة.

ومثلت تركيا موئلاً لكثير من رجال الأعمال والاستثمارات العقارية لسياسيين، باتوا بين ليلةٍ وضحاها تجاراً، بعد أن كانوا سياسيين وأعضاء
أحزاب يمنية.

ففي أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، تناول تقرير صادر عن (هيئة الإحصاء التركية)، رصدته (عدن الغد) ارتفاع عدد المنازل التي اشتراها مستثمرون يمنيون في تركيا، بمعدّل 536 %، مقارنةً مع الفترة نفسها قبيل الحرب في اليمن، (1082 منزلاً مقابل 170 منزلاً).

وبحسب البيانات الرسمية التركية التي أوردتها وكالة (الأناضول)، فإن الإقبال الكبير لليمنيين على شراء المنازل في تركيا أدخل اليمن للمرة الأولى في التاريخ ضمن الدول العشر الأوائل في قائمة الدول الأجنبية الأكثر شراءً للعقارات في تركيا.

كما أظهرت الإحصائيات قيام "رجال أعمال يمنيين" بتأسيس 174 شركة في تركيا خلال سنوات الحرب الماضية تبلغ قيمة تلك الشركات مليارات الدولارات.

ولعل ما يُغري أثرياء اليمنيين في الاستثمار هناك بتركيا هو أن قانون الاستثمار التركي يمنح الجنسية للمستثمرين الأجانب، عند شراء عقار بقيمة 250 ألف دولار أو توظيف عدد معين من الأتراك في استثماراتهم، كما تُمنح الإقامة في تركيا عند شراء عقار بقيمة 100 ألف دولار.

لهذا ارتفعت أعداد الشركات اليمنية في تركيا لتصل إلى 313 شركة عام 2018، مقارنة بـ64 شركة في العام 2015.

وينشط المستثمرون اليمنيون في تركيا في مجال المشروعات العقارية والإسكان، العمارات والمباني وبيعها شققاً سكنية، والخدمات العامة، والمشروعات الصغيرة المطاعم والمقاهي، ومكاتب السياحة والترويج واستقدام المستثمرين اليمنيين من اليمن ودول أخرى إلى تركيا، وشركات الاستيراد والتصدير، وتسويق المنتجات التركية إلى اليمن.

 استيطان اليمنيين في مصر

فتحت مصر أبوابها لاستثمارات اليمنيين، التي تشير التقديرات الأولية إلى أنها تجاوزت 16 مليار دولار خلال سنوات الحرب.

ووفقاً لمصادر اقتصادية يمنية في القاهرة، فإن إقبال اليمنيين على شراء الشقق في العاصمة المصرية خلال السنوات الماضية تجاوز 100 ألف شقة، لا يقلّ ثمن الواحدة منها عن 25 ألف دولار، إضافة إلى شراء الآلاف من الفلل الفارهة في عدد من المدن المصرية من قِبَل مسؤولين يمنيين، شماليين وجنوبيين.

وأكدت المصادر لـ(عدن الغد) أن تجاراً موالين للحكومة اليمنية الشرعية، ومؤيدين للمجلس للانتقالي الجنوبي، وآخرين مستقلين أسّسوا أكثر من 160
شركة تجارية وخدمية، وافتتحوا العشرات من المؤسسات الخدمية كالمطاعم الضخمة والفنادق.

فضلاً عن تأسيس مصانع إنتاجية للصناعات الخفيفة والمشروبات والصناعات البلاستيكية والملابس الجاهزة، وقدرت تلك المصادر حجم استثمار القيادات
السياسية والعسكرية، وتجار يمنيين في مصر بأكثر من 12 مليار دولار.

وبحسب المعلومات، فإن 50 أسرة يمنية وصلت القاهرة منذ منتصف 2018 حتى منتصف 2019، استثمرت 250 مليون دولار في قطاعات عديدة، أبرزها العقارات
والتعليم.

