آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


علي محضار .. سطّر صفحات نضالية خالدة .

الجمعة - 31 يوليه 2020 - 08:14 م بتوقيت عدن

علي محضار .. سطّر صفحات نضالية خالدة .

عدن (عدن الغد) خاص

كتب/محمد عبدالقوي

عندما نتذكر جليا نضالات الاماجد الأوائل من  المناضلين الوطنيين الأفذاذ فإننا لا نفعل ذلك تخليدا لما إجترحوه ، بكدهم و كدحهم وعرقهم ودمائهم الطاهرة ، من بطولات عظيمة من أجل التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي فحسب وإنما ذلكم عرفانا واعترافا بما بذلوه وضحوا  له بالغالي والنفس والنفيس ، لكي يظل نبراسا ودرسا تاريخيا واجبا تهتدي به وتستلهمه وتتعرف عليه ، بإمعان وتستخلص منه العبر القيمة ، الأجيال اللاحقة والجيل الصاعد من الشباب ، خاصة تلك التي لم تعاصر او تستوعب  احداث ومنعطفات المراحل السابقة بحلوها ومرها بنجاحها وانتكاساتها.

فالمناضل الوطني الكبير اللواء علي محضار قاسم كان واحدا من أولئك الأبطال الأوائل الذين قدموا التضحيات الجسام بسخاء وقناعة وشجاعة لا تلين وهمة وعزم شديدين وتحمل عناء وقساوة الظروف المعيشية للحياة وتحديات تطلعه للعلم والعمل كناحت صخر بأظافر يديه وناقش لوحة مخضبة بمداد عرقه ودموعه ودمه ، معتمدا على نفسه و مشاركا نشطا في معترك التحرر الوطني في آن معا.

ويفرض الواجب الاخلاقي والادبي علينا  ، تجاه هذه القامة الوطنية ان نسرد ونخلد ذكرياتها الناصعة بياضا المشعة نورا وضياء وان ننشر ما نعلمه عن صفحات نضاله ، لا للتباه ، وانما تقديرا واحتراما واكبارا واجلال لهذه الهمامة الوطنية.

ورغم انه قد اجرى اللقاءات والمقابلات الصحفية العديدة ومشاركته بندوات وثقت فيها سرديات مشاركاته النضالية والوطنية ، لكن ذلك لا يمنع تناول ما يمكن تناوله ، لتسليط الأضواء عن مسيرته النضالية الوضاءة ، ابتداء من مشاركته بحركة محمد عيدروس العفيفي ضد المشاريع الاستعمارية البريطانية في الخمسينات من القرن الماضي مرورا بالتحاقه بالحرس الثاني الاتحادي بعدن واستغلاله فرصة الوقت المسائي المتاح للتعلم بالمعهد التجاري في الشيخ عثمان الى انضمامه للعمل الوطني الكفاحي السري للجبهة الوطنية لتحرير جنوب اليمن المحتل في بداية الستينات والذي كان احد مؤسسيها وقادتها  ، الى انضمامه للجبهة القومية وقيادته لجبهة يافع وما تلى ذلك .

 وعلي محضار لم يكتف بنضاله في صفوف الجبهة الوطنية وكسب الاعضاء الجدد بعدن المدينة بل امتد نضاله الى يافع الساحل بمدينة جعار( بصورة سرية ) وقد صادف اني التقيته وتعرفت عليه لأول مرة عام 62 ( وانا ادرس في ثالث متوسط) عندما جاء الى منزل ( عمي ) ناصر عبدالقوي  ( أحد مؤسسي الجبهة الوطنية ) واجتمع بلفيف من الوطنيين الأحرار في جعار بغرض تعريفهم بالجبهة الوطنية وضمهم الى العمل السري للجبهة ( منهم صالح عبدالرحمن الحريري ، علي محسن البعسي ، علي ناصر اليزيدي ، علي سالم الناخبي وغيرهم ) وقد كان زميله بالحرس الثاني الاتحادي والمعهد التجاري ورفيق دربه بقيادة الجبهة الوطنية علي مقبل حسين ( كما اخبرني علي مقبل في لقاء شخصي معه في الثمانينات ) هو الاخر ذهب الى الضالع للقيام بنفس المهمة الوطنية والتقى بلفيف من شخصيات وطنية لضمها الى الجبهة الوطنية .

