آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-04:54م

ملفات وتحقيقات


تقرير يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الحكومة المرتقبة.. الحكومة الجديدة.. امتحان صعب!

الأربعاء - 08 يوليه 2020 - 12:30 م بتوقيت عدن

تقرير يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الحكومة المرتقبة.. الحكومة الجديدة.. امتحان صعب!

تقرير/ بديع سلطان:

- أولويات الحكومة الجديدة.. ما هي؟

- كيف ستستعيد الحكومة الجديدة هيبة الدولة الخدمية والعسكرية؟

- ما هي خطط الحكومة في دمج وتوحيد القوات المسلحة؟

- مواجهة الحوثيين والتمهيد لتسوية شاملة.. كيف ستعمل عليها الحكومة؟

- ما هي آليات مواجهة المشكلة الاقتصادية وتردي الوضع الصحي؟

- هل سنشهد صراعات بين مكونات الحكومة الجديدة؟

- ما مصير الملفات المفتوحة نتيجة هذه الصراعات؟

 

تتسابق المكونات السياسية والأحزاب للظفر بجزء من "الكعكة" الحكومة الجاري تشكيلها في العاصمة السعودية الرياض.

ويبدو أنه لم يدر في خلد أحدٍ من تلك المكونات السياسية وحتى القيادات المشاركة بصفتها الشخصية، أن مجرد الحصول على حقيبة من حقائب الحكومة يعتبر "مغرماّ أكثر منه مغنماً"، بحسب توصيف مستشار الرئيس اليمني الدكتور أحمد بن دغر.

ووفق نعت أحد السياسيين الجنوبيين، مخاطباً قيادات الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، فإن المشاركة في الحكومة الجديدة تعد "تكليفاً وليس تشريفاً"؛ عطفاً على ما تمر به البلاد من ظروف وصعاب وأوضاعٍ كارثية.

حقيقة ما يدور في الداخل اليمني من حرمانٍ قد يكون غائباً عن أذهان المسئولين المقبلين على تقلد مناصب ومهام خدمية، ومسئولية ملايين اليمنيين الذين اكتووا بنيران الحرب وانعدام الخدمات في الشمال والجنوب على السواء.

فاليمنيون ينتظرون أن تقوم الحكومة اليمنية الجديدة بتوفير كافة احتياجات المواطنين، بعد خمس سنوات من حربٍ أكلت الأخضر واليابس، وأوصلت البلاد إلى مفترق طرق، يتهددها بالتقسيم والتشظي، وغيّبت خدماتٍ تعتبر من أساسيات الحياة في أي مكانٍ من العالم، وجزأت الجيش إلى تشكيلات وولاءات ضيقة، وأوجدت وضعاً اقتصادياً وإنسانياً مأساوياً.

لهذا.. يبدو أن أمام الحكومة الجديدة الجاري تشكيلها في الرياض، الكثير من الأولويات والتحديات، بالإضافة إلى العديد من الملفات الساخنة المفتوحة، والتي تحتاج إلى إقفالها ومعالجتها.

 

استعادة دولة الخدمات

بغض النظر عن الاختلافات بين الشرعية والانتقالي، وبعيداً عن الصراع الذي أدى إلى سيطرة طرف على مناطق نفوذ وسلطة الطرف الآخر، أو بقاء مناطق محسوبة على جهة ما تحت سيطرة جهة أخرى، إلا أن الجميع يتفق حول قضية في غاية الأهمية.

وهذه القضية التي لا يختلف عليها اثنان، تتمثل في استعادة الدولة لهيبتها ونفوذها وتواجدها القوي في مختلف بقاع اليمن.

وهذه القضية من المؤكد أنها أولوية قصوى، تتوارى خلفها بقية القضايا التي تبدو أنها تأتي تباعاً، وتتحقق الأولويات الأخرى بمجرد تحقق قضية استعادة الدولة.

ولكن ما يقصد به في استعادة الدولة أن تتكاتف جهود جميع مكونات الحكومة الجديدة لفرض هيبة الدولة وتواجدها- ليس فقط العسكري- بل وحتى الخدمي والتنموي وتدخلاتها في كل مناحي الحياة.

حتى وإن كان الجانب العسكري والأمني مطلوبا وأمرا في غاية الإلحاح، فإن أولوية استعادة الدولة التي يتمناها المواطن البسيط تكمن في استشعار وجود الخدمات وتوفيرها واستقرارها، خاصةً في المناطق المحررة.

