آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-01:40م

ملفات وتحقيقات


تقرير: ما هو مستقبل حرب أبين.. وهل ستتحول إلى حربٍ طويلة الأمد؟

الإثنين - 14 سبتمبر 2020 - 11:08 ص بتوقيت عدن

تقرير: ما هو مستقبل حرب أبين.. وهل ستتحول إلى حربٍ طويلة الأمد؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول أسباب ومآلات استمرار حرب أبين دون حسم أو توقف حتى اليوم..

ما هو مستقبل هذه الحرب.. وهل ستتحول إلى حربٍ طويلة الأمد؟

لماذا تحولت من معارك محدودة قد تحسم في ساعات إلى حرب مفتوحة؟

هل الهدف استنزاف الانتقالي والشرعية على السواء؟

ما هي الأضرار التي تسببت بها اجتماعياً وما علاقتها بوقف مرتبات العسكريين؟

هل أغفل التحالف والعالم هذه الحرب.. وكيف تحولت إلى صراع دولي؟

أين اتفاق الرياض من هذه الحرب؟

حرب أبين المنسية

تقرير / بديع سلطان:

غادرت الحكومة اليمنية عدن، وتوجه ما بقي من قواتها العسكرية نحو الشرق،
عقب سيطرة مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، بعد مواجهاتٍ
دامية استمرت أياماً (أغسطس 2019).

كان صقور الحكومة الشرعية يرددون ليل نهار أنهم سيعودون إلى عدن خلال
ساعات، وبصورةٍ أكثر قوة، بعد أن عللوا سبب خروجهم من المدينة بتدخل قوى
إقليمية دعمت الانتقاليين وقلبت موازين القوى.

وبالفعل.. أعدت القوات الحكومية العُدة؛ لتحقيق هذا الوعد، وبدأت الحشود
تتوالي من شبوة إلى منطقة وسط أبين، حيث كانت ساحة المواجهة بين
الجانبين، ونقطة التماس المشتعلة على الدوام.

سعت القوات الحكومية إلى حسم معركة العودة إلى عدن في ساعات- كما تمنت-
غير أن انكشافها في صحراء العلم (المدخل الشرقي لعدن)؛ جعلها لقمةً سائغة
للطيران الداعم لمقاتلي المجلس الانتقالي.

تقهقرت قوات الشرعية، وما برحت مواقعها على جبهة الشيخ سالم والطرية وعلى
تخوم قرن الكلاسي، بينما تقابلها قوات المجلس الانتقالي، في تمترسٍ عسكري
للطرفين يحاكي الانقسام الفعلي على مختلف الصُعد السياسية والاجتماعية في
الجنوب.

حرب الساعات.. استمرت شهوراً

منّتْ القوات الحكومية نفسها بحسم معركة أبين خلال ساعات، أو أيامٍ إن
طال الأمر، عطفاً على إيمانها بقدرتها على إحداث الحسم والوصول إلى عدن
وولوجها في زمنٍ قياسي، إذا تم تحييد أي من اللاعبين الإقليميين.

غير أن ما تمنته قوات الشرعية لم يتحقق، بحسب الواقع المشاهَد، فالمعارك
مازالت جارية في الشيخ سالم وجبهات وسط أبين غرب مدينة شقرة، إلى اليوم.

ورغم أن اتفاق الرياض- بصيغته الجديدة- دعا إلى إيقافها حتى يتسنى لوفدي
الشرعية والانتقالي التشاور مجدداً في العاصمة السعودية، ووضع حدٍ لهذه
الحالة من اللا سلم واللا حرب التي يبدو أنها لن تنتهي قريباً، إلا أن
القتال ما زال مستمراً.

فحرب الساعات التي بشّر بها أنصار وصقور الشرعية، لم تنجز أهدافها، بل إن
الساعات تحولت إلى حربٍ مفتوحة، تتجدد فيها المعارك تارةً، وتخمد تارةً
أخرى بفعل الضغط السعودي، التي تدخلت مرةً واحدةً فقط ودعت إلى إيقاف
القتال، أو بفعل مستوى التقدم والتراجع الذي تُحدثه مشاورات الرياض.

ووفق تحليلات البعض فإن ثمة العديد من العوامل التي ساهمت في استمرار
القتال والحرب في أبين شهوراً، بدلاً من أن تتوقف نهائياً، فهناك عوامل
تتعلق بالمتصارعين، وأخرى مرتبطة بدول التحالف العربي.

لماذا تحولت إلى حربٍ مفتوحة؟

يبدو مستقبل حرب أبين ضبابياً، بحسب توقعات المراقبين، الذين ربطوا مآلات
هذه المعارك بطرفي الصراع والقتالي المباشرين، بالإضافة إلى الأطراف
المُحرّكة والداعمة.