 وبعد أن تقوى عود الجبهة الوطنية وتوطدت مكانتها ودورها في عدن وأنحاء من الجنوب وعندما تفجرت ثورة 26 سبتمبر 62 الخالدة على الحكم الأمامي البائد في شمال اليمن كان ممثل الجبهة الوطنية عبدالقادر امين  واحدا من الذين التقوا وقابلوا قحطان محمد الشعبي  الامين العام  للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل ( التي تأسست بصنعاء في اغسطس 63 ) للانضمام اليها  وكانت الجبهة الوطنية إحدى المنظمات والتنظيمات السبع  التي أعلن عن ضمها ودمجها بالجبهة القومية.

 ولما تفجرت ثورة 14 اكتوبر 63 من على قمم ردفان الشماء وجدها علي محضار فرصة سانحة للالتحاق بأربعين من رفاقه بدورة تدريبية عسكرية قصيرة لكوادر قيادية بقلعة صالة بتعز رتبتها الجبهة القومية في عام 64 لتوزيعهم  على الجبهات وقيادة العمل في الداخل وبعد تلك الدورة التدريبية لم يعد علي محضار الى عمله في الحرس الاتحادي  وانما الى جبهة القتال في ردفان مشاركا بجيش التحرير ومن ثم الى جبهة عدن التي أعلن عن افتتاحها في عام 64 .

وفي نفس العام تعين علي محضار قائدا لجبهة يافع وتمكن من تشكيل فرقة عسكرية قامت بعمليات عسكرية وفي احدى هذه العمليات بمنطقة يرامس في ابين نشبت معركة غير متكافئة مع قوة عسكرية من سلطنة الفضلي ( بسبب وشاية ) نفذت فيها ذخيرة المجموعة وجرح منها من جرح وتم اسر علي محضار ورفاقه وزُجَ بهم في سجن جعار المسمى البحرين.

وتكررت معرفتي به والتعرف عليه ولكن هذه المرة  كانت بغياهب سجن جعار ، فعلى اثر مظاهرة قمنا بها طلاب كلية الاتحاد بمدينة الاتحاد تم اعتقال مجموعة  من الطلاب النشطاء ووزعوا على سجون مناطقهم وكان مصير سبعة منا سجن جعار وقضينا فيه عدة اسابيع والتقيت بعلي محضار بالسجن مرات عدة ، عندما كانت تتاح لنا  فرص الخروج الجماعي من  الزنازين الى الباحة الداخلية للتشمس والمشي لمدة ساعة واحدة وكانت معنوياته عالية ويشد من أزر رفاقه في السجن

وبعد خروجنا من السجن نقلنا احوال واخبار علي محضار ورفاقه الى تنظيم الجبهة القومية . وبعد عدة أشهر تمكنت خلية من الجبهة القومية من ترتيب تهريب علي محضار ورفاقه من السجن ( ومن هذه الخلية محمود سبعة، ناصر عبدالقوي، صالح فاضل ، عبدالله عبدالرحمن ، والحارس محمود خالد والذي كان يتولى حراسة برج السجن في تلك الليلة ) وذلك بمد الحبال من البرج  إلى أسفل الجدار

الخارجي للسجن وبعد فتح الزنزانة وطلوع علي محضار ورفاقه واحدا واحدا نزلوا بالحبال الى خارج السجن  وهربوا باتجاه باتيس والأغلبية ( ومنهم  علي محضار  والحارس محمود خالد ) سلكت طريق كبث وادي بنا ، سيرا على الأقدام الى ردفان ومن ثم الى تعز والبعض ذهب طريقا آخرا لتفاد وقوع الكل في مصيدة الاسر لان قوة عسكرية من الحرس خرجت تبحث عنهم .

 وبعد هروبه من السجن في نوفمبر 65 ووصوله الى تعز لم يتوقف علي محضار  عن نضاله ، مواصلا مشواره بقيادة جبهة يافع وفي صفوف الكفاح الوطني بردفان ومدينة عدن ومدينة جعار  .

