آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-09:59ص

ملفات وتحقيقات


في تقرير يتناول مصير أرخبيل سقطرى في ظل آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض.. (سقطرى) هل ستشهد عهداً جديداً؟

الخميس - 13 أغسطس 2020 - 03:12 م بتوقيت عدن

في تقرير يتناول مصير أرخبيل سقطرى في ظل آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض.. (سقطرى) هل ستشهد عهداً جديداً؟

تقرير / بديع سلطان:

هل ستنتهي سيطرة الانتقالي على سقطرى أم أن الاتفاق سيكرسها؟

بعد شهور من سيطرة الانتقالي على الجزيرة.. ما دلالات المظاهرات الأخيرة المؤيدة للشرعية؟

رايات الجمهورية اليمنية وشعارات الوحدة.. لماذا عادت إلى سقطرى مجدداً؟

ما حقيقة التحركات الهادفة إلى تغيير ديموغرافية الجزيرة؟

 

ولجت جزيرة سقطرى- البعيدة عن معمعة الحرب- صراع الأزمة اليمنية رغماً عن أنفها، تماماً كما ولجتها محافظات كالمهرة وحضرموت.

لم تكن الجزيرة وأخواتها من محافظات شرق اليمن قد وصلتها نيران وشظايا القتال المتمركز وسط وجنوب البلاد، بين الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي الانقلابية.

لكن أيادي خفية استطاعت جذب الجزيرة الوديعة القابعة على أطراف بحر العرب والمحيط الهندي، إلى معمعة الصراع دون أن يكون لها يدٌ في تفاصيل وأبعاد ما يحدث على البر اليمني.

ربما لم يجنِ أحد على الجزيرة مثلما جنت عليها طبيعتها الخلابة، وجمالها الأخاذ، الذي يبدو أنه سحر ألباب الطامعين، ليس فقط بعجائبها الطبيعة المستوطنة فيها، بل وحتى بموقعها الاستراتيجي المطل على خطوط الملاحة الدولية.

وقعت الجزيرة في براثن المتحكمين بالشأن اليمني منذ 2015، الذين حركوا أدواتهم ودفعوا بها لمواجهة إخوانهم وانتهاج أساليب الملشنة، تحت لافتات مناطقية، للسيطرة على مقدرات الجزيرة وثوراتها بأيادٍ محلية.

وبذلك اشتبك الأخوة داخل ربوع الجزيرة المسالمة، واخذوا بالمناوشات والاقتتال لإرضاء رغبات الممولين، لتسقط سقطرى في مستنقعات الصراع، وتلتحق بركب الصراع اليمني.

لم يكن مرضياً لدى معظم اليمنيين أن تنخرط سقطرى في معمعة الاقتتال، وهي الجزيرة النائية القصية البعيدة عما يجري على اليابسة داخل اليمن، المحتفظة بجمالها، والبعيدة عن تشوهات الواقع السياسي والعسكري هناك.

لكن.. رغماً عنها، أراد البعض لسقطرى أن تصبح إحدى أوراق اللعبة السياسية والعسكرية في الصراع اليمني، ضاربين عرض الحائط بكل مقومات الجمال والسلام المتخمة به هذه الجزيرة.

 

جدلية جلب الصراع إلى الجزيرة

يُصنف كثير من المراقبين ما يحدث في جزيرة سقطرى بأنه "أحد الأخطاء العديدة التي وقعت فيها أطراف داخل التحالف العربي في اليمن".

فالجزيرة شبيهة بمحافظات يمنية أخرى، سُحبت نحو الصراع اليمني، دون أن يكون فيها أية مشكلات أمنية أو عسكرية، ولم تصلها تهديدات المليشيات الحوثية التي كان مبرر التحالف العربي للتدخل في اليمن، وهي إحدى المآخذ التي تؤخذ على التحالف.