فما يهم المواطن العادي في عدن والمكلا وزنجبار ولحج، هو أن ينعم بصرف راتبه بانتظام، وألا تنقطع الكهرباء والمياه عن منزله لأيام أو شهور، وأن يلتمس الأمن والأمان في محيطه وبيئته.

ولعل هذه القضية متى ما تحققت سترفع من أسهم أية حكومة يمنية مقبلة، والفشل الذي لازم الحكومات المتعاقبة في هذا المجال خلال سني ما بعد الحرب، لم يكن سوى بسبب إغفال استعادة هيبة الدولة خدمياً وتنموياً واستقراراً.

 

استعادة الدولة عسكرياً

وكما هو حال استعادة هيبة الخدمات الحكومية، فإن استعادة فرض تواجد الدولة بقواتها العسكرية في كل أرجاء اليمن لا يقل أهمية عن الخدمات والتنمية.

وليس المقصود هنا أن تصعد إحدى قوى أو أطراف ومكونات الحكومة الجديدة وتسيطر على حساب نظراءها من بقية الأطراف والمكونات الأخرى، فلم يعد هذا بالإمكان حالياً.

هذا فيما يتعلق باستعادة هيبة الدولة عسكرياً في المناطق المحررة، فجميع الأطراف السياسية والمكونات التي شكلت الحكومة الجديدة شركاء، وعلى عاتقهم تقع مسئولية فرض تواجد الدولة.

وبمقدور هذه القضية أن تتحقق بسهولة؛ إذا أثبتت أطراف الحكومة الجديدة حرصها على إنجاح شراكتها في الحكومة الائتلافية، في المناطق المحررة، لكن هذه الأولوية التي تشكل تحدياً كبيراً، تبدو مستحيلةً بعض الشيء.

ومكمن الاستحالة هنا يتركز في وجود قوات مسلحة من الشرعية والانتقالي تمتلك إرثاً من القتال بينهما، بل أنهما يتمركزان حالياً في خطوط التماس على جبهات أبين، وهو ما يجعل توحيد جهودها يصل إلى مستوى المستحيل.

 

توحيد القوات المسلحة أولاً

قد تكون قضية توحيد ودمج قوات الشرعية مع قوات الانتقالي أمراً في غاية التعقيد، لكن كثير من المحللين يرون أنها قضية في غاية الإلحاح، ولها تبعات إيجابية عديدة في حالة نجاحها.

فمتى ما تمت عملية الدمج العسكري، ستُنزع بناءً عليها اسباب أية نزاعات أو صراعات قد تكون محتملة الوقوع مستقبلاً، وما دامت الأطراف المتصارعة قد تجمعت في إطار سياسي موحد متمثل في الحكومة؛ فإن جهود الدمج والتشكيل ستحظى بدفعة جيدة نحو إنجازها.

خاصةً وأن الدمج العسكري لوحدات كلا الجانبين يعتبر أحد البنود العسكرية والأمنية لاتفاق الرياض، الذي يعتبر تشكيل الحكومة الجديدة أحد بنوده السياسية.

ومن التبعات الإيجابية لمثل هذه الخطوة، إعادة السكينة والاستقرار الأمني إلى مدن الجنوب المحررة، وتوحيد جهود كافة القوات التي تقاتلت فيما بينها، نحو العدو الحقيقي المتجسد في مليشيات الحوثي.

خاصةً وأن الخطر الحوثي ما زال متواجداً على أعتاب محافظة الضالع جنوباً، ويهدد محافظة مأرب شمالاً؛ ولهذا تبدو قضية توحيد ودمج القوات المسلحة للشرعية والانتقالي أمراً ذا أولوية لدرء التهديد الحوثي.

 

استكمال حرب التحرير

ومن القضايا الملحة المطروحة على طاولة الحكومة الجديدة، استكمال عملية تحرير بقية محافظات ومناطق اليمن من سيطرة مليشيات الحوثي.

وهذا الأمر مناط بالنقطة والقضية التي قبلها والمتعلقة بتوحيد ودمج القوات المشتتة في الجنوب، وتوجيه بوصلتها نحو آلة الحرب الحوثية.

