آخر تحديث :الثلاثاء-23 أبريل 2024-12:42م

ملفات وتحقيقات


أمن الطاقة العالمي .. اطلالة على حروب القرن21 (الحلقة الثالثة)  

الإثنين - 10 أغسطس 2020 - 08:34 م بتوقيت عدن

أمن الطاقة العالمي .. اطلالة على حروب القرن21 (الحلقة الثالثة)  

كتب / د. أحمد محمد سميح

دور وأهمية الشرق الأوسط في استراتيجية أمن الطاقة العالمي

 

يمثل الشرق الأوسط المنطقة الحساسة الاهم لأمن الطاقة العالمي ولأمن الطاقة الخاص بالولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى. الولايات المتحدة تعتمد منظومة متكاملة من التدابير السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية "لضمان مصالحها في هذا الاقليم الذي يستحوذ على 35% من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط وفقا لإحصاءات شركةBP. لعام 2016.وحوالي 47.3% من حجم الاحتياطات النفطية المؤكدة عالميا، إضافة الى 60   %من الاحتياطات العالمية للغاز الطبيعي (إيران والسعودية وقطر) بمشاركة روسيا الاتحادية.  يتوقع الخبراء الاستراتيجيون ان يكون الشرق الأوسط المنطقة الأكثر تعرضا لمخاطر حرب شاملة، نظرا لتوسع المجابهة فيه بين العديد من الدول الكبرى. فالنزاعات المسلحة المستمرة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وخطر المواجهة المحتملة للدول العربية مع إيران او مع تركيا والتحالف الإيراني -التركي ضد الأكراد، ووجود القوات الأجنبية الأمريكية والروسية وقوات التحالف الدولي وقتالهما في سوريا والعراق و ليبيا – كلها وقائع تشير الى ان هذه الحروب تدار للدفاع عن المصالح الحيوية لهذه الدول، وهي صراعات بحسب بعض التوقعات يمكن لها ان تتحول الى حروب مفتوحة في المنطقة بمشاركة مباشرة من القوى العظمى ذاتها، خصوصا في حال حدوث تهديد حقيقي مباشر لمصالحها الحيوية .  

خلافا للحرب المعلوماتية وحروب العملات والحروب التجارية، فان حروب الطاقة ستسفك فيها دماء كثيرة. وبهذا الشأن تركز الولايات المتحدة في إطار توجهاتها الاستراتيجية لأمن الطاقة على خصومها الاستراتيجيين (الصين وروسيا- بدرجة رئيسية) وتحاول اضعاف نفوذهما في المنطقة وتعمل على تامين سلامة امن الملاحة للمعابر الدولية الرئيسية التي تمر عبرها امدادات النفط وابعاد الصين تحديدا عن المخزونات الاستراتيجية لموارد الطاقة في المنطقة.

الحاجة المتزايدة لكافة اشكال الطاقة "أسهم في إطلاق سباق كوني تقوده الدول الصناعية وشركاتها النفطية للوصول الى المناطق التي مازالت متخمة بالموارد " وذلك في إطار ما أصبح يعرف باستراتيجية " تسييس قطاع الطاقة العالمي " كمتطلب حيوي لأمنها القومي". وتوظف في ذلك كل إمكاناتها الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية لتامين مصالحها في مناطق الانتاج الرئيسية (خصوصا منطقة الشرق الأوسط ومحيط بحر قزوين وفنزويلا – وهناك أكثر من53   قاعدة عسكرية أمريكية تنتشر على مساحة الشرق الأوسط وغرب اسيا واسيا الوسطى). وتتبع الولايات المتحدة في صراعها على مناطق تموضع مصادر الطاقة في الشرق الأوسط سياسة الاحتواء السياسي والعسكري القائمة على نشر القوات العسكرية وزيادة الإنفاق العسكري وتعزيز نهج " العسكرة وسباق التسلح الكوني".  وفقا لنشرة المعهد الدولي لدراسة المشاكل العالمية في ستوكهولم (SIPRI) الصادرة في ابريل 2019 ارتفع الإنفاق العسكري العالمي في عام 2018 إلى 1822 مليار دولار وهو ما يزيد بنسبة 2.6٪ عن عام2017 واحتلت الولايات المتحدة الأمريكية والصين والمملكة العربية السعودية والهند وفرنسا المراتب الخمس الأولى بمعدل60٪ من اجمالي الإنفاق العسكري العالمي.