غير أن خبراء عسكريين يرون أن موقع الجزيرة ذو أبعاد استراتيجية فليست بمنأى عن الحرب والصراع الدائر على البر اليمني، خاصةً فيما يتعلق بمكافحة تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين عبر البحار.

وتحت هذا المبرر يعتقد الخبراء أن تواجد التحالف في سقطرى مُلح وضروري، وليس فقط التحالف، بل حتى أدواته المحلية التي يثق بها ويرى أنها يمكن أن تكافح عمليات التهريب التي تمر بالقرب من شواطئ الجزيرة.

وانطلاقاً من هذا يذهب أصحاب هذا الرأي إلى طبيعة تواجد التحالف هناك، واختيار الشريك الأنسب لتعضيد وتقوية تواجده في سقطرى، في إطار حربه على مليشيات الحوثي، وضمن خطة تدخله في اليمن.

وفي خضم هذا الجدل، يشير محللون إلى أن ملف سقطرى ما زال شائكاً، ليس فقط بسبب تواجد قوات التحالف في الجزيرة، بمساعدة أدواتها، ولكن أيضاً في للعديد من الملفات الأخرى التي لا تقل جدلية.

 

تسريع اتفاق الرياض

وقعت الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي مطلع نوفمبر 2019، اتفاق الرياض الذي يقضي بتسليم قوات الانتقالي مؤسسات الدولة ومعسكراتها إلى الحكومة اليمنية.

غير أن الاتفاق ظل حبراً على ورق منذ ذاك الحين، ولم تنفذ بنوده، بل إن الأمور تفاقمت وتصاعدت وتيرة المواجهات بين الطرفين الموقعين على الاتفاق في أبين وغيرها من المناطق المحررة.

وهو ما دفع رعاة الاتفاق نحو إيجاد آلية جديدة، وربما اتفاق آخر، لتسريع وتيرة التنفيذ، خاصةً بعد أن شهدت عدة محافظات جنوبية تظاهرات حاشدة لطرفي الاتفاق (الشرعية والانتقالي)، كان هدفها استعراض القوة والشعبية.

وكان الجديد في تلك المظاهرات أنها أعادت تواجد شعارات الجمهورية اليمنية والوحدة وراياتها إلى عدد من المحافظات الجنوبية، وهو ما كان مستحيل الحدوث قبل سنوات قريبة.

ويبدو أن تطورات كهذه هي من ساقت نحو مزيد من التسريع لتنفيذ اتفاق الرياض، لكن كل تلك التطورات لم تكن بقدر أهمية ما حدث في سقطرى، بعد أن سيطر المجلس الانتقالي على الجزيرة بقوة السلاح.

 

مصير سقطرى في الاتفاق

في مايو الماضي سيطرت قوات المجلس الانتقالي على جزيرة سقطرى، وهذه المستجدات هي من دفعت رعاة اتفاق الرياض إلى لم شمل الفرقاء مرةً أخرى في العاصمة السعودية، والبدء في جولة مفاوضات جديدة، وهو ما نتج عنه تسريع تنفيذ الاتفاق، من خلال تعيين محافظ ومدير أمن جديدين لمدينة عدن، وانطلاق مشاورات تشكيل حكومة جديدة.

غير أن ما لفت إليه المراقبون، بل وحذروا منه، هو خلو الاتفاق الجديد والآلية الجديدة من أي إشارات إلى الوضع في سقطرى، بعد طرد الانتقالي السلطات المحلية هناك عسكرياً، والانفراد بإدارة شئون الجزيرة حتى اليوم.

وبالتوازي مع كل ذلك، ساد الغموض مصير سقطرى من الاتفاق المبرم، والتفاهمات التي تمت في الرياض، خاصةً وأن ما حدث في الجزيرة كان أحد المسببات والدوافع لصياغة رؤية جديدة وآلية مغايرة لتسريع تنفيذ الاتفاق.

 

ما الذي ستجنيه الجزيرة؟

الجزيرة التي تسببت بالضغط نحو تنفيذ اتفاق الرياض، بشقه السياسي المتمثل في تشكيل حكومة جديدة وتعيين محافظ ومدير أمن جديدين لمدينة عدن، لم تجن الكثير من الاتفاق.