فالمليشيات الانقلابية شهدت تغيراً في استراتيجية حربها، حيث يرى خبراء عسكريون أن الحوثيين تحولوا من الحرب الدفاعية إلى الهجوم والتوسع، وهذا بالفعل ما تجلى مؤخراً على جبهات نهم ومأرب والجوف، بالإضافة إلى جبهات البيضاء، ومحاولات اختراق جبهة الضالع.

ولعل هذا ما يستدعي تأجيل أية نزاعات وصراعات داخل جبهة الحكومة الجديدة، وتكاتف قوات الشرعية والانتقالي للانطلاق صوب استكمال تحرير المناطق الخاضعة للحوثيين في الشمال.

باعتبار أن ذلك يعتبر بوابة الاستقرار الحقيقي للبلاد، ويمكن عقب التخلص من الانقلابيين التفرغ بعد ذلك لمناقشة مطالب المكونات الشريكة في الحكومة الجديدة، والوصول لصيغة مختلفة وجديدة لمستقبل الحكم في البلاد، شمالاً وجنوباً.

لكن يجب أن يكون ذلك بعد استكمال تحرير البلاد كلها من يد الحوثيين، وفق ما يعتبره مراقبون بأنه تحدٍ وأولوية مهمة مطالبة بها الحكومة الجديدة.

 

التمهيد للتسوية الشاملة

يرى بعض المحللين أن تشكيل الحكومة الجديدة، باعتبارها تطبيقاً لاتفاق الرياض بين الشرعية والانتقالي، ما هي إلا خطوة أولى في سبيل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للحرب والأزمة في اليمن.

وفي الوقت الذي تطالَب فيه الحكومة الجديدة باستكمال تحرير مناطق سيطرة الحوثيين، مطالبة أيضاً بخوض غمار مفاوضات ماراثونية أخرى مع الانقلاب بين الحوثيين.

وليس ثمة تناقض بين الأمرين كما قد يبدو عليه الأمر، فالمضي في الجانب العسكري والجانب السياسي معاً، مهم وضروري، فالمفاوضات تحتاج إلى أطراف قوية تفرض شروطها بناءً على ما تحت يدها من أراضٍ، ووفق ما حققته من تقدم ميداني وعسكري.

كما أن الضغوط العسكرية والقتال المتواصل، والسعي لتحرير بقية تراب اليمن من سيطرة الحوثي، كفيلة بجعل هذا الأخير يقبل بالجلوس على طاولة الحوار، والقبول بالتسوية السلمية للأزمة اليمنية برمتها.

وهي مهمة لا تبدو سهلة على الحكومة الجديدة، التي سيلقى على عاتقها إما الحسم العسكري الميداني، أو إنجاز التسوية السياسية السلمية.

ولعل هذا الخيار الأخير هو مطلب المجتمع الدولي، ممثلاً بالأمم المتحدة، التي اعتبرت اتفاق الرياض النواة الأولى للتوصل إلى اتفاق شامل لإيقاف الحرب.

 

معالجة المشكلة الاقتصادية

ترزح البلاد حالياً تحت وطأة أزمة اقتصادية، انعكست تداعياتها المعيشية على المواطنين، وطحنت بوحشية الفئات الأشد ضعفاً وفقراً في المجتمع.

وتجسدت ملامح هذه الأزمة في تدهور سعر صرف العملة المحلية أمام نظيراتها الأجنبية، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وعجز المواطن البسيط عن مواكبة هذا التصاعد الجنوني في قوت يومه.

يأتي ذلك في ظل توقف أو على الأخر تأخر صرف رواتب شريحة كبيرة من الموظفين المدنيين، بالإضافة إلى العسكريين من منتسبي كل من الشرعية والانتقالي على السواء.

وهو ما فاقم الوضع المعيشي، وضاعف المعاناة الإنسانية التي تمر بها اليمن منذ خمس سنوات ماضية، هي عمر الحرب المستمرة منذ 2015.

وبغض النظر عن هوية المسئول عن هذه الأزمة.. سواءٌ فساد وعجز الشرعية، بحسب اتهامات طالتها، أو نظراً للإجراءات التي اتخذها المجلس الانتقالي، وفق اتهامات طالته هو الآخر.

إلا أن مهمة التصدي للمشكلة الاقتصادية في الحكومة الجديدة ستقع على كاهل كلا الطرفين، وليس على مكون واحد دون الآخر، وهو ما يستوجب تعاوناً بين وزراء وأعضاء الحكومة جميعاً، بغض النظر عن انتماءاتهم.