فثمة من يقول إن القوات الحكومية لم تحسب حساباً لتداعيات وما يترتب على
مغامرتها وإصرارها على العودة إلى عدن مجدداً، كما أن غرورها منعها من أن
تتوقع صمود قوات الانتقالي بهذه الطريقة وسط أبين، وتتسبب بتأجيل حلم
الشرعية للعودة عن طريق القوة إلى عاصمتها المؤقتة.

وهذا ما أدى إلى استمرار الحرب كل هذه المدة، وتحولها إلى حرب طويلة
الأمد، على ما يبدو.

وعلى غير العادة، أصبح المجلس الانتقالي يمتلك قواتٍ مسلحة قادرة على
الذود عن عاصمته الأبدية، ليس على تخومها وأطرافها، بل إن دفاعاته تبدأ
من وسط أبين، على بُعد عشرات الكيلومترات من عدن.

ويفسر محللون هذه النتيجة بوجود تطور نوعي لقوات الانتقالي سمح لها
بمواجهة القوات الحكومية كل هذه المدة، وهو ما كشفت عنه تقارير صحفية،
تناولتها (عدن الغد) مسبقاً، بدخول مدرعات ودبابات حديثة إلى ساحة
المعركة لصالح قوات الانتقالي.

وفي المقابل، تحارب القوات الحكومية على أكثر من جبهة، مع الحوثي شمالاً
في مأرب والجوف، ومع الانتقالي جنوباً في أبين، وهذا ما يمنعها من توفير
معدات أو مقاتلين نوعيين يحققون لها الحسم العسكري، بحسب طرح محللين.

لكن يبقى هناك تحليل يقاوم تحليلات التفوق في الجوانب الفنية والتقنية
العسكرية التي يمتلكها كل طرف، ويكمن هذا في تدخلات اللاعبين المؤثرين في
تواصل القتال، ونقصد هنا الأطراف في التحالف العربي.

حيث يرى البعض أن قوى في التحالف العربي تضغط نحو منع حدوث أي حسم عسكري
واضح في معارك أبين المشتعلة حالياً، كما يرفض خروج أي طرفٍ منتصر في هذه
الحرب؛ لأن مثل هذا الانتصار يُغري صاحبه على فرض شروطه من موقع قوة، على
حساب الطرف الآخر.

وفي حالة تغليف هذا الطرح تغليفاً ناعماً، يمكننا حينها القول إن قوى
التحالف تسعى إلى أن يكون طرفا الصراع في الجنوب، أو في اليمن عموماً،
على ذات الصعيد من القوة والندية، وألا يتفوق طرف على آخر؛ حتى يحافظ
التحالف على مسافات واحدة من الجميع.

ويمكن أن يكون سببٌ كهذا عاملا مهما في تحول معركة أبين إلى حرب مفتوحة،
وعدم حسمها منذ شهور عديدة.

حرب استنزاف

وعطفاً على ما سبق من تحليلات وتفسيرات، يرى كثير من المراقبين أن ثمة من
يحاول أن يُلهي قوات الانتقالي ونظيرتها الحكومية في حربٍ وقتال بيني،
وإغفال العد الحقيقي المتربص بكليهما، سواء على حدود مأرب، أو على تخوم
الضالع وكرش.

غير أن عدداً من المحللين يقولونها صراحةً، ويكشفون عن وجود توجه
لاستنزاف قوات ومعدات كلا الطرفين (الانتقالي والشرعية)، واستنزافها في
مواجهة بعضهما البعض، من خلال حرب مفتوحة، لا خاسر ولا منهزم فيها.

ومن شأن اعتماد مثل هذه السياسة، أن تستمر الأوضاع في أبين على ما هي
عليه الآن، وأن يبقى الحال متأرجح ما بين قتال متكرر، وهدوء نسبي سرعان
ما ينفجر.

ويؤكد مراقبون أن نتيجة تلك السياسة غير مرحب بها من كلا الطرفين، فليس
من مصلحة الانتقالي أن يهلك قواته ومقاتليه دون هدفٍ واضح، وذات الأمر
يتعلق بقوات الحكومة الشرعية التي لن تقضي على ما تبقى من سمعة جيشها
المترنح.

غير أن الانتقالي والشرعية، لن يستطيعا مواجهة هذه الحقيقة، ولا يمكن
لأحدهما أن يسلم للآخر، أو أن ينسحب، حتى ولو أدرك الطرفان أنها ضحية
استنزاف مخيف لقواتهما.