وقد تسنى له حضور مؤتمر الجبهة القومية الذي انعقد ببداية عام 66 في جبلة بإب بعد اعلان الدمج القسري بجبهة التحرير وكذلك المؤتمر الذي انعقد بقرية حمر بقعطبة في نوفمبر 66 واعلن انسحاب الجبهة القومية من جبهة التحرير ( ورسم استراتيجية نضالية جديدة للمرحلة حينذاك ، تجمع بين العمل العسكري وتكثيف العمل في أوساط جماهير الشعب ومنظماته المدنية والاجتماعية والمهنية والنقابية )

والمناضل علي محضار كقائد لجبهة يافع واجه كغيره من قادة جبهات القتال وطأة الموقف المتصلب من قيادة الجهاز المصري بتعز وقطعها المؤن والذخائر والأسلحة والمعاش الشهري لفرق جيش التحرير ( على اثر اعلان انسحاب الجبهة القومية من جبهة التحرير  ) وذهب الى تعز  من ذهب من قادة جبهات القتال لمراجعة الجهاز المصري على هذا الموقف ومنهم علي محضار قائد جبهة يافع وعبدالله مطلق قائد جبهة حالمين وغيرهما ولكن قيادة الجهاز المصري ماطلت وتحججت بأعذار واهية للتملص من التزاماتها وكسب الوقت ، لأنها دفعت بأعضاء من اللجنة التنفيذية للجبهة القومية ممن انضم لقيادة جبهة التحرير ( علي احمد السلامي والذي وقع مع عبدالله الأصلح وثيقة الدمج القسري بجبهة التحرير في يناير 66 وسالم زين محمد وطه احمد مقبل ) التحضير لمؤتمر آخر باسم الجبهة القومية واعلان بقائها في إطار جبهة التحرير . وقد وصلت مثل هذه الانباء والتحركات الى قيادة الجبهة القومية بعدن وحينها استدعاني

فيصل عبداللطيف ، المسؤول القيادي الاول لجبهة عدن ( بواسطة علي صالح عباد مقبل الذي طلب مني الذهاب الى بيت الحمادي بالقاهرة أحد البيوت السرية لقيادة الجبهة القومية لمقابلة فيصل عبداللطيف) وطلب مني الذهاب الى تعز وحمل رسالة خطية منه الى علي محضار وعبدالله مطلق ( لمعرفتي وعلاقتي بهما ) وذلك لكي يلعبا دورا في عرقلة التحضير للمؤتمر المزمع عقده  بمدينة تعز باسم الجبهة القومية وإفشاله . وقد التقيت بهما بمدينة تعز وأكدا عدم موافقتهما على المشاركة بهكذا مؤتمر وابديا استعدادهما القيام بدور إفشال المؤتمر وقد بليا بلاءاً حسنا  ( مع مجموعة من الفدائيين ومنهم الشهيد علوي حسين فرحان ) في إفشال ذلك المؤتمر .

وفي نهاية يناير 67 عاد الى عدن من تعز علي محضار والتقى بفيصل عبداللطيف وتم ترتيب وضعه التنظيمي بجبهة عدن (وسكن في كثير من الاحيان بمنزل  حسين محمد زين بالمنصورة حيث كان يلتقيه كثير من رفاق دربه ومنهم محمد ناجي بن شجاع وسالم محمد الناخبي واحمد محمد شوقي  وغيرهم) ومن الذكريات انه عندما كانت الجبهة القومية تحضر لمظاهرة كبرى في الشيخ عثمان للتنديد بذكرى تأسيس اتحاد الجنوب العربي المزيف في 11 فبراير وقبل المظاهرة التقى علي محضار  في مطعم ديلوكس بالشيخ عثمان ب مهيوب علي غالب ( عبود ) وبينما هما يتحدثان لمحا سيارة لدورية عسكرية بريطانية تتجول بالشارع فهم عبود ان يخرج من المطعم ناويا ان يهاجم الدورية بقنبلة كان يخفيها معه فنصحه علي محضار ان يتأنى ولا يقوم بذلك في تلك اللحظة ( كما رواها لي بنفسه ) خاصة وانه يلبس قميصا احمر اللون قد يلفت أنظار دورية ثانية او رجل الحراسة العسكري البريطاني في اعلا العمارة (التي يقع في أسفلها مكتبة الشيباني ) ولكن عبود لم يأبه للنصيحة وما هي الا دقيقة او دقيقتين حتى  سمع العامة الى دوي القنبلة اليدوية وتبعها صوت وابلا من طلقات الرصاص ( اتضح فيما بعد بان مصدرها من الحارس في اعلا العمارة ) مرديا بعبود صريعا وسط الشارع وقد سارع علي محضار ونفر اخر من المتواجدين الى اسعاف عبود ولكنه كان قد فارق الحياة شهيدا خالدا .