 الإنفاق العسكري الأمريكي تصاعد للمرة الأولى منذ عام 2010، بينما سجل الإنفاق العسكري للصين تصاعد سنوي على مدى الأربعة والعشرين سنة الماضية على التوالي. تقديرات النفقات العسكرية المباشرة للولايات المتحدة في عام 2020ستصل الى 750مليار دولار مقابل 642.9 مليار دولار عام 2017 وهو رقم يفوق ميزانية الانفاق العسكري لروسيا الاتحادية ب 16مرة. (47 مليار دولار لروسيا عام 2017م و50.9 مليار دولار للسعودية عام – 2017 ) . 

ان ما يميز ظاهرة " التسييس " لقطاع الطاقة العالمي في الظروف المعاصرة هو تراجع استخدام الوسائل الدبلوماسية والسياسية في إدارة الصراع على موارد الطاقة وتحولها في اتجاه استخدام او التهديد باستخدام "القوة" لحل مشكلات تأمين مناطق الانتاج ومعابر الامدادات. بهذا الصدد في ديسمبر2017 وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وثيقة القيم العليا للأمن القومي "إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي"، والتي هدفت للحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة واستعادة الميزة التنافسية للاقتصاد الامريكي، وتبنيها لمبدأ "السلام من خلال القوة" في العلاقات الدولية (يمكن فهم الحرب التجارية الأخيرة مع الصين والضربة لإيران في إطار هذا المبدأ). هذه الوثيقة المكونة من خمسة وخمسين صفحة هي الأكثر ضخامة مقارنة بجميع الإصدارات السابقة لاستراتيجية الامن القومي الامريكي، واعتمدت هذه الاستراتيجية خمسة أسس تقوم على التالي:

-         حماية المواطنين وأراضي البلد، وكذلك طريقة الحياة الأمريكية؛

-       تعزيز الرخاء الاقتصادي للبلد؛

-       : ضمان السلام من خلال القوة؛

-       تعزيز النفوذ الأمريكي؛

-       اتباع استراتيجيات السياق الإقليمي.

وتشير الاستراتيجية الى ان الحروب التجارية والصراع على أسواق الطاقة والأزمات والصراعات المسلحة وانتهاج سياسات الحظر والعقوبات ستظل على جدول اعمال الحكومة الامريكية لسنوات عديدة. وفي إطار توجهاتها الاستراتيجية تجاه دول الإقليم تعمل الولايات المتحدة على توثيق تعاونها مع السعودية كأحد أكبر منتجي النفط في العالم. حيث عملت على مدى العقود الماضية على ضمان امن "المملكة" من خلال تحديث بنيتها الاقتصادية وتزويدها بمختلف أنواع الأسلحة والدعم السياسي وربط تطور صناعاتها النفطية بالتكنولوجيا الأمريكية مقابل حصول الولايات المتحدة على النفط بأسعار "مناسبة" وضمان استثمار السعودية لعوائدها النفطية في السوق الأمريكية بشراء سندات الخزانة الأمريكية و"ارساء عقود شراء التقنيات" على الشركات الامريكية ( هناك صناديق سيادية لدول الخليج تتجاوز أموالها 2 تريلون دولار تستثمر في البنوك الامريكية والاوربية في سندات واذون الخزانة الصادرة عن الدول الصناعية السبع).

التعامل مع العراق كأحد المنتجين الرئيسيين للنفط اختلف بعض الشيء في إطار التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة حيث عملت الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها باستخدام القوة المباشرة لتعزيز حضورها في العراق الذي يستحوذ على احتياطات ضخمة من النفط "خامس احتياطي عالمي حاليا" باتباعها إستراتيجية "الاحتواء" التي صاغها "وزير الدفاع الأمريكي – حينها- ديك تشيني- بوضع العراق تحت الرقابة الأمريكية الدائمة خصوصا مناطق إنتاج النفط. لقد كان من نتائج العملية العسكرية الامريكية في العراق تعزيز الوجود الأمريكي في منطقة الخليج ومضيق هرمز وفي أفغانستان وكذا في بلدان أسيا الوسطى و"تقييد" التطلعات الصينية للوصول الى مناطق الاحتياطات الرئيسية للهيدروكربونات في هذ المناطق. (تستثمر الولايات المتحدة - حاليا - وبالشراكة مع الشركات الغربية الأخرى حوالي  50مليار دولار في حقول النفط العراقية في جنوب العراق). وصاحب سياسة التموضع الكبير للولايات المتحدة في المنطقة بعد الاحتلال المباشر للعراق بروز ظاهرة تفتيت "السيادة الوطنية " للدول "في المنطقة وانتشار الفوضى في أكثر من بلد والإرهاب المدعوم مخابراتيا من أطراف دولية عدة لتبرير عملية التموضع قرب مناطق الإنتاج الرئيسة.

