آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-01:27م

ملفات وتحقيقات


كانت المشكلة القبلية وقضايا الثأر من القضايا الملحّة التي واجهت مرحلة الاستقلال المبكرة .. فما هي دوافعها ؟

الإثنين - 21 سبتمبر 2020 - 11:36 ص بتوقيت عدن

كانت المشكلة القبلية وقضايا الثأر من القضايا الملحّة التي واجهت مرحلة الاستقلال المبكرة .. فما هي دوافعها ؟

(عدن الغد) خاص

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( عشرون )

متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيها ..

 المشكلة القبلية وإنهاء الثأر  

يعرضنا الرئيس الاسبق لليمن الجنوبي علي ناصر محمد في هذه الحلقة عن المشاكل القبلية وقضايا الثأر التي واجهة مرحلة الاستقلال المبكر حيث يقول :" كانت المشكلة القبلية وقضايا الثأر من القضايا الملحّة التي واجهت مرحلة الاستقلال المبكرة، وكان بالإمكان تقديم معالجات جذرية لهذا الواقع لو كان المناخ السائد داخل القيادة أفضل مما كان عليه. وفي الواقع، فقد أُلقي عبء المعالجات الميدانية لمشاكل القبائل المتداخلة على عاتق بعض القياديين وجهاز الجبهة القومية في الصف القيادي الثاني، ومسؤولي المناطق الريفية. وأدت المشاورات والمبادرات في هذا الموضوع إلى التوصل إلى أفكار آنية لإنهاء الاقتتال القبلي وتطويقه، وتجسّدت تلك الأفكار، فيما بعد، بالقرار الذي أصدره وزير الإدارة المحلية في 2 شباط/ فبراير 1968م، تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية، وتضمن ما يأتي:

"نظراً لما تقتضيه المصلحة العامة وضرورة الحفاظ على أمن المواطنين وسلامتهم في كافة أنحاء الجمهورية، وتثبيتاً لقرارات الصلح بين القبائل التي أصدرتها القيادات المحلية للجبهة القومية في كل المحافظات الست وضرورة توجيه كل الأيدي في هذه الجمهورية نحو بناء مستقبل مشرق لهذا البلد على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، تقرر ما يلي:

1- إعلان صلح عام بين جميع القبائل في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لمدة خمس سنوات اعتباراً من يوم الاثنين 1/1/1968 الموافق 1 شوال 1387هـ.

2- تجميد كل قضايا الثأر السابقة لهذا التاريخ.

- كل من يخالف هذا القرار، ويقف في وجه الحكومة متحدياً هذا القرار سيعتبر مجرماً وسيحاكم وينفذ فيه الحكم فوراً من قبل سلطة الحكومة.

4- لا يحق لأيّ شخص أو قبيلة الأخذ بالثأر مهما كانت الأسباب، وعلى هذا الشخص أو القبيلة الرجوع إلى الحكومة بأيّ شكوى حول أيّ شيء يأتي ضمن الأخذ بالثأر.

يعتبر هذا القرار متمِّماً للقرارات الصادرة من القيادات المحلية للجبهة القومية في المحافظات وتعميماً لها.

5- على السادة محافظي المحافظات الست تنفيذ هذا القرار والعمل بموجبه، والله وليّ التوفيق

تطبيق قرار إنهاء الثأر

وحول تطبيق قرار إنهاء الثأر يستدرك بالحديث ويقول :" وفي نهاية عام 1969م عُقد اجتماع في قرية الريّ أثناء افتتاح طريق الري - جيشان، وقد حضر هذا الاجتماع المهيب الآلاف من أبناء القبائل وشيوخها وأعيانها، وعلى رأسهم الشيخ سالم علي لعور، والشيخ دهول عن قبائل ربيز، وصالح علي بن علي بن محمد عن العلهيين، وصالح سواد وصالح أحمد مصمع عن آل فطحان، ومحسن الكنهوش شيخ منصب جابرة، ومحمد سالم الدماني عن آل دمان، وحضره أيضاً ممثلون لقبائل آل حسنة والمياسر والجعادنة والمرازيق وآل ديان، وعلوي بن قدرية عبودي وغيره من المشايخ.