وهذه الاستثمارات بحسب تقارير حكومية مصرية، ساهمت في انعاش وازدهار ةالاقتصاد المصري، خاصةً إذا عرفنا أن الحجم للإجمالي للاستثمارات بلغ أكثر من 12 مليار دولار، حتى منتصف العام الماضي فقط.

هذه الاستثمارات امتدّت أيضاً إلى الأردن الذي دخلته مئات الملايين من الدولارات على أيدي قيادات عسكرية، وماليزيا، فضلاً عن الصين التي توجّهت إليها أموال الأحزاب السياسية اليمنية؛ خشية تعرّضها للحجز من قِبَل وزارة الخزانة الأميركية.

 أين يسكن العالقون والأثرياء؟

وفي الوقت الذي كان الآلاف من اليمنيين العالقين في مصر، يكابدون بسبب جائحة كورونا، ويضطرون للسكن في أحياء فقيرة، كان الأثرياء يتمتعون برفاهية المدن السكنية الراقية في القاهرة وما حولها، بحسب شهادات مواطنين عالقين في مصر.

وبلغ عدد اليمنيين المتواجدين في مصر قرابة مليون يمني، بينهم الآلاف ممن ذهبوا للعلاج ولم يتمكنوا من العودة بفعل توقف حركة الطيران بسبب الجائحة العالمية، وانتظروا كثيراً قبل أن تفتح المطارات أبوابها من جديد.

خاصةً وأن معظم العالقين يعانون أوضاعاً مادية صعبة، ويسكنون في أحياء شعبية فقيرة، بينما التجار ورؤوس الأموال يعيشون في الأحياء الراقية داخل
القاهرة، ومنهم من يقيم في مدن أخرى، وجميعهم يملكون شققاً فاخرة وبنايات
ووحدات سكنية معظمها للاستثمار.

وتفيد معلومات بأن الأثرياء اليمنيين المقيمين في مصر يمتلكون 250 ألف شقة سكنية ووحدة عقارية، من بينها 40 ألف شقة بمبالغ تبدأ من 50 ألف دولار حتى 100 ألف، بمبلغ يصل إلى 3 مليارات دولار، باعتبار أن قطاع العقارات من أكثر القطاعات التي يُقبل عليها اليمنيون للاستثمار فيها.

وتحدثت صحيفة (الشرق الأوسط اللندنية) نقلاً عن شركات الاستثمارات والاستشارات العقارية في مصر، أنه تم إنشاء 40 ألف وحدة سكنية في القاهرة وحدها، وهو رقم لم يتكرر في مصر، حيث كان المعدل السنوي 15 ألف وحدة سكنية.

 استثمارات أخرى

لم تقتصر استثمارات اليمنيين، لاسيما مسئولين بالحكومة وقيادات بمكونات جنوبية من المقيمين في مصر، على سوق العقارات، فكثير منهم توجهوا للاستثمار في مجال المطاعم الفاخرة والشركات والمصانع الإنتاجية، لاسيما في الأغذية.

وشهدت الاستثمارات اليمنية في مصر خلال السنوات الماضية، نمواً كبيراً، وشملت قطاعات عديدة، منها الصناعات الغذائية والمشروبات، والصناعات البلاستيكية، وقطاع العقارات، وامتدت مؤخراً إلى الاستثمار في قطاعات البترول والحفارات.

وتحدثت مصادر عديدة عن أن بعض الشركات اليمنية باتت من كبريات الشركات في مصر والشرق الأوسط، خصوصاً شركات صناعة الأواني الزجاجية، وصناعة المنظفات، والأغذية الخفيفة، والألمنيوم، ومصانع كبيرة لصناعة الكرتون ومصانع الملابس الجاهزة.

 مستثمرو الرياض وأبوظبي

التواجد اليمني في دول الخليج ليس بجديد، أو غريب، ولكنه اتخذ، عقب حرب 2015، منحى مختلفا، حيث لم يقتصر هذا التواجد على البسطاء من المغتربين اليمنيين، أو التجار ورجال الأعمال.