فالتوتر هناك لم ينته بعد، وما زالت الأخبار تتوالى من سقطرى عن وجود ممارسات من قبل الطرف المسيطر على الجزيرة، ضد ما تبقى من ممثلين عن الحكومة الشرعية.

ونظراً لهذا الوضع، ورغم بدء سريان تنفيذ اتفاق الرياض الذي استفادت منه محافظات أخرى، لم تحصل سقطرى على ما تتمناه من استقرار وتجاوز لحالة التوتر حتى الآن.

لهذا يرى مراقبون أم بقاء الوضع على حاله، وعدم استفادة الجزيرة أو إدراجها ضمن التسوية القادمة؛ سيؤدي إلى تفاقم الأمور، والتأثير على موقع الجزيرة وثرواتها، التي ستخرج من أيدي الحكومة الوطنية، وستنتقل إلى سلطات محلية موالية للخارج.

فموقع الجزيرة المتاخم لطرق التجارة والملاحة الدولية، وممرات نقل النفط من الخليج عبر باب المندب نحو أوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى ثروات سقطرى الطبيعية، لن يستفيد منه أهاليها ولا حتى الدولة اليمنية.

لهذا يبدو جلب الاستقرار، وإنهاء حالة التوتر وإدراج سقطرى ضمن المستفيدين من اتفاق الرياض، أمر ضروري حتى تستطيع الجزيرة أن تجني ثمار التوافق وتنفيذ الاتفاق؛ وتعود الحياة إلى طبيعتها.

وإذا لم يتحقق ذلك، فإن المشكلات في سقطرى ستستمر، وستتفاقم الأوضاع هناك، رغم توافق الفرقاء في الرياض، وانطلاق عملية التنفيذ الفعلي للملف السياسي.

 

إيقاف تجريف الهوية السقطرية

ناشطون محليون وبيئيون ينظرون إلى أن استفادة سقطرى من الاتفاق مطلب مُلح، لإيقاف محاولات تجريف الهوية والثروة الطبيعية في الجزيرة.

فهم يشيرون إلى وجود نشاط محموم ومحاولات للتشويش على هوية الجزيرة، وسلخها من محيطها اليمني.

وهي محاولات تكشف عن مساعٍ لتغيير ديموغرافية الجزيرة، وطمس هوية سكانها وانتمائهم لبيئتهم المحلية في الجزيرة، أو الوطنية للبر اليمني.

كما تحاول بعض الأطراف جر اليمن نحو نزاع حدودي حول جزيرة سقطرى مع دولة مجاورة، تمتلك حدوداً بحرية مع اليمن، رغم تأكيد الجغرافيا والوثائق التاريخية أحقية اليمن بالجزيرة وتبعيتها اليمنية.

 

تكريس الشراكة

كل ذلك يمكن أن ينتهي في حال تضمين سقطرى في تفاصيل الاتفاق بين الانتقالي والشرعية، وتنال منه نصيباً يتناسب ومكانتها الطبيعية والاقتصادية والاستراتيجية لليمن.

وسيساهم سحب الاتفاق على سقطرى إلى إنهاء سيطرة قوات المجلس الانتقالي على الجزيرة، وإتاحة المجال أمام فرص الشراكة بين هذا الأخير والشرعية، كما هو من المقرر أن يحصل في عدن وأبين وحضرموت وبقية المحافظات الجنوبية.

فالشراكة بين الطرفين هي وحدها الكفيلة بتحقيق الاستقرار وتأمين الوضع العام في الجزيرة، وتوفير شيء من التفاهم بين الفرقاء السياسيين هناك، كما يتمناه المراقبون والمحللون.

خاصةً وأن المبادئ والقيم التي يحملها اتفاق الرياض، مليئة بدعوات الشراكة والتوافق والوئام المشترك، وتقاسم السلطة والثروة بين مختلف المكونات السياسية، وليس فقط بين الشرعية والانتقالي.