وقد وقّعوا على ما سُمِّي حينها "اتفاقية الصلح بين القبائل في هذه المنطقة". حضر هذا الاتفاق وأشرف عليه كل من رئيس الوزراء محمد علي هيثم، ووزير الداخلية محمد صالح مطيع، ووزير الإدارة المحلية علي ناصر محمد ، وحيدر العطاس وزير الأشغال العامة وآخرون. وكان للمناضل عبد الله الهيثمي دور مهم في إقناع القبائل بلقاء التصالح، فقد بقي في تلك المناطق أكثر من شهرين، يحاول إقناع المشايخ بتناسي الماضي، وكان الشاعر جازع امسعود قد استقبل رئيس الوفد الحكومي برئاسة رئيس الوزراء ببعض المراجيز الشعبية، حثّهم فيها على الاهتمام بالشعب، وذكّرهم بالوزير في حكومة اتحاد الجنوب العربي عبد الرحمن جرجرة، أتذكر منها البيتين الآتيين:

يـا بـن علي هيثم كبير القومية لا تلبسون الكوت والبدوي جرم

شـوف قد لبسها جرجرة من قبلكم واليوم يجري بين مـكة والحرم

والحقيقة أنّ القبائل في الجنوب أبدت درجة عالية من الوعي والانضباط والتزام هذا القرار، وفي احترام النظام والقانون وسيادة الدولة الجديدة، وكانت ترى فيها تجسيداً لإرادتها الوطنية التي طالما قاتلت البريطانيين من أجل انتزاعها.

فقد قامت في الجنوب دولة قوية مهيبة ليس فيها مكان للطائفية والحقد والكراهية والثأر والرشوة والفساد. فعندما أعلن الرئيس قحطان محمد الشعبي الصلح العام بين قبائل الجنوب الشرسة، كما أشرت آنفاً، احترم الجميع هذا القرار منذ قيام الدولة في الجنوب في 30 نوفمبر 1967 إلى قيام الوحدة عام 1990، وهذا دليل على أنّ الشعب يحب الحياة والسلام ويحترم الدستور والقوانين.

اختفى الثأر والسلاح

ويضيف في حديثه :" اختفى السلاح والثأر، وزالت الفتن والأحقاد، وأصبحت المدن والقرى والأرياف والطرقات آمنة من مشرق البلاد إلى مغربها، فالناس ينامون في بيوتهم آمنين، وعلى الطرقات والشواطئ العامة بين عدن والمهرة في شرق الجمهورية، فلا لصوص ولا قطاع طرق، فلا أحد يحمل السلاح الذي اختفى بكل أنواعه، حتى الخناجر والسكاكين والعصيّ و(الباكورة) في الحارات، وساد فيها الأمن والاستقرار، وأصبح الناس يحترمون النظام والقانون والدولة ودستورها وقوانينها، ويلجأون إلى حلّ مشاكلهم من طريقها، وليس من طريق الاحتكام إلى السلاح، بعد أن صاروا متساوين أمام القانون في كل شيء، صغيرهم وكبيرهم ووزيرهم ورئيسهم، وأصبح السلاح بيد الدولة ومؤسساتها فقط. حتى في المناسبات والأفراح، فإنك لا تسمع طلقة في أيّ مدينة أو قرية، حتى أطراف الصحراء. وأتذكر أنني بعد أن غدوتُ رئيساً للبلاد، حضرتُ مهرجاناً جماهيرياً في غيل بن يمين بحضرموت عام 1982، فإذا بأحد المواطنين يصيح: "مظلوم.. مظلوم يا رئيس"، وكان صوته يعلو فوق صوت الميكروفون، وطلب منه البعض أن يصمت حتى ينتهي المهرجان، وقد طلبتُه للمثول أمامي في منزل صالح بن حسينون لأعرف الظلم الذي حلّ به، فدخل وصاح: "مظلوم يا رئيس، أريد العدالة منكم"، طلبتُ منه الجلوس، فجلس وهو يردّد: "مظلوم".

وسأل: هل ستنصفني؟

أجبتُه: إذا كنتَ على حق.

قال: مظلوم.

علّق بن حسينون بطريقته الساخرة (لبوك الراعة يا عبيد الغلال)، وكان هذا اسمه، تكلم هل أخذوا عليك مالك؟

قال: ما عندي مال، عندي عيال، واليوم يوم فرحهم وعرسهم، وطلبت من الحكومة أن يسمحوا لنا بإطلاق النار في الفرح ورفضوا، وأنا أطلب خمس طلقات ورشاش من شان نطلق النار في فرح أولادي!

قلت له: هذا الظلم الذي حلّ بك؟

قال: نعم.

قلتُ له: طالما أنك تحترم النظام والقانون الخاص بتنظيم السلاح وحمله، فأنا أهديك 50 طلقة، وهذا الرشاش لاستخدامه الليلة وتعيده للشرطة بعد الفرح.

فرح وقام وهو يصيح: "عاشت العدالة عاش الرئيس".

قدّرتُ موقف هذا الشخص وغيره الذين يحترمون الدولة وهم موجودون على بعد 800 كيلومتر من العاصمة عدن التي لم تشهد أو تسمع فيها طلقة واحدة من المواطنين منذ قيام الدولة، ما عدا طلقات الرفاق بعضهم على بعض، مع الأسف، أثناء مراحل مختلفة من الصراع السياسي في الجنوب، وهذا ليس شأننا وحدنا في عدن، ولكن شمال اليمن وبعض الدول العربية مرّت بمثل هذه الصراعات ولا تزال. للحديث بقية ) ..