ومن الذكريات مع هذه القامة الوطنية الكبيرة زيارة من زياراته السرية لمدينة جعار في مارس من عام 67 حيث التقى بعدد من المناضلين  وتداول معهم النقاشات والهموم الوطنية المشتركة ووجههم بنصائحه وعندما تقرر عودته الى عدن صادف وجودي بجعار في اجازة أسبوعية من الدراسة بالكلية ورتبنا سيارة  محمد بن فضل هرهره تقله الى عدن ولكن كانت الخشية أن يكشف أمره من نقطة حراسة تدقق بهوية ركاب السيارات في مدخل ومخرج المدينة ( الجمرك ) وجرى الاتصال بالصديق محسن مكيش لكي يساعدنا بنقل علي محضار بدراجته النارية الى المحاريق خارج مدينة جعار ، بطريق جانبي ترابي لا يمر بالجمرك ، حيث نكون في انتظاره بالسيارة ، فوافق على ذلك , ولكن حصل ما لم يخطر على بال اذ ان  مطبات الطريق الترابي اوقعت برجل علي محضار اليمنى بين الفتحات الحديدية للعجلة  الخلفية للدراجة ووصل الينا ورجله تسيل دما كثيفا جراء جرح غائر . ولما كان مستشفى المخزن ليس بعيدا أخذناه مسعفين ، يسبقنا مكيش مسرعا بدراجته ، الى احد الممرضين المعروفين بالمستشفى والذي قام بتجهيز غرفة خاصة ونظف وعقم الجرح قبل ان يخدر علي محضار تخديرا موضعيا ورتق الجلدة المحيطة للجرح بخيوط صحية رفيعة وضمده بعد ان وضع الدواء بالشاش القطني اللازم وبعد ساعة من الانتظار انطلقنا متجهين به الى عدن لمواصلة استشفاءه .

وعندما قررت الجبهة القومية في صيف 67  ( بعد ان توفرت ونضجت الظروف الذاتية والموضوعية ) بسط سلطتها على الأرياف ومنها يافع العليا ويافع السفلى كان علي محضار في مقدمة رفاق دربه بقيادة فضل محسن عبدالله ومشاركة محمد ناصر جابر ، سالم عبدالله عبدربه ، محمد عبدالرب بن جبر ، احمد حاجب ، عبدالرب علي مصطفى ، احمد غالب سيف ، سالم عبدالرب بن جحاف ، محمد علي القيرحي ، قاسم محمد سليمان ، احمد قاسم راجح ، احمد راجح ، ناجي خضر ، ثابت عبد ، يسلم عبدالله وغيرهم يتولون ارساء سلطة الجبهة القومية واشاعة وتثبيت التصالح والصلح ، من الثارات والفتن القبلية بين القبائل ، طويل الأمد وكذلك تشجيع مبادرات شق الطرقات وبناء المدارس وفتح صفوف محو الامية وانشاء العيادات الصحية وغيرها .

وبعد ان استلمت الجبهة القومية السلطة بعد نيل الاستقلال الوطني الناجز لم ينل البعض من المناضلين الحقيقيين والبعض من قادة الجبهات الاهتمام والرعاية التي يستحقونها وكان منهم علي محضار الذي لم يحصل على حقه المشروع من الاهتمام والتكريم ولم يتسابق الى منصب او جاه وقبل العمل بوزارة الداخلية مؤديا واجبه كضابط من ضباطها العاديين بتواضع جم ونكران ذات ودون منة ونفس ابية.

وبسبب الصراعات السياسية التي ظهرت بعد الاستقلال الوطني بين صفوف قيادات الجبهة القومية  (من بين الأسباب غياب الديمقراطية وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي والتعددية السياسية والتمثيل النيابي بانتخابات حرة ونزيهة يكفلها دستور عادل وقوانين شفافة ) وبعد معاناة من المضايقات السياسية وتجنبا من أي ايذاء او استهداف شخصي ، فضل حينها النأي بالنفس عما يجري ، اضطر للهجرة والاقامة في الخارج ولم يعد الى الوطن الا في بداية التسعينات حيث تعين مستشارا لوزير الداخلية برتبة لواء وأدى واجبه الوطني بكل اخلاص وغادر الحياة يرحمه الله قبل أيام قليلة من نهاية يوليو 20 ولم يترك خلفه منزلا بناه او مالاً او عقاراً كسبه في حياته غير السمعة الحسنة والعلاقات الوفية مع رفاق دربه واصدقائه واهله ومحبيه .

لقد عاش المناضل الجسور علي محضار وطنيا مخلصا صادقا وشريفا نزيها لساناً ويداً وترك أثراً كفاحياً قيماً خالداً ناصعاً مشعاً لا يمكن نسيانه ابداً .