 

تنوع طبيعي وسياسي

التنوع الاجتماعي الذي تزخر به الجزيرة لا يختلف عن التنوع السياسي الذي تتمتع به، فسقطرى في الأخير جزيرة تتقاطع وتحيط بها مختلف ثقافات وهويات العالم وتمر بها، وتستقر فيها حتى.

ولن تقف هذه الميزة المنفتحة على اختلافات بين الانتقالي والشرعية، فأبناء الجزيرة منفتحون تماما؟ كالبحر الذي يحيط بالجزيرة، كما أنهم متنوعون ومتعددو الانتماءات، وليسوا بأصحاب ولاءات ضيقة أو متعصبة.

لهذا لا يمكن حصر الجزيرة على لونٍ واحد، او توجهٍ وحيد، كما يدعي البعض، فالتعدد طبيعة حتمية لا مفر منها، تساعد على تحقيق التوازن السياسي وتمنع الانفراد بالسلطة، وهو ما تحتاجه اية منطقة من مناطق اليمن.

وهو ما أكدته التظاهرات الشعبية التي خرجت قبل أيام في سقطرى، والتي كشفت عن وجود تنوع للفئات والشرائح والانتماءات السياسية في الجزيرة.

 

رايات اليمن في الجزيرة

رغم مرور شهور على سيطرة قوات المجلس الانتقالي وفرض سلطاته على كامل الجزيرة، ظهرت على غير المتوقع أصوات ترفض اللون الواحد في سقطرى، وتؤكد أن التعدد والتنوع حتمي.

فكما أن هناك انتماءات وقناعات سياسية موالية للمجلس الانتقالي، هناك توجهات وولاءات ما زالت تتمسك بالانتماء إلى الحكومة اليمنية وحتى للوحدة اليمنية.

وهو ما تجلى واضحاً في المظاهرات التي شهدتها سقطرى قبل أيام، ورفعت رايات وأعلام الجمهورية اليمنية، وهتفت بشعارات الوحدة والولاء للحكومة الشرعية، وأكدت على موالاتها لخيارات مناهضة للمجلس الانتقالي.

وفي ذلك الكثير من الدلالات والمؤشرات التي لم يغفلها المتابعون أو المحللون في هذا الشأن.

 

الدلالات والمؤشرات

ولعل أهم ما يشير إلى تلك التحركات في سقطرى، هو أن شعبية المجلس الانتقالي الجنوبي يمكن أنها قد تعرضت لانتكاسة جديدة.

خاصةً وأن المجلس وافق على أن يكون جزءاً من الحكومة اليمنية الممثلة للشرعية، وهي ذاتها الجهة التي كان يعاديها الانتقالي وسعى لطردها من عدن وسقطرى.

كما تشير عودة التظاهرات المؤيدة للحكومة اليمنية إلى أن الموالين لهذه الأخيرة موجودون رغم السيطرة العسكرية للمجلس الانتقالي، وهو ما سبق وأن حدث في أبين قبل أسابيع، في مناطق سيطرة الانتقالي، وتكرر قبل أيام في سقطرى.

كما يدل وضع سياسي كهذا على وجود أجواء صحية، ومطلوبة في ظل تعدد الرؤى والانتماءات، ويؤكد عدم انصياع كل اليمنيين إلى دعوات التمنطق والعصبية، ويشير إلى أنها أشياء مرفوضة، وتسهم في تمزيق النسيج الاجتماعي.

كما تدل التظاهرات المؤيدة للشرعية أن كل المحاولات التي تحاول أن تفرضها بعض الأطراف الإقليمية والدولية على اليمنيين وتسعى إلى تمزيقهم لن تمر.

فالانتقالي والشرعية مهما اختلفوا أو تصارعوا سيبقون منتسبين لهذه الأرض، ويمكن لهم أن ينسجموا ويتفقوا.. كما نأمل.