فالأول يسعى إلى تحقيق ذاته، وفرض نفسه ككيان حديث التأسيس، قادر على
الصمود والمواجهة، والذود عما تحته من مناطق يسيطر عليها، بينما الشرعية
لن تفرط بعدن ولا بما تحت يديها من مناطق في أبين وما وراءها.

لهذا يبدو الطرفان يمضيان نحو هاوية الاستنزاف، مجبرَين ومكرهَين، حتى
يحافظا على ماء وجهيهما أمام أنصارهما، دون تحقيق أي مكاسب تذكر.

نظرة العالم والتحالف

حين اندفعت قوات الانتقالي نحو الشرق، في محاولة منها لإسقاط أبين ومن
ورائها شبوة وحضرموت، فيما عُرف بعملية "الزحف شرقاً"، توقفت أحلامه في
شقرة، على أعتاب الشيخ سالم والطرية.

حيث كانت القوات الحكومية هناك أقوى شأناً منها في عدن، فالمدد كان يصل
إليها من شبوة ومأرب، بينما ظلت قوات الشرعية محاصرة في عدن، ولم تجد من
يمدها ويدعمها.

كان الصدام قوياً في أبين، حيث خطوط التماس بين الجانبين، وهو ما دفع
التحالف العربي ممثلاً بالمملكة العربية السعودية إلى جمع وفدي كل طرف في
الرياض وإطلاق مشاورات أفضت إلى التوقيع على اتفاق يقضي بتطبيع الأمور في
عدن وأبين، ووقف حالة الحرب (نوفمبر 2019).

كانت الأجواء المحيطة بالاتفاق إيجابية، حتى أن الأمم المتحدة ذاتها، عبر
مبعوثها إلى اليمن، اعتمدت اتفاق الرياض كأحد المرجعيات لإبرام حل شامل
ونهائي للأزمة اليمنية، بناءً على ما سيتم من تفاهمات على الأرض، بموجب
الاتفاق.

غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وبقيت أبين تواجه قذائف ونيران الجانبين،
وبقيت عدن خاليةً من الحكومة، وتحت سيطرة الانتقالي، حتى باتت أبين ساحة
معركة منسية، من التحالف ومن الأمم المتحدة والعالم.

فالاتفاق لم يُنفذ منذ نوفمبر 2019، وحتى اليوم، رغم مقاربة العام على
توقيعه من الجانبين، ورغم دعوات راعية الاتفاق (السعودية) بضرورة إيقاف
القتال؛ للتأكيد على حسن النوايا من قبل الطرفين، إلا أن كلاهما مضى في
معاركه.

لكن هناك من يعتقد أن جائحة كورونا ليست هي من أغفل الاهتمام بحرب أبين،
وساهم في تهميشها سياسياً وإعلامياً، بل أن هناك عوامل أخرى أكثر أهمية
من تداعيات الفايروس.

وتتجسد تلك العوامل في أن ما يجري في أبين قد بدأ يتخذ أبعاداً إقليمية
ودولية حتى، فالتحليلات تتزايد حول هوية من يغذي أو يدعم هذا الطرف أو
ذاك من القوى العالمية، المرتبطة بالمصالح السياسية والاقتصادية.

فثمة من يظن أن هناك صراعا دوليا على أرض أبين، أدى إلى عدم حسم الحرب
هناك، واستمراريتها بهذا الشكل العبثي الذي لا يوحي بوجود منتصر أو
مهزوم.

ويربط محللون هذا الصراع الدولي في أبين برغباتٍ تركية وقطرية وسعيهم
لإيجاد موطئ قدمٍ لهم في اليمن، عسكرياً هذه المرة، وليس فقط سياسياً أو
خيرياً كما كان سابقاً.

في المقابل، تحاول الإمارات وحتى السعودية، منع مثل هذا التواجد القطري
التركي في أبين من خلال دعم أنقرة والدوحة لشخصياتٍ حكومية تمثل جناح
الصقور في الشرعية.

وهذا ما يفسر تحرك الرياض مدعومةً من أبوظبي لإحياء النسخة الثانية من
اتفاقها الموقع بين الانتقالي والحكومة، عقب تدخل الأتراك في ليبيا
وإسهامهم في قلب موازين القوى هناك، فكان التخوف من تكرار ذات المشهد في
اليمن.

وبناءً على ما لدينا من مخاوف نابعة من القوى الدولية والإقليمية
المتصارعة على اليمن، بقيت جبهة أبين تراوح في مكانها، دون تحقيق أية
نتيجة.