بل أصبح الأمر متعلقا أيضاً بالسياسيين والقادة العسكريين، ممن استقطبتهم دول التحالف العربي المحوريتين، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

سياسيو اليمن في أبوظبي والرياض راحوا يستثمرون في مختلف الجوانب والقطاعات الاقتصادية، مستعينين بسلطة تواجدهم بناءً على طلب التحالف.

كما اختلفت استثمارات الرياض وأبوظبي عن استثمارات أثرياء اليمن في اسطنبول والقاهرة، حيث تركزت في دول الخليج على قطاعات الاتصالات والبورصة، والإعلام، من خلال فتح قنوات فضائية في الرياض ذات أهداف خاصة بحسب تقارير اقتصادية.

غير أن الإحصائيات والأرقام الحقيقية للاستثمارات في السعودية والإمارات لم تكن بذات الشفافية المتاحة للاستثمارات في اسطنبول والقاهرة؛ لعدة أسباب.

وأهم تلك الأسباب يكمن في أن تواجد هؤلاء المستثمرين اليمنيين في دول  التحالف جاء بصفة سياسية، كممثلين عن الحكومة الشرعية، أو المجلس الانتقالي الجنوبي، ولا يقارن تواجدهم بتواجد أولئك المستقرين في تركيا ومصر.

 مختلفون في الداخل.. شركاء في الخارج!

شكلت الصراعات والحروب التي تشهدها اليمن، والمواجهات المتقطعة التي تعيشها بين الفترة والأخرى عدد من مناطق البلاد، كعدن وأبين مثلاً، سبباً للاختلافات بين الشخصيات السياسية والعسكرية اليمنية.

غير أن اللافت في شأن استثمارات السياسيين والعسكريين والتجار اليمنيين  في الخارج، أن أية خلافات أو صراعات يتم طرحها جانباً، متى ما تحققت المصلحة الربحية والتجارية.

وهو ما جعل عدداً من التقارير الصحفية ترصد شراكات تجارية واستثمارية لكثير من المنتمين لتيارات ومكونات سياسية متناقضة ومتصارعة، أو هكذا يراد لليمنيين أن يفهموا ويستوعبوا المشهد المحيط بهم.

حيث أشارت تقارير إعلامية نشرت في مواقع إخبارية، رصدتها (عدن الغد) أن هناك شراكات حدثت بين مسئولين في الحكومة الشرعية، وقيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي، من خلال تأسيس وإنشاء مطعم سياحي ضخم في إحدى دول الإقليم.

وهو ما يفتح الباب واسعاً للعديد من التساؤلات حول الخلافات والصراعات التي تعصف باليمنيين في الداخل وتحيل حياتهم إلى مأساة، بينما قادة المتصارعين يتمتعون بشراكات اقتصادية ويتقاسمون أرباحها بعيداً عن أية معاناة أو منغصات!.

 أثرياء من كل الانتماءات

المحزن في الأمر أن كثيرا من تلك الاستثمارات للأثرياء اليمنيين في الخارج، تعود إلى قادة في المقاومة، سواء كانوا من عدن، أو تعز، أو حتى مأرب والجوف.

بالإضافة إلى وجود قيادات سياسية وعسكرية منتمية إلى حكومة الشرعية اليمنية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة إلى قيادات في المليشيات الحوثية وأحزاب يمنية عريقة، كالمؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري وغيرهم، وحتى من قادة الحراك.

أما الجزئية المحزنة في الأمر هو أن غالبية أولئك ممن يصنفون أنفسهم ضمن المناضلين الكبار، يبنون ثراءهم على حساب بؤس الغالبية العظمى من اليمنيين البسطاء، بحسب محللين.

هذا التنوع والتعدد في نوعية المسئولين والقادة السياسيين والعسكريين المستثمرين في الخارج، يؤكد أن ليس ثمة من يكترث لأمر هذا الشعب، وأن كل الشعارات التي ترفع ليل نهار عبر وسائل الإعلام باسم المواطن البسيط هية لأجل الاستهلاك الإعلامي ليس إلا، بينما الواقع يقول غير ذلك.