لأن المعني بالمشكلة الاقتصادية هو المواطن العادي، الذي ملّ كمية الوعود الصادرة عن الحكومات المتعاقبة، وينتظر حلولاً جذرية وحقيقية لوضع حد لتدهور سعر صرف الريال، وتدني مستوى الوضع المعيشي.

والقضية الاقتصادية تعتبر أولوية لا تقل عما سبقها من قضايا ومهام، تتكدس على طاولة الحكومة الجديدة.

 

الوضع الصحي.. ليس على ما يرام

عصفت جائحة فايروس كورونا، وأوبئة الحميات التي ضربت عدن والمحافظات الجنوبية بالنظام الصحي الضعيف أصلاً في بلادنا.

وكشفت الأمراض التي غزت عدن واليمن عموماً، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حجم العجز الذي نعيشه في القطاع الصحي، وأنه ليس على ما يرام، وعدم وجود مسئولية من قبل بعض الأطباء الذين تخلوا عن واجبهم الأخلاقي وفروا من مواقعهم الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية.

بل أن هذا الوضع تفاقم وازداد سوءاً بسبب صراعات الشرعية والانتقالي حول أحقية كل طرف ومسئوليته عن إدارة المحاجر ومراكز العزل الخاصة بفايروس كورونا.

لذا.. تبدو الحكومة الجديدة أمام معضلة أخرى ذات أولوية هي أيضاً، تتمثل في ضرورة إنعاش القطاع الصحي وانتشاله من وضعه المتردي، وإعادة روح المسئولية إلى المهنة.

 

مشكلة المشكلات

وفي حقيقة الامر، يرى محللون أن المشكلات التي سقناها أعلاه، على قدر أهميتها وخطورتها، وأنها تمثل تحدياً وأولوية قصوى أمام الحكومة الجديدة؛ إلا أن ثمة مشكلة أعظم، يمكننا أن نسميها "مشكلة المشكلات"!.

وتتمثل هذه الإشكالية الأعظم في المخاوف من انسحاب الصراعات الميدانية والسياسية بين مكونات الحكومة الجديدة على أعضائها داخل قوام الحكومة ذاتها.

فالقوام الذي تشكلت منه الحكومة الجديدة، قوام غير متجانس، بحسب مراقبين، وهذا الوضع من عدم التجانس قد يؤسس لصراعات داخلية تعصف بالتوافق الذي يجب أن تقوم عليه مثل هذه الحكومات.

ويعتقد مراقبون أن القوام غير المتجانس هذا، لا يقتصر على أن الحكومة مكونة من أعضاء في الشرعية ومثلهم في الانتقالي، باعتبار أن هذا عدم تجانس في المكونات والكيانات السياسية المتناقضة.

لكن ما يحذر منه المحللون أيضاً هو التركيبة المناطقية التي اتسمت بها هذه الحكومة، والقائمة على المحاصصة المناطقية، وهو ما يمنح الحكومة الجديدة سببا آخر للصراع، لا يتمناه أحد.

فكافة الأولويات المشار إليها سابقاً من القضايا الضخمة والملفات التي تواجه الحكومة، لا يمكن التغلب عليها ومعالجتها من خلال حكومة مهيأة للصراع، وتركيبتها قائم على مبدأ النزاع بين فرقاء، كانوا يتقاتلون عسكرياً قبل أن تجمعهم حكومة واحدة.

وهنا.. تبرز الواجبات التي يتحتم على كل طرف من أطراف اللاعبين الفاعلين في المشهد اليمني أن ينتهجها لضمان التوافق بين مكونات الحكومة.

حيث تقع على عاتق وزراء الشرعية والانتقالي تحييد انتماءاتهم جانباً والالتفات إلى ما يهم الناس والمواطنين التي تكالبت عليها المشكلات، وأضحت حياتهم مليئة بالأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، والحروب الاقتتال.

كما أن على التحالف العربي، ممثلاً بالمملكة العربية السعودية الاضطلاع بواجبه تجاه مكونات هذه الحكومة الجديدة، وعليه أن يوفر لها كل مقومات النجاح لتواجه كافة الأولويات والتحديات.

فأي فشل قد يطال هذه الحكومة، هو بالضرورة فشل لجهود التحالف العربي، كما أن أي نجاح تحققه هذه الحكومة هو نجاح للتحالف والمملكة التي رعت اتفاق الرياض، والذي تمخض عنه تشكيل الحكومة.