الحرب المنسية

اندلعت حرب أبين ما بين أواخر أغسطس وبدايات سبتمبر 2019، وما هي إلا
شهور قليلة حتى انشغل العالم بحربه مع جائحة فايروس كورونا، التي اجتاحت
المعمورة برمتها، ولم تُبق صغيرةً ولا كبيرةً إلا أتت عليها.

ويعتقد محللون أن انشغال العالم بالجائحة جاء على حساب الوضع العسكري
والسياسي في اليمن، حيث ركزت جميع الدول على أزماتها الداخلية صحياً
واقتصادياً جراء كورونا، وأهملت ما دونها من أزمات.

وحتى الدعوات التي أطلقتها المنظمة الأممية لإيقاف القتال في اليمن لم
تكن موجهة لطرفي الصراع في أبين، بل كانت مقتصرة على التحالف ومليشيات
الحوثي؛ بهدف التفرغ لمواجهة كورونا.

وكانت المملكة العربية السعودية، بصفتها قائدة التحالف العربي، منهمكة هي
الأخرى في ترتيب بيتها الداخلي؛ بسبب الجائحة، ولم تلفت حتى اليوم إلى ما
يجري في أبين من معارك، ربما تشعلها وتطفئها نتائج ما يجري في الرياض من
مشاورات.

استمرت معارك أبين في قلب أزمة الفايروس، وهو ما حول أخبارها إلى أنباء
هامشية، بعد أن كانت تتصدر عناوين المواقع والصحف والقنوات الفضائية.

نظرة اتفاق الرياض لهذه الحرب

يُرجع كثير من المتابعين أسباب انعقاد مشاورات الرياض إلى المواجهات
العنيفة في أبين، والتي تفجرت عقب سيطرة الانتقالي على عدن (أغسطس 2019).

ولهذا فإن متابعين يعتبرون أن معارك أبين مثلت "ترمومتر" المشاورات
الجارية في العاصمة السعودية، ليس فقط في جولتها الأولى، بل حتى في
جولتها الثانية التي شهدت تعليقاً مؤقتاً لمشاركة الانتقالي فيها، قبل أن
يعود مجدداً، تحت مبرر استمرار القوات الحكومية بالتحشيد نحو أبين.

حتى أن المملكة دعت الأطراف إلى إيقاف القتال في أبين، قبيل بدء مرحلة
جديدة من مشاورات الرياض، والتي تمخض عنها تعيين محافظ لعدن ومدير أمن
جديد، بالإضافة إلى مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة التي ما زالت رهينة
المشاورات.

ودعوة السعودية تلك تعني أن المعارك الجارية في أبين تشكل محوراً مهماً
في استمرارية الفرقاء والمتصارعين أن توقفهم عن الخوض في أية مفاوضات أو
تفاهمات.

حتى أنها باتت اليوم بمثابة الأداة التي من خلالها يستطيع كل طرف الضغط
على نظيره؛ لتحقيق مكاسب سياسية، أو بمعنى آخر: أصبحت حرب أبين تجسيدا
فعليا لسياسة (العصا والجزرة) في اليمن، وهذا ما يفسر بقاءها دون حسم.

آثارها الاجتماعية عميقة

لم تقتصر تأثيرات حرب أبين على الجوانب العسكرية والسياسية، بل تعدّتها
لتشمل كافة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.

وثمة مواطنون يدلون بشهاداتهم لـ(عدن الغد) حول مأساوية المشهد هناك على
خطوط وجبهات القتال في أبين، والنتائج الكارثية التي نتجت عنها، من تشريد
الساكنين وإجبارهم على النزوح.

بالإضافة إلى تقطع السبل بالمسافرين بسبب منع التنقلات بين خطوط التماس،
وإرغام العائلات على المبيت في قارعة الطرق حتى بزوغ الفجر للمرور نحو
الضفة المقابلة!.

كل ذلك لم يكن أكثر مأساوية من تخوف المراقبين من مآلات وتداعيات استمرار
الحرب في أبين على النسيج الاجتماعي في الجنوب، واعتبروا أن عدم توقفها
يساهم في تفاقم المناطقية بين أبناء الجنوب، وبالتالي انعكاس ذلك على
القضية الجنوبية.

فالحرب في أبين رسخت مزيداً من الانقسام الجنوبي الجنوبي، وفرزت
المواطنين بحسب المناطق وانتماءاتهم القروية الضيقة، وهو ما يؤدي في
النهاية إلى كوارث مأساوية، قد تكرر ما وقعت فيه أنظمة سابقة في الجنوب،
جنت على نفسها وعلى الدولة بسبب هذه الممارسات.

ولهذا تبدو حرب أبين المنسية متوالية من المآسي التي لن تنتهي، ما لم
يوضع لها حد نهائي.