وبخصوص الاستراتيجية الامريكية تجاه إيران كإحدى الدول الشرق اوسطية – فإنها هي الأخرى تقوم على التصادم والمواجهة شأنها شأن المواجهة مع العراق قبل سقوط نظام صدام حسين، حيث تميزت العلاقة الامريكية - الايرانية بالتوتر المتصاعد خصوصا منذ العام 1979مع نجاح الثورة الخمينية في إيران. فإيران تعتبر قوة إقليمية في المنطقة تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية كبيرة وتسيطر على احتياطات ضخمة من الهيدروكربونات وتعتبر البلد الاكثر "ازعاج" للولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة. الهدف الحقيقي للاستراتيجية الامريكية تجاه إيران لا يكمن فقط في حماية مصادر الطاقة لدول المنطقة من "التمدد" الإيراني، بل ان احد اهدافها يختزل  الحلم الامريكي القديم بالتغلغل صوب موارد إيران النفطية والغازية ذاتها و "تجييرها" لصالح الدول والشركات الغربية وتجديد أحلام الشركات البريطانية والامريكية في الهيمنة على نفط بلاد فارس كما كان عليه الحال في فترة ما قبل الانقلاب على حكومة مصدق في خمسينات القرن الماضي، وإبعاد أي طرف آخر يمكنه منافسة الشركات الغربية المتعددة الجنسية في السيطرة والوصول إلى هذه الموارد. (إيران – تمتلك رابع احتياطي عالمي) كما انها تمتلك ثاني احتياطي عالمي من الغاز بعد روسيا وخصوصا حقل الافشور فارس الجنوبي (191 ترليون متر مكعب).. .

وفي إطار هذا التوجه تنتهج الولايات المتحدة سياسات اقصائية تجاه  كل من الصين والهند تحديدا في محاولة منها لابعادهما عن ثروات هذا الإقليم وإعاقة مشروعات مد "أنابيب نقل الغاز الطبيعي " من إيران الى الهند و شرعت الحكومة الامريكية منذ عام 1996 بتبني نظام "العقوبات" ضد إيران بإصدارها عقوبات على أي شركة أجنبية تستثمر أكثر من 20 مليون دولار في الاقتصاد الايراني. (تمكنت الصين مؤخرا من وضع يدها على احتياطات النفط الإيراني الضخمة بتوقيع اتفاقيات استثمارية مع الجانب الإيراني بمبلغ يصل الى 400 مليار دولار كأضخم صفقة تفاجئ بها الولايات المتحدة عالميا للاستثمار في البنية التحتية للاقتصاد الإيراني على مدى 25عاما، وبهذا الاتفاق تمكنت الصين من احتواء السياسات الامريكية تجاه إيران وتجاه محاصرة نفوذها في المنطقة. وهذا الاتفاق يكسر عمليا عزلة إيران الاقتصادية ويمنحها فرصة للوصول للتكنولوجيا المتطورة التي تحتاجها لتحديث اقتصادها وتطوير مشاريعها الاستراتيجية ويمنح الجانب الصيني في الجهة المقابلة فرصة للحصول على امدادات مضمونة من موارد الطاقة على مدى الربع القرن القادم.).

السياسات التي تتبعها ايران في مجال الطاقة غير مقبولة من وجهة نظر واشنطن، كما ان سياساتها التوسعية تجاه دول الجوار خصوصا تلك المتعلقة بمحاولاتها المستمرة لتصدير "ثورتها الخمينية" و نشر الفوضى المستمرة وتطوير ترسانتها العسكرية وتحديث برنامجها النووي جميعها  في المجمل سياسات غير مقبولة من وجهة النظر الامريكية و الاوربية ودول الإقليم و تزيد من حالة الاحتقان و الصراع و بالتالي تمثل مصدر تهديد لأمن الطاقة في" منطقة الخليج" و للمصالح الغربية بصورة مباشرة، الامر الذي يدفع دوما بالدول الغربية بانتهاج سياسة "الاحتواء الاستراتيجي لإيران" بفرضها مزيد من القيود و العقوبات الاقتصادية لاحتواء  تطلعاتها السياسية تجاه دول الإقليم.