آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-01:18م

دولية وعالمية


انفجارات إيران المتتالية كيف كشفت ضعف أجهزة استخباراتها؟

الإثنين - 13 يوليه 2020 - 09:57 م بتوقيت عدن

انفجارات إيران المتتالية كيف كشفت ضعف أجهزة استخباراتها؟

(عدن الغد) متابعات

 

 

أضرار الانفجار الذي حصل في مصنع للأوكسجين في بلدة باقرشهر جنوب العاصمة الإيرانية طهران (أ ف ب)

شيء غريب يحدث في إيران، بين يوم وآخر تضرب جهة مجهولة مواقع حيوية واستراتيجية شديدة الحراسة، بدءاً من منشأة نطنز النووية ومواقع تابعة لـ"الحرس الثوري"، وانتهاء بمناطق صناعية وبتروكيماوية، وخطوط أنابيب غاز من دون أن تعتقل السلطات أي شخص. وعلى الرغم مما يُشاع عن تدبير الاستخبارات الإسرائيلية، أو الأميركية لهذه الضربات، إلا أن ما يثير التساؤل هو كيف تمكن طرف معادِ لإيران من شن كل هذه الهجمات المتتالية خلال أسبوعين فقط، وكيف فشلت أجهزة الاستخبارات الإيرانية مراراً في وقف الهجمات، أو الإمساك بمرتكبيها، وما إذا كانت طهران تعتزم الرد؟

بين الماضي والحاضر

 كانت أجهزة مكافحة التجسس الإيرانية تتمتع خلال السنوات الماضية بمستوى جيد وفقاً لتقارير غربية. صحيح أنها كانت تعتقل أعضاء في المعارضة الإيرانية، وتعلن زوراً أنهم عملاء للاستخبارات الأميركية، والإسرائيلية، إلا أنهم في أحيان أخرى نجحوا عملياً في الإيقاع بجواسيس بطريقة مهنية أقرب إلى مستوى القوى الكبرى في العالم، بحسب هذه التقارير .

وعلى سبيل المثال، نجح النظام الإيراني بين أعوام 2010 و2013 في اختراق خلية تجسس تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وتمكن من القضاء على عناصرها، أو إيقافهم. كما اضطرت الولايات المتحدة، وإسرائيل إلى استخدام الاستخبارات الهولندية كي تتمكنا من اختراق النظام الأمني لبرنامج إيران النووي عبر استخدام فيروس "ستوكسنت" خلال عامي 2009، و2010.

غير أن هذه المكانة التي حظيت بها الاستخبارات الإيرانية لدى الغرب، اهتزت وضعفت قبل نحو عامين ونصف، حين كان يُعتقد أن اختراق الأراضي الإيرانية أصعب بكثير من اختراق سوريا التي أجرت إسرائيل العديد من الغارات الجوية، وعمليات الاستخبارات على أراضيها، إذ تمكنت تل أبيب في يناير (كانون الثاني) 2018 من الاستحواذ على وثائق خطيرة تكشف الأسرار النووية لإيران، ما اعتبر وقتها ضربة موجعة لسمعة الاستخبارات الإيرانية.

أوجه الخلل

وقبل أكثر من عشر سنوات، اتهمت طهران جهاز الموساد الإسرائيلي بشن هجمات على العلماء النوويين الإيرانيين، الذين قُتل كثير منهم حينما كانوا بمفردهم، أو خارج المنشآت النووية الإيرانية، أي أنهم كانوا أهدافاً أسهل بكثير مما يبدو حالياً من اختراق، أو تفجير مرافق ومنشآت كاملة بشكل متتابع في أنحاء متفرقة من إيران مثل قطع الدومينو.

وقد يكون المشهد الحاصل حالياً في إيران من تدبير طرف خارجي، بمساعدة منشقين إيرانيين لاستهداف منشآت نووية وتقليدية إيرانية، ومرافق "الحرس الثوري" بطريقة لم تشهدها إيران من قبل، لكن أن يجري ذلك على مدى أسبوعين من دون أن يتمكن "الحرس الثوري" وأجهزة الاستخبارات الإيرانية من كشف الخلايا التي تقوم بهذه الهجمات، أو وقف عملية الاختراق عبر أجهزة الكومبيوتر أو شبكة الإنترنت، يؤكد إلى حد بعيد حجم الوهن الذي أصاب الاستخبارات الإيرانية، وخصوصاً أجهزة مكافحة التجسس.

إيران بلا حماية 

مسؤولون أميركيون سابقون مختصون في الاستخبارات السيبرانية، لم يستبعدوا أن تكون هجمات إلكترونية هي السبب وراء هذه التفجيرات، بالنظر إلى أن طهران لم تُلق القبض على أي شخص ولم تُمسك بخيط حتى الآن، وأنه من المرجح أن تكون هذه الهجمات الإلكترونية تم الترتيب والتحضير لها منذ أشهر، أو حتى سنوات قبل تفعيلها الآن.

ويشير هؤلاء المسؤولون إلى أنه على الرغم من أن إيران أدخلت كثيراً من التحسينات على شبكاتها ونظمها الإلكترونية بعد هجمات فيروس "ستوكسنت" عليها عام 2010، مما جعلهاا تبدو قوة سيبرانية يُحسب حسابُها، إلا أن ما نشاهده حالياً يشير بوضوح إلى أن قوة النظام الإيراني واستخباراته في هذا المجال، لا تعدو عن كونها قوة من الدرجة الثانية في مواجهة قوة استخباراتية، وسيبرانية متفوقة كشفت حقيقة أن إيران مكشوفة، ولا تتمتع بحماية.

إلى متى تستمر الهجمات؟

 يبقى السؤال، إلى متى يمكن أن تستمر هذه الهجمات؟ وما إذا كانت إيران قادرة على التعامل معها، أو أنها قد تضطر في النهاية إلى إجراء نوع من الاتصالات السرية لإبرام صفقة بهدف وقف التفجيرات، لأن رسالة مَن يقف خلف هذه الهجمات واضحة، وهي أن الضربات والتفجيرات ستتواصل على المواقع النووية، والصناعية، وغيرها ما يهدد بتداعيات ربما لم يتخيلها قادة النظام في طهران.

وبينما تشير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن مسؤول استخبارات شرق أوسطي قوله، إن إسرائيل كانت وراء التفجيرات، إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس نفى ذلك، مشيراً إلى أنه ليس كل حادث يقع في إيران يجب أن تكون له علاقة بإسرائيل.

وما يثير الدهشة، أنه بالإضافة إلى التفجيرات والحرائق الأخيرة، فقد سجلت إيران مئات من حرائق الغابات هذا العام، وهو عدد كبير دفع البعض إلى استنتاج أن جزءاً على الأقل من تلك الحوادث نتج عن الحرق العمد، حسبما أشارت صحف محلية في إيران نقلاً عن مسؤولين بارزين.

وفي حين تبدو البنية التحتية الإيرانية في حالة سيئة ما يؤدي إلى حوادث بين حين وآخر، كان أشهرها انفجار قطار محمل بالمواد الكيمياوية في شمال شرقي البلاد عام 2004، ما أسفر عن مقتل 200 شخص على الأقل، إلا أنه من غير المألوف للغاية أن تقع العديد من الانفجارات والحرائق بشكل متتابع في فترة زمنية قصيرة، كما حدث في الفترة الأخيرة.

أميركا أم إسرائيل؟

 بالنظر إلى المناخ الجيوسياسي، قد يكون من المنطقي افتراض أن بعض الجماعات ربما بدعم من أحد أعداء إيران العديدين، يقف وراء التفجيرات بهدف بث الشقاق في البلاد، أو استفزاز القيادة الإيرانية، لدفعها إلى الانتقام والدخول في صراع قد تكون الولايات المتحدة طرفاً فيه، وهو ما تشير مراكز دراسات في واشنطن أن طهران تدرسه بالفعل على مستوى المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يضم المرشد علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، ورئيس "الحرس الثوري".

وبحسب تقرير للمجلس الأطلسي، وهو مركز بحث وتفكير مرموق في العاصمة الأميركية، الوهلة الأولى قد تشير إلى أن الاستخبارات الأميركية ربما كانت هي الفاعل، ذلك أن دليل الاستخبارات الأميركية يتحدث عن أن التفجيرات ربما تستخدم بشكل سري لتقويض الأنظمة المُعادية بهدف إبطاء الإنتاجية وزرع الارتباك والخوف، إذ يقول دليل الولايات المتحدة عن التخريب "حاولوا ارتكاب أعمال يمكن أن تكون أعداد كبيرة من الأطراف مسؤولة عنها، وعلى سبيل المثال، فإن تفجير الأسلاك في مصنع لإشعال حريق مركزي، يمكن لأي شخص القيام به".

وفي إطار الاحتمالات الواسعة، فقد تسمح الولايات المتحدة بعمليات سرية لبث الفوضى في إيران، بعدما عززت خلال الأشهر الأخيرة من جهودها للتجسس على طموحات طهران، ومكافحتها ضمن سياسة الضغوط القصوى التي تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترمب، بهدف إخراج إيران مرة واحدة وإلى الأبد من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 المعروفة باسم "اتفاق إيران النووي"، أو إجبار النظام في طهران على التفاوض من جديد مع واشنطن حول الاتفاق النووي.

ومن الممكن أيضاً أن تقوم إسرائيل بمثل هذه الهجمات حيث يعتبر برنامج "ستوكسنت"، وهو حصان طروادة الخبيث الذي يضر بشدة أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، من بنات أفكار تل أبيب، وواشنطن.

هل سترد إيران؟

 يبقى السؤال هو هل سترد إيران؟ وكيف يمكن لها أن تفعل ذلك في وقت لا تزال الجهة المدبرة للهجمات غير معلومة على وجه اليقين؟

وتشير تجارب سابقة إلى أن إيران امتصت من دون رد فعل مبالغ فيه، هجمات مماثلة من مجموعات مدعومة من الخارج، لكن الحادث الذي وقع في نطنز، دمر جزءاً كبيراً من البنية التحتية للبحوث النووية الإيرانية، بما يضع النظام في موقف صعب.

ويشير مسؤول استخباراتي أميركي سابق في تصريحات صحافية، إلى أن طرفاً ما يحاول دفع إيران إلى سوء التقدير، خصوصاً أن طهران لا تزال تشعر بالأسى بسبب اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير (كانون الثاني) الماضي. ولو كانت هذه الهجمات قد وقعت قبل ستة أشهر، لكانت إيران سترد على الأرجح، كما فعلت رداً على مقتل سليماني، وفقاً لسياستها في مواجهة التصعيد بالتصعيد. لكن الوضع الآن أصبح مختلفاً، فقد تعززت علاقات الصين مع طهران في الأشهر الأخيرة، ومن المرجح أن الصينيين سوف ينصحون بالصبر والحذر على أمل منع اندلاع صراع مُزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، وتفجير أزمة عالمية تسهم إلى حد بعيد في فوز الرئيس ترمب بولاية ثانية.

ومن المتوقع أن يفضل الإيرانيون الآن شراء الوقت، ليس فقط انتظاراً للانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) أملاً في رحيل ترمب عن البيت الأبيض، ولكن أيضاً لأنها تنتظر بقلق وتوتر رفع حظر الأسلحة المفروض عليها من الأمم المتحدة منذ عشر سنوات، الذي سينظر فيه مجلس الأمن الدولي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حيث تحاول واشنطن بكل قوتها حَمل بقية أعضاء مجلس الأمن على تمديد الحظر، بينما تسعى إيران لأن تعتمد السلوك الأفضل في هذه الفترة.

ولهذا فإن الهدف المحوري الذي يدور في أذهان الإيرانيين الآن، هو رفع حظر حصولها على السلاح، ورؤية ترمب يختفي من الساحة السياسية ومن مواجهتهم، ذلك أن المشكلة الرئيسة بالنسبة لهم هي حملة الضغط القصوى الأميركية التي تسبب لهم أكبر المشكلات، أما منشأة نطنز فسوف يتعين عليهم العمل على معالجة الأضرار التي لحقت بها